تراث نضال الاستقلال ومجمع الثقافتين الإسلامية والهندية

محمد صلى الله عليه وسلم معلماً
أكتوبر 20, 2020
محمد صلى الله عليه وسلم معلماً
أكتوبر 20, 2020

بأقلام الشباب :

الجامعة الملية الإسلامية

تراث نضال الاستقلال ومجمع الثقافتين الإسلامية والهندية

الأخ حسان أنور *

بمناسبة دخول الجامعة في عام الاحتفال المئوي يسلط هذا المقال ضوءاً على تاريخ الجامعة بإيجاز بدءاً من إنشائها ومروراً بصعودها وهبوطها ووصولاً إلى ذروتها ونضجها في مجال الإبداع والتربية . ومن أبرز ملامح هذه المؤسسة العريقة أنها جاءت في إطار خطة شاملة تهدف إلى الجمع بين الفكرة الإسلامية والروح العلمانية في بيئة هندية ذات تعددية مثالية لتوحيد صفوف الهنود وتوجيه طاقتهم ضد الاحتلال الإنكليزي كما أنها زودت المسلمين في الهند بالرؤية التي تساعدهم في تأسيس القيم الإنسانية ومعالجة الأزمة الفكرية إثر وأثناء مقاومة الاستعمار .

خلفية موجزة عن تأسيس الجامعة :

منذ تدهور الحكومة المغولية وإخفاق الثورة العارمة في الهند في نحو منتصف القرن التاسع عشر ، سيطرت عليها بريطانيا بشكل استعماري . وما إن هيمنت على موارد الهند إلا حاولت صبغة البلاد باللون الإنكليزي فكرياً وثقافياً . وهذا مما ألقى المسلمين على هامش المجتمع الهندي كما واجهوا أنواعاً من التحديات في مجال السياسة والثقافة والاقتصاد ، فأجريت اتجاهات ثقافية تدعوهم إلى التحلي بالتعليم والتربية لرفع مستواهم الفكري ؛ منها حركة تهتم بنشر الفكر الإسلامي أطلقها الشيخ محمد قاسم النانوتوي والشيخ رشيد أحمد الكنكوهي من خلال إقامة دار العلوم الثائرة على الاستعمار البريطاني  في بلدة ديوبند بالقرب من عاصمة دلهي في عام 1866م ، ومنها حركة تعتني بتعليم التكنولوجيا والعلوم الحديثة أحدثها السيد أحمد خان من خلال تأسيس الكلية الشرقية الخاضعة للحكم البريطاني في مدينة علي كراه في عام 1875م [1] .

فكرة تراود إنشاء الجامعة الملية الإسلامية :

عكفت كل من المؤسستين على رفع مستوى المسلمين الفكري والثقافي في الهند ، ولكن حدثت فجوة فكرية بين الاتجاهين وازدادت على ترادف الأيام إلا أن الجامعة الملية الإسلامية بادرت إلى سد تلك الثغرة بين الحركتين وتميزت بالجمع بين الفكرة الإسلامية والروح العلمانية في بيئة هندية ذات تعددية مثالية لتوحيد صفوف الهنود وتوجيه طاقتهم ضد الاستعمار الإنكليزي كما أنها زودت المسلمين في الهند بالرؤية التي ساعدتهم في غرس بذور القيم الإنسانية العليا ومعالجة الأزمة الفكرية والساسية التي يواجهونها إثر وأثناء نضال الاستقلال . فاجتمع لأول مرة في تاريخ الهند نخبة من المثقفين بمن فيهم رجال الفكر الإسلامي أمثال شيخ الهند محمود حسن الديوبندي والمفتي عبد الباري الفرنكي محلي والعلامة شبير أحمد العثماني والشيخ حسين أحمد المدني والمفتي كفاية الله الدهلوي والسيد سليمان الندوي ومولانا عبيد الله السندي والشيخ حفظ الرحمن السيوهاروي وكبار الزعماء أمثال مولانا محمد علي جوهر وشقيقه شوكت علي ومولانا أبو الكلام آزاد والحكيم محمد أجمل خان والدكتور مختار أحمد الأنصاري والمهاتما غاندي والمحامي آصف علي وسيف الدين كشلو وخان عبد الغفار خان والدكتور عبد المجيد خواجه والدكتور ذاكر حسين ومحمد مجيب والسيد عابد حسين لمعالجة الأزمة الفكرية وجذب الدعم الشعبي أثناء نضال الاستقلال . وأثمرت مساعي هؤلاء الرجال والزعماء جميعاً عن إنشاء الجامعة الملية الإسلامية في نحو أواخر الربع الأول من القرن العشرين في مدينة على كراه . وما كان عندهم آنذاك سوى الإرادة القوية والهمة العالية بدلاً من أن يكون لها حرم جامعي ذو أرض واسعة ومبان شامخة ومناظر بهيجة وفصول ذكية حتى بدأت نشاطات تعليمية وتربوية في مخيمات مستأجرة لنهضة الأجيال الناشئين في مجال الفكر والثقافة [2] .

مرور الجامعة بمرحلة الصعود والهبوط :

مما لايخفى على أحد أن الجامعة الملية الإسلامية ترافقت بها تحديات وتضحيات منذ بواكير أيامها كما عانت من أزمات اقتصادية خطيرة أكثر من مرة حتى خشي الإداريون على كيانها إلا أنهم تمكنوا من الحفاظ عليها بفضل ما كانوا يحظون به من عزم وطموح ومثابرة وتكريس تجاه هذه المؤسسة العريقة . وفي بداية حياتها كانت لجنة الخلافة المركزية تتحمل مصاريفها. ولما تعرضت اللجنة للبعزقة مرت الجامعة بالأوضاع القاسية مرة أخرى، فاتخذ مجلس إدارتها قراراً لنقلها إلى العاصمة دلهي بعد مجرد خمس سنوات بتأسيسها . وبالرغم من ذلك عجزت عن نيل الاستقرار بعد الانتقال إلى دلهي في عام 1925م حتى أن مساعدة مالية قدمها الحكيم أجمل خان والدكتور مختار الأنصاري وعبد المجيد خواجه لم تمكن من استقرارها لفترة طويلة ، فهي ما خرجت من بلاء إلا وقعت في آخر . ثم قام الحكيم أجمل خان برحلات محلية وأجنبية لجمع التبرعات لمواصلتها . وما إن نفخ في روحها اتصال كل من ذاكر حسين وعابد حسين ومحمد مجيب بها بعد العودة من أوروبا لأجل الحفاظ على مصالح الجامعة إلا أن نعي الحكيم أجمل في عام 1928م هز جذور كيانها مرة أخرى . وما أحسن أداء هؤلاء العباقرة الثلاثة عندما تحملوا مسؤولية إدارتها إيفاء لما تعهدوا به من الحفاظ على المؤسسة التي زودت المسلمين بالرؤية التي ساعدتهم لمكافحة الاستعمار في الهند. ومن أحسم تحديات ابتليت بها الجامعة الملية الإسلامية في حين اندلعت فيه نار الاضطرابات الطائفية في شمال الهند وشرقها لدى قرب نيل الاستقلال من الاستعمار الإنكليزي ، فاستطاع الدكتور ذاكر حسين معالجتها بذكاء ، كما قام بدعوة زعماء اتجاهات فكرية مختلفة إلى الجامعة بمناسبة احتفال اليوبيل الفضي في عام 1946م . ويندر نظير ما قدم أساتذتها من تضحية مالية خلال الأزمة الاقتصادية الخطيرة عن طريق اقتناعهم بمجرد نصف رواتبهم مع حاجة ملحة [3] .

من الواقع أن البطل الهندي العبقري المهاتما غاندي كان يعتبر هذه المؤسسة ينبوعاً من ينابيع الوطنية الصادقة والروح العلمانية ورمزاً من رموز الانسجام الطائفي والتناغم الاجتماعي في بيئة هندية ذات ديانات وثقافات ولغات . وله دور بارز في وضع مقرراتها الدراسية كما كان يسعده أن تكون مادة الدراسات الإسلامية جزءاً منها . وقد حافظ على علاقته الوثيقة بها كما ظل شديد الحرص على رقيها وتطويرها مدى حياته . ذات مرة أصابتها أوضاع اقتصادية قاسية كادت أن تقضي    عليها ، فنهض غاندي ودعا الشعب إلى مواصلتها عن طريق تقديم التبرعات المالية إلى أنه كان مستعداً لطرق الأبواب بوعاء التسول بنفسه لتصدى الحالة الصعبة . وكذلك مرةً أخرى تعرض لها وضع اقتصادي ومن بعض الأوساط الذي يعمد إلى استقطاب تبرعات الهندوس طرح منه اقتراح أن تحذف بموجبه الكلمة ” الإسلامية ” ، فنبه غاندي أن لا تبقى صلته الانفعالية بها إلا إذا كانت الكلمة ” الإسلامية ” جزءاً من اسمها . وأحياناً يقوم بزيارتها مفاجئاً بدون تحديد موعد سبق . وتعتبر الجامعة الملية الإسلامية شتلة أفكار غاندي . وهذا مما يشهد بكثافة علاقته بالجامعة وشدة حرصه على دعمها وتطويرها [4] .

الجامعة من نظر أدائها ومنجزاتها :

مما لا ريب فيه أن الجامعة الملية الإسلامية تعتبر علامةً فارقةً في مواجهة التحديات المعاصرة وهي إحداث الوعي الثقافي وتجديد المعرفة وإعداد قيادة الغد وغرس بذور الوطنية الصادقة في الشعب الهندي بصفة عامة وفي أوساط المسلمين بصفة خاصة . وهي لم تكن بدأت مؤسسة تربوية فحسب بل هي ثمرة مجهودات بذلها رواد مقاومة الاحتلال في الهند بتضحية أموالهم وأنفسهم مدى عقود . وكذلك ما يميزها عن شقيقاتها أنها بادرت إلى سد فراغ بين أتباع الاتجاهين المعاصرين المختلفين لمعالجة الأزمة الفكرية والتخلف الثقافي في مسلمي الهند أثناء مكافحة الاستعمار الأجنبي . ومن دون أن يبالي ما أصابها من أزمات خطيرة  متتالية ، استغلت الجامعة من طاقتها الموهوبة ووجهت ارتكازها على تحقيق أهدافها المنشودة التي وضعتها عندما أقيمت . وقد تشكلت جامعة مركزية بموجب قرار أصدره البرلمان الهندي في عام 1988م معترفاً بما أدى من إسهام كبير في نشر الثقافة والوطنية الصادفة . وهذا مما يكشف النقاب عن روعة أدائها وضخمة إنجازها .

[1] راجع لمزيد من التفاصيل :

  • آزاد ، أبو الكلام ، ( India Wins Freedom ) ، ( إوري نت لانج مين ، 1959 ) ، ص : 8 و 9
  • تاراشاند ،( History of Freedom Movement ) ، ( نيو دلهي، 1975 ) ، ص : 494 ، ج : 3
  • نظامي ، ظفر أحمد ، الحكيم أجمل خان ، ( نيو دلهي، إدارة النشر والتوزيع ،  1988 ) ، ص : من 128 إلى 151

[2] راجع لمزيد من التفاصيل :

  • ظفر أحمد ، الحكيم أجمل خان ( في اللغة الإنكليزية ) ، ص : 125
  • مشير الحسن ، ( A. Ansari: Gandhi’s Infallible Guide ) ، ( نيو دلهي ، مطبعة منوهر ، 2010 ) ، ص : 125 و 126
  • مجموعة أعمال المهاتما غاندي ( Collected Works of Mahatma Gandhi ) ، ص : من 380 إلى 382 ، ج : 21 ، نقلاً عن جريدةyoung India  المنشورة في 27/10/1920

[3] ظفر أحمد ، الحكيم أجمل خان ، ص : 166 و 167 .

[4] مشير الحسن ، ( M. A. Ansari: Gandhi’s Infallible Guide )، ص : 126 .