النظافة في الحياة البشرية من خلال المصادر الإسلامية والدراسات الحديثية ( الحلقة الثانية )

التدابير الوقائية الصحية في السنة النبوية : دراسة موضوعية
يناير 28, 2025
رحلة الإسراء والمعراج : تأملات إيمانية وحقائق معجزة
يناير 28, 2025
التدابير الوقائية الصحية في السنة النبوية : دراسة موضوعية
يناير 28, 2025
رحلة الإسراء والمعراج : تأملات إيمانية وحقائق معجزة
يناير 28, 2025

الدعوة الإسلامية :

النظافة في الحياة البشرية

من خلال المصادر الإسلامية والدراسات الحديثية

( الحلقة الثانية )

د . يوسف محمد الندوي*

نظافة الأسنان :

الفم أكثر عرض الجراثيم – التي يسميها الأطباء بالزمرة الجرثومية الفموية ومنها المكدرات العنقودية والعقدية والرئوية والعصبات اللبنية والعصيات الخناقة الكاذبة والملتويات الفوهية والفنسانية وغيرها – لكونه أول مدخل للطعام والشراب واتصاله بالعالم الخارجي ، تكون هذه الجراثيم بحالة عاطلة عند الشخص السليم ومتعايشة معه ، لكنها تنقلب ممرضة ومؤذية إذا بقيت فضلات الطعام والشراب ضمن الفم وبين الأسنان فتعمل الجراثيم على تفسخها وتخمرها ، وتنشأ عنها روائح كريهة ؛ إن هذه المواد تؤذى الأسنان ، وتحدث فيها النخور أو تتراكم الأملاح حول الأسنان محدثة فيها القلح أوالتهاب الجثة وتقيحها .

الفم هو المدخل الرئيسي لأعضاء الجسم الداخلية ويمكن إدراك المخاطر التى يمكن أن تصيب هذه الأجهزة سواء الجهاز التنفسي العلوي أو الرئتان أو الجهاز الهضمي إذا ما أصيب الفم ، وعلاوة على ذلك فإن الجهاز العصبي المتصل بالأسنان وبمنطقة الوجه يمثل خطورةً كبيرةً على الأسنان إذ هو أقرب المناطق إلى الجهاز العصبي المركزي الرئيسي ألا وهو المخ .

الفم هو المدخل الأول للقناة الهضمية ، تخدم الأسنان خدمةً جليلةً في عملية الهضم ؛ وهي واللسان والشفتان والفم بجميع عناصره تقوم بالمرحلة الأولى من مراحل الهضمية بخلط الطعام مع اللعاب فلذا تعد صحة الأسنان والفم من معظم الصحة البدنية للإنسان .

إن إهمال تنظيف الأسنان يؤدي إلى تخمر المواد الغذائية في الفم والأسنان ويؤدي إلى ازدياد الميكروبات وتسوس الأسنان وتقييح اللثة وينتج ذلك صديد الأسنان واللثة اللذان يشكلان مصدر خطر على الجسم وخاصة على الدماغ ؛ لتجنب ذلك وللمحافظة على صحة الأسنان يوحي بتنظيف الأسنان بالفرشاة والمعجون مرتين في اليوم على الأقل ومنها واحدة قبل النوم [1] .

هذا ما ذكر من أهمية تنظيف الأسنان والفم من تعليمات علم الصحة وأهل الطب المعاصر الذي وصل إليها الإنسان بعد النهضة العلمية قد اعتنى بها القرآن والحديث عنايةً بالغةً قبل أربعة عشر قرن ، إن القرآن الكريم ما اختص بنظافة الأسنان والفم بوجه خاص إلا ما اعتبرها في الطهارة العامة في مثل هذه الآية الكريمة : ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) [2] .

ولكن هناك أحاديث صريحة غزيرة يحث فيها الرسول صلى الله عليه وسلم الناس بتنظيف الأسنان أكثر كثيراً ، حتى لا يصيب الإنسان الذي ينظف أسنانه – كلما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم – بأمراض سنية .

قد أنصحت السنة النبوية بتنظيف الأسنان عند كل وضوء وصلاة وقبل تلاوة القرآن والنوم وبعد الاستيقاظ وعند تغير الفم وبعد أكل ما له ريح قبيح ( فبعد التدخين أشد سنة لشدة كريهة الريح والله أعلم بالصواب ) وعند دخول البيت ؛ بالرغم أن الأحاديث لم تذكر بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينظف أسنانه عقب الأكل إلا أنه قد ورد النص صراحةً في الأحاديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينظف فمه بالماء عقب الطعام .

يقول صاحب الطب النبوي الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله عن فوائد السواك المتعددة : وفى السواك عدة منافع ؛ يطيب الفم ، ويشد اللثة ، ويقطع البلغم ، ويجلو البصر ، ويذهب بالحفر ، ويصح المعدة ، ويصفى الصوت ، ويعين على هضم الطعام ، ويسهل مجارى الكلام ، وينشط للقراءة والذكر والصلاة ، ويطرد النوم ، ويرضى الرب ، ويعجب الملائكة ، ويكثر الحسنات [3] .

روى أصحاب الصحاح والسنن أحاديث كثيرة عن السواك منها ما يلي :

عن عائشة رضى الله عنه قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السواك مطهرة للفم ومرضاة للرب [4] .

عن ابن أيوب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع من سنن المرسلين الحياء والختان والتعطر والسواك والنكاح [5] .

عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء وبالسواك عند كل صلاة [6] .

وعن شريح عن أبيه قال سألت عائشة رضي الله عنها بأي شيئ كان يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته ؟ قالت بالسواك [7] .

عن حذيفة رضي الله عنه قال إن النبي صلى الله عليه وسم إذا قام للتهجد من الليل يشوص فاه بالسواك [8] .

عن عائشة رضى الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ إلا يتسوك قبل أن يتوضأ [9] .

عن ابن أمامة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ماجاءني جبريل عليه السلام قط إلا أمرني بالسواك لقد خشيت أن أخفى مقدم في [10] .

عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فضل الصلاة بالسواك على الصلاة بغير السواك سبعين ضعفاً [11] .

عن ابن عباس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فمضمض وقال إن له دسماً [12] .

كفي دليلاً على عناية النبي صلى الله عليه وسلم البالغة بالسواك لحظته الأخيرة الوحيدة التي فارقت حياته المباركة من هذه الدنيا ؛ ذلك حينما رأى سواكاً في حالة سكراته صلى الله عليه وسلم طلبه فاستاكت له حبيبته عائشة رضى الله عنها حيث تقول : ” دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مسندته إلى صدرى ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به فأمده رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره فأخذت السواك فقصمته ونفضته وطيبته ثم دفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستن به فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استن استناناً قط أحسن منه فما عدا أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يده أو إصبعه ثم قال في الرفيق الأعلى ثلاثاً ثم قضى كانت تقول مات بين حاقنتى وذاقنتى ” [13] .

ومعروف أن الشرع لا يجيز للمسلم أن يصلي وفي فمه بقايا طعام حتي يغسل فمه ويتمضمض ثلاث مرات وعليه أن يخلل أسنانه ويخرج من بينها بقايا الطعام ولا يبتلعها بل يرمها ، وحكمة ذلك أن بقايا الطعام إذا تركت في الفم فإنها تنتنه وإذا دخلت بين الأسنان حملت معها الالتهابات وفسدت فلا يجوز بلعها ، وإذا تركت تسبب الروائح الكريهة وتسوس الأسنان [14] .

علاوةً على ذلك كان في سواك الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يستاك به فوائد الطبية لصحة الأسنان حسب الاكتشافات العلمية حيث كان صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله تعالى عنهم يحملون معهم من ذلك السواك أينما ذهبوا !

الأراك وفائدته الطبية :

ومن المعترف عن سواك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كان أراكاً وهو نبات بريُ يوجد في كل البلاد الإسلامية وفي الهند وينمو على سواحل البحر في شرق إفريقيا وشبه الجزيرة العربية وإيران وسوريا وغرب الهند ؛ ولقد استعمل الناس السواك اقتداءً بما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم واستخدام هذا النوع من السواك أيسر وأسهل بالنسبة للفرد العادي من استخدام الفرشاة ومعاجين الأسنان لأنه يقوم مقام الفرشة والمعجون .

قد أثبتت الاكتشافات الطبية الحديثة الفوائد التالية في الاستياك بالأراك :

  1. يحتوي على مادة الفلوريد التى تمنع تسوس الأسنان
  2. يحتوي على زيوت عطرية مما يكسب الفم رائحة عطرية مميزة
  3. يحتوي على مواد كيماوية مزيلة لصفار الأسنان مما يكسبها لوناً أبيض ناصعاً
  4. يقوم ما يعلق بين الأسنان من بقايا وفضلات الطعام بما يحتوي من ألياف كالعيدان
  5. يحتوي على مادة قابضة للثة ويمنع حدوث نزف بها [15]

لقد توصل شارما Sharma وهو عالم هندي من علماء النبات إلى أن نبات الأراك غني بمادة الفلور ، السيلكون ، الكلسيوم ، الخشب ، سيلكا اللحاء ، البوتاسيوم ، وفقير في مادة الكالسيوم اللحائي ، وجاء في الدراسة التي قام بها فاروقي وسريفاستفا ( Srivasthava ) عن شجرة فرشاة الأسنان :

” طلبت مؤخراً صناعة الدواء في بعض الدول الأروبية ، المادة المختلفة من شجرة Savadoraparsica وثبت أن معجون أسنان الذي يحتوي على مستخلصات من هذا النبات لديه القدرة على الاحتفاظ باللثة والأسنان في صحة جيدة وأنه يضفي على الأسنان بياضاً ناصعاً ” [16] .

تأكل أوراق هذ النبات في أطباق السلطة وتسخدم طبياً في علاج السعال والربو والاسقربوط والروماتيزم والبواسير وغيرها من الأمراض ، وتعد الأزهار الفواحة بمثابة منشط وملين ، وتسخدم في حالات الجذام والسيلان والصداع ، وتؤكل الثمار طازجةً أو مجففةً وتعتبر مزيلةً للسد وطاردةً لريح الأمعاء ومدرة للبول ، فلذلك توصفها في حالات تضخم الطحال والروماتيزم ( التهاب المفاصل ) والأورام الخبيثة وتكون حصيات المرارة ، ومع ذلك فإن أكثر الاستخدامات شيوعاً وأولهما هو استخدام الأفرع الصغيرة ولحاء الجذور كفرشاة للأسنان وكمستحضر لتنظيف الأسنان [17] .

يقول الباحث رودات مدير معهد الجراثيم بجامعة رودستوك ” قرأت عن السواك الذى يستعمله العرب كفرشاة الأسنان في كتاب ( الرحالة ) وقد عرض الأمر بشكل ساخر اتخذه دليلاً على هؤلاء القوم الذين ينظفون أسنانهم بقطعة من الخشب في القرن العشرين وقال : وفكرت لماذا لا يكون وراء هذه القطعة الخشبية حقيقة علمية .

وجاءت الفرصة سانحةً عندما أحضر زميل لى من العاملين في حقل الجراثيم في السودان أعواداً من تلك الأعواد الخشبية وفوراً بدأت أبحاثي عليها فسحقتها وبللتها ووضعت المسحوق المبلل على مزارع جرثومية فظهرت المزارع كأنما وضع عليها البنسلين وإذا كان الناس قد استعملوا فرشاة أسنان من مائتي عام فلقد استخدم المسلمون السواك من أكثر من أربع عشر قرناً من الزمان ولعل إلقاء نظرة على التركيب الكيميائي لمسواك الأراك يجعلنا ندرك أسباب الاختيار النبوي الكريم [18] .

يستطيع الدارس أن يستنتج من السنة النبوية بأن المتوسك لا بد له أن يستعمل فرشاة الأسنان المعتدلة بين النعومة والخشونة – كما هي الحالة للأراك – والمعجون المفيد لاستهلاك الزمرة الجرثومية الفموية وحفظ صحة الأسنان .

( للحديث بقية )

* الأمين العام : رابطة الأدب الإسلامي فرع كيرلا ، الأستاذ المساعد ، كلية الفنون والعلوم لدار الأيتام المسلمين بويناد ، كيرلا ، الهند .

[1] د . أيمن مزاهرة ، الصحة والسلامة العامة ، ص 39 ، دار الشروق للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن 2000م .

[2] سورة البقرة : 222 .

[3] الإمام ابن قيم الجوزية ، الطب النبوي ، ص 342 .

[4] صحيح مسلم ، رقم الحديث : 1436 .

[5] سنن الترمذي ، رقم الحديث : 1000 .

[6] صحيح البخاري ، رقم الحديث : 887 ،7240 .

[7] صحيح مسلم ، رقم الحديث :371 .

[8] صحيح البخاري ، رقم الحديث : 1068 .

[9] سنن أبوداود ، رقم الحديث : 52 .

[10] سنن أحمد ، رقم الحديث : 21339 .

[11] سنن أحمد ، رقم الحديث : 35135 .

[12] صحيح مسلم ، رقم الحديث : 537 .

[13] صحيح البخارى ، رقم الحديث : 4083 .

[14] د/ أحمد الفنجرى ؛ الطب الوقائي في الإسلام ، ص 18 ، الهيئة المصرية العامة للكتاب .

[15] الموسوعة الذهبية في القرآن الكريم والسنة النبوية ، ص 906 .

Farooqi, M I H. Srivastava, J G, THE TOOTH BRUSH TREE (SALVADORA PERSICA) THE QUART. J GRUDE DRUG RESEARCH 8: 1297- 1299. 1968

[16] د/ عائدة عبد العظيم البنا ، الإسلام والتربية الصحية ، ص 33 .

[17] والمرجع نفسه ، ص 33 .

[18] الموسوعة الذهبية في القرآن الكريم والسنة النبوية ، ص 906 .