أدب الأطفال : أهميته وحاجته
نوفمبر 19, 2023جغرافية جزيرة العرب : دراسة علمية
نوفمبر 19, 2023الهداية القرآنية : سفينة نجاة للإنسانية
بقلم : الشيخ السيد محمد واضح رشيد الحسني الندوي
إن التأليف في أي موضوع يمت إلى القرآن بصلة ، سواءً كان فنياً أو علمياً ، يبعث على السعادة في جانب ، ويكون من وسائل الدعوة والإصلاح في جانب آخر ، فقد اهتدى كثير من الناس عن طريق القرآن قديماً وحديثاً ، ولا تزال أمثلته تشاهد في عصرنا الحالي كذلك .
يقول سماحة العلامة أبو الحسن علي الندوي رحمه الله : ” ومعلوم أن القرآن ليس معجزاً في ألفاظه وتراكيبه وفصاحته اللغوية وبلاغته المعنوية فحسب ، بل إنه معجز في ألفاظه ومفرداته ومركباته ، معجز في معانيه ومحتوياته ، معجز في علومه ومعارفه ، معجز في غيبياته وحقائقه الأبدية ، معجز في تعليماته الدينية والخلقية والاجتماعية والمدنية ، معجز في تأثيره وإثارته ، ومعجز في نبوءاته وأخباره ، فإذا ظهر العجز من الإتيان بمثله في ألفاظه وتراكيبه فحسب ، فكيف يا تُرى ! بمماثلته في جميع وجوه إعجازه ” [1] .
وقال أيضاً : ” إن البحث في القرآن الكريم عن حقائق العلم الحديث أو كشوفه الحديثية والتطبيق بين بعض إشاراته الإجمالية ، وبين الكشوف الجديدة والتحقيقات الجاهزة ، الذي قام به على نطاق واسع في هذا القرآن العلامة الطنطاوي الجوهري المصري في تفسيره ” جواهر القرآن ” ويسعى له باحثون في تحقيقاتهم العلمية جهد شائك ، ودقيق خطير ، لأنه من الممكن جداً ، وقد أيدت التجارب ذلك مرات وكرات في تاريخ العلم والبحث أن تتغير نتائج هذه البحوث والمعارف التي يراها الناس اليوم من أجلى البديهيات وأظهر الحقائق رأساً على عقب أو تصبح موضع شك وتردد ، وتفقد بداهتها وقطعيتها .
ثم إن الجهد العلمي الذي لا ينكر إخلاص القائمين عليه ، وجديته وإفادته في بعض الأحيان يبعد بالقرآن الكريم عن موضوعه الرئيس وغايته الأساسية ، وتشم منه رائحة الخضوع للعلم والابتهار بالكشوف العلمية الحديثة ” [2] .
لقد صنف العلماء في إعجاز القرآن البياني كتباً كثيرةً ، ثم اعتنى العلماء المعاصرون بالإعجاز العلمي ، فصدرت في هذا الموضوع كتب ، وحاول بعض أصحاب العلم التطبيق بين علوم القرآن وعلوم الطبيعة ، وإن كان ذلك لا يخلو من خطر ، كما أنه قد عُقدت ولا تزال تُعقد ندوات علمية في إعجاز القرآن العلمي ، ذلك أن القرآن كتاب خالد ، فإعجازه كذلك خالد مستمر كما ذكر الدكتور محمود شاكر في مقدمة كتاب الدكتور مالك بن نبي ” الظاهرة الكونية في القرآن ” : أن القرآن معجز في كل عهد ويظهر إعجازه في كل زمان من الناحية التي تكون أكثر تأثيراً ووقعاً في عقول أهل ذلك الزمان وقلوبهم .
لقد أثارت في عصرنا هذا بعض الأوساط المغرضة حرباً شعواء ضد القرآن الكريم ، بزعم أنه كتاب يعلِّم الإرهاب والعنف والظلم ، ويتذرعون في ذلك بالآيات التي تسوغ للمسلمين الدفاع عن أنفسهم ودينهم إذا اعتُدي عليهم ، إن هذه الدعاية الكاذبة المضللة تجري في كل طريق ممكن : من وضع الكتب ونشر البرامج والأفلام ووسائل الإعلام ، فتمس الحاجة إلى عرض مبادئ القرآن الهادية ومعانيه السامية في القيم الخلقية الرفيعة والمثل الإنسانية النبيلة بأسلوب علمي معاصر ، إن ذلك لمن أهم موضوعات القرآن الكريم ، فقد وصف الله تعالى القرآن بأنه ” هدى للناس ” و ” شفاء لما في الصدور ” و ” بيان للناس ” ، فالحاجة شديدة إلى التنويه بموضوعات القرآن الأخلاقية والإشادة بما يوجد فيه من تعاليم العدل والقسط والشهادة بالحق ، وما يدعو إليه من الأمن والسلام والبعد عن الفتنة ، وما يأمر به أتباعه من الصبر والعفو والصفح والرحمة وأخذ الحيطة في التعامل مع أتباع الديانات الأخرى إلى غير ما يزخر به كتاب الله من المعاني العليا التي تخلو منها الكتب والصحائف الدينية الأخرى .
إن أخي الكبير فضيلة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي صاحب هذا الكتاب الذي هو بين أيدينا قد أتيح له أن يستفيد من سماحة الشيخ الإمام السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي في حله وترحاله ، وكان الشيخ يتمتع بإدراك معاني القرآن وتذوق أساليبه ، فقد كان يقوم في دار العلوم ندوة العلماء بتدريس التفسير والأدب معاً ، وقد تلقى العلم من العلامة السيد سليمان الندوي الذي كان صاحب بصيرة ودَرك بعلوم القرآن .
ثم إن الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي بحكم علاقته بحركة ” رسالة الإنسانية ” قد تيسر له الحوار وتبادل الأفكار مع غير المسلمين ، واطلع بذلك على ما يختلج في نفوسهم من الشكوك والشبهات حول القرآن العظيم ، فشعر بالحاجة إلى كتاب يبين محتويات القرآن التي تتصل بمعرفة الله تبارك وتعالى والإيمان بخالق الكون وقدرته وصفاته وخلق الإنسان في الدنيا وغايته في العالم ، والآخرة والبعث والقيامة وشريعة الله تعالى وأحكامه والحياة الإنسانية وعلاقات الناس فيما بينهم والأخلاق العظيمة والقيم وطبائع البشر وميولهم ، وذلك لكي يعلم الناس أن هذا الكتاب ليس للمسلمين وحدهم ، بل إنه هدىً للناس جميعاً يهدي للتي هي أقوم ، ويُرسي قواعد تمهد نحو الأمن والسلام والسعادة وطمأنينة القلب وانشراح الصدر ، فانطلاقاً من هذا الشعور ألف فضيلة الشيخ هذا الكتاب باللغة الأردية [3] لكي يستفيد منه الناطقون باللغة الأردية ، ثم يُنقل إلى لغات أخرى فيعم نفعه المسلمين وغير المسلمين ، وقد اعترف بتأثير القرآن الرجال الذين سنحت لهم الفرصة بدراسة معاني القرآن ودلالاته الخلقية ومفاهيمه السلوكية وإن كانت بالترجمة ، فألف المؤلف كتاباً مفصلاً على معاني القرآن الكريم ، وإن نظرةً عجلى إلى عناوينه ومحتوياته تكفي لمعرفة قيمة الكتاب وفهم موضوعه ، فهو مقسم على الشكل التالي :
- توطئة وتمهيد : بسم الله الرحمن الرحيم ، سورة الفاتحة .
- الباب الأول : القرآن والعلم .
- الباب الثاني : القرآن والإنسان .
- الباب الثالث : طاعة رب العالمين .
- الباب الرابع : بعثة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ، سيدنا نوح عليه السلام ، سيدنا إبراهيم عليه السلام ، سيدنا موسى عليه السلام ، سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام ، سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- الباب الخامس : القرآن آخر كتاب للهداية الربانية .
- الباب السادس : فضائل القرآن الكريم وخصائصه .
- الباب السابع : العلوم التي يشتمل عليها القرآن .
- الباب الثامن : وجوه الإعجاز في القرآن الكريم .
- الباب التاسع : من تعاليم القرآن الكريم .
- الباب العاشر : مكانة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم ومهمته .
- الباب الحادي عشر : توجيهات قرآنية ، في حسن السيرة والأخلاق الحسنة .
وقد صدر قبل ذلك بقلم المؤلف كتاب في السيرة النبوية العطرة في اللغة الأردية سماه : ” سراجاً منيراً ” وتلقى بقبول عظيم واستحسان كبير ، ولا سيما في أوساط غير المسلمين والمتغربين ، وتداولته الأيدي ، وكان له فضل في إزالة الأوهام والتصورات الباطلة عن السيرة المباركة مما أحدثته كتب المستشرقين والمتعصبين من أهل الغرب .
وهذا الكتاب ” الهداية القرآنية : سفينة نجاة للإنسانية ” إنما هو الحلقة الثانية لهذه السلسلة ، بحيث إن القرآن والسيرة كليهما نور يهدي إلى الصراط المستقيم .
إن ما يرشد إليه القرآن من الأخلاق الإنسانية والسلوكيات النبيلة ومبادئ المعاملات والاقتصاد وأصول المجتمع ليساعد الإنسانية اليوم على التحول من الفساد والدمار والقلق والتعاسة إلى الصلاح والبناء والطمأنينة والسعادة ، فإن عصرنا هذا غلبت فيه الأثرة والأنانية ورعاية المصالح الشخصية على حساب الأخلاق الاجتماعية وفقدان الأمن والسلام والإيثار ، وتحولت بذلك الحياة إلى جحيم لا يُطاق ؛ وإن تعاليم القرآن ستكون الحل الوحيد لهذه المشكلات ، وتثبت أن القرآن يدعو إلى العفو والتسامح والسلام لا إلى العنف والشدة والإرهاب ، قال الله تعالى : ( وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) [ لقمان : 17 ] .
أدعو الله أن ينفع بهذا الكتاب الخاصة والعامة على السواء ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
[1] المدخل إلى الدراسات القرآنية ، ص 32 – 33 .
[2] المدخل إلى الدراسات القرآنية ، ص 43 .
[3] وقد ترجم هذا الكتاب بالعربية محمد فرمان الندوي ، وصدرت له طبعتان : طبعة من المجمع الإسلامي العلمي لكناؤ ، وطبعة من دار القلم ، بدمشق .