حركة الإمام أحمد بن عبد الأحد السرهندي الدعوية
يناير 1, 2020المنهاج الذي رسمه الله لهذه الأمة
مارس 1, 2020الدكتور مصطفى البعزاوي *
من المعلوم أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، حافلة بجملة من النصوص الهادفة إلى إرشاد الناس في كل المجالات المرتبطة بحياة الناس .
والمتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، في الجانب المتعلق بالأسلوب التربوي والتعليمي ، سيكتشف أساليب تربوية ناجحة في العملية التعليمية . كيف لا ورسول الله صلى الله عليه وسلم خير من علم ووجه ورُبي بتواضعه وصبره على المتعلم .
وحتى يكون المعلم مقبولاً ومحبوباً بين تلاميذه وناجحاً في مهنته التربوية ، عليه أن يقتدي في طريقة توجيهه بما كان عليه صلى الله عليه وسلم من البشاشة وطيب النفس وحسن المنطق ورحابة الصدر ، وأن يتألف إلى الطلاب جميعاً حتى من كان طبعه سيئاً ، ليستميل قلبه ويؤثر فيه بنصحه وإرشاده ، ولا يجازي طلابه بالسيئة ، وإنما بالعفو والصفح ، وأما إذا اتصف بعكس ذلك في طريقته فإنه ينفر طلابه ويبعدهم عنه ، وإذا لم تُجد هذه الأساليب انتقل إلى أسلوب آخر كالعقاب ونحوه [1] .
ولا شك أن أسلوب الرفق واللين من أقوى أسباب الألفة ، وله انعكاسات وآثار طيبة على نفس المتعلم ، إذ يجعله يقبل على المعلم ، ويصغي له ، ويستجيب لتوجيهاته ، بعكس المعلم الغليظ البذيء في كلامه .
وعلى ضوء ما سبق ، كيف كانت طريقته صلى الله عليه وسلم في التعليم والإرشاد ؟
كان من هديه صلى الله عليه وسلم في منهج تعليمه أن ينتقل بالحاضر من صورة واقعية محسوسة إلى صورة ذهنية علمية تتعلق بالإيمان أو الأخلاق أو السلوك .
وهذا أكبر سبيل لتثبيت النظرية العلمية وتجسيدها أمام الناظر . ومثال ذلك : أنه رأى امرأةً من السبي وقد اندفعت وراء طفلها ناسية حالتها فأخذته ووضعته على ثديها وكأنها ليس بها شيئ ، فقال : أرأيتم رحمة هذه الأم بولدها أو فرحها بولدها ، قالوا : نعم ، قال : فالله أرحم بعبده أو أفرح بتوبة عبده من فرح هذه الأم بولدها [2] .
ومن أسمى الطرق التربوية النبوية أنه صلى الله عليه وسلم كان يولي السائل عنايةً ورعايةً خاصةً ، وتقديراً واحتراماً وإكراماً وإعظاماً ، فيكسبه بذلك ثقةً كبيرةً وشعوراً بالطمأنينة الكاملة ، بحيث لا تمنعه هيبة النبي العلمية من إلقاء السؤال على أي كيفية .
ومن منهجه صلى الله عليه وسلم في تعليمه تقريب الحقائق المغيبة في صورة مجسدة ملموسة فيحسها السامع وكأنه ينظر إليها بعينه ، وبذلك تنطبع في النفس وترسخ في الذهن ثم يكون التأثير بها أبلغ وأقوى .
فمن ذلك قوله في الحديث : من يسأل الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر – رواه مسلم [3] .
وفي ضوء ما سبق ، يتبين أن طريقته صلى الله عليه وسلم في التعليم والإرشاد طريقة عظيمة ، وتتصف بالكمال والمثالية من خلال منهجه صلى الله عليه وسلم في تبليغ الرسالة وتثبيت النظريات العلمية بتعبيراته اللطيفة والدقيقة وبدون جرح للحياء ولا لمشاعر الآخرين .
كما كان من حكمته عليه الصلاة والسلام أنه يخاطب الناس على قدر عقولهم وبما يتواءم مع مداركهم ويتناسب مع فطرهم وأساليبهم وليسوق موعظته الحسنة في سماحة ويسر [4] .
يستخلص مما تقدم أن المنهج النبوي في التعليم هو منهج متكامل وشامل وواضح ، لعنايته واهتمامه بجميع شؤون الحياة الدينية والدنيوية .
* باحث في الدراسات الإسلامية مكناس ، المغرب .
[1] أصول التربية الإسلامية ، د . خالد ابن حامد الحازمي ، ص : 346 .
[2] محمد صلى الله عليه وسلم : الإنسان الكامل ، السيد محمد الحسني ، ص : 226 .
[3] نفس المصدر ، ص : 29 .
[4] المصدر السابق ، ص : 225 .