المجتمع الإسلامي : حدوده وآدابه في ضوء سورة الحجرات

المجتمع الإسلامي : حدوده وآدابه في ضوء سورة الحجرات

الأستاذ شهاب الدين الندوي *

إن شخصية الشيخ الندوي لها جوانب متعددة مهمة ، كلها تقتضي وقفات متأنيةً وأبحاثاً طويلةً دقيقةً ، ولا يسعني في هذا المقام أن أخوض في تلك الجوانب المختلفة ، بل إنني أقصد في هذا المقال أن أقدم دراسةً وعرضاً يسيراً لكتاب ” المجتمع الإسلامي : حدوده وآدابه في ضوء سورة الحجرات ” للشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي .

إن هذا الكتاب ” المجتمع الإسلامي : حدوده وآدابه في ضوء سورة الحجرات ” مجموعة دروس قرآنية كان ألقاها العلامة الشيخ الندوي في رمضان في جامع قريته برائ بريلي ، الهند ، وهي تفسير موجز جامع       ” لسورة الحجرات ” قد شرح فيها جميع الآداب والأصول التي تتكون منها الحياة الفردية والجماعية بأسلوب سلس مؤثر ، وقد ركّز فيها على مفاسد ومساوئ منتشرة في المجتمعات الإسلامية وحلولها الناجعة في ضوء سورة الحجرات .

يقول الشيخ السيد محمد واضح رشيد الحسني الندوي في مقدمة هذا الكتاب مؤكداً لأهميته :

” إن الحضارة الغربية قد قضت على تصور المجتمع ، ولم يبق فيها معنى للأسرة والمجتمع ، وانتهت معاني الحب والرحمة والوحدة والمساواة والعلاقات الاجتماعية ، وازدادت رعاية المصالح الشخصية إلى حد أكبر ، إن هذا الاتجاه لم يكن مخالفاً للدين والأخلاق فحسب ، بل هو مخالف تماماً للتعاليم الإسلامية ، ففي مثل هذه الظروف الحاجة ماسة إلى تفكير جاد لإصلاح المجتمع مع إصلاح الفرد ، وسورة الحجرات هي سورة وحيدة ذكرت فيها آداب الحياة وأصول المجتمع بقدر من التفصيل تدعو إلى تطبيقها وصوغ الحياة الفردية والجماعية وفق هذه المبادئ الأساسية ” .

هناك آيات عديدة على هذا الموضوع منتشرة في سور مختلفة من القرآن الكريم ، ولكن هذه السورة ” سورة الحجرات ” لهي سورة خاصة بهذا الموضوع بكاملها ، فيها ذكرت مفاسد وعيوب اجتماعية منتشرة في المجتمعات وحلولها الناجعة أيضاً ، كأنها هي دستور اجتماعي كامل ، ونظام جامع للمجتمع الإسلامي الأمثل .

يتميز هذا الكتاب بميزتين مهمتين : إحداهما : اختصاره ووجازته ، وأخراهما : سهولة عرضه وأسلوب بيانه ، وتتخلله نكت تفسيرية من بيان القرآن للشيخ أشرف علي التهانوي ، يقول الشيخ عن هذا الكتاب : ” هذا التفسير الوجيز لسورة الحجرات يدل على أن يكون المؤمن نموذجاً للأخلاق النبيلة ، وبعيداً عن المنكرات والفواحش ، وأن يثبت في قلبه حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ويؤمن إيماناً كاملاً بأوامر الله ونواهيه ، وليكن في ذهنه أن الله مطلع على كل شيئ ، ويرى جميع أعمالنا ، ويطلع على جميع نشاطاتنا خالصة أو فاسدة ، ثم يجزينا جزاء حسناً أو سيئاً ” ( مجلة ” البعث الإسلامي ” ع/ 7 ، ج/ 64 ، صفر المظفر 1440هـ ) .

كما عرفنا من قبل أن صاحب هذه المجموعة سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي ، له علاقة قوية واهتمام بالغ بالقرآن الكريم وبالتدبر في آياته وسوره ، وكان من دأب سماحة شيخنا في شهر رمضان المبارك أن يختار موضوعات اجتماعيةً تتعلق بآداب الحياة ومبادئها للدرس القرآني ، كي يرغّب الناس إلى تطبيقها واستئصال الفساد المنتشر في مجتمعاتنا ودرء المفاسد والعيوب المنتشرة في الأوساط الدينية .

ومن خلال معرفتي لهذه المجموعة الطيبة وما تحويه من توجيهات قيمة يمكن لي أن أقول : إن هذه المجموعة الوجيزة هي عصارة دراسات صاحبها القرآنية الواسعة ، وهي تتصف برشاقة الأسلوب ومتانة العرض ودقة التعبيرات ، كما هي تعالج تلك المساوئ الخلقية والأدواء الاجتماعية الموبقة التي تعم وتنتشر في مجتمعاتنا من سوء الظن والغيبة والتجسس وغيرها ، وتذكر خطورتها وآثارها السلبية على المجتمعات الإنسانية من التفرق والتشتت ، والعداوة والبغضاء ، وتقدم أيضاً علاجها الشافي وحلّها الناجع .

ومما لاشك فيه أن هذه المجموعة مع وجازتها جديرة بحق بأن تلعب دوراً بارزاً في إزالة تلك المنكرات والمساوئ الاجتماعية التي قد جعلت مجتمعاتنا مريضةً ومصابةً بأنواع من الشقاء والتعاسة والقلق والاضطراب ، وفي سبيل إسعاد المجتمع البشري بروح المحبة والمودة والأمن والسلام ، وبالجوّ الإيماني الممتاز الذي تهبّ فيه نفحات الحب والوئام ، والأخوة والتضامن ، وإن هذه المجموعة المختصرة القرآنية تنفرد بميزتها الإصلاحية وبأسلوب مؤلفها السهل السائغ ، وإبرازه لجوانب هامة للقرآن الكريم من آداب الحياة وأصول المجتمع البشري ، جعلها الله نافعة للأمة ، وتقبلها قبولاً حسناً .

وهذا من اللازم أن أصرّح بأن هذه المجموعة القيمة لم تتحقق إلا باهتمام الأخ الفاضل محمد أرمغان الندوي بتلك الدروس القرآنية للعلامة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي ، فقام لها وجمعها من آلة التسجيل ورتّبها وعيّن لها عناوين بكل جدّ واهتمام ، ثم قام بنقلها إلى العربية الفصحى الأخ الفاضل الأستاذ الدكتور محمد فرمان الندوي بأسلوب سلس رشيق ، جزاهم الله خير الجزاء .

وختاماً أنا أقول بكل صدق وصراحة : إن حياة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي حياة حافلة بالفضائل والمكارم الخالدة ، حياة عامرة بالخدمات الجليلة المتنوعة في تسجيل تاريخ الدعوة الإسلامية المشرق ، وفي إصلاح المجتمع البشري وفي خدمة العلوم والآداب ، وهو جدير بحق بأن يحتذى ويقتدى ، ويستنار بآرائه السديدة وفكره السليم ، جزاه الله عنا وعن الأمة الإسلامية جمعاء ، خير ما يجزي به عباده الصالحين . آمين .

* كلية الشريعة وأصول الدين ، بدار العلوم لندوة العلماء لكناؤ ( الهند ) .