وسائل التواصل الاجتماعي : كيف يمكن استخدامها ؟
مارس 31, 2021فكرة الهيمنة العالمية وعاقبتها الوخيمة
يونيو 2, 2021صور وأوضاع :
برنامج زوم وتفاعلاته في النشاطات التعليمية
محمد فرمان الندوي
صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْئ :
شهد العالم الإنساني انفجاراً مدهشاً في عالم التواصل والحوار ، لم يكن في حسبان أحد ماذا يحدث في هذا العالم المتغير ، فأصبح العالم المترامي الأطراف في متناول كل إنسان ، ذكراً كان أو أنثى ، فيبلغ إليه كلامه وحواره ، وكل ما يدور بخلده ، حتى بدأت المؤتمرات والندوات العالمية عبر هذه الوسائل ، ويبدي فيها المشاركون آراءهم ، ولا شك أنه دليل على نضج العقل الإنساني واكتماله ، واختراعه وابتكاره ابتكاراً من الآليات الحديثة ، وقد قال تعالى : صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْئ ( النمل : 88 ) .
ومن برامج التواصل الاجتماعي برنامج زوم ، وهو أحد البرامج الفيديوية ، يجري فيه الرجل كلامه مع الآخر ، وتأتي صورتهما على الشاشة مباشرةً ، ويمكن أن يكتم الإنسان صورته ، ويشاركه في الصوت فقط ، انتشر هذا البرنامج في العالم كله ، واستقطب اتجاهات الناس ، فما من مكتب أو إدارة أو معهد أو مدرسة إلا ويوجد فيه هذا النظام ، ويرغب المثقفون في نشر هذا النظام وتعميمه ، ويجتمعون على منصة واحدة ، ومعلوم أن هذا النظام لم يكن سائر الذكر ، وذائع الصيت من قبل ، لكن انتشار مرض كرونا قام بترويجه ، فالناس على تباعد أوطانهم وتنائي ديارهم يحضرون البرامج العالمية ، ويتباحثون ويتناقشون حول مواضيع متنوعة ، وتصدر توصيات وتقارير تكون سارةً ، وتكون نتائجها حسنةً .
نظام مماثل لبرنامج زوم :
لا يختص هذا النظام بالمؤتمرات والندوات فحسب ، بل سارعت إليه مراكز التعليم والتربية ، فرحبت أولاً الجامعات الرسمية والمدارس الحكومية بهذا النظام ، وبدأ التعليم عن بعد عبر شاشات الجوالات والجهاز الإلكتروني ، وليعلم أنه كان يوجد هناك نظام مماثل من قبل في الجامعات الرسمية بالتعليم عن بعد ( Distance Education ) ، بحيث يلتحق الطالب عبر التليفون بأي جامعة ، ويقدم إليها بطاقةً شخصيةً مع العنوان الكامل ، ثم ترسل إلى الطالب من الجامعة مناهج تعليمية عبر البريد ، ومقررات دراسية ، ويوجد معها دليل لهذه المقررات ، فإن الطالب يدرس هذه الكتب المقررة منذ عند نفسه ، فإذا صعبت عليه قاعدة أو عبارة ، أو أشكل عليه أمر راجع الدليل ، وحلَّ هذه العويصة ، ثم تكون لهؤلاء الدراسين في نهاية السنة التعليمية امتحانات واختبارات ، وينالون بها شهادات حسب مستويات تعليمية ، فهذا النظام التعليمي قُرر للطلاب الذين لا يتمكنون من الحضور في الصفوف ، إما بضآلة إمكانياتهم أو بأعذارهم الجسمية أو أشغالهم الوظيفية التي يباشرونها .
نظام حديث للتعليم بين الواقع والمأمول :
وقد تطور هذا النظام التعليمي في العالم ، فاكتشف برنامج زوم ، وكلمة زوم معناها السرعة ، فهو وسيلة سريعة الأثر ، واسعة النطاق ، ازدادت خطورة أمره منذ زمن كورونا ، حينما فرض الحظر على التجول من مكان إلى مكان آخر ، ليس في بلد واحد ، بل في العالم أجمع ، فلم يكن هناك رابط للمكالمة وإجراء المحادثات إلا هذا البرنامج ، فركزت الحكومات على استخدام هذا البرنامج ، ثم تسابقت الدول والبلدان إليه ، وأعلنت عن فتح الجامعات والمدراس ، لمواصلة التعليم عبر هذا الجهاز الإلكتروني ، بدأ هذا النظام بإجراء الامتحانات ، ذلك لأن الإغلاق الكامل كان في شهر مارس 2020م ، وهو زمن الامتحانات الجامعية ، فتمت إجراءات الامتحانات إلى حد عبر برنامج زوم ، وبدأ التعليم خلال الإغلاق العام حسب هذا النظام ، ففكرت المدراس الإسلامية والمراكز الدينية التعليمية في تطبيق هذا النظام في حالة الاضطرار ، لأنها تؤمن بهذه القاعدة الأساسية : الحكمة ضالَّة المؤمن ، أنى وجدها فهو أحق بها ( رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه ) ، وقد سارعت بعض المدارس الكبرى إلى إجراء هذا النظام ، فلم تترك الأساتذة والموظفين مهملين ، ولم تعطل نظامها التعليمي ، بل استعملت برنامج زوم تفادياً من ضياع أوقات الطلاب ، وشغلاً للأساتذة والموظفين .
وإذا كان هذا النظام قد تم استعماله في حالة الاضطرار فلا حاجة إلى التفكير في الجوانب الإيجابية والسلبية ، لكن نأخذ هذه القضية على طاولة النقاش ، ونتفكر فيها قليلاً من ناحية السلب والإيجاب :
- برنامج زوم اكتشاف جديد ، واختراع حديث ، لم يعرفه العالم قبل 2011م ، وقد كان اكتشافه في كاليفورنيا ، بعد دراسات واسعة ، كان في بداية الأمر نطاق زوم محدوداً ، لكن توسع أخيراً ، فمعنى ذلك أن برنامجاً واحداً ضم جميع الفئات والطبقات إلى خيط واحد شكلاً وصوتاً ، نطقاً وحواراً ، تحدثاً وكلاماً ، فكيف بالبرامج الأخرى التي لم يتم الاكتشاف حتى الآن ؟
- صار التحصيل العلمي ببرنامج زوم سهلاً ميسوراً من دون الذهاب من مكان إلى مكان آخر ، وحصلت لرواد العلم فرصةً ذهبيةً لتبادل الآراء ومناقشة الموضوعات ، فهذا في أمريكا ، وذلك في أوستراليا ، يجتمعان في آن واحد وفي لمحة واحدة لتلقي العلم وتلاقح الأفكار ، وقد تحمل السلف مشاق السفر في أخذ العلم كثيراً ، فهذا جابر بن عبد الله رضي الله عنه رحل إلى عبد الله بن أنيس مسيرة شهر طلباً لحديث واحد ، ( صحيح البخاري : كتاب العلم ) ورحل البخاري إلى بلخ والري وهراة ونيسابور لأخذ الحديث النبوي .
- وقاية الإنسان من نفقات السفر بوجود هذه الوسيلة التعليمية ، وقد كان الإنسان يذهب للحصول على العلوم والفنون والتقنيات فينفق أموالاً طائلةً من الدولارات والفلوس ، لكن هذا النظام الإلكتروني خفف من عبء هذه النفقات وثقلها ، وبدأ يحصل الطالب على منافع العلم والفن من دون كلفة ولا مشقة .
أما ما يضاد هذا النظام الإلكتروني فهو :
- الدراسة تتطلب الإتقان في الفنون ، وهذا الإتقان والمهارة الفائقة لا تحصل بالتعليم عن بُعد ،لأن بعض التساؤلات لا تنحل بهذا النظام الإلكتروني ، أضف إلى ذلك انقطاع شبكة الإنترنيت خلال التعليم ، واختلال النظام وعدم وصول الأصوات بوضوح إلى الطلاب وبالعكس ، فيورث ذلك خللاً في التعليم ، فكيف تحصل المهارات العلمية والبحثية ، وكيف ينال الإنسان حلاً لعقدته التعليمية ؟
- خير وسيلة للتعليم والدراسة هي أن يكون الأستاذ والطلاب جالسين في مكان واحد ، وهي أفضل طريق لنقل المعلومات والدراسات إلى الآخرين ، وقد أثبتت الدراسات أن لأسارير وجوه الأساتذة فضلاً كبيراً في ترسيخ المعاني والمفاهيم ، وقد فقد برنامج زوم هذه المعنوية العلمية ، فأنى للطلاب ما يرجون من علم ومعرفة ودراسة وتحقيق ؟
- غاية التعليم هي التربية وإصلاح الأخلاق ، وتنشئة روح بناءة في نفوس المتعلمين ، فمجرد التعليم لم يكن معتبراً في الميزان الصحيح في أي زمن ، فالتربية تجعل الإنسان إنساناً في معنى الكلمة ، وحينما يتعلم الطالب من الأستاذ مباشرةً ، فيكون الأستاذ نموذجاً له في كل شيئ ، لكن يا للأسف أن التعليم عن بعد أحدث أولاً بوناً شاسعاً بين التعليم والتربية ، ثم زاد الطين بلةً ما جاء به برنامج زوم فكأنه صلى على التربية الإنسانية والمثل العليا أربعاً لوفاته ، لا قدر الله ، ويمكن أن تكون نظرية التعليم دون التربية صالحةً لأوربا ، لكن لا تصلح تماماً لنظام المدراس الدينية والمراكز الإسلامية .
ما لا يدرك كله ، لا يترك كله :
فالتعليم الإلكتروني ، واستخدام برنامج زوم للتعليم والتربية حاجة اضطرارية ، يمكن استخدامه وقت الحاجة ، فإذا زالت الحاجة ، وصارت الأوضاع على ما يرام يحسن التباعد عنه ، لكن لا مانع في أن نعقد المؤتمرات والجلسات للشركات والجمعيات ، فإن إنجاز مشاريع وإكمال أعمال إدارية يمكن بهذا النظام الإلكتروني في أسرع وقت ممكن ، فإذا اجتنب أصحابها هذا النظام الجديد خسروا خسارةً كبيرةً ، فليس من الذكاء والفطانة أن يشعر الإنسان بمنافعه ، ثم يحذر في استغلال الوسائل الحديثة والآليات المتوافرة ، وما زال التعليم والتربية مزدوجين عبر التاريخ ، لا نستطيع أن نفصل الواحد عن الآخر ، وإذا كانت حالة الاضطرار فليس من المعقول إضاعة الأوقات وتعميم البطالة ، وقديماً قال العرب : ” ما لا يدرك كله ، لا يترك كله ” .