الحوار وسيلة سلام للمجتمعات البشرية
فبراير 23, 2025النظافة في الحياة البشرية
من خلال المصادر الإسلامية والدراسات الحديثية
( الحلقة الثالثة )
د . يوسف محمد الندوي *
الاستحمام :
العناية بنظافة الأجسام أمر بالغ الأهمية في الطب الوقائي ، فعدم نظافة الجسم في غاية الخطورة للصحة البدنية ويسبب عدم نظافة الجسم تعطيل وظيفة إفراز العرق من الجلد ، كما يسبب انسداد مسامات الجلد بالأملاح والمواد الدهنية . رغم ذلك يسبب وجود الأوساخ على الجلد بعض الأمراض مثل التيتانوس والدمامل والأمراض الجلدية ؛ وعدم النظافة يسبب ظهور القمل والبراغيث وتكاثرها أيضاً ، وقد يسبب عدوى الحمى الراجعة والطاعون والتيوفوس ، لذلك لا بد من العناية بأعضاء الجسم بشكل كامل ومستمر [1] .
وظائف الجلد وفوائد الغسل :
- يقوم الجلد بوظائف هامة ، فهو يقي البدن ويحفظه من المخرشات الآلية والجرثومية بما يفرزه من طلاء دهني .
- وهو حصن الدفاع الأول ضد الجراثيم .
- ويعمل على التوازن الحراري في البدن بما فيه من غدد عرقية هامة كما يطرح عدداً من السموم الداخلية عن طريق العرق ، فيساعد بذلك على عمل جهاز البول ويخفف من أعبائه .
- والجلد هو عضو الحس ، والإحساس يجعل البدن على اتصال بما يحيط به .
فوائد الغسل :
- إزالة الإفرازات العرقية والدهنية من الجلد .
- إزالة الغبار والأوساخ العالقة بالجلد .
- إزالة رائحة العرق الكريهة .
- وقاية الجلد من الميكروبات والجراثيم السطحية عن طريق الغسل [2] .
نظافة الجسم لها أهمية كبرى في حفظ الصحة البشرية ، لقد حرض القرآن الكريم والحديث النبوي بتنظيف البدن والثوب والبيت وما يتعلق بها عن النجاسات والقاذورات ، وأمرا أن يسحتمي الإنسان بدنه عن العرق بالغسل ، يستطيع الناس أن ينظفوا أبدانهم من الإفرازات الجسمية الغزيرة ويتلفوا الجراثيم بالوضوء التى يأمرها القرآن والحديث مرات وكرات كل يوم .
قد أوجب القرآن والسنة الاستحمام عقب الجماع أو الاحتلام للرجال والنساء وبعد انتهاء دورة الحيض والنفاس للنساء وللموت ولمن اعتنق الإسلام .
قال الله تعالى : ( يَا أيهَا الَّذِينَ أمنُواْ إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأيدِيَكُمْ إلى الْمَرَافِقِ وَأمسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أوعَلَى سَفَرٍ أوجَاء أحد مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أولامستُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأيدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) [3] .
قال الله تعالى : ( يَا أيهَا الَّذِينَ أمنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَأرى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أوعَلَى سَفَرٍ أوجَاء أحد مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أولامستُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَأمسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأيدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ) [4] .
قال الله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوإذى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أمركُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) [5] .
وقد ثبت في الطب الحديث أن الجسم الإنساني يفقد شيئاً من حيويته ونشاطه بعد الانتهاء من الاتصال الجنسي ولا يعيدهما إلا غسل الجسم كله ودلكه بالماء كما أنه يجب على المرأة بعد أن تطهر من دم الحيض أن تغسل وتزيل ما عليها من قاذورات الدم ، وهو يرد لها حيويتها ونشاطها من جديد [6] .
ينصح الطب الحديث بالاغتسال بعد الجماع للأسباب الآتية [7] :
- لأنه ينشط الدورة الدموية عند الرجل والمرأة خاصةً أن الجماع يؤدى إلى وهن شديد في الجهاز العصبي بعد الحصول على اللذة .
- إن الغسل يساعد على تنشيط الجسم والروح المعنوية خاصةً بعد عملية الجماع التى تسبب وهناً نفسياً ورغبةً في النوم وكآبةً نفسيةً عند بعض الأشخاص .
- إن الجلد أثناء عملية القذف يفرز من خلال مساماته عرقاً ذا تركيز عال بسمومه ، ويمكن أن يعود فيمتصها ويتأذى بذلك ، والاغتسال يطهر الجلد ومساماته من هذه السموم .
- إن التفكير بوجوب الغسل بعد الجماع يجبر المرء على الاعتدال في طلب الجماع فيحافظ بذلك على قدرته الجنسية لعمر أطول ؛ قال العلماء : إن الإنسان يصرف من عناصره الحيوية أثناء الجماع ما يقدر بما يحتويه نصف لتر من الدم .
ومن السنة النبوية الاستعجال في غسل الجنابة لأنه يسرع النشاط الفائت والقوة الذاهبة ، حرض الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً لمن لم يتمكن من الغسل عقب الجماع على أداء الوضوء لأنه يفيد فائدة الغسل الصغير .
عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيرقد أحدنا وهو جنب ؟ قال : نعم ؛ إذا توضأ أحدكم فليرقد وهو جنب [8] .
يسن الغسل أيضاً بين الجماعين كما جاء به الحديث ، عن أبى سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ [9] .
يُفهم من هذا النوع من الغسل والوضوء أن القرآن والحديث قد يفرض النظافة على المرء أي لا بد عليه أن يكون رجلاً نظيفاً ونشيطاً إن لم يكن كذلك ، وهو يستحق العذاب من الله تعالى ، معنى القول أن غسل الجنابة وأداء الوضوء فرض عين على المسلم ، وهما يزيلان القاذورات والخبائث من الجسم ، وإن لم يغسل الجنب لا بد عليه أن يعاني عقاباً شديداً من الله .
هناك أحاديث كثيرة عن الاغتسال المفروض والمسنون منها ما يلي :
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها قد وجب الغسل [10] .
- عن عائشة رضي الله عنها قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربعة ؛ من الجنابة ويوم الجمعة ومن الحجامة وغسل الميت [11] .
- عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر ثم حفن على رأسه ثلاث حفنات ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه [12] .
- عن عائشة رضي الله عنها أن امرأةً من الأنصار قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : كيف أغتسل من المحيض ؟ قال : خذي فرصةً ممسكةً وتوضئي ثلاثاً ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استحي فأعرض بوجهه أو قال توضئي بها فأخذتها فجذبتها فأخبرتها بما يريد النبي صلى الله عليه وسلم [13] .
هذا هو من الغسل المفروض ، وكذلك ذكر الحديث النبوي الاغتسالات التي قد سنها رسول صلى الله عليه وسلم بمناسبات متنوعة أحاديثها كما يلي :
- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً يغسل رأسه وجسده [14] .
- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو قائم على المنبر : من جاءكم الجمعة فليغتسل [15] .
- عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي فيأتون في العباء ويصيبهم الغبار فتخرج منهم الريح فأتى رسول لله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا [16] .
الغسل للجمعة أمر مؤكد ليس بواجب ، يقول الشيخ سيد سابق ” لما كان يوم الجمعة يوم اجتماع للعبادة والصلاة ، أمر الشارع بالغسل وأكده ليكون المسلمون في اجتماعهم على أحسن حال من النظافة والتطهير . . . والمراد بالوجوب تأكيد استحبابه ” [17] كما وقع عليه اجماع الفقهاء ويستحب الغسل للعيدين ولدخول مكة وللإحرام والوقوف في عرفة أيضاً .
( للبحث صلة )
* الأمين العام : رابطة الأدب الإسلامي فرع كيرلا ، الأستاذ المساعد ، كلية الفنون والعلوم لدار الأيتام المسلمين بوايناد ، كيرلا ، الهند .
[1] د . أيمن مزاهرة ، الصحة والسلامة العامة : 36 .
[2] د . قاسم سويدان ، الطب منبر الإسلام ؛ الموسوعة الذهبية ، ص : 903 – 904 ، دار ابن الجوزي ، القاهرة .
[3] سورة المائدة : 6 .
[4] سورة ا لنساء : 43 .
[5] سورة البقرة : 222 .
[6] د . أحمد شوقى الفنجرى ، الطب الوقائي في الإسلام .
[7] موسوعة الإعجاز العلمي ، ص : 928 .
[8] صحيح البخاري ، رقم الحديث : 278 .
[9] صحيح مسلم ، رقم الحديث : 466 .
[10] صحيح البخارى ، رقم الحديث : 282 .
[11] سنن أبوداود ، رقم الحديث : 2748 .
[12] صحيح مسلم ، رقم الحديث : 474 .
[13] صحيح البخاري ، رقم الحديث : 304 .
[14] صحيح البخاري ، رقم الحديث : 847 .
[15] صحيح مسلم : 1394 .
[16] صحيح البخاري : 851 .
[17] سيد سابق ، فقه السنة : 1/32 .