ذكرى من تاريخ ندوة العلماء
يناير 9, 2023الإسلام الصادق دافع عن كل بلاء نازل !
مارس 14, 2023الافتتاحية : بسم الله الرحمن الرحيم
حاجتنا إلى الإسلام في عصرنا الحاضر !
ذلك الانقلاب التاريخي العظيم الذي يبتدئ به تاريخ الحياة الإنسانية لا يمكن فصله عن ظهور آدم عليه السلام الذي جعله الله سبحانه أساساً لعمران العالم البشري ، وقد تحدث الله سبحانه أمام الملائكة الكرام الذين عاشوا في الدرجة السماوية بأمر من الله تعالى مركزين جهودهم وطاقاتهم في عبادة الله تعالى من فوق السماوات ، فقد تحدث الله أمامهم بأنه جاعل في الأرض خليفةً ، ولعل هذا الحكم الرباني السماوي لم يلق منهم قبولاً وقالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ، ونقدس الحياة المتواصلة ليلاً ونهاراً ، ولكن الله سبحانه لم يرض بعذر وقال : ” إني أعلم ما لا تعلمون ” .
وقد تحدث الله سبحانه في كتابه العظيم حول هذا الموضوع الذي كان يختص بكون الإنسان خليفةً في الأرض ، فخاطب الملائكة مخبراً إياهم بهذه الحقيقة التي لها علاقة بخلائق الأرض ، الواقع الذي أخبرنا الله به في كتابه العظيم الأخير الذي نزله على خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد تحدث عن ذلك فقال : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً ، قَالُواْ : أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ، قَالَ : إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) .
إن هذا الحوار المهم من الله تعالى إلى الملائكة يُعتبر أول أساس لمنح الخلافة في العالم الأرضي إلى ذرية آدم عليه السلام ، رغم إنكار الملائكة لهذه الخلافة وتأكيدهم بأننا نسبح بحمدك ونقدس لك ، فردّ الله تعالى عليهم بكلمة واحدة وهي ( إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) .
من هنا كان الإنسان واسطةً بين الخلق والخالق ، فكان يجب عليه أن يعتز بهذه الجائزة الغالية ويترقب أوامر الله سبحانه ويطبقها على نفسه وعلى العالم البشري في كل ما بيّنه الله تعالى في كتابه العظيم ، القرآن الكريم الذي هو الأول والآخر مما أوحي به إلى الأنبياء السابقين ، فقد أنزله الله تعالى على آخر نبي لأمة الإسلام الباقية إلى يوم الدين ، والعائشة في تطبيق تعاليمه على الحياة للذكور من هذه الأمة وإناثها ، وهي تعاليم إنسانية تطبق على الرجال والنساء من أهل الإيمان في ضوء التعاليم الإلهية التي تعم الذكور والإناث حسب الصفات والوظائف التي يبينها كتاب الله تعالى وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد تعامل عليها المسلمون من عهد نبينا عليه الصلاة والسلام إلى ما شاء الله تعالى من المستقبل الباقي إلى يوم الدين .
إن التاريخ المستمر للإنسان قد فرض عليه مسئوليات إيجابيةً في ضوء الكتاب والسنة ، ذلك الدستور السماوي الذي يعلم الساكنين في هذه المعمورة التمييز بين ما أمره الله به من معروف ومنكر ، فأمر بأداء ما له علاقة مما يرضي الله ورسوله من صالح الأعمال والانصراف عما ينكره ولا يرضاه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
فلما أراد الله سبحانه أن يملأ هذا الفراغ من الإيجاب والسلب ، ويميز بينهما أخبر بذلك الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ، وذكر الموضوع بكامله في كتابه الأخير الذي سماه القرآن الكريم ، ذلك الكتاب الذي جمع بين التبشير والإنذار ، فقال تعالى : ( إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً . وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً . وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً ) .
فكان العمل الصالح هو الرائد الأول إلى الطريق الأقوم السليم ومبعث بشائر خالصة للأجر العظيم الذي هو الطريق نحو النجاة من كل عذاب أليم ، من ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، فلولا وجوده في العالم الأرضي في مكة المكرمة لكان الناس يتيهون في الأرض ويعيشون في ظلام حالك ، كأنهم كانوا قد تعودوا ظلام الكفر والابتعاد عن النور الذي أنزله الله تعالى بنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) الذي كان نوراً فوق كل نور إلى يوم الدين ، وكان سراجاً منيراً أسرجه الله سبحانه لتنوير الظلام من العالم كله ، فكان النور الإلهي يعم جميع أركان العالم براً وبحراً وليلاً ونهاراً ، ( يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) .
إن الأمة الإسلامية تعيش اليوم في ضوء هذا النور ويعيش معها الأمم والشعوب الأخرى – فلولا هذه الأمة الإسلامية وإن كانت قد فقدت ميزتها الأساسية وضعفت فيها قوة الإيمان والعمل الصالح إلى حد كبير – ولكنها أمة حية تشعر بضعفها وتقوم جماعات من هذه الأمة تبذل جميع إمكانياتها في سبيل إخراج الناس من الضعف الملموس إلى قوة الإيمان والعمل الصالح ، فليست هذه الجماعات من علماء الإسلام وليست هذه المدارس والمؤسسات وليست هذه المجهودات من التدريس والتعليم والتأليف ونشر معالم الإسلام إلا سعياً حثيثاً في سبيل العلم والإيمان وصالح الأعمال ، وقد شغل الله سبحانه كثيراً من أهل العلم بأمور يعتبرونها من لوازم التفريق بين الصحيح والخطأ وبين ما هو المطلوب عند الله من عباده المؤمنين وبين ما لا قيمة له ، فليس ذلك إلا الدين الإسلامي وشرحه للمجتمع المسلم اليوم ، فأصبح من أجل ذلك ميسوراً لدى عدد من المسلمين أن يعتبروا أنفسهم من جماعات أهل الإسلام ويعتقدوا في المناسبات أن وجود نعم الله تعالى يحمل أهميةً كبيرةً لدى جماعات الإسلام وأهله الصادقين .
ومن ثم فقد الدين الإسلامي أهميته وأصالته في كل مكان يعيش فيه المسلمون ويتوافر فيه المراكز من كل نوع لخدمة الدين الإسلامي في أشكال جميلة مطلوبة عند الله تعالى ، ولذلك تتزايد حاجتنا إلى معرفة جامعيته في كل إنسان ، إذ أننا لا نقدر على إبلاغ نعمة الدين الذي أرسله الله تعالى إلى العالم البشري عن طريق خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم في العالم المعاش بدون أن نكون مطلعين على هذا الجمع بين الدين والدنيا وواجباتهما بكل وضوح ويقين .
فكلنا يستطيع بكل سهولة أن يدرك موقفنا وموقف علماء الإسلام الأولين من الدين القيِّم الذي أنزله الله تبارك وتعالى عن طريق خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ، الذي طبق جميع تعاليمه التي تتعلق بالحياة في الدنيا ، ولكن ذلك ضرورة أكيدة لنا في الآخرة ، يوم يقوم الناس لرب العالمين .
من هنا فإن المسلمين من علماء الدين والممثلين له في الحياة ملزمون بإبلاغ الدين الإسلامي بوجه كامل إلى الناس في هذه المعمورة التي لا تنتهي بوجود الإنسان بل إنها لا تغنيه ولا تعم منافعها إلى كافة ما يعيش فيه الناس وما يتوافر في هذا العالم من أرواح وآلات ونفوس وأدوات ، يقول الله تعالى : ( يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) وصدق الله العظيم .
سعيد الأعظمي الندوي
14/1/2023م