نبوءة وجود سبع قارات في الأحاديث في ضوء القرآن والحديث والجغرافيا والجيولوجيا الحديثة ( الحلقة الأولى )
يناير 14, 2024دراسة مقارنة بين كتابين : ” الفتنة الدجالية – ملامحها البارزة وإشاراتها في سورة الكهف ” و ” تأملات في سورة الكهف “
يناير 14, 2024دراسات وأبحاث :
حاجة العلوم الإسلامية إلى علم القواعد العربية
( الحلقة الأولى )
بقلم : الباحث صابر علي شيخ العمري *
جاء في الحديث : ” مفتاح الجنة الصلاة ، ومفتاح الصلاة الطهور ” [1] ويقول الحكماء : قد جعل الله لكل مطلوب مفتاحاً ، يفتح به ، فجعل مفتاح العلم السؤال ، وحسن الإصغاء ، ومفتاح الرزق السعي مع الاستغفار ” [2] وبناءً على ذلك فإن مفتاح العلوم الشرعية ، هو علوم اللغة العربية ، فمن لا يجيدها لا يستطيع الخوض في مجال استنباط الأحكام الشرعية ، أو الفتوى في الدين . والعلاقة بين العلوم الشرعية وعلوم اللغة العربية قديمة ، وقد نبتت جذورها منذ نزول القرآن الكريم ، وصارت أواصر تلك العلاقة وثيقةً إلى يومنا هذا ، وستستمر قويةً بإذن الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وعلى مستوى أثر اللغة العربية في استنباط الأحكام الشرعية ، فقد عُني علماء أصول الفقه الإسلامي باستقراء الأساليب العربية وعباراتها ، ومفرداتها ، واستمدوا من هذا الاستقراء ، ومما قرره علماء اللغة أيضاً ، قواعد وضوابط ، يتوسل بمراعاتها ، إلى النظر السليم في الكتاب والسنة ، وفهم الأحكام منهما ، فهماً صحيحاً ، يطابق ما يفهمه العربي الذي جاءت النصوص بلغته . وتوقف الطيبي عند هذه الآية الكريمة ( وعلَّم آدَمَ الأسْمَاءَ كلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ علَى الْملائِكَةِ فقَال أنْبِئُونِي بِأسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقين ) [ سورة البقرة : 31 ] فقال : ” أفادت هذه الآية : أن علم اللغة فوق التحلي بالعبادة فكيف علم الشريعة [3] .
وتأسيساً على ذلك قرروا أن من شروط المجتهد أن يكون عالماً باللغة العربية وأحوالها ، محيطاً بأسرارها وقوانينها ، ملماً إلماماً جيداً بأساليب العرب في الكلام ، ليتوصل إلى إيضاح ما فيه خفاء النصوص ، وإلى رفع ما قد يظهر بينها من تعارض . ولا يمكنه ذلك ولا سيما في عصرنا الحاضر ، إلا بتعلم اللغة العربية ، وإتقان علومها .
وتكمن أهمية اللغة العربية لدراسي أصول الفقه الإسلامي ، في أن علماء الأصول قد اختلفوا في مسائل كثيرة تتعلق باللغة العربية ودلالات ألفاظها ، واستعمالاتها . وكان لهذا الاختلاف أثر كبير في إصدار الأحكام الشرعية ، واختلاف الفقهاء فيها .
كما أن فهم النص وإدراك حكمته لاستنباط الأحكام يتأثر بطبيعة اللغة العربية ، كما يتأثر بطريقة المجتهدين في معالجة تلك النصوص ، فقهياً ، واستنباط الأحكام منها [4] .
وبذلك تشكل علوم اللغة العربية سطر علم أصول الفقه ، حيث يقوم على دعامتين أساسيتين ، هما :
مباحث الاستدلال ، ومباحث الألفاظ ، وتتناول مباحث الاستدلال كيفية استنباط الحكم ، بتتبع الدليل ، أما مباحث الألفاظ فتختص بمعالجة قضايا المباحث اللغوية ، وبذلك ظلت اللغة العربية أساساً لفهم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، والأحكام الشرعية المستنبطة منهما ، من ثم أصبح الاهتمام بها جزءاً من الاهتمام بالشريعة . فلا بد من العلم بالعربية لمن يحاول استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية .
كما تقوم أصول الاجتهاد على ركنين أساسيين هما : حذق اللغة ، وفهم مقاصد الشريعة على كمالها [5] ، وقد أدرك علماء أصول الفقه الإسلامي أهمية أثر اللغة العربية في استنباط الأحكام الشرعية ، فجعلوا من أولى شروط المجتهد العلم باللغة العربية ، واتفقوا على أن يكون المجتهد على علم وافر باللغة العربية ، لأن القرآن الذي نزل بهذه الشريعة عربي ، والسنة التي بيانه ، جاءت بلسان عربي مبين .
ولقد اشترط الإمام الغزالي العلم الدقيق ، التبحر في اللغة ، فحينما تناول القدر الذي يجب معرفته من العربية ، قال : ” إنه القدر الذي يفهم به خطاب العرب ، وعاداتهم في الاستعمال حتى يتميز بين صريح الكلام ، وظاهره ومجمله ، وحقيقته ومجازه ، وعامه وخاصه ، ومحكمه ومتشابه ، ومطلقه ومقيده ، ونصه وفحواه ، ولحنه ومفهومه ، وهذا لا يحصل إلا لمن بلغ في اللغة درجة الاجتهاد ” [6] .
وبناءً على ذلك يتطلب من المتصدرين لقضايا الإفتاء ، وتدريس مادة أصول الفقه ، الإلمام بأصول العلوم اللغوية التي لها اتصال بكلام الله عز وجل ، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فإذا نفذ الفقيه ، أو المفتي أو المجتهد إلى معرفة علم أصول اللغة العربية ، استطاع أن يستنبط الفتوى والأحكام من النصوص الشرعية [7] . وقد حددها علماء أصول الفقه في الآتي :
(1) علم النحو : بما يحسن به الإعراب على الأصول المسلمات والراجحات من غير احتياج للتعمق في خلاف النحاة .
(2) علم التصريف : بما يحسن به ما تعود إليه أصول الكلمات مع ما يتغير به ضبطها بسبب الاشتقاق ، لما يقع له من التأثير كثيراً على اختلاف الدلالات والمعاني .
(3) علم البلاغة : بالمقدار الذي يتمكن فيه من معرفة وجوه المعاني ، وما تتخرج عليه الأساليب العربية من الاستعمالات ، كدلالات : الخبر ، والإنشاء ، وتأثير التقديم والتأخير ، والحذف والذكر ، والتعريف والتنكير ، والوصل والفصل ، والإيجاز والإطناب ، والحقيقة والمجاز ، والتشبيه والاستعارة ، وغير ذلك .
(4) علم الحروف : والمقصود به الحروف التي هي من أقسام الكلام مثل : حروف الجر ، والعطف ، لا حروف المباني التي تتركب منها المفردات . وذلك ليعلم المجتهد بما تدل عليه الحروف من المعاني ، ليدرك وجوهها في نصوص الكتاب والسنة مثل : معرفة معاني حروف العطف ، وما تقتضيه من المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه ، أو الاشتراك أو الترتيب ، أو التراخي ، أو التخيير [8] .
يترتب على ذلك ضرورة سعة المعرفة اللغوية بأساليب اللغة العربية لدى المتخصصين في الدراسات الشرعية عامةً ، والمهتمين بدراسة وتدريس مادة أصول الفقه على وجه الخصوص .
ويمكن القول بقدر سعة معرفة اللغة العربية ، وتضافرها مع العلوم الشرعية ، وغيرها من العلوم الإنسانية ، تكون المعرفة بالأحكام الشرعية عامةً ، الأحكام الفقهية خاصةً ، والقدرة على تنزيلها على وقائع حياة الناس ، وبدون ذلك لا تتوافر للمجتهد والمتخصص ، المعرفة الكافية بأصول الاستدلال اللغوي والشرعي .
ويظهر أثر قواعد اللغة العربية في استنباط الأحكام الشرعية ، في أن الأحكام الشرعية تتأثر بتعدد الألفاظ ، والأسماء لمسمى واحد ، فقد نص الفقهاء على أن لفظ الطلاق ، والفراق والسراح ، كلها ألفاظ دالة على حل العقدة الزوجية ، وحينئذ بأي لفظ منها خاطب الرجل زوجته ، فإنها تطلق منه ، لأن مادة : طلق ، وفرق ، وسرح ، تجتمع في الدلالة على فك القيد ، والزواج قيد تفكه واحدة من تلك الألفاظ [9] .
كما أن اللفظ الواحد قد يحمل دلالةً متعددةً في المعنى ، مما يترتب عليه ، اختلاف في الحكم الشرعي بين العلماء والفقهاء .
فالعلاقة بين العلوم الشرعية وعلوم اللغة العربية وطيدة وقديمة ، ونسباً وصهراً . وأن العربية ما كانت لها هذه المنزلة إلا بالإسلام ، كما أن الله جعل العربية لسان الوحيين ( القرآن والحديث ) حيث قال الله تبارك وتعالى في محكم تنزيله : ( إنّا أنْزَلْناهُ قُرآنًا عربيًا لَعَلّكُم تَعْقِلُوْنَ ) [ سورة يوسف : 2 ] .
والرسول صلى الله عليه وسلم أفصح من نطق بالضاد ، وخاطب قومه العرب بلسانهم الشريف كما قال الله عز وجل شأنه في القرآن المجيد : ( ومَا أرْسَلْنا مِنْ رَّسُولٍ إلّا بِلسَانِ قَومِه لِيُبَيِّنَ لهم . . . . ) [ سورة إبراهيم : 4 ] .
وهكذا فإن الأساسين الأوّلَين لهذا الدين – الكتاب والسنة – هما باللغة العربية ، ولا يمكن فهمهما ، ومعرفة أسرارهما ، واستنباط الأحكام منهما لغير المتمكّن من هذه اللغة المباركة .
قد أدرك الأئمة الأقدمون أهمية اللغة العربية في فهم كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهذا الإمام الشافعي رحمه الله يقول عنه زوج ابنته : ” أقام الشافعي علم العربية وأيام الناس عشرين سنةً ، فقلنا له في هذا ، فقال : ما أردت بهذا إلا استعانةً للفقه ” [10] . أي : ظل عشرين سنةً يتبحر في اللغة العربية وعلومها ليفقه ويفهم القرآن والحديث ، ولا يستغرب منه هذا ، فهو الذي يقول : ” أصحاب العربية جِنّ الإنس ، يُبصرون ما لم يبصر غيرهم ” [11] . وقال أيضاً : ” من تبحر في النحو اهتدى إلى كل العلوم ” [12] .
وكان علماء الدين يقولون : ” من تكلم في الفقه بغير لغة تكلم بلسان قصير ” .
فبمقدار العلم باللغة العربية كان كذلك في الشريعة . يقول أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله : ” إن الشريعة عربية ، وإذا كانت عربيةً ، فلا يفهمها حق الفهم إلا من فهم اللغة العربية حق الفهم ، لأنهما سيان في النمط ما عدا وجود الإعجاز . فإذا فرضنا مبتدئاً في فهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة ، أو متوسطاً فهو متوسط في فهم الشريعة . والمتوسط لم يبلغ درجة النهاية ، فإن انتهى إلى درجة الغاية في العربية كان كذلك في الشريعة ، فكان فيها حجة كما كان فهم الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم من الفصحاء الذين فهموا القرآن حجةً ، فمن لم يبلغ شأوهم ، فقد نقصه من فهم الشريعة بمقدار التقصير عنهم ، وكل من قصر فهمه لم يعد حجةً ، ولا كان قوله فيها مقبولاً ” [13] .
ضرورة اللغة العربية وحاجتها لفهم مراد الله وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم أضحت ضربة لازب ، هذا هو الشيئ الذي يضطر المسلمين إلى تعلم اللغة العربية وعلومها . قال الإمام الجليل الشافعي رحمه الله رحمةً واسعةً : ” لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب ، أحد جهل سعة لسان العرب ، وكثرة وجوهه ، وجماع معانيه وتفرقها . ومن علمها انتفت عنه الشبَه التي دخلت على من جهل لسانها ” [14] .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ” فمعرفة العربية التي خوطبنا بها مما يعين على أن نفقه مراد الله ورسوله بكلامه ” [15] . وقال أيضاً : ” فإن النفس اللغة العربية من الدين ، ومعرفتها فرض واجب ، فإن فهم الكتاب والسنة فرض ، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ” . ثم منها ما هو واجب على الأعيان ، ومنها ما هو واجب على الكفاية .
وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا عيسى بن يونس ، عن ثور ، عن عمر بن يزيد قال : ” كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : أما بعد ، فتفقَّهوا في السنة وتفقهوا في العربية ، وأعربوا القرآن ، فإنه عربي ” [16] . وفي حديث آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال : ” تعلَّموا العربية ، فإنها من دينكم ، وتعلموا الفرائض ، فإنها من دينكم ” . وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية ، وفقه الشريعة ، يجمع ما يحتاج إليه ، لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال ، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله . وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله ” [17] .
وقال ابن عطية معلقاً على بعض الآثار الداعية لإعراب القرآن : ” إعراب القرآن أصل في الشريعة ، لأن بذلك تقوم معانيه التي هي الشرع ” [18] .
الدعوة إلى التدبر في القرآن :
لقد وردت نصوص كثيرة تدعو قراء القرآن للتدبر ، فكيف يحصل تدبر القرآن بغير المرور على قنطرة اللغة العربية !؟ فالأمر بالتدبر هو في حد ذاته أمر بتعلم اللغة العربية . ومن هنا رسمت العلاقة بين اللغة العربية والشريعة الإسلامية . من تلكم النصوص :
قوله تعالى : [ سورة ص : 29 ] ( كتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِه ولِيَتذكّرَ أُولوا الألباب ) .
وقوله تعالى : [ سورة محمد : 24 ] ( أفَلا يتَدبَّرونَ القرآنَ أمْ عَلى قُلوبِهِمْ أقْفَالُها ) .
وقوله تعالى : [ سورة النساء : 82 ] ( أفَلا يتَدبَّرونَ القرآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتلافًا كثيراً ) .
اللغة العربية والشريعة الإسلامية ، علاقة الوسيلة بالغاية :
من خلال تساؤلنا عن العلاقة القائمة بين الوسيلة والغاية ، وبين الوعاء والمحتوى ، تتبين الصلة الوثيقة بين اللغة العربية والشريعة الإسلامية ، وأن الاهتمام بالشريعة الإسلامية من غير اللغة العربية شبيه بمحاولة إدراك الغاية من غير الوسيلة ! وأن دراسة اللغة العربية بعيداً عن الشريعة الإسلامية هي تحويل للوسيلة وجعلها غايةً ، وفي ذلك التوضيح تأكيد منه للعلاقة الوطيدة بينهما [19] .
فإن العلامة الشاطبي يقول : ” إذا فرضنا مبتدئاً في فهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة ، أو متوسطاً فهو متوسط في فهم الشريعة ، والمتوسط لم يبلغ درجة النهاية ، فإن انتهى إلى درجة الغاية في العربية كان كذلك في الشريعة ” [20] . فالعلاقة بينهما طردية ، وهي كما نص عليها نفسه علاقة ” المقصد بالوسيلة ” [21] .
يقول الزمخشري : ” وذلك أنهم لا يجدون علماً من العلوم الإسلامية ، فقهها وكلامها ، وعلمي تفسيرها وأخبارها ، إلا وافتقاره إلى العربية بيّنٌ لا يدفع ، ومكشوف لا يتقنع ، وكذلك الكلام في معظم أبواب أصول الفقه مبني على علم الإعراب ” [22] .
وقال مالك بن أنس رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً : ” لو صرت من الفهم في غاية ، ومن العلم في نهاية ، لأن ذلك يرجع إلى أصلين : كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولا سبيل إلى الرسوخ فيهما إلا بمعرفة اللسان العربي ، فلو أن الرجل يكون عالماً بسائر العلوم ، جاهلاً به ، لكان كالساري ، وليس له ضياء ” [23] .
وقال ابن خلدون رحمه الله تعالى في الفصل الخامس والأربعين من مقدمته في علوم اللسان العربي : ” أركانه أربعة ، وهي : اللغة ، النحو ، والبيان ، والأدب ، ومعرفتها ضرورية على أهل الشريعة . إذ مأخذ علم الشريعة كلها من الكتاب والسنة ، وهي بلغة العرب ، ونَقَلَتُها من الصحابة والتابعين عرب ، وشرح مشكلاتها من لغاتهم ، فلا بد من معرفة العلوم المتعلقة بهذا اللسان لمن أراد علم الشريعة ” [24] .
وقال السيوطي رحمه الله تعالى في شرح ألفيته : ” وقد اتفق العلماء على أن النحو يحتاج إليه في كل فن من فنون العلم ، ولا سيما التفسير والحديث ” [25] .
ويقول ابن قتيبة : ” وإنما يعرف فضل القرآن من كثر نظره ، واتسع علمه ، وفهم مذاهب العرب ، وافتنانها في الأساليب ، وما خص الله به لغتها دون جميع اللغات ” [26] .
وقد أفاض أهل العلم في شروط المفسر وما يجب أن يتحمله من علوم العربية [27] .
ومن الأقوال التي تؤكد هذا الأمر ما يأتي :
(1) قال الإمام الحسن البصري رحمه الله – عند ما سئل عن سبب الضلال – : ” إنما أهلكتهم العجمة ” [28] .
(2) يقول الإمام الرازي : ” اعلم أن معرفة اللغة والنحو والتصريف فرض كفاية ، لأن معرفة الأحكام الشرعية واجبة بالإجماع ، ومعرفة الأحكام بدون معرفة أدلتها مستحيل ، فلا بد من معرفة أدلتها ، والأدلة راجعة إلى الكتاب والسنة ، وهما واردان بلغة العرب ونحوهم وتصريفهم ، وما يتوقّف على الواجب المطلق ، وهو مقدور المكلف ، فهو واجب ” [29] .
وأما علم العقيدة فأثر اللغة العربية وعلومها ظاهر ، يقول ابن جني : ” اعلم أن هذا الباب – باب فيما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية – من أشرف أبواب هذا الكتاب ، وأن الانتفاع به ليس إلى غاية ، ولا وراءه من نهاية ، وذلك أن أكثر من ضل من أهل الشريعة عن القصد فيها ، وحاد عن الطريقة المثلى إليها ، فإنما استهواه واستخف حلمه ، ضعفه في هذه اللغة الكريمة الشريفة ” [30] . ولذلك صدق من قال : إن سبب الضلال العجمة ، لأن الجهل بأساليب اللغة العربية نشأ عنه أن فهمت بعض النصوص على غير وجهها ، وكان ذلك سبباً في أحداث ما لا يعرفه الأولون [31] .
وقال بعض العلماء : ” ما جهل الناس ، ولا اختلفوا ، إلا لتركهم لسان العرب ، وميلهم إلى لسان أرسطوطاليس . . . . . . . ، ولم ينزل القرآن ولا أتت السنة إلا على مصطلح العرب ، ومذاهبهم في المحاورة والتخاطب والاحتجاج ، والاستدلال لا على مصطلح اليونان ، ولكل قوم لغة واصطلاح ” [32] .
ومن هذا يتبين أنه لا بد من معرفة مراد الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وتمييز هما ، عما أراد أهل البدع بمصطلحهم ، يقول الإمام ابن تيمية : ” ولا بد في تفسير القرآن والحديث ، من أن يعرف ما يدل على مراد الله ورسوله من الألفاظ ، وكيف يفهم كلامه ؟ فمعرفة العربية التي خوطبنا بها ، مما يعين على أن نفقه مراد الله ورسوله بكلامهم ، وكذلك معرفة دلالة الألفاظ على المعاني ، فإن عامة ضلال أهل البدع كان بهذا السبب ، فإنهم صاروا يحملون كلام الله ورسوله على ما يدعون أنه دال عليه ، ولا يكون الأمر كذلك ” [33] .
( للبحث صلة )
* قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة عالية ، كولكاتا ، الهند .
[1] أخرجه أحمد ، برقم 14662 ، والترمذي ، برقم 4 ، وحسنه الإمام الألباني .
[2] انظر الحدادي ، أبو النصر أحمد بن محمد بن أحمد السمرقندي ، المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى . تحقيق ، داوودي ، صفوان عدنان ، دمشق ، دار القلم ، وبيروت ، دار العلوم ، الطبعة الأولى ، ص 28 وما بعدها .
[3] الإكليل في استنباط التنزيل ، لجلال الدين السيوطي ، تحقيق : الغماري ، دار الكتاب العربي ، الجزائر ، ص 16 – 17 .
[4] أثر اللغة في اختلاف المجتهدين ، عبد الوهاب عبد السلام طويلة ، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع ، ط 2 ، ص 4 وما بعدها ، 2000م .
[5] أصول الفقه الإسلامي ، وهبة الزحيلي ، الجزء الأول ، ط 1 ، ص 6 وما بعدها ، دار الفكر ، دمشق ، 1986م .
[6] المستصفى ، للغزالي ، ت محمد عبد السلام عبد الشافي ، دار الكتب العلمية ، ط 1 ، 1993م ، ص 344 .
[7] نظرات لغوية في القرآن الكريم ، صالح بن الحسين العايد ، دار كنوز إشبيليا ، الرياض ، ط 3 ، ص 38 وما بعدها . وكذلك كتاب الفتوى : نشأتها ، وتطورها – أصولها وتطبيقها – لحسين محمد الملاح ، دار الكتب العصرية ، بيروت ، ط 1 ، ص 596 .
[8] علاقة الشريعة باللغة العربية من بحوث مؤتمر علوم الشريعة في الجامعات ، لعبد القادر السعدي 1995م ، نشر المعهد العالي الفكري الإسلامي ، عمان ، الجزء الأول ، ص 223 وما بعدها .
[9] تيسير أصول الفقه ، لعبد الله بن يوسف الجديع ، 2000م ، مؤسسة الريان للطباعة والنشر ، لبنان ، ط 2 ، ص 381 وما بعدها .
[10] الفقيه والمتفقه ، للخطيب البغدادي 2/41 .
[11] آداب الشافعي ومناقبه ، الرازي 150 .
[12] شذرات الذهب ، لابن العماد الحنبلي ، ص 231 .
[13] الموافقات للشاطبي : 4/115 .
[14] الرسالة للشافعي ، ص 50 .
[15] مجموع الفتاوى 7/116 ، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم وابنه ، ط مكتبة النهضة الحديثة بمكة المكرمة ، 1404هـ .
[16] رواه ابن أبي شيبة في فضائل القرآن ، رقم 30534 .
[17] اقتضاء الصراط المستقيم ، ص 206 – 207 ، تحقيق محمد حامد الفقي ، مطبعة السنة المحمدية ، ط 2 ، القاهرة .
[18] مقدمتان في علوم القرآن لآرثر جيفري ، ص 260 ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، 1972م .
[19] توفيق أسعد حمارشة ( علاقة علوم الشريعة باللغة العربية ) بحزث مؤتمر علوم الشريعة في الجامعات ، 1/181 . والنص الشرعي وتأويله ، الشاطبي أنموذجاً ، د . صالح سبوعي ، 36 ، كتاب الأمة عدد 127 ، ص 36 .
[20] الموافقات للشاطبي ، 4/115 .
[21] الاعتصام ، 2/501 ، ضبط وتصحيح أحمد عبد الشافي ، ط 2 ، دار الكتب العلمية بيروت ،1991م .
[22] المفصل في علب الإعراب ، أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري ، ص 18 .
[23] روضة الإعلام بمنزلة العربية من علوم الإسلام ، لابن الأزرق المالكي ، 1/311 – 312 .
[24] مقدمة ابن خلدون ، 1/753 – 764 .
[25] المزهر في علوم اللغة وأنواعها ، ص 136 .
[26] تأويل مشكل القرآن ، لابن قتيبة ، 12 .
[27] المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى 53 ، ومقدمة تفسير ابن النقيب 12 ، والقواعد الحسان في تفسير القرآن 12 .
[28] المطالع السعيدة في شرح الفريدة ، 1/74 .
[29] ينظر الاعتصام ، لإبراهيم بن موسى الشاطبي 2/293 – 302 ، وعلم أصول البدع ، لعلي حسن عبد الحميد الحلبي 44 .
[30] الخصائص ، لابن جني ، 3/245 .
[31] الاعتصام ، للشاطبي ، 2/299 ، وينظر فضائل القرآن ، لابن كثير ، ت أبو إسحاق الحويني .
[32] صون المنطق والكلام للسيوطي 15 ، ونسبت إلى الإمام الشافعي ، والصواب أنها ليست له . سير أعلام النبلاء 10/74 .
[33] الإيمان 111 – 112 ، ومنهاج السنة النبوية 1/201 .