ولكنه بنيان قوم تهدما
نوفمبر 19, 2023عَلَم من أعلام التاريخ
نوفمبر 19, 2023شخصية مثالية فقدناها :
خير نموذج للسلف الصالح
الأخ محمد سعد عبد الرقيب *
فقدنا بوفاة أستاذنا وشيخنا العلامة السيد محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله تعالى شخصيةً عبقريةً ، كان يؤدي دوراً بارزاً في ترشيد الحركة الإسلامية ، وإعداد الجيل ، وتنبيه المسلمين ، وتوجيه النشاطات الإسلامية والأدبية ، وكشف الغطاء عن المخططات الغربية والمؤامرات العالمية ضد الإسلام والمسلمين من خلال كتاباته ومقالاته وبحوثه وكتبه ، وكان منهجه متسماً بالوسطية والاعتدال والحكمة والموعظة الحسنة .
فقد عاش شيخنا رحمه الله حياةً ساذجةً ، وعاش عيشةً مرضيةً ، بعيدةً عن البذخ والأبهة ، وظل حياً في قلوبنا بإفاداته ودروسه ومواعظه ، وقد ترك لنا رسوماً ترتسم على القلوب ، وآثاراً رائعةً تثبت على العقول .
ومن سعاده حظنا أننا تشرفنا بدروسه التي ألقاها في أواخر أيام عمره ، واستفدنا منها ما استفدنا ، وارتوينا من منهله ما ارتوينا ، يتمثل – اليوم – أمام العيون المنظر البهيج الرائع للدرس الذي كان تتلذذ به الروح ، وتطمئن إليه القلوب ، وتشتاق إليه النفوس ، وتصغى إليه الآذان أن أستاذنا رحمه الله تعالى يجلس ويدرِّس كتاب الرقاق من صحيح البخاري في جامع ندوة العلماء بصوته الرخي العذب ، وأسلوبه الممتاز الجذّاب .
وكان من عادته أنه يدرِّس كل يوم الأربعاء رغم مرضه وضعفه ، وكان الدرس يحمل تأثيراً على القلوب ، وكانت له تجربة طويلة في مجال التدريس ، فقد قضى ٧٥ عاماً فيه ، وكان صورةً حيةً صادقةً لما يدرّسه من الحديث النبوي الشريف .
وكان أستاذنا الفاضل رحمه الله تعالى خير نموذج ، كنا ندرس صوراً رائعةً من حياة النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله العطرة وما قدّمه هو وأصحابه البررة من تضحية وإيثار في سبيل السعادة واليقين ، ثم نشاهد بأُمّ أعيننا شخصيةً جامعةً بين القول والعمل ، متصفةً بالسمات التي يبينها في الدروس ، متحليةً بالمثل العليا ، والأخلاق النبيلة التي لا يُرى أثرها بين معاصريه .
وكيف ننسى درسه الأخير الذي أكرمنا فيه بإجازة الحديث النبوي الشريف ؟ وزودنا فيه بنصائح قيمة نافعة ، وبيّن غاية التعليم والتعلم ، وأكّدنا أن نكون جامعين بين القول والعمل ، فإن خير القول ما صدّقه الفعل ، وأوصانا أن نتقي الله في السر والعلن .
نجد حياة أستاذنا مليئةً بالنصح والتوجيه والإرشاد والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما أنه كان مدرسةً في التربية والتوجيه يرّبي الجيل ، ويوجههم إلى ما فيه خيرهم ، فأجزل الله مثوبة أستاذنا وشيخنا ، ونوَّر له في قبره .
* طالب الاختصاص في الأدب العربي بدار العلوم لندوة العلماء .