تجليات القضية الفلسطينية في شعر أحمد مطر

مكتبة شبلي النعماني العامة لندوة العلماء تاريخها ، وذخايرها العلمية ( الحلقة الثانية )
يناير 28, 2025
موقف النقد العربي القديم من ظاهرة التناص المعاصرة ( الحلقة الأولى )
يناير 28, 2025
مكتبة شبلي النعماني العامة لندوة العلماء تاريخها ، وذخايرها العلمية ( الحلقة الثانية )
يناير 28, 2025
موقف النقد العربي القديم من ظاهرة التناص المعاصرة ( الحلقة الأولى )
يناير 28, 2025

دراسات وأبحاث :

تجليات القضية الفلسطينية في شعر أحمد مطر

د . إحسان الله خان *

تُعدّ القضية الفلسطينية إحدى القضايا الشائكة والعويصة وأكثرها دمويةً في العصر الحديث بالنسبة لفلسطين وأهلها ، حيث إنهم واجهوا صعوبات ومشاكل ، ولا يزالون يواجهونها في حياتهم اليومية ، جراء السياسات العدوانية التي مارسها الاحتلال البغيض بحقهم ، الأمر الذي جعلهم يتعرضون للتهجير من أراضيهم ، وسلب ممتلكاتهم ، فكم من أسر وعائلات فلسطينية وجدت نفسها غارقةً في مآزق خطيرة أجبرتها على النزوح إلى البلدان المجاورة . وإلى جانب ذلك ، فإن فلسطين دائماً وأبداً كانت محط أنظار العالم الإسلامي ، لأنها تحتضن المسجد الأقصى المقدس الذي يعد أحد المساجد الثلاثة المقدسة في الإسلام .

ونظراً لذلك كله ، فقد أصبحت القضية الفلسطينية إحدى القضايا المهمة والمحورية لدى الأدباء والمفكرين العرب الذين كتبوا عنها في كتاباتهم ، كما تغنى بها العديد من الشعراء العرب وغير العرب ، آخذين في الاعتبار حجم المعاناة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني كما حاولوا عن طريق قرض الشعر عن فلسطين إثارة الاهتمام العربي والدولي ، وإبراز الحقائق الواقعية المرتبطة بالقضية ، وعرضها على الساحة العالمية .

وعندما نمعن النظر في كتابات رواد الأدب العربي المعاصر من قصاصين وروائيين وشعراء ، فإننا وجدنا أن العديد منهم كتبوا عن هذه القضية المهمة بشكل مكثف ما زاد الاهتمام العربي والإسلامي بها ، وأماط اللثام عن مساوئ الاستعمار والمستعمرين وممارساتهم العدوانية . ومن بين الشعراء العرب نجد اسم الشاعر أحمد مطر الذي ذاع صيته في مختلف بقاع العالم جراء قصائده البليغة والمهمة عن قضية فلسطين وتداعيات الممارسات العدوانية التي تبنتها القوى المحتلة ، كما تعرض أحمد مطر في شعره للتقاعس الذي مُني به العديد من الحكام العرب ، فاندفع يوجه إليهم نقداً لاذعاً .

نبذة عن الشاعر أحمد مطر :

وُلد الشاعر أحمد مطر بالعراق في عام 1954م ، وتفتقت موهبته الأدبية في سنه المبكرة ، فبدأ يقرض الشعر ، وما إن اشتد عوده حتى قال شعراً عده الناس ثورةً عارمةً ضد الطغاة والمفسدين ، فبدأت السلطات تضيق الخناق عليه ، حتى اضطر للفرار إلى الكويت ، واشتغل بتحرير جريدة ” القبس ” ، وواصل نشر قصائده فيها وفي غيرها ، وأجبرته الظروف للنزوح مرةً أخرى إلى بلد أوروبي ” لندن ” حيث عاش بها وواصل عطاءه العلمي والشعري ، وفي إحدى المقالات في موقع ” المرسال ” نجد اقتباساً يلخص حياته ” أحمد مطر شاعر عراقي ، ولد في قرية التنومة ، إحدى نواحي شط العرب في البصرة ، عام 1954م ، وهو الابن الرابع بين عشرة إخوة من البنين والبنات ، وعاش بالعراق مرحلة الطفولة قبل أن تنتقل أسرته وهو في مرحلة الصبا ، لتقيم بمسكن عبر النهر في محلة الأصمعي . بدأ أحمد مطر كتابة الشعر ، وهو في سن الـ14 ، ولم تخرج قصائده الأولى عن نطاق الغزل والرومانسية ، وخلال دراسته تعثرت به الحال ، ولم يُكمل حياته التعليمية ولجأ إلى القراءة هرباً من الظروف المعيشية الصعبة ، لتزداد قدراته اللغوية عما كانت عليه . ومع اشتعال الأحداث السياسية في بلده العراق أصبح يميل إلى الحديث في السياسة عن طريق ما يتفوه من شعر ، فراح يتناول موضوعات تنطوي على تحريض واستنهاض لهمم الناس للخلاص من واقعهم المرّ ” [1] .

اشتهر أحمد مطر بقصائده الماتعة في المواضيع التي تتراوح بين المواضيع الاجتماعية والسياسية في العالم العربي المعاصر ، وقد لمع اسمه من أجل شعره في نقد المجتمع الغارق في الفساد والاستبداد حتى النخاع ، وبذلك صار ضمن طليعة الشعراء المحنكين في العالم المعاصر ، ويقول الناقد رجاء نقاش عنه في مقال له في مجلة المصور : ” أحمد مطر . . شاعر جديد بدأ اسمه يلمع منذ سنوات قليلة ، وأصبح اليوم واحداً من أبرز الشعراء العرب المعاصرين ، رغم أن صوته الشعري لم يصل إلى مصر حتى الآن ، بل لعله لم يصل إلى كثير من العواصم العربية الكبيرة ، وذلك لأنه يعيش مغترباً منذ بداية حياته الأدبية ، وهو الآن يعيش في لندن ” [2] .

القضية الفلسطينية في شعره :

يتسم أدب أحمد مطر بالتغني بالحرية ، والدعوة إلى كسر الأصفاد ، والوقوف في وجه الظلم والبطش ، واستنهاض همم الشعب لنصرة فلسطين وأهلها ممن أوذوا وعذبوا أيما تعذيب في وطنهم ، وقد قرض الشاعر قصائد عديدةً رائعةً لصالح فلسطين ، يسخر فيها من موت الضمير الإنساني ، وفي أخراها يقدم النقد اللاذع للصمت المطبق الذي يقبع فيه الحكام العرب ، وعدم تصديهم لممارسات المحتل البغيض ، كما يتحدث في بعضها الأخرى عن عدم تمكنه من القيام بأي أمر ذي بال قد يغير الساحة ، فها هو يقول في إحدى قصائده بعنوان ” بين يدي القدس ” :

يا قدس يا سيدتي معذرة فليس لي يدان ،

وليس لي أسلحة وليس لي ميدان ،

كل الذي أملكه لسان ،

والنطق يا سيدتي أسعاره باهظة ،

والموت بالمجان ،

سيدتي أحرجتني ،

فالعمر سعر كلمة واحدة وليس لي عمران ،

أقول نصف كلمة ،

ولعنة الله على وسوسة الشيطان ،

جاءت إليك لجنة ، تبيض لجنتين ،

تفقسان بعد جولتين عن ثمان ،

وبالرفاء والبنين تكثر اللجان ،

ويسحق الصبر على أعصابه ،

ويرتدي قميصه عثمان ،

سيدتي ، حي على اللجان ،

حي على اللجان [3]

وإضافةً إلى ذلك ، نجد الشاعر أحمد مطر يقدم إدانةً كبيرةً للقوى الاستعمارية والاحتلال الإسرائيلي البغيض في أسلوب ساخر ، مستخدماً في بعض قصائده التناقضات والتجاوزات الساخرة لكشف الستار عن أوجه الظلم والبطش والتهميش التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني طوال العقود الماضية ، كما يقدم نقداً لاذعاً إلى تقاعس الحكام ، وضعفهم وعدم مقدرتهم على إنهاء الظلم والإهانة عن الشعب الفلسطيني المظلوم ، ومن بين قصائده الرائعة في هذا الجانب نجد قصيدته المعنونة بـ ” قصيدة شطرنج ” حيث يقول فيها :

منذ ثلاثين سنة ،

لم نر أي بيدق في رقعة الشطرنج يفدي وطنه ،

ولم تطن طلقة واحدة وسط حروف الطنطنة ،

والكل خاض حربه بخطبة ذرية ، ولم يغادر مسكنه ،

وكلما حيا على جهاده ، أحيا العدا مستوطنة ،

منذ ثلاثين سنة ،

والكل يمشي ملكا تحت أيادي الشيطنة ،

يبدأ في ميسرة قاصية وينتهي في ميمنة ،

الفيل يبني قلعة ، والرخ يبني سلطنة ،

ويدخل الوزير في ماخوره ، فيخرج الحصان فوق المئذنة ،

منذ ثلاثين سنة ،

نسخر من عدونا لشركه ونحن نحيي وثنه ،

ونشجب الإكثار من سلاحه ونحن نعطي ثمنه ،

فإن تكن سبعا عجائب الدنى ، فنحن صرنا الثامنة ،

بعد ثلاثين سنة ” [4]

وفضلاً عن ذلك ، نجد الشاعر يندد بالكيان المحتل الذي سام الفلسطينيين سوء العذاب ، من استلاب لحقوقهم ، ونهب لأراضيهم ، وإقامة استيطانات عليها ، ومن هنا نجد أن الشاعر ” لم يتوان ولو للحظة في التهكم من الكيان الغاصب والتشهير بمجازره ووحشيته باغتصابه أراض لا ناقة له فيها ولا جمل بوثيقة لا تتجاوز ألفاظها الخمس عشرة كلمة أعني بها معاهدة بلفور ، كما أنه هو الآخر عانى الويلات نتيجة تعنته ورفضه الخضوع والخنوع لاستفزازات العدو واستخباراته وتهديداته ، فكان مصيره التهجير قصرا صوب الكويت ثم لندن وقتل صديقه المقرب الرسام الكاريكاتوري ” ناجي العلي ” لمشاركته النضال ، وبحظر لافتاته ومنعها من النشر في كثير من الدول العربية ” [5] . وبهذا الصدد نجد قصيدته المعنونه بـ ” هذه الأرض لنا ” والتي يوظف فيها الشاعر أسلوب السخرية والتهكم من الكيان الغاصب ، حيث يقول فيها :

قوت عيالنا هنا ،

يهدره جلالة الحمار

في صالة القمار

وكل حقه به

أن بعير جده

قد مر قبل غيره

بهذه الآبار

يا شرفاء

هذه الأرض لنا [6]

ويتضح لنا من النماذج الشعرية الرائعة التي قمنا بنقلها في الصفحات الماضية أن الشاعر الثائر أحمد مطر قدم قصائد رائعةً دفاعاً عن فلسطين ، وذوداً عن حياضها ، وإثارةً للاهتمام الدولي والعربي والإسلامي إزاء قضية طالما حصدت أرواح الكثير من الأبرياء والعزل في خضم الصمت الدولي الرهيب ، وخذلان بعض من الحكام العرب . ومن هنا نرى أن قصائد الشاعر أحمد مطر تحمل في ثناياها دلالات ومعاني ورسائل صادقةً وصريحةً للجميع على ما فيها من قوة في التأثير ، وسمو في المعاني ، وجزالة في الألفاظ ، ورشاقة في الأسلوب العربي المبين .

كما يتبين لنا من قصائده الرائعة عن فلسطين أنها تتراوح بين تقديمها نقداً لاذعاً للاحتلال البغيض وآلياته وممارساته ، وتوجيهها سُخريةً لاذعةً للحكام العرب ، كما تتميز قصائده المجيدة في فلسطين بتنوع المواضيع المهمة التي تتناولها ، منها ما التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بصميم القضية الفلسطينية المتعلقة بالاحتلال البغيض لها ، فضلاً عن تصويرها للنكبة الفلسطينية وما تلاها من تشريد وتهجير للفلسطينيين من أراضيهم ، وتنقلهم في مختلف البلدان العالمية ، كما تتحدث قصائده الأخرى عن حق عودة الفلسطينيين لأرضهم ، واستنكار للاحتلال والاستيطان المشين .

هذا عن المواضيع التي عالجها أحمد مطر في قصائده عن فلسطين ، أما إذا نظرنا إلى الشكل والأسلوب اللذين استخدمهما الشاعر فإننا وجدناهما موجودين في قصائده في أروع شكل أدبي وأسلوب عربي مبين ، حيث نراه يستخدم لغةً شعريةً قويةً ، ومفردات بليغة تفصح عن حجم الألم والمعاناة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني المظلوم ، وهو في كل ذلك يسعى للجمع بين اللغة البسيطة والقوية ، وبين استخدام الألوان والصور الشعرية المعقدة ، كما نجده يدأب على استخدام التكرار والاستدراج ببراعة لإيصال فكرته ورسالته إلى العالم أجمع ، وذلك كله في شعر عربي رائع يلخص أجود ما جادت به قريحة الشاعر العربي الذي عُرف           بـ ” ملك الشعراء ” بكل جدارة واستحقاق ، فصار خير متحدث بلسان حال فلسطين وأهلها .

* الأستاذ المساعد ، قسم اللغة العربية وآدابها ، جامعة علي كره الإسلامية ، علي كره ، الهند .

[1] المعلومات مأخوذة من موقع المرسال ، https://www.almrsal.com/post/914184

[2] ” شاعر جديد يلفت الأنظار ” مقال لـ رجاء النقاش ، مجلة المصور ، 1987م ، ص 4 .

[3] المجموعة الشعرية ، أحمد مطر ، دار العروبة بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى 2011م ،   ص 36 .

[4] المجموعة الشعرية ، أحمد مطر ، دار العروبة بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى 2011م ،   ص 16 .

[5] صدى القضية الفلسطينية في الشعر العربي ” أحمد مطر نموذجاً ” ، مجلة المعيار ، مجلد 28 ، عدد 3 ، ص 517 .

[6] المجموعة الشعرية ، أحمد مطر ، ص 54 .