المناهج النقدية الحديثة في محك النقد
أغسطس 28, 2022شعر الدكتور يوسف القرضاوي : نبذة من دراساته الفنية ( الحلقة الأولى )
سبتمبر 12, 2022دراسات وأبحاث :
الموضوعات الشعرية المشتركة بين شوقي وإقبال :
دراسة مقارنة تحليلية
الدكتور السيد محامد الهاشمي *
أنجب القرن التاسع عشر الميلادي في أواخره شاعريين عظيمين عبقريين : الشاعر العربي الشهير أحمد شوقي والشاعر المسلم الدكتور محمد إقبال ، ومر كلاهما بأطوار وأدوار ومراحل دراسية وثقافية واجتماعية وسياسية مماثلة وموضوعات شعرية مشتركة إلى حد كبير ، فلم يكن الفارق إلا اختلاف البيئة والقومية .
قد ساير شعر شوقي وإقبال المشترك القيم جميع التغيرات والأحداث التي عاشتها الأمة الإسلامية والشرقية وما زالت تعيش بحيث أصبح الشاعران لسان حال الأمة المعبر والمدافع عن الهوية الإسلامية والإنسانية والعربية .
إن شعرهما إنتاج عبقري ، وإنتاج فريد في المضمون والشكل ، توافرت فيه جميع الخصائص الإيمانية ، وعناصر القوة والبيان ، والفكر والإبداع ، حتى تمتد جذوره في أغوار الحياة الإنسانية معنى ومبنى ، وتمتد في أعماق المستقبل رسالةً ونوراً . وموضوعات الشاعرين الهامة فيما يأتي :
رسالة الجامعة الإسلامية إلى العالم الإسلامي :
يدعو شوقي وإقبال برسالتهما الشعرية إلى الأمة العربية والإسلامية بأن تكون فيها الوحدة في الدين والاجتماع والسياسة ، وتترك جدال الانتماء إلى الوطن والبلد ، بل يستهدف الشاعران للأمة العربية والإسلامية الوطن الواحد المتراحب الأرجاء هو الوطن الإسلامي ، لأن المسلمين أمة واحدة .
شوقي يتحدّث عن الوحدة الإسلامية ويصوِّرها في صورة البيت الحرام الذي ينتهي إليه الناس كلهم من أجزاء العالم المتنوعة وطناً ولغةً وعادةً ، ولكنهم يكونون واحداً وحيداً دنيا وجامعة في بيت الله العزيز ، فيقول :
يحييك ( طه ) في مـــضــاجع طــهـــره ويعلم ما عالجت من عــقـبـات
لك الدين يا رب الـحجيج ، جمعتهم لبيت طهور الساح والعرصـات
أرى الناس أصنافاً ، ومن كل بقعة إليك انتهوا من غربة وشـــتـات
تساووا ، فلا الأنساب فـــيـها تفاوت لديك ، ولا الأقدار مختلفـات [1]
إقبال يتكلم – مثل شوقي – عن الوحدة الإسلامية في وصف البيت الحرام الذي يعتبر مصدر سلام ووئام يتجلى فيه التصميم الجميل الوحيد في الوحدة الكاملة ، فيقول :
واعــــمـــروا الـبيت ببر ووفاء وســـــــلام ووئــــــــام وإخـــــــــــاء
إن هذا البيت في نظم الأمم مثل بيت الشعر في نظم النغم
كل بــــيـــت ألـــــفــت آحاده آزرت أســــــــبـــــــابــــه أوتـــــاده [2]
إلى أن قدّم إقبال البيت الحرام في الصورة الشاملة المتكاثرة في الوحدة والقوة الواحدة ، وهذا هو سر من أسرار الله عزّ وجلّ في حياة الإنسان والكون فيقول :
نقـطــة المركز منّا الحرم لحننا والوجد فينا الحرم
وحّدت في حسبه كثرتنا أحكمت من وحدة قوتنا
إنّ في الــجمع حــياة الأمــم إن هذا الجمع سر الحرم [3]
شوقي يعبّر عاطفته الشاملة تجاه المسلمين : عليهم المسئولية الباهظة ، وإليهم الحاجة بأن يكونوا على وحدة وحيدة في كل بقعة من بقاع العالم ، ويعبر أثناء هذا الوصف بدور مصر الكبير في تجميع صفوف المسلمين المتفرقة واحداً بتعبيره هذا :
ويجمع قومك بالـــمــسلمين عظيم الفروض وســـمـــح السنن
وأن نــــــــــبــــــيـــــــهـــــم واحـد نـــــبـــــيّ الــــصـواب ، بنيّ اللسن
ومصر التي تجمع المسلمين كما اجتمعوا في ظلال الركن [4]
يعبّر إقبال المعاني البديعة روعةً وجمالاً في تقديم فكرة الوحدة الإسلامية والإخوة الإيمانية ، ولا يحتاج هذا إلى الشرح والتحليل ، فيقول :
نـــحـــن فكر وخيال واحد ورجـــــاء ومــــــــآل واحــــــــد
نحن من نعمائه حلف إخاء قلبنا والروع واللفظ سواء [5]
رسالة الإنسانية والتضامن إلى المجتمع العالمي :
ويعتقد شوقي وإقبال بأن الإنسانية لن تكتسب السعادة والهناء في هذا الكون إلا إذ تحطمت الفوارق الكونية والعصبيات القومية واستعباد النفس والمال ، وهناك السبيل الوحيد الذي ينقذ الإنسانية البائسة إلى الإنسانية الأخوية الرحبة هي الرسالة الإسلامية بصفة متكاملة .
شوقي يدعو إلى الإخاء الإنساني والتحالف ، ويحث على تأليف القلوب ، ويمنع عن الخلاف والفساد بقوله :
جدّدوا ألــفة الهوى والإخاء الذي شطر
ليس للخلف بينهم أو لأســــــبـــــابـــه أثر
ألّــــفـــتـــهم روائـــــح غادياتٌ من الــغــيــر [6]
إقبال يدعو الله عزّ وجلّ للسلامة والإخوة الإنسانية ، ويتمنى الشاعر بأن تعيد تلك الأيام الماضية التي ساد فيها الإخاء الإنساني في العالم ، يقول إقبال للإنسان بأنه أمل وطموح في العالم بتعبيره هذا :
أبلغ الـــناس رسالات الـــسلام وأعد في الأرض أيــــــام الــــــوئــــــام
من بـــنى الإنــسان أنــت الأمل أنت من ركب الـــحـياة الــــمــــنزل
أذبلت كفّ الخريف الشجرا فاغـــــد في الــــــــروض بـــيـعاً نضراً
نحن مــن فــيضك نسمو للقلل في جهاد الكون نمضي كالشعل [7]
الجمود والتخلّف والتفرقة والتشتيت في العالم الإسلامي :
إن الأمة الإسلامية بعد ألف سنة من بعثة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم مصابة بالتخلّف العقلي والعلمي وقلة الابتكار إلى درجة مدهشة ، ويرى هذا الجمود عاماً شاملاً في كل العلوم والفنون ، إضافةً إلى الضعف الديني المتزايد .
ثم ينتقد شوقي وإقبال ويتكيان على صورة العالم الإسلامي وواقع الشباب الرهين وتخلفهم عن الحياة المعاصرة ، وفقدان الكفاءات العلمية والفنية ، بل أنهم تمتعوا بالمادية والنفعية ، وأغرقوا أنفسهم في الأهواء وملذات الدينا .
شوقي يتحدّث عن تقدّم الأمم الملموس إلى تطلعات جديدة كسرعة البرق ، وإعدادها الشامل المدهش في كل مجالات الحياة ، ولكن أمتنا هذه ما دامت تمشي مشي السلحفاة البطيئ ، وإعدادها يدور حول الأماني الكاذبة ، فيقول :
مشى للمجد خطف البرق قوم ونحن إذا مشينا ( السلحفاة )
يــــعــــدّون الـــقـــوى بــرّاً وبحراً وعـــدّتــنا الأمــانـي الكاذبات [8]
إقبال انتقد على هذه الأمة التي قد أهملت الرسالة المحمدية ، فأصبح عيشهم في العالم كله متكاسلين وفاشلين في كل مجال ، فبذلك كان الوفاء والارتباط بالحقيقة قد انقطع ، ونال الظالمون هذه الأمة بالظلم والجور والدمار بسهولة ، فيقول :
تراث مـــحـــمد قد أهملوه فعاشوا في الــخلائق مهملينا
لقد ذهب الوفاء فلا وفاء وكيف ينال عهدي الظالمين [9]
شوقي ينتقد على العالم الإسلامي باستعراضه عن الأحوال السيئة ، والظروف القاسية التي تجري الحياة فيها بين البؤس والتنعّم ، حيث إن القوى يسيطر على الضعيف ، والغني على الفقير ، وتشتعل القلوب بالتحاسد والتباغض بينهم ، وقد ضاع الأمل في الحياة حتى صار الموت أحسن وأفضل في هذا الوضع فيقول :
الــــبـــؤس والــنــعمى على حاليهما والحظّ يــــعــــدل تارةً ويـــجور
ومن القوى على الضعيف مسيطر ومن الغنّي على الـــفـــقير أمير
والنفس عاكــــفـــة عـلـى شهواتها تــــــأوي إلــــى أحــــقادها وتثور
والعيش آمال تجدّ وتــــنـــسقضــي والموت أصدق ، والحياة غرور [10]
إقبال يتحدّث – مثل شوقي – عن الجمود المخيف للعالم الإسلامي حيث لا يوجد معنى التطوّر التقدّم ، بل صار الإلحاد ملجأ عامة الناس وخاصتهم ، فالفقراء فيه سكارى ببؤسهم الشديد ، والأغنياء أيضاً برفاهية عيشهم ، فيقول :
مــــحــن صباح مساء لا معنى لها إلا لـــــــجـــــوء الــــناس للإلحاد
فقراؤهم من بؤسهم في سكرة والأغنياء من الرهاه سكارى [11]
شوقي يصور تصويراً صادقاً عن وضع الأمة بأن الأهواء وملذات الحياة قد تغلغلت في أحشائها والشهوات غرت المسلمين ، ولا يوجد السبيل أن تغسل الخطايا إلا بسيل الدماء بالسيوف الساطعة في سبيل إعلاء كلمة الله فيقول :
وتولى على النفوس هوى الأو ثان ، حــــتــــى انتهت له الأهـواء
فـــرأى الله أن تــطهر بالسيـــ ف ، وأن تغسل الخطايا الدماء [12]
إقبال أشار إلى قيادة القصور التي ضلت عن الطريق الهادي ، حتى وصلت إلى عبادة الأبدان المادية والنفعية ، فصار لهم الدين الحنيف لإرضاء الدخيل الغاصب ، لا الانقياد والاستسلام والإرضاء إلى الله عزّ وجلّ ، فيقول :
قد ضلّ أهل القصر عن أرواحهم لـــم يـــهتدوا إلا إلى الأبدان
فالـــــديــــن إرضــاء الدخيل وليس مرضاة الإله الواحد الديّان
فــــقـــــلـــــوبـــهم وجيوبهم وعقولهم للأجـــنـــبــــي تـــقـرّبٌ وتفان [13]
شوقي يحث الشباب الإسلامي على استعادة ماضيها المشرق ومجده القيم ، وعلى الغيرة والثورة في العالم بذكر المآثر والإنجازات التاريخية لهذه الأمة ، بالإشارة إلى تكاسلهم وتغافلهم العميق في هذا العصر فيقول :
وعلاه نسج الـــــعنـــكبوت ، فزاده كالغر من شرف وسمت صلاح
قل للـــــبــــنيــن مقال صدق واقتصد ذرع الــــشـــبــاب يـضيق بالنصاح
أنـــتم بــنو اليوم العصيب ، نشأتمو في قصف أنـواء ، وعـصف رياح
وشهدتمو صدع الصفوف وما جنى من أمر مـــــفـتات ونـــهـــــى وقاح
صوت الشعوب مــن الـــزئـير مجمعاً فإذا تفرق كــــان بــــعــض نباح
أظمتكمو الأيام ، ثم ســقــتكمو رنقاً من الإحسان غــيــر قـــراح [14]
إقبال ينتقد – مثل شوقي – على تغافل الشباب عن منصبهم القيادى في العالم ، وتخلّفهم عن العالم ، وعلى سباتهم العميق ، وهو يحثهم على السعى المتواصل والعمل الجاد في سبيل الحياة والكون ، فيقول :
في الشيب ماتت قلوب وفــتية في ســــبات
لا تــقـــعدن عن طلاب في واسع الــفلوات
فما بــــعــــصـــرك هذا هاد إلى الطرقات
غــفلت عن ســـر وقت أضـــعـته في شتات
وقـــت عــــداه حـساب بالشهر والسنوات
غفلت عن سر عــيش وعن جهاد الحياة [15]
إقبال يتعجّب وينتقد على المسلمين بأنهم قد تغيّروا وتفرّقوا في كل مكان ، وغرّتهم الأماني الكاذبة ، حيث إنهم تركوا الرسالة المحمدية ، ويعتبر الشاعر أن رقي الشعب واستعباده من أبشع الوسائل في العالم فيقول :
وكيف تــــغيّرت بكم الـــلـــيالي وكيف تفرّقت بكم الأماني
تركتم ديـــــن أحــمــد ثــم عدتم ضــــحايــــــا للــــهــوى أو للهوان
رقّي الشعب قد أضحى لديكم تقرّره صـــــلاحــــيــــة الــــزمـان [16]
شوقي انتقد على اختلاف العلماء ورجال الدعوة في العقائد والأمور والمسائل الجزئية ، ويوجد فيهم التحاسد والتباغض ، وكل هذا يؤدي الإسلام والمسلمين إلى مفترق الطريق في الدين والدنيا فيقول :
لك في مـــسائـــلـه الكلا م العف والجدل والــــوقـور
في مطلب خشن ، كث يرفى مـــزالــــقه الــــعــــثــور
ما بالكتاب ولا الحديـــ ث إذا ذكــــرتـهما نكـير
حتى لنسأل : هـــل تــــغــا ر على العقائد ، أم تغير ؟
أيــــن الامـــام ؟ وأين اســ ما عيل والـــــمــلأ الـمنير ؟
لـــــمــا نزلتم في الــــثــــرى تاهت على الشــهب القبور
عصر العباقرة الـــــنـــجـو م بنوره تمشي الـــعــــصــور [17]
إقبال انتقد – مثل شوقي – على تفريق العلماء ورجال الدين بأهدافهم ومصالحهم الشخصية في الشؤون الدينية ، حيث استغرق العالم الإسلامي كله في النوم العميق ، ولا يوجد الخوف والإرهاب في نفوس الكفار ، فصار الدين الحنيف مصدر التلاعب والنفعية للعلماء المتظاهرين في عصرنا هذا ، فلن يشفى أي دواء لهذا المرض الديني ، فيقول :
ضـــلّ عن سرّ النبي الـــــمــــســـلـــم مؤنثاً قد صار هــــذا الـــحـرم
كـــــلـــــهـــــم في قــــلــــبه يثوى هبل ومـــــنـــــاة فــــيـــه والـعزّى تحل
شـــــيــــــخــــــنـــــا يـــــفضله البرهمن ســـمــــنـــــات رأســـه يــستوطن
هـــجـر العرب ، وفي العرب عصمْ وأطال الــــنــوم في حـان العجم
فــــــتّ بــــــرد الـعجم في أعــــضائــه دمـــــعــــــه أبـــــرد مـــن صهبائه
هو ، كالكافر ، يخشى الأجلا صدره من قلب حــــيّ قــد خلا
داؤه كــــل طــــبـــيــــب مـــا شـــفــــا فحملت النعش عند المصطفى [18]
شوقي ينتقد ويحرض المسلمين على الثورة والتوعية في حياتهم ، وحياة الكون ، ويتساءل أين ذهبت الجيوش والسيطرة في العالم ؟ وأين طارت عزيمتكم الجبارة ، فيقول :
فيا قوم ، أين الجيش فيما زعمتم ؟ وأين الجواري ، والدفاع المركب ؟
وأين أمير الــــبأس والعزم والحجى ؟ وأيــــن رجـــــــاء في الأمـــيــر مخيـب ؟
إقبال يعبّر عن حزنه وشكواه نحو الأمة على سوء حالهم ، وابتلائهم بالمحن من كل جانب ، فيدعو الله عزّ وجلّ متسائلاً ومتمنياً بأن يبعث في المسلمين الحياة والروح من جديد ، ويقول : إن العزة والمجد ذهب ، والثورة والانقلاب قد اختفى في العالم الإسلامي كله ، فيقول :
أرى الملّة الـــبــيضاء بدّد نظمها فمسلمك انظر حاله ، أين يــذهب ؟
وليس ببحر الـــعرب لـــذة ثورة وفي الصدر موج غاله ، أين يذهب ؟
فبيّن لنا الأسرار روح محمد ! حـــفــيظ لآي ، يـــاله ، أين يذهب ؟ [19]
الشاعران وحث الأمة على السيادة العالمية :
يدعو شوقي وإقبال الأمة إلى السيطرة والقيادة في هذا الكون ، وإلى بذل الجهود المضنية في سبيل الأهداف النبيلة ما استطعت من قوة ، وأنهما يبعثان فيها حياة جديدة تحرّك مشاعرها إلى القيادة .
إنما يدعو الشاعران الأمة إلى القيام بالاستعداد الروحي والصناعي والحربي والاستقلال التعليمي ، وإلى التضحية بإمكانياتها وكفاءاتها في سبيل خدمة الإنسانية واداء رسالتها .
شوقي يوجه القوم إلى أن هدف تعليمنا وتربيتنا هي : بناء المجد ، والعزة لا احتلال الأراضي اغتصاباً ، لا يمكن لأحد أن يحصل الأهداف بالتماني والأحلام ، فبذلك أن تؤخذ الدنيا بالتغلّب والسيطرة عليها ، فيقول خطاباً إلى القوم أن يأخذوا الاقدام والإعداد بقوة وثبات في كل مجال من مجالات الحياة :
وعلــــمــــنا بناء المجد ، حتى أخذنا إمـرة الأرض اغتصاباً
ومـا نــــيـل الـمطالب بالتمنّي ولــــكــن تؤخذ الدنيا غلاباً
وما استعصى على قوم منال إذا الإقدام كان لهم ركاباً [20]
إقبال يوجه الخطاب إلى الشباب بصفة مباشرة بدعوة التفكّر والنظر في تقلبات العصر ، والسباق إلى السيادة ، مشيراً أنهم كانوا جمال العالم ومنتهاه في العصور الماضية ، يحث الشاعر الشباب العربي والإسلامي على نفخ صحراء العرب عزماً وموهبةً ، وإلى نفخ روح عمر رضي الله عنه الوقادة فيهم فيقول :
فكّروا في عصركم واستبقوا طالما كنتم جمالا للعصر
واملؤوا الصحراء عزما واخلقوا مرةً أخــرى بــهــا روح عمر [21]
شوقي يتجلى في هذه الأبيات بحماسته الموجهة إلى الشباب ، حيث إنه عبّر فيها عاطفته الجياشة وفكرته الوهاجة تجاه الشباب فيقول بوضوح :
قوموا اجمعوا شعب الأبوة ، وارفعوا صـــوت الـشباب محببا مقبولاً
ما أبــــــعــــــــد الــــغـــــيــــاث !! إلا أنني أجد الثبات لكم بهن كفيلاً
فــــكـــــلـــوا إلى الله النجاح ، وثبروا فالله خيــر كافلاً و وكـــيلاً
فابنوا على بـركات الله ، واغتنموا ما هيأ الله مـــــن حـــظ وإقبال
تتنافس الآمـــــال فــــــيــــه ، كــــأنـه ثغر الــعـناية ضـــحــك الآمـــالا [22]
إقبال أيضاً يوجّه الدعوة المتحمسة والتوعية إلى الشباب ، وإلى التخلي عن التكاسل والغفلة والجمود فيهم ، وترك الأمور التافهة الدنيئة ، فيقول :
إنما الإيـــــمــان بالدنيا يدور فهو نار في دجاها وهو ثور
فاجـــعـلوا منيه تباشير المنى واملؤوا الآفاق منه بالسنا
ارفعوا الأنفس فيه صاعده ارفعوها عن معان خامده
عن متاع وطـــعـــام وشــراب ومعان كلها نبت التراب [23]
شوقي يقول : إن السيادة والعز والمجد والأمن والسلامة من ميزات هذه الأمة البارزة ، والفضل كله يرجع إلى الإسلام والمسلمين ، فيعبّر الدقيق :
يا مـــعشر الإسلام ! في أسطــولكم عز لكم ، ووقاية ، وسلام
جودوا عليه بمالكمن ، واقضوا له مــا تـوجب الأعلاق والأرحام
حب الســـيـــادة في شـــمائــل دينكم والـــجد روح مــنــه والأقـــدام [24]
إقبال يحث الشباب بأن يستخدموا المواهب والكفاءات العلمية والفنية في هذا العصر الحديث ، فيقول : إنهم مصدر تضوّع المسك ونسيمه في روضة الأزهار ، وهم منبع شعلة الإيمان وقمة الطوفان في أمواج الدنيا ، ويوجهم بأن يعرفوا شخصيتهم وذاتهم قبل أن يكونوا جامدين ومتخلفين ، فيقول :
وأنت العطر في روض المعالي فكيف تعيش محتسباً دفيناً
وأنـــت نــسيمه فاحمل شـذاه ولا تــــحــــمـــل غـبار الخاملين
وأرسل شــعلة الإيـمان شمساً وصـــغْ مـــن ذرة جـبلاً حصيناً
وكن في قمة الطوفان موجاً ومزنا يمطر الغــيث الــهــــتونا [25]
شوقي يرفع لواء دعوة الحماسة واليقظة إلى الشباب خاصة والمجتمع الإسلامي والإنساني عامةً إلى بناء المكانة الرفيعة في العالم ، ويدعو إلى استفادة عباقرة العصر للتربية ، والدعوة إلى المواكبة على العلوم والفنون العصرية فيقول :
ابتغوا ناصية الشمس مكاناً وخــــــذوا الــــــقــــمــــة علماً وبياناً
واطلبوا بالــــعـــبقــريـات المدى ليس كل الخيل يشهدن الرهانا
ابـــــعـــــثـــــوها سابقــات نــجباً تملأ الـــــمــــضــــمار معنىً وعياناً
وثــــبـــــوا للـــــعـــز من صهوتها وخذوا الـــمجد عنانا فعنا فعنانا
لا تـــثـــــيـــبـوها على ما قلدت مـــــن أيــــاد ، حسداً أو شــــنـــاناً [26]
إقبال يحث – مثل شوقي – الشباب والمجتمع الإسلامي كله على النظرة الفاحصة إلى التاريخ والاستذكار ما مضى في ماضينا المجيد ، ويدعو استحكام النفوس والعيش الإبداعي ، والسعي إلى السيادة من جديد ، وترك الرذائل الدنيوية ، والدعوة إلى الاشتغال بأكبر المهمات ، والأعمال البشرية الصالحة النافعة لحياتنا الخالدة ، فيقول :
فاذكر التاريخ واســــتـحكم به عش بأنفاس مضت ، في طبّه
أحــــكـــــمــــن وصـــله يــــوم وغد والـــــحـــياة امض بها طول اليد
وقــد الأيــــام قــــســـرا بـــــــمـــــهار أو فــــعــشْ أعــــمــــى بليل ونهار
صاح ! من ماضيك تبدو حالكا ومن الــــــحـــال بدا استقبالكا
إن تــــــرد خــــــلــــــد حــــيـــاة فصل ما مضى بالــــــحال والـمستقبل [27]
* الأستاذ المساعد ، قسم الدراسات العربية ، جامعة الإنجليزية واللغات الأجنبية بحيدرآباد ، الهند .
[1] الشوقيات : لأحمد شوقي ، دار الكتاب العربي ، بيروت ج 1 ، ص 99 .
[2] ديوان محمد إقبال : لمحمد إقبال ، دار ابن كثير ، بيروت ج 1 ، ص 358 .
[3]. ديوان محمدإقبال : ج 1 ، ص 224 .
[4] الشوقيات : ج 3 ، ص 170 .
[5]. ديوان محمداقبال:ج:1،ص:158
[6] الشوقيات : ج 3 ،ص 92 .
[7] ديوان محمد إقبال : ج 1 ، ص 158 .
[8] الشوقيات : ج 3 ، ص 48 .
[9] ديوان محمد إقبال : ج 1 ، ص 102 .
[10] الشوقيات : ج 3 ، ص 72 .
[11] ديوان محمد إقبال : ج 1 ، ص 493 .
[12] الشوقيات : ج 2 ، ص 434 .
[13] ديوان محمد إقبال : ج 1 ، ص 493 .
[14] الشوقيات : ج 3 ، ص 155 .
[15] ديوان محمد إقبال : ج 1، ص 320 .
[16] ديوان محمد إقبال : ج 1 ، ص 105 .
[17] الشوقيات : ج 2 ، ص 244 – 245 .
[18] ديوان محمد إقبال : ج 2 ، ص 393 .
[19] ديوان محمد إقبال : ج 1 ، ص 352 .
[20] الشوقيات : ج 1 ، ص 71 .
[21] ديوان محمد إقبال : ج 1 ، ص 352 .
[22] الشوقيات : ج 1 ، ص 184 – 185 .
[23] ديوان محمد إقبال : ج 1 ، ص 362 .
[24] الشوقيات : ج 1 ، ص 230 .
[25]ديوان محمد إقبال : ج 1 ، ص 109 .
[26] الشوقيات : ج 1 ، ص 188 .
[27] ديوان محمد إقبال : ج 1 ، ص 232 – 233 .