مخطَطَ عمليّ للانتفاضة الإسلامية
ديسمبر 15, 2020البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم ( أول سورة الشورى )
يناير 6, 2021التوجيه الإسلامي :
ثلاث كوارث في عصور الإسلام المختلفة
بقلم : الإمام الشيخ السيد أبي الحسن الحسني الندوي ( رحمه الله تعالى )
إن هذه الأمة الإسلامية العربية ظلت تحتمل النكبات ، وتمر بالكوارث التي تقصم الظهر ، وتذيب المهجة ، وتحيّر العقل ، وتحطم الأعصاب ، كانت أولها وأعظمها وفاة نبيها ، وارتداد عامة العرب ، وانحصار الإسلام والمسلمين – وجلهم بل كلهم من العرب – في مدينة صغيرة ، وقرية أو قريتين من الجزيرة يموج حولهم بحر الكفر والعداء ، وتكتنفهم إمبراطوريتان عظيمتان قد هاجتا عليهم ، وطمعتا فيهم ، فهو كما يقول عروة بن الزبير رضي الله عنه : ” كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية ، لفقد نبيهم صلى الله عليه وسلم وقلتهم ، وكثرة عدوّهم ” .
والثانية : تدفُّق الجيوش الصليبية ، والحكومات الأوربية بأسرها ، وخيلها ورجلها على جزء صغير من المملكة الإسلامية ، ورميها للمسلمين عن قوس واحدة ، واستيلاؤها على القدس ، والمسجد الأقصى ، وكثير من المدن العربية الإسلامية ، وتحديها للإسلام ، وتهديدها لمركزه ، ومرقد نبيه عليه الصلاة والسلام ، فهم في مدِّهم الأوّل ، كالوتد الحديدي يغرز في خشب نيء ناعمِ ، كما يقول : ” استيلي لين بول ” .
وثالثتها : زحف التتار الوحوش على العالم الإسلامي ، وتحطيمهم له من أقصاه إلى أقصاه ، فكانوا يسرحون على جثثه ، وأشلائه من غير خوف أو احتشام ، وقد كان العالم الإسلامي مقبرةً واسعةً يهيمن عليها الموت ، ويسود عليها الصمت الرهيب ، وقد قطع المتفائلون الأقوياء الرجاء في نهضتهم ، ويذكر هذا الحادث المؤرخون العرب ، فتنهمل عبراتهم ، وتتقطع أنفاسهم ، ويفضلون السكوت على الحديث ، والموت على الحياة ، ويذكره المؤرخ ابن الأثير الجزري ، فيقول : لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر الحادثة استعظاماً لها ، كارهاً لذكرها ، فأنا أقدم إليه رجلاً ، وأؤخر أخرى ، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين ، ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك ، فيا ليت أمي لم تلدني ! ويا ليتنى مت قبل هذا ، وكنت نسياً منسياً ! وكانت هذه الكوارث خليقةً بالقضاء على أمة من أعظم الأمم ، ولكن الأمة الإسلامية – وفي مقدمتها وعلى رأسها الشعوب العربية – خرجت من تحت الركام ، ومن تحت الأنقاض حيةً جديدةً ، قويةً نشيطةً ، ونفضت عنها غبار الموت ، وتراب القبر الذي تخيّله أعداء الإسلام ، واستأنفت السير في إيمان جديد ، وثقة مستأنفة ، ودم فائر ، وحماسة زائدة ، والتاريخ مستعد لإعادة نفسه إذا طلب منه ذلك ، واختير له السبيل القويم ، والصراط المستقيم .
إن هذه الكوارث الثلاث التي وقعت في عصور مختلفة ، وانتفاضة الأمة الإسلامية بعدها ، ونهوض العرب يلتقي على نقطة واحدة ، وهي وجود قيادة مؤمنة ، راسخة العقيدة ، قوية الإيمان بوعد الله ونصره ، وبصلاح الإسلام ، وبالقوة الكامنة فيه ، شديدة التمسك بتعاليم الإسلام ، وآدابه ، وأخلاقه ، مجردة عن كلّ أنانية ، وعصبية جاهلية ، فكان على رأس الانتفاضة الأولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه ورفقته ، وكان على رأس الانتفاضة الثانية صلاح الدين الأيوبي وأنصاره ، وكان على رأس الانتفاضة الثالثة علماء ربانيون ، ووزراء صالحون ، أسلم على أيديهم التتار أفراداً وأمةً ، وتحولوا حُماةً للإسلام ، وحملة لوائه في الشرق والغرب ، ويلتقي هؤلاء القادة على أنهم كلهم كانوا يدعون بدعوة الإسلام ، ويقاتلون بسيف محمد عليه الصلاة والسلام ، واستحقوا بذلك نصر الله ، وتأييده الخارق للعادة ، وظهرت المعجزة ، فقد قال الله تعالى : أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ ، أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ( المجادلة : 22 ) وقال : وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ ( الصافات : 173 ) .
يجب علينا – نحن معشر العرب والمسلمين – أن نستأنف السير من جديد فنعترف – بالشجاعة التي عُرفت بها العرب في التاريخ – إن الطريق الذي اخترناه لبناء كياننا الجديد ، واسترداد مركزنا في العالم الجديد ، وفي كسب القوة والوحدة ، وفي إنقاذ فلسطين كان طريقاً عقيماً ، منحرفاً ، يحبط المساعي ويخيب الآمال ، إنه لا يقترن بنصر الله وتأييده ، ولا ظفر ، ولا انتصار ، إلا بنصره وتأييده ، ونعترف بشجاعة أن الله ربط مصيرنا بالإسلام وبمحمّد النبي الأمي ( عليه الصلاة والسلام ) ، وتأييد دينه : فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ( الأعراف : 157 ) ، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ( الزخرف : 44 ) .
ونعترف بشجاعة : أن الظلم مرتعه وخيم ، وأن الطريق التي تسلكه الحكومات الدكتاتورية الشيوعية والمادية مبيد للبلاد ، مهلك للحرث والنسل ، وأنه لا يتفق مع الإسلام ، ولا مع الإنسانيـة ، ولا مع الحرية الحقيقية ، ولا المساواة ، ولا الجمهورية ، وأن الطاعة المطلقة العمياء لقائد أو أمير ، والخضوع له في خير وفي شر ، وفي طاعة وفي معصية ، وتسليطه على العقل ، والنفس تسليط الأصنام والآلهة ، وعدم محاسبته في تصرفاته يجرُّ النار والدمار على العباد والبلاد ، وأن نعترف بشجاعة بأن الثرثرة ، وكثرة الكلام ، والدعاوي الفارغة لا تفيد شيئاً ، وأن التفريط في الاستعداد ، وعدم مقابلة الحديد بالحديد ، والغفلة ، والأخطاء الصبيانية في ميدان الحرب جريمة لا تغتفر في عالم الأسباب .
ونعترف بشجاعة : أن العرب في حاجة إلى إيمان جديد بالدين الخالد القديم ، وإلى حب يملأ جوانح النفس ، ويغمر العقل والقلب بعنوان مجدهم ، وسر شرفهم ، وكرامتهم ، ومنبع قوتهم وانتصارهم لمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي ، الذي لا يعز العرب ، ولا الأتراك ، ولا الهنود إلا بالإيمان برسالته الخالدة ، وتعاليمه الفاضلة ، وإمامته الدائمة ، وقيادته الرشيدة .
ونعترف بشجاعة : أن المسلمين والعرب لا تفيدهم قوة أجنبية ، ولا تخدمهم مصالح سياسية للأجانب تتقلب مع الرياح ، وتخضع للمنافع والأرباح ، فليتوكلوا على الله أولاً ، ثم ليعتمدوا على سواعدهم ، وشجاعتهم ، وإيمانهم ، وأخلاقهم ، وصفاتهم ثانياً .
ويجب أن نلتجيء إلى الله أفراداً وأمةً في ضراعة وابتهال ، ونتوب إلى الله توبةً اجتماعيةً نصوحاً ، ونبرأ إليه من كل حول ، وطول ، ونؤمن بأنه لا ملجأ ، ولا منجى منه إلا إليه ، ولا نكون كالذين قال الله فيهم : فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ ( الأنعام : 43 ) ، ولا كالذين قال فيهم : وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ( المؤمنون : 76 ) ، بل نكون كالذين قال فيهم : وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ( التوبة : 118 ) .
وللتوبة الاجتماعية المخلصة تأثير غريب في تغيير المصير ، وقلب الأوضاع ، فقد حكى القرآن عن هود عليه السلام قوله : وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ ( هود : 52 ) ، وحكى قول نوح عليه السلام : فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً . يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً . مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً ( نوح : 10 – 13 ) ، ولنصلح حياتنا وسيرتنا مع الله ، ومع عباده ، وفيما مكننا فيه ، ومتعنا به ، ولنترك المنازعة مع الله ، ومحادة رسوله ، ومعارضة شريعته ، وقانونه ، ولندخل في السلم كافةً ، فلذلك تأثير سحري في الفوز بالسعادة ، والعز ، والكرامة ، والنجاة من الحكام الظالمين ، والأعداء القاهرين ، فقد قال الله تعالى : وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ َلأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً ( الجن : 16 ) ، وقال : وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ ( الأعراف : 96 ) ، وهذا هو السلاح الذي أشار به موسى على قومه في مصر : وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ( يونس : 87 ) .
ألا إن العالم العربي لم يغب له نجم إلا وطلع له نجم آخر ، ولم يتوار بطل إلا وبرز بطل آخر ، ولم يرض الله بذلِّه وهوانه ، ففي ذله ذل المسلمين ، وفي هوانه شماتة الأعداء المتربصين ، فلينفض عنه الغبار ، وليستأنف السير ، وليعد إلى مركزه ورسالته ، وصفاته الأولى : وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ . إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَآءَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ . وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ . أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ . وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ( آل عمران : 139 – 143 ) .
وصلى الله تعالى على خير خلقه ، محمد وعلى آله وصحبه وبارك وسلم .