دراسة تاريخية لفلسطين

المبتكر في بيان ما يتعلق بالمؤنث والمذكر : دراسة تحليلية
مارس 3, 2024
حاجة العلوم الإسلامية إلى علم القواعد العربية
مارس 3, 2024
المبتكر في بيان ما يتعلق بالمؤنث والمذكر : دراسة تحليلية
مارس 3, 2024
حاجة العلوم الإسلامية إلى علم القواعد العربية
مارس 3, 2024

دراسات وأبحاث :

دراسة تاريخية لفلسطين

الدكتور محمد سليم أختر *

قد شرفت فلسطين بقلب العالم العربي من حيث الموقع الجغرافي ، وبالمسجد الأقصى الذي بارك الله حوله ، والرسل المبعوثين إلى الأمم . كما ظلت موضع اهتمام من كل عربي ومحب للعدل ، حيث إنها نقطة الصراع بين العرب وإسرائيل . واحتلت مكانةً عظيمةً بين الدول العالمية الأخرى بما لديها من المصادر الاقتصادية والتجارية والدينية ، وثلاثة بُحيرات تاريخية ، والآثار التاريخية حتى أصبحت مقدسةً بترابها ، معتزةً بتاريخها ، زاهيةً بإيحاءاتها ، منفردةً بمن عاش فيها من محدثين وفقهاء ، ومات فيها من أولياء ، ومن أيقظ الناس من سباتهم العميق من شعراء وأدباء وكتاب .

وكانت فلسطين جزءاً من بلاد الشام ، وهي تمثل الجزء الجنوبي الغربي فيها [1] ، وتقع في الغرب من قارة آسيا [2] ، وتتوسط مفارق الطرق بين آسيا وإفريقيا وأوروبا ، ويحدها غرباً البحر الأبيض المتوسط ، وفي الشرق سوريا والأردن ، ومن الشمال سوريا ولبنان ، ومن الجنوب شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة [3] .

وتبلغ مساحتها 10282 ميلاً مربعاً ، وهي تعادل ثلث الشام الممتدة من جبال طوروس إلى رفع ، ومن البادية إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط . كما يوجد فيها ثلاث بحيرات تاريخية ، وهي بحيرة طبرية ، وبحيرة الحولة ، وبحيرة لوط ” البحر الميت ” . كما تبلغ مساحتها حوالي 704 كليومتر [4] .

وتشهد الدراسات التاريخية والحفريات الأثرية على أن فلسطين ظلت موضع اهتمام بالغ من كل من يعيش في أنحاء العالم ، ومحط الأنظار وعرضة للغزوات الخارجية ، حيث هاجر إليها الكنعانيون [5] والأشوريون 2500 ق . م [6] ، طمعاً في العيش بعد ما عانت طويلاً من شظفه وقلة الموارد [7] . ثم شن الغارة عليها الفلسطينيون القادمون من جزيرة كريت [8] . وفي حقبة متأخرة من الزمن غزاها اليهود ، وكونوا فيها دولةً لم تدم طويلاً . . . . .حتى خضعت فلسطين لحكم الفراعنة واليونان والرومان حينما امتد نفوذهم السياسي والعسكري إلى هذه المنطقة [9] .

وفي سنة 636م رفع علم العرب المسلمين على بيت المقدس بطلب من البطريق ( صفرونيوس ) ممثل المسيحية في فلسطين إلى عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه [10] . وبعد فتح القدس تقدم المسلمون ، وفتحوا الأجزاء الباقية من فلسطين . وسادت فيها الحكومة الإسلامية . وعمتها القوانين الشرعية . وكما بدأت سلسلة الفتوحات العربية الإسلامية في البلدان الأخرى . وطبقت فيها الأحكام الإلهية تطبيقاً . وكذلك الحال حتى تمت فتوح العالم . وظلت الأمة العربية آخذةً بزمام الدولة الإسلامية قروناً طويلةً . وسيطرت على حجم كبير من مساحة الأرض .

وبعد الفتح العربي الإسلامي تعرضت فلسطين لغزوات كبرى وهجمات عديدة من الشرق والغرب ، إلا أنها تمكنت من صدها والتخلص منها ومن آثارها . ومن تلك الغزوات الدموية غزوات الصليبيين والتتار التي أكلت خلالها ملايين البشر . وشردت الآلاف ، وقتلت ألوف الآلاف بصورة وحشية لا توصف ، وجرحت أكثر بكثير من الملايين . وفي عام 1187م وقعت معركة حطين بين الصليبيين والعرب . وأحرز فيها العرب بقيادة صلاح الدين الأيوبي نصراً حاسماً [11] . وفي عام 1261م وقعت معركة ” عين جالوت ” بين التتار والعرب بقيادة محمود قطز الذي ألحق بالتتار هزيمةً ساحقةً وانكساراً عظيماً تاريخياً [12] . وظلت الأمة العربية الإسلامية متمسكةً بزمام قيادة فلسطين حتى القرن السادس عشر حيث سيطر الأتراك العثمانيون على العالم العربي من شواطئ إفريقيا إلى شواطئ الخليج العربي [13] . وقامت الخلافة العثمانية على أساس أنها الدولة الإسلامية التي تمثل جميع المسلمين على اختلاف أجناسهم وبلدانهم وعنصرهم . وامتدت خلافتهم إلى أربعة قرون متتالية .

وكان الموقف الفلسطيني تجاه الدولة العثمانية والفكرة الإسلامية يتسم بالإخلاص والولاء [14] ، إلا أن الدولة العثمانية فقدت في أواخر عهدها عامةً ، وفي عهد السلطان عبد الحميد خاصةً سماتها الإسلامية الخالصة واعتماد الشعوب العربية الإسلامية . وجعلت تسوم العرب سوء العذاب . وتهدر حرية الصحافة وتكوين النقابات والجمعيات وفتح المدارس والمعاهد ، وتغيير لغة التدريس باللغة التركية ، واختيار رؤسائها من الأتراك الذين لا يعرفون اللغة العربية ، ولا يقدرون على القيام بالمسئوليات الإدارية والحكومية حق القيام . وعلى الرغم من أن العرب كانوا يفوقون الأتراك عدداً في الإمبراطورية بنسبة ثلاثة إلى اثنين تقريباً . فبلغ عدد النواب العرب 60 نائباً مقابل 150 تركيا بسبب سيطرة الاتحاد والترقي على العملية الانتخابية [15] . ويكتب محسن محمد صالح : ” ثورة على المفهوم الإسلامي المألوف وانتهاج سياسة التتريك ومصانعة اليهود والوقوع تحت نفوذهم ، ولهذا كان أثرها الأكبر في فقدان الدولة العثمانية مناصرة الشعوب الإسلامية بشكل عام والمتعلمين بشكل خاص ” [16] .

ومن جانب آخر أن أطماع الدول الغربية في فلسطين قديمة العهد نظراً لما يمثله الموقع الجغرافي من أهمية اقتصادية وعسكرية ودينية ، تبعاً لذلك دخلت بريطانيا دخولاً في أرض فلسطين الخصبة الشاسعة بهدف الحفاظ على المصالح التجارية البريطانية . وأقامت أول قنصلية غربية في القدس عام 1839م [17] . وحاولت محاولة عظيمة للحلول فيها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً . وما إن تمت هذه البغية حتى وجهت مسألة حماية اليهود في فلسطين . وحمتها حمايةً كاملةً . وآنذاك كانت الجالية اليهودية صغيرةً جداً لا تتجاوز تسعة آلاف وسبع مائة يهودي . وهكذا جاءت الفكرة الاستيطانية الصهيونية في أرجائها ومعموراتها . وحددت هدفها في إنشاء دولة يهودية خارج أوروبا . وبدأ تشجيعها تشجيعاً فائقاً على المستوى العالمي من كبار المفكرين اليهود وغيرهم بتأليف الكتب القيمة [18] وعقد المؤتمرات والندوات وقيام الجمعيات الصهيونية [19] ، لإثبات أنهم أمة فريدة وصاحبة حق مشروع في وراثة فلسطين [20] . . . وعندما حدثت المجازر الروسية والمذابح العظيمة ضد اليهود في روسيا سنة 1881م          و 1882م [21] ، هاجر ما يقارب المليون ونصف مليون يهودي إلى أمريكا وفلسطين . وكذلك بدأ التسلل الاستيطاني الصهيوني إلى فلسطين . واستخدمت الوسائل العديدة والطرق المختلفة من تأسيس المؤسسات المالية والإدارية والدعائية بالاتصالات السياسية ، وإجراء المفاوضات الدبلوماسية مع شتى الدول في سبيل الحصول على براءة الترخيص لحركته باستعمار فلسطين ، وعقد المؤتمرات والندوات في أنحاء العالم نحو المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بال السويسرا في 29 – 31/ أغسطس عام 1897م ، لخلق وطن مستقل لليهود في فلسطين . كما يقول نبيل محمود السهلي :    ” إن غاية الصهيونية هي خلق وطن للشعب اليهودي في فلسطين ” .

وما إن ظهرت الفكرة الاستيطانية الصهيونية في فلسطين حتى أدرك العرب الفلسطينيون [22] خطر الهجرة اليهودية . ونشأ الصدام العنيف والاصطدامات المسلحة بين الفلاحين العرب وسكان المستعمرات اليهودية عام 1886م . واشتد النضال المتواصل المرير لمقاومة هذه الأخطار العظيمة بإشراف القواد المثقفين والعلماء المبصرين [23] . واتخذت المقاومة العربية الفلسطينية للصهيونية والاستعمار البريطاني أشكالاً عديدةً . وتبنت مختلف الأساليب والوسائل الكفاحية من الاحتجاج والإضراب والعصيان المدني والثورات المسلحة . وأرسل عدد من أعيان القدس عريضةً إلى الباب العالي سنة 1891م يطالبون بسن تشريع يمنع اليهود من الهجرة إلى فلسطين ، وينصرف عن امتلاك الأراضي [24] . وتسببت مسألة الخطر الصهيوني إلى إنشاء ” الحزب الوطني العثماني ” بهدف توجيه كل الجهود نحو معارضة قانونية وتذكير الحكومة بواجباتها .

وقد سجل التاريخ الإسلامي اعتداءات مصطفى كمال على   الأمة العربية الإسلامية وتضعيف المستوى الثقافي والتعليمي وتغيير لغة التعليم في المناهج الدراسية  بالتركية ، والموافقة على الهجرة اليهودية إلى فلسطين   . . . ولما بلغ السيل الزبى ، فثارت الثورات العربية العظيمة يوماً بعد يوم ضد الأتراك لإعادة الخلافة العربية الإسلامية بقيادة الشريف حسين [25] . وأيقظ الدستور العثماني [26] مشاعر الشبان العرب وعواطفهم ووجدانهم . ودفعهم إلى المنازعات والاصطدامات التي نشبت بينهم وبين الأتراك . . . . وإذ نشبت الحرب العالمية الأولى ، وحمت فيها الحكومة العثمانية [27] ألمانيا حمايةً تامةً ، وساعدتها مساعدةً عسكريةً واقتصاديةً . فانتهزت الحكومة البريطانية هذه الفرصة الذهبية كما كان حق الانتهاز . ونسجت خيوط المؤامرات والدسائس الخبيثة في ظلمة الليل بدقة عميقة لتمزيق الوحدة الإسلامية وتفريق كلمتها وتشتيت شملها . واتصلت بالعرب الناقمين على الحكم في البلدان العربية . وحثتهم على الدولة العثمانية والانفصال عليها . وقطعت لهم العهود والمواثيق [28] لإحراز حريتهم واستقلالهم في البلاد العربية بما كان فيها فلسطين . ولم يكن هدفها القاطع من هذا – والله – إلا تشجيع العرب للثورة القوية على الأتراك ، وإضعاف القوة العسكرية التركية ، وتخفيف الضغط على قناة السويس ، وتمزيق وحدة الولايات العربية ، وقيام دولة يهودية مستقلة في فلسطين وغيرها . وبعد الثورة الكبرى على الدولة العثمانية بقيادة شريف مكة حسين بن علي في 10 يونيو سنة 1916م [29] ، تنكرت بريطانيا لعهودها ووعودها مع العرب بمؤامرة دقيقة حيكت ضدهم ، حيث كانت نار الحرب تلظى ، ودماؤهم تروى كل جزء في الوطن العربي ، وضباطهم وجنودهم يتساقطون على أرض المعركة ، وما تكاد تلوح بوادر الانتصار في الأفق . . . حتى ظهرت المعاهدة السرية المشؤمة بين بريطانيا وفرنسا المعروفة بمعاهدة سايكس بيكو التي اتفقت على تقسيم المناطق العربية بين كل منهما في أكتوبر 1916م [30] ، حيث حصلت بريطانيا كدولة منتدبة على كل من فلسطين والأردن والعراق ، كما حصلت فرنسا على سوريا ولبنان [31] . وأصدرت بريطانيا [32] وعداً مشئوماً من بلفور في الثاني من نوفمبر سنة 1917م لإعطاء حق من كان لا يملك ولمن لا يستحق . وهذا الوعد الخبيث وعد يشير إلى جعل فلسطين وطناً قومياً لليهود . وثبت ذلك رسمياً في سنة 1922م حين أقرت عصبة الأمم صك الانتداب على القسم الجنوبي من بلاد الشام [33] . وجعلت معارضة التصريح معارضة للإجماع والشرعية الدولية [34] .

ومما يجدر بالذكر أن الحكومة البريطانية ما إن أصدرت هذا التصريح المشئوم حتى أعلنت سنة 1920م انتهاء الإدارة العسكرية في فلسطين وقيام إدارة مدنية ، وتعيين السير ” هربرت صموئيل ” أول مندوب سام يهودي لتنفيذ برنامج تهويد البلاد وتحقيق الأهداف الخطيرة . وما إن أخذ المندوب الظالم هذه المسئولية على عاتقه حتى طفق يسير بخطوات سريعة نحو ذلك الهدف ، ولم يأل جهداً بما لديه في الدفاع القيم عن الفكرة الاستيطانية الصهيونية في أرض فلسطين الخصبة الشاسعة .

وما إن صدر وعد بلفور ، وما إن تكشفت مؤامرة الحكومة البريطانية الحثيثة ووجهها الحقيقي أمام الشعب العربي في فلسطين ، حتى وقف العرب وقفةً وطنيةً رائعةً في طريق تنفيذها ، وأشعلوا الثورات الدامية المتتالية ضدها . وشهدت الأراضي المحتلة نضالات جماهيريةً متعددةً وحروباً دمويةً مختلفةً واصطدامات عنيفةً ضد الاستيطان الصهيوني ، فعلى سبيل المثال : في 1920 – 1921م وقعت الاضطرابات الشديدة في بيت المقدس عندما شن العرب هجوماً على الربع اليهودي من المدينة في مدينة يافا ونواحيها المختلفة . وقد قدرت لجنة هايكرافت عدد القتلى فيها 95 قتيلا بينهم 48 عربياً و 47 يهودياً ، ونحو 219 جريحاً بينهم 75 عربياً و 146 يهودياً [35] . وفي 1929م ظهرت اشتباكات خطيرة معروفة بالبراق في كل مكان من البلاد . وأراقت الدماء الإنسانية بوصف وحشي على حد سواء [36] . وما إن ساد الأمن والطمأنينة في البلاد حتى لاقت السلطات الانتدابية ثورات خطيرة كبرى في التاريخ . واستمرت ثلاث سنوات من 1936م إلى سنة 1939م . ودبت موجتها الشديدة على سطح جميع البلاد . ووقف أبناء الشعب العربي في الأقطار العربية إلى جانب أبناء فلسطين بالعون المادي والمعنوي . كما وقف العرب بكل ما لديهم من وسائل ضئيلة ومتواضعة وقفة بطولية . وبذلوا فيها أرواحهم ودماءهم وأرووا أراضيهم بدماء شهدائهم . ولفتوا أنظار الدنيا إلى ما سطروا من صفحات البطولة . واستخدموا في معركتهم ضد الانتداب والصهيونية كل الأسلحة من العلم والفكر والأدب ، إضافة إلى قريحتهم الشعرية الموهوبة .

فإن هذه الحروب المتتالية والثورات المتواصلة دفعت الحكومة البريطانية إلى إصدار كتاب أبيض في اليوم السابع عشر من مارس 1939م ، والاعتراف فيه بحق فلسطين في الاستقلال . ولكن اليهود رفضته رفضاً ونجحت في العمل على إلغائه بالتعاون مع الحكومة الأمريكية [37] . ثم أسست لجنة قررت أن فلسطين لم يمكن أن تكون دولةً عربيةً ، ولا دولةً يهوديةً . ولكن العرب رفضوا رفضاً عنيفاً . ثم انعقد مؤتمر في لندن عام 1946م لحل المشكلة ، لم يحضر فيه أي ممثل عربي من فلسطين . ولقي المؤتمر بالفشل . ثم دعت الحكومة البريطانية الجمعية العامة للأمم المتحدة للاجتماع في مايو 1947م ، حيث أصدرت قرارها 181 في 29 نوفمبر 1947م بتقسيم فلسطين إلى دولتين : عربية ويهودية [38] . وإن قرار التقسيم لم يستطع أن يحل المشكلة ، بل زادها تعقيداً ، ونشبت الحرب الطاحنة والنضال الشديد بين العرب واليهود ، وظلت حتى تم إنشاء دولة يهودية مستقلة في فلسطين بمساعدة الدول الأوروبية والغربية في 15 من مايو عام 1948م بكارثة شديدة .

وما إن تم إعلان التقسيم وإنشاء دولة يهودية حتى بدأت الجيوش العربية تتحرك نحو فلسطين لتخليصها من القيود اليهودية تحت قائد عبقري الملك عبد الله ملك الأردن في 15 من مايو عام 1948م . ودخلت القوات المصرية بئر السبع وغزة ، والقوات الأردنية أريحا ، بينما دخلت القوات العراقية مستعمرة الجسر ونابلس ومرج بني عامر ، والقوات السورية سمخ وطبرية ، والقوات اللبنانية الناقورة . وسار القتال نحو خمسة وعشرين يوماً في صالح العرب . وبدأت تباشير النصر والفتح تلوح في الأفق ، وعلامات الهزيمة لليهود في السماء . . . .حتى تضرعت اليهود لأمريكا التي قررت الهدنة الأولى لوقف القتال لمدة أربعة أسابيع في يونيو 1948م . ثم ما إن استؤنف النضال العنيف في 9 يوليو 1948م بين العرب واليهود حتى فرضت الهدنة الثانية في 19 يوليو 1948م التي مزقها اليهود تمزيقاً ، واغتصبوا مدناً ومساحات بتأييد الدول الأوربية والغربية . وشنوا هجوماً على القوات العربية بالأسلحة المدمرة والقنابل والصواريخ [39] . واستمرت سلسلة الحروب الطاحنة والاصطدامات المتواصلة المريرة حتى اكتملت عام 1967م باحتلال الصهاينة لكامل الأرض الفلسطينية . ومما يليق بالذكر أن الهجمات بالأسلحة المدمرة الكبيرة من قبل اليهود ضد فلسطين لم تتوقف أي توقف ، بل تجاوزت كل حد من الحدود الشرعية والإنسانية . وتعدتها بطريقة غير إنسانية . ولم تزل ولاتزال تجري إلى أن هجمت القوات الإسرائيلية بالصواريخ والقنابل على الفلسطينيين في منطقة غزة ، رداً لهجمة طوفان الأقصى في اليوم السابع من أكتوبر 2023م . وقتلت ألوف الآلاف من الناس بمر الأيام فيما بينهم نساء وأطفال وشيوخ بصورة وحشية لا توصف . وسكتت الدنيا كلها على المجازر الإسرائيلية ، بل تساعدها الولايات الأمريكية والأمم المتحدة بالأسلحة ضد فلسطين . وخافت بلاد العرب كلها عن إسرائيل . وتحاشت عن مساعدة الفلسطينيين عسكرياً . . . ويبدو أنها تستمر حتى تحتل أرض فلسطين الكاملة ، وتشرد أهاليها العرب من ديارهم الأصلية ، وتقيم فيها دولةً يهوديةً عظيمةً .

وإن هذه الكارثة الشديدة والنكسة العظيمة لم تكن كارثة أبناء فلسطين ، بل كارثة العرب والإسلام ، وكارثة الإنسانية في هذا القرن . وهذه هي كارثة شردت كل تشريد أبناءها وأهاليها إلى الأقطار العربية المجاورة . ودفعتهم إلى ترك بيوتهم وديارهم زاخرة بالغذاء والكساء والأثاث ، ومتاجرهم مزدحمة بالسلع والمواد التجارية وحقولهم بسنابلها قبل الحصاد ، وبساتين برتقالهم بأشجارها المثقلات بالثمار . وعمت فيها المجازر وإراقة دماء الأبرياء والأطفال والنساء والشيوخ يوماً بعد يوم بشكل وحشي لا يذكر . وتقشعر من ذكرها الجلود . وتتفجر منها القلوب . وتدمع لها العيون دمعاً . وتبكي عليها السماء بكاءاً . فيا أرض فلسطين المحتلة ! ويا مؤامرات اليهود وبريطانيا الخبيثة ! ويا دماء الأبرياء والأطفال والنساء والشيوخ ! ويا سكوت العالم كله ! .

وينشأ سؤال كبير في أذهاننا ليلاً ونهاراً ، إلى متى تستمر الهجمات اليهودية في فلسطين وإراقة دماء الأطفال والشبان والنساء والشيوخ بدون أي جريمة ؟ وهل يمكن حل القضية الفلسطينية التي تستمر منذ زمن طويل ؟ وهل يمكن تخلص الشعب الفلسطيني من الاستبداد الإسرائيلي ؟ وما هي الطريقة الجيدة للنجاة من براثن إسرائيل ؟ لعل الجواب القاطع لا يأتي إلا في الإيمان بالله الواحد القهار ورسله وكتبه ، والعمل على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والابتعاد من البدع والخرافات والفواحش والمنكرات ، ووحدة الدول العربية ووقوفها في صف واحد تحت قائد عبقري ، وسلك الطرق المختلفة لدحض مزاعم الأعداء التي يسلكونها في تشويه صورة الإسلام وتفريق كلمة المسلمين ، وقطع الصلة التجارية والعسكرية والاقتصادية مع إسرائيل ومن يحالفها في شن الغارة على فلسطين ، وعقد الندوات والمؤتمرات في أنحاء العالم ضدها ، الضغوط القوي على الأمم المتحدة لفرض العقوبات على إسرائيل لعدم وقف الحملات المدمرة في فلسطين ، وإجراء الاحتجاجات والتظاهرات في معمورة الدنيا . . . . . . . حتى تقف الحرب الإسرائيلية فيها ، وتخلصت الشعوب الفلسطينية من براثنها الوحشية تخلصاً كاملاً .

* رئيس قسم اللغة العربية وآدابها ، كلية بتنة التابعة لجامعة بتنة – بتنة .

[1] النحال محمد سلامة ( الدكتور ) : فلسطين أرض وتاريخ ، ص 26 .

[2] الكيالي عبد الوهاب ( الدكتور ) : تاريخ فلسطين الحديث ، ص 11 .

[3] أبو شاور سعدي : تطور الاتجاه الوطني في الشعر الفلسطيني المعاصر ، ص 11 .

[4] سلمان محمد ( الدكتور ) : فلسطين في الشعر المصري ، ص 16 .

[5] الكنعانيون والفينيقيون شعب واحد نسباً ولغةً ودينياً وحضارةً ، للمزيد من التفاصيل  انظر : تاريخ فلسطين الحديث لعبدالوهاب الكيالي .

[6] خان ظفر الإسلام : تاريخ فلسطين القديم ، ص 25 .

[7] سلمان محمد ( الدكتور ) : فلسطين في الشعر المصري ، ص 18 .

[8] المصدر السابق ، ص 18 ، خان ظفر الإسلام : تاريخ فلسطين القديم ، ص 25 .

[9] أبو شاور سعدي : تطور الاتجاه الوطني في الشعر الفلسطيني ، ص 12 ، نقلاً عن  تاريخ فلسطين أرض وتاريخ ، لـلدكتور محمد سلامة النحال ،ص 27 .

[10] البرغوثي عمر صالح : تاريخ فلسطين ، ص 17 ، والوهاب عبد الوهاب : تاريخ فلسطين الحديث ، ص 18 .

[11] أبو شاور سعدي ( الدكتور ) : تطور الاتجاه الوطني في الشعر الفلسطيني المعاصر ،      ص 12 .

[12] النحال محمد سلامة ( الدكتور ) : فلسطين أرض وتاريخ ، ص 27 .

[13] النحال محمد سلامة ( الدكتور ) : فلسطين أرض وتاريخ ، ص 28 .

[14] صالح محسن محمد : التيار الإسلامي في فلسطين وأثره في حركة الجهاد ، ص 44 .

[15] انطونيوس ، ص 104 ، نقلاً عن تاريخ فلسطين الحديث .

[16] صالح محسن محمد : التيار الإسلامي في فلسطين وأثره في حركة الجهاد ، ص 54 – 61 .

[17] الكيالي عبد الوهاب : تاريخ فلسطين الحديث ، ص 22 – 24 .

[18] قد تم تأليف الكتب العديدة في هذا الموضوع ، ومن أهمها ” البحث عن صهيون ” لـ هيرش كاليشر ” ، و ” روما والقدس ” و ” التحرر الذاتي ” لـ ” ليون بينسكر ” .

[19] تأسست الجمعيات والحركات الصهيونية لتهجير اليهود إلى فلسطين بقصد الاستيطان ، ومن أهمها ” حب الصهيون ” و ” البيلو ” و ” جمعية مونتفيوري ” .

[20] عبد الوهاب الكيالي : تاريخ فلسطين الحديث ، ص 24 .

[21] المصدر السابــق ، ص 22 .

[22] يشهد التاريخ قديماً وحديثاً أن المسلمين العرب رحماء بينهم وأشداء على الكفار للحفاظ على الدين الحنيف ، فقد نقل البرت عنتيبي قول أحد الشباب العرب : ” سوف نبذل كل ما لدينا حتى القطرة الأخيرة من دمنا لنحول دون استيلاء غير المسلمين على الحرم الشريف ” . انظر للمزيد من التفاصيل : تاريخ فلسطين الحديث ، ص 43 ، نقلاً عن مندل ، ص 133 .

[23] الذين لهم دور قيادي في هذا الصدام الدموي وهم يوسف الخالدي ورشيد رضا ومفتي القدس محمد طاهر الحسيني وغيرهم .

[24] الكيالي عبد الوهاب : تاريخ فلسطين الحديث ، ص 39 – 43 .

[25] أبو شاور سعدي : تطور الاتجاه الوطني في الشعر الفلسطيني المعاصر ، ص 14 .

[26] أصدر السلطان عبد الحميد هذا الدستور عام 1908م الذي أطلق بعض الحريات وحق إصدار الصحف وغير ذلك ، فانتهز الكتاب الفلسطينيون هذه الفرصة الثمينة ، أصدروا الصحف والجرائد والمجلات لإيقاظ مشاعر الشبان وعواطفهم من الاستبداد العثماني وأخطار الفكرة الاستيطانية الصهيونية وامتلاك الأراضي الفلسطينية بمؤامرات دقيقة في ظلمة الليل .

[27] قد ساهم التحالف العثماني والألماني مساهمةً حاسمةً في حماية الجالية اليهودية في فلسطين لأسباب تتعلق بالأمن .

[28] ومعلوم أن هذه العهود كانت مسجلةً في مكاتبات رسمية تبادلها كل من ممثل بريطانيا في مصر السير هنري مكماهون ، وممثل العرب شريف مكة الحسين بن علي . ( الأدب العربي المعاصر في فلسطين ، ص 54 ) .

[29] لمزيد من التفاصيل ، انظر تطور الاتجاه الوطني في الشعر الفلسطيني المعاصر ، ص 14 – 15 ، تاريخ فلسطين الحديث ، ص 72 – 73 .

[30] صالح محسن محمد : التيار الإسلامي في فلسطين وأثره في حركة الجهاد ، ص 79 .

[31] المصدر السابق ، ص 79 – 80 .

[32] تدل الدراسات التاريخية القاطعة على أن ألمانيا قطعت لليهود بإقامة وطن مستقل لهم في فلسطين بعد الموافقة عليها من الحكومة العثمانية ، واستمرت الجهود الصهيونية للحصول على وعد ألماني ، ودفعت الحكومة البريطانية إلى التعجيل في إعلان وعد بلفور في تشرين الثاني 1917م . ( تاريخ فلسطين الحديث ، ص 78 – 79 ، نقلاً عن : شتاين ، وعد بلفور ، ص 216 ) .

[33] السوافيري كامل ( الدكتور ) : الاتجاهات الفنية في الشعر الفلسطيني المعاصر ، ص 87 – 88 .

[34] العويسي عبد الفتاح : جذور القضية الفلسطينية ، ص 136 – 139 .

[35] الكيالي عبد الوهاب : تاريخ فلسطين الحديث ، ص 147 – 148 ، نقلاً عن التقرير الأول ملحق بـ ، ص 10 .

[36] وقدر عدد الإصابات بنحو 135 قتيلاً ، 340 جريحاً يهودياً ، 116 شهيداً ، 240 جريحاً عربياً . لمزيد للتفاصيل : فلسطين في الشعر المصري ، ص 35 ، نقلاً عن الشعر العربي لــ كامل السوافيري ، ص 134 .

[37] لمزيد من التفاصيل ، انظر :  زعيتر أكرم : القضية الفلسطينية ، ص 141 – 147 .

[38] سالمان محمد ( الدكتور ) : فلسطين في الشعر المصري ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2009م ، ص 39 – 40 ، نقلاً عن عصام حواس الحكم الذاتي لشعب فلسطين ، ص 51 .

[39] سلمان محمد ( الدكتور ) : فلسطين في الشعر المصري ، ص 43 – 45 .