المبتكر في بيان ما يتعلق بالمؤنث والمذكر : دراسة تحليلية

نبوءة وجود سبع قارات في الأحاديث في ضوء القرآن والحديث والجغرافيا والجيولوجيا الحديثة
مارس 3, 2024
دراسة تاريخية لفلسطين
مارس 3, 2024
نبوءة وجود سبع قارات في الأحاديث في ضوء القرآن والحديث والجغرافيا والجيولوجيا الحديثة
مارس 3, 2024
دراسة تاريخية لفلسطين
مارس 3, 2024

دراسات وأبحاث :

المبتكر في بيان ما يتعلق بالمؤنث والمذكر :

دراسة تحليلية

د . ضياء القمر آدم علي التيمي *

المدخل : التذكير والتأنيث من القضايا الشائكة في اللغة العربية ؛ التي اعتنى بها الباحثون قديماً وحديثاً عنايةً تفوق عنايتهم بأي ظاهرة لغوية ؛ فقلما نجد لغوياً من القدامى إلا وأفرد لهذه المسألة كتاباً خاصّاً أو رسالةً خاصةً ، وكذلك اهتم الباحثون بهذه المسألة ، فحقَّقوا الكتب الخاصة بها .

وانطلاقاً من هذا نرى علماء شبه القارة الهندية أيضاً قد بذلوا في الاهتمام بهذه المسألة جهوداً لا تقل عن جهود العلماء العرب ؛ فبعضهم تعرض لها في ثنايا كتبهم الصرفية والنحوية ، وبعضهم أفرد لها كتاباً مستقلاً ، ومن أبرز الكتب المستقلة في هذا الباب ما ألفه العالم اللغوي الهندي ذو الفقار أحمد المالوي ؛ وهو ما يسمى بـ ” المبتكر في بيان ما يتعلق بالمؤنث والمذكر ” .

وهذا البحث سيحاول الكشف عن الكتاب ؛ متناولاً عدة نقاط تالية :

الأولى : تعريف بالمؤلف

الثانية : تعريف بالكتاب

الثالثة : منهج المؤلف في الكتاب

الرابعة : قيمة الكتاب العلمية

تعريف بالمؤلف :

صاحب الكتاب هو : العالم الفاضل ذو الفقار أحمد بن همت علي بن شاه ولي بن شاه عالم الحسيني النقوي السارنكبوري ، ثم البهوبالي المالوي .

هو وُلد في صفر سنة 1262هـ بمدينة بهوبال ، وقرأ العلم على المولوي عبد الله ، والمولوي جان محمد ، والمفتي أحمد كل ، والحكيم معز الدين ، والعلامة عبد الحق بن محمد أعظم الكابلي ، وحسين بن محسن السبعي الأنصاري ، والشيخ المحدث عبدالقيوم بن عبد الحي الصديقي البرهانوي ، وعلى غيرهم من العلماء في بهوبال ، ووفِّق للحج والزيارة مرتين ، وأدرك كبار المشايخ بمكة المكرمة ، وأخذ عنهم كالشيخ المهاجر يعقوب بن محمد أفضل العمري الدهلوي ، والشيخ محمد بن عبد الرحمن الأنصاري السهارنبوري ، والسيد شريف محمد بن ناصر الحازمي ، والسيد أحمد بن زيني دحلان الشافعي المكي ؛ فبلغ من العلم والكمال مبلغ الرجال ، وقربه نواب صديق حسن القنوجي إلى نفسه ، وأدناه وأهله بالعناية والقبول ، وكان يحبه حباً مفرطاً .

وكان الفاضل لغوياً بارعاً يتقن اللغة العربية إتقاناً ، حمله على تأليف هذا الكتاب الشهير ” المبتكر في بيان ما يتعلق بالمؤنث والمذكر ” ؛ كما حمله على قرض الأبيات الرقيقة الرائقة بالعربية ؛ منها قوله في دار بناها ملكة بهوبال :

لله دار مــــــا أجـــــل بناءهـــــــــا أكــرم بها مـن منزل معطــار

تلك القناديل التي فيهـــــا ترى شــهــب السماء تلوح للأنظـــار

مــنــها نفائس ما رأت عين ولا سمعت بها أذن مدى الأعصار

ومن مؤلفاته – أيضاً : ” طي الفراسخ في منازل البرازخ ” ،                و ” الروض الممطر في تراجم علماء شرح الصدور ” ، و ” محاسن المحسنين في حكايات الصالحين ” .

وتوفي سنة 1340هـ ببلدة بهوبال [1] .

تعريف بالكتاب :

هذا الكتاب الذي نحن بصدده هو كتاب سماه المؤلف في مقدمته : ” المبتكر في بيان ما يتعلق بالمؤنث والمذكر ” ؛ حيث يقول : ” . . . أهديت هذه المقالة المحتوية على كل سلالة وجلالة ، وقد سميتها : ” المبتكر في بيان ما يتعلق بالمؤنث والمذكر ” إلى من يعرف قدرها ، ويعرف شمسها وبدرها . . . ” [2] ، وكذلك اتفقت على هذا الاسم جميع كتب التراجم لحياة المؤلف ، غير أن بعض الباحثين سماه بـ ” المعجم المبتكر في بيان ما يتعلق بالمؤنث والمذكر ” بزيادة كلمة ( المعجم ) [3] ، ولم أظفر بالعثور على هذا الاسم في مصدر من المصادر التي تعرضت لترجمة المؤلف ، ولم أدرِ أنى لهم هذا الاسم ؟

والكتاب طُبع بالمطبعة الشاهجانية في بهوبال سنة 1297هـ ؛ وهو يقع في (610) صفحة ، وفي ص 581 مصادر الكتاب ، وهي (79) مصدراً ، ومن أهم المصادر التي استقى منها المؤلف ، واعتمد عليها كمصادر أساسية ما يأتي :

أنوار التنزيل للبيضاوي ، بدائع الفوائد لابن القيم ، الإيضاح في علم النكاح للسيوطي ، تاج العروس للزبيدي ، درة الغواص للحريري ، رسالة الكوع والكرسوع للزبيدي ، حياة الحيوان الكبرى للدميري ، الكليات للكفوي ، المعرب للجواليقي ، الكامل للمبرد ، المزهر للسيوطي ، نفائس اللغات للبلجرامي ، لف القماط للقنوجي ، نيل الأوطار للشوكاني ، وغيرها كثير .

إن الكتاب – كما يشير إليه عنوانه – يعالج أحد أبواب الصرف الغامضة في مسألة التذكير والتأنيث ، ويعرض لها ضوابط وقواعد تساعد على تخفيف الغموض ، وهو من نوادر ما ألف في المؤنثات السماعية .

منهج المؤلف في الكتاب :

(أ) بدأ المؤلف كتابه هذا بتمهيد ؛ أثنى فيه الله عز وجل ، وصلى على النبي الـمصطفى أفضل الصلوات وأزكى السلام عليه اقتداءً بالسلف الصالح بأسلوب مسجوع ؛ حيث قال : ” الحمد لله على نعمه ؛ التي لا تفنى من معادن الوجود جواهرُها ، ولا تُـزوى من خمائل الرَّحـموت بواطنها وظواهرها ، حمداً يطوق رقابَ الأمم نظيم عقوده ، والصلاة والسلام على سيِّد مَن في الأكوان ، وطراز حلة الـحدوث والإمكان محمدٍ الـمصطفى من ولد عدنان ، وأحـمد الـمجتبى في حضرة الرحمن ، وعلى آله وصحبه ملوك أسرة الإيـمان ، وسلاطين مـمالك الجنان ، لا زالت سحب الرحـمة هطالة على مراقدهم ، وسجايا الرضا مهيمنة على معاهدهم ، أمَّا      بعد . . . ” [4] .

(ب) عَقَدَ لكل موضوع من موضوعات الكتاب فصلاً ، ثم ذَكَر تحته ما يتعلق به من المواد العلمية ، غير أنه – في بعض المواضع – بالغ في ذلك ؛ حيث عقد فصولاً تحت فصل ؛ وذلك كما في فصل المؤنث الحقيقي واللفظي ، ثم قسم المؤنثات إلى قياسية وسـماعية ؛ أما السماعية فرتبها على حروف الـهجاء ؛ فذكر : الآل ، والأرنب ، وعندما وصل إلى كلمة : الخمر ، عقد لـها عدة فصول ؛ حيث قال : ” والأعرف في الخمر : التأنيث ؛ وفيها فصول : فصل في أصل الخمر ، وأول من اعتصرها ، وما السبب في ذلك ، فصل في ذكر معناها اللغوي والشرعي وبيان تحريمها ، فصل في ذكر أسمائها ، فصل في ذم الخمر والتنفير عنها ” [5] .

(ج) عرَّف بالـمصطلحات ذات الصلة بالموضوع ، تمثل لـها بأمثلة ؛ وهذا أسلوب عام يُرى في الكتاب كله ، ومن أمثلة ذلك قوله : ” المؤنث ما فيه علامة التأنيث لفظاً حقيقةً ؛ كامرأة وظلمة ، أو حكماً ؛ كزينب وعقرب ” [6] .

وقوله : ” الإلـحاق أن تزيد في مقابلة حرف أصلي في كلمة أخرى ؛ حتى تصير مساويةً لـها في الحركات والسكنات ، بشرط أن يكون الـمزيد فيها – في جـميع تصاريفها – مثلَ الـمُلحَق بـها ، ومقصودهم الأهم في ذلك إقامة الوزن ، أو السجع ، أو غير ذلك من الأغراض اللفظية ، وليس المقصود اختلافَ المعنى ؛ بل يجوز أن يـختلف وأن لا يـختلف ، ويجوز أن لا يكون للكلمة – قبل الزيادة فيها للإلـحاق – معنى ؛ كجَيْئَل وزينب ؛ فنحو : قطَّع ويقطِّع ، وأقْبل يُقبل ، وقاتَل يقاتِل ليس بـملحق بـ ” دحرج يدحرج ” ؛ لـمُخالفة مصدرها لـمصدره ” [7] .

(د) يلاحَظ أن الـمؤلف – كثيراً ما – يأتي بكلمة ( قِفْ ) بعد أن ذكرَ القاعدة أو الـمسألة ؛ وهو يشير بذلك إلى نقطة ذات أهـمية وشأن ، ومن الأمثلة على ذلك قوله في تاء التَّأنيث : ” وهي في الاسم أصل ، وما في الفعل فرعه ؛ لأنه يلحق الفعل لتأنيث الاسم ؛ أي فاعله ، . . وتجيئ التاء لأحد عشر معنى . . . قف . الأصل في الصِّفات – كما ذكر – أن يفرق بين مذكرها ومؤنثها بالتاء ، ويغلب في الصفات الـمختصة بالإناث الكائنة على وزن : فاعل ومُفْعِل أن لا يلحقها التاء إن لم يقصد فيها معنى الحدوث ؛ كحائض ، وطالق ، وطامث ، ومُرْضِع ، ومُطْفِل . . . [8] .

(ه) اعتنى ببيان معاني الألفاظ الغريبة ، ومن الأمثلة على ذلك قوله :  ” فِعْلَى – بكسر الأول وسكون الثاني ، ويكون مصدراً ؛ نحو : ذِكْرَى ، وجـمعاً ؛ نحو : حِجْلَى –بـحاء مهملة فجيم ، وظِـرْبَـي – بظاء معجمة فرَاء موحَّدة : جمع حَجَلَةٍ – بفتحات : اسم طائر ، وظَرِبَان علَ وزن : قَطِرَان ؛ وهي دُويبة تشبه الـهرة مُنتِنَة الفَسْوِ ، ولا ثالث لـهما في الـجمع ؛ فإن كان فِعْلَى غير مصدر أو جـمعٍ لم يتعين كون ألفه للتأنيث ؛ بل إن لم ينون في التنكير فهي للتأنيث ؛ نحو : ضيزى – بتحتيَّةٍ بعد الضَّاد الـمعجمة ، أو بـهمزة ، ويثلَّث أوله إذا هُـمِز أفاده في : ” القاموس ” ؛ وهو القسمة الـجائرة ، والشِّيزى – بشين معجمة فَتَحْتيَّة فزَاءٍ – وهو خشب تصنع منه الجفان ، والدِّفْلَي – بدال مهملة ففَاءٍ فلامٍ – قال الأُشـمونـي : وهو شجر ، في        ” القاموس ” : وهو نبتٌ ” [9] .

منهجه في ذكر المسائل الخلافية :

أشار الـمؤلف – في أثناء تناوله المسائل والقضايا – إلى الـخلاف بين العلماء ، وله في ذلك طرق مختلفة ؛ أهـمها ما يأتي :

(أ) يذكر آراء العلماء في مسألة خلافية ، ولا يذكر ما هو الراجح منها ، ولا يُبدي رأياً له فيها ، وهذا أقل ، ومن أمثلة ذلك قوله :   ” الـجَراد – بالراء والدال المهملتين كسحاب – مؤنثة . قاله الـمُلا محمد باقر ، وقال الشيخ عبد الرحيم : ( ويذكر ) . وقال الـمجد : ( للذكر والأنثى ) . وقال الـجوهري : ( الواحدة جرادة ، تقع على الذكر والأنثى ، وليس الـجراد بـمذكر للجرادة ؛ وإنما هو اسم جنس ؛ كالبقر والبقرة وما أشبه ذلك ، فحق مذكَّره أن لا يكون مؤنثه من لفظه ؛ لئلا يلتبس الواحد الـمذكر بالجمع ) . وفي ” الـمصباح ” : ” وقد تدخل التاء لتحقيق التأنيث ، ومن كلامهم : رأيت جـراداً على جرادة ” [10] .

(ب) ذكره آراء العلماء في مسألـة ، وذكره ما هو الراجح عنده ؛ وهذا أكثر ، ومن الأمثلة على ذلك : ” وقد اختلف في مد الـمقصور اضطراراً ؛ فمنعه جمهور البصريين مطلقاً ، وأجازه جـمهور الكوفيين مطلقاً . وفصَّل الفراء ؛ فأجاز مدَّ ما لا يـخرجه الـمدُّ إلى ما ليس في أبنيتهم ، فيجيز مدَّ مِقْلَى – بكسر الميم ؛ فيقول : مِقلاء ؛ لوجود : مفتاح ، ويـمنع مدُّ : مَوْلَـى ؛ لعدم مَفْعَالٍ – بفتح الـميم ، وكذا يـُمَدُّ : لِـحَى – بكسر اللام ، فيقول : لِـحَاء ؛ لوجود : جبال ، ويـمنعه في : لُـحَى – بضم اللام ؛ لأنـه ليس في أبنية الجموع إلا نادراً ، والظاهر جوازه مطلقاً ؛ لوروده في كلام العرب ، ومـمن وافق الكوفيين على جواز ذلك ابن ولاد وابن خروف ” [11] .

منهجه في عرضه للأدلة السماعية :

استشهد الـمؤلِّف بالأدلة السماعية والحديث وكلام العرب – في أثناء تناوله القضايا والأحكام ، وفي عرضه تلك الأدلة اتَّـخذ طرقاً مـختلفةً .

أمَّا القرآن الكريم فهو لا يذكر من آياتها برمتها ، وإنـما يسوق منها الجزء ؛ الذي يستشهد بِـها مسبوقاً بقوله : ( قوله تعالى ) أو ( في القرآن الكريم ، أو في التنزيل ) ، ومن أمثلة ذلك قوله :

” الوراء – بالراء الـمهملة والـمد – كسَحَاب : كلمة مؤنثة تكون خلفاً ، وتكون قداماً ، وأكثر ما يكون ذلك في الْـمواقيت من الأيام والليالي ؛ لأن الوقت يأتي بعد مضي الإنسان ؛ فيكون وراءه ، وإن أدركه الإنسان كان قدَّامَه ، ويقال : وراءك برد شديد ، وقُدَّامَك برد شديد ؛ لأنه شيئ يأتي ؛ فهو وراء الإنسان على تقدير لحوقه بالإنسان ؛ وهو بين يدي الإنسان على تقدير لحوق الإنسان به ؛ فلذلك جاز الوجهان ، واستعمالـها في الأماكن سائغ على هذا التأويل ، وفي التَّنزيل : ( وَكَانَ وَرَاءَهُمْ ) [12] ؛ أي : أمامهم  . . . وقال تعالى : ( مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ ) [13] ؛ أي : بين يديه [14] .

أمَّا الحديث النَّبوي ؛ فقد عرضه الـمؤلف في أسلوبين : يذكره معزواً إلى مصدره ؛ وهذا أكثر وأغلب ، وغير معزوٍّ إلى مصدره ؛ وهذا أقل ، ومن الأمثلة على ذلك : ” . . . وفي ” الـمصباح ” : الأَرنَب أنثى ؛ تقع على الذكر والأنثى ، وفي لغةٍ تؤنَّث بالـهاء ؛ فيقال : أرنبة للذكر والأنثى – أيضاً . وقال أبو حاتم : يقال للأنثى : أرنب ، وللذكر : خُزَزٌ ، وجـمعه : خِـزَّانٌ ، وفي أبي داودَ : ” أنَّ رَجُلاً جَاءَ بَأَرْنَبٍ قَدْ صَادَهَا ” [15] إلى آخر الحديث ” [16] .

وقوله : ” الضِّلَع – كعِنَب وجِذْع – معروفة مؤنثة ، ج أضلعٌ وضلُوعٌ ، وأضْلاعٌ ، كذا في : ” القاموس ” ، وفي ” المصباح ” : الضِّلَع : من الحيوان – بكسر الضاد ، وأما اللام فتفتح في لغة الحجاز ، وتسكن في لغة بني تميم ؛ وهي أنثى ، وهي عظام الجنين ، وقال في ” تاج العروس ” : شاهد الأول قول الشاعر أنشده ابن فارس :

هِيَ الضِّلَعُ الْعَوْجَاءُ لَسْتَ تُــقِيمُهَا  ألا أنَّ تَقْوِيـمَ الضُّلُوعِ انكِسَارُهَا [17]

قلت : وهو قول حاجب بن ذبيان ؛ ومنه الحديث : ” أن الـمَرأةَ خلقتْ من ضلع ، وأنَّ أعوجَ ما في الضلع أعلاها ، فإن ذهبت تقيمها كسرتها ، وإن تركتَها استمتعت بها ” [18] .

أمَّا الأبيات الشعرية فقد اتـخذ لعرضها طرقاً مختلفةً ؛ منها ما يأتي :

(أ) يذكرها غير معزوة إلى قائليها مسبوقةً بقوله : ( قال الشاعر ) ، أو ( قال بعضهم ) ، ومن أمثلة ذلك قوله : ” حِلاقِ – بالقاف كقِطَام : اسم للمنيَّة ؛ مثل : قطام ؛ بنيت على الكسر ؛ لأنه حصل فيها العدل والتَّأنيث والصفة الغالبة ؛ وهي معدولة عن : حالقة ؛ ومنه قول الشاعر :

لَـحِقَتْ حِلاقِ بِـهِمْ عَلَى أَكْسَائِهِمْ  ضَرْبَ الرِّقَابِ وَلا يُهِمُّ الْـمَغْنَمُ [19]

(ب) يذكرها معزوةً إلى قائليها ، وهذا أغلب وأكثر إذا ما قيس بما سبق ، ومن أمثلة ذلك قوله : ” البِكْر – بكسر الباء وسكون الكاف : الكرم ، حـمل أول مرَّة ، كذا في ” القاموس ” ، والخمر ، قال ابن النَّبيه :

بِكْرٌ جَلاهَا أَبُوهَا قَبْلَ مَا جُلِيَتْ           فِي حُجْرَة الدَّنِّ أَوْ فِي قِشْرَةِ الْعِنَبِ [20]

(ج) يذكر – أحياناً – الأبيات الشعرية كاملةً ، ويذكر – أخرى – الجزء ؛ الذي فيه شاهد ؛ سواء أكان صدر البيت أو عجزه ، ومن أمثلة ذلك قوله : ” تاء التأنيث قد تدخل الحرف ؛ كـــرُبَّتْ إذا كان المجرور بـها مؤنثاً ؛ قال الشاعر :

فَقُلْتُ لَـهَا : أَصَبْتِ حَصَاةَ قَـــلْــبِي  وَرُبَّتَ رَمْيَةٍ مِن غَيْرِ رَامِ [21]

وقد جاء :

يَا صَاحِبَا رُبَّتَ إِنْسَانٍ حَسَنْ [22]

قيمة الكتاب العلمية :

اشتمل هذا الكتاب على مزايا يمكن إجمالها فيما يأتي :

(1) يعد الكتاب موسوعةً صغيرةً في بابه ؛ حيث جمع المؤلف فيه بين آراء المتقدمين والمتأخرين ، والمعاصرين له ؛ من علماء العرب عامةً وعلماء شبه القارة الهندية خاصةً ؛ مع عدم الانحياز إلى مذهب معين .

(2) يكتظ الكتاب بالشواهد من الآيات القرآنية والحديثية ، وبالأبيات الشعرية وأقوال العرب وأمثالهم اكتظاظاً جعله أقرب إلى كتاب شعر وديوانه .

(3) تبرز أهميته بحيث إن المؤلف نقل الآراء عن بعض الكتب التي ما زالت مفقودةً ، أو عن مخطوطات قديمة لم يتم بحثها وتحقيقها حتى الآن .

(4) كثرة مصادر الكتاب وتنوعها ؛ من مصادر نحوية ، وبلاغية ، وإعرابية ، ولغوية ، تاريخية ، وحديثية وغيرها ، وقد أشرت إليها في معرض كلامي عن مصادر الكتاب التي استتقى منها المؤلف مادته العلمية .

(5) شرحه لكثير من الكلمات الغريبة شرحاً لغوياً ؛ بالرجوع إلى معاجم معتمدة ؛ كالصحاح ،والمصباح ، والقاموس المحيط ، وضبط ما يحتاج إلى ضبط ؛ حرصاً على سلامة النص من التحريف والتصحيف .

(6) حاول المؤلف استيعاب الأقوال المأثورة عن العلماء اللغويين في المسائل المقصودة ؛ فلا يورد شيئاً يحتاج إلى بيان إلا وتعرض له بالشرح والتفصيل ، ولا سيما في مسائل الخلاف .

(7) اشتمال الكتاب على تعليقات مفيدة ، وتعليلات دقيقة تشحذ أذهان القراء .

(8) ظهور شخصية المؤلف في هذا الكتاب ؛ فهو : يناقش ، ويقرر ، ويعترض ، ويرجح ويستفهم ، ويجيب ،ولا يصدر مثل هذه الأمور إلا من مؤلف يتمتع بالفكرة الواسعة والاطلاع التام .

كل هذا يندرج تحت مزايا الكتاب ، ويسجل في خصائصه ، والله أعلم .

وهناك ملاحظات وتعقيبات بعد دراسة الكتاب ، وهي على ما يأتي :

(1) يلحظ القارئ أن المؤلف قد استشهد بكلام الشعراء المولدين الذين لا يحتج بهم ، ولا شك أن الاحتجاج بكلام المتأخرين لا يعتد به في إثبات القواعد النحوية والصرفية .

(2) يلاحظ في الشرح أن المؤلف قد أكثر من النقل عن العلماء المتقدمين والمتأخرين ، حتى لا نكاد نجد صفحةً خاليةً منه .

(3) الإكثار من الشواهد من الأبيات الشعرية التي جعلت الكتاب أقرب إلى كتاب شعر أو شبهه .

هذه بعض الهنات ، وما ذكرته من المآخذ لا يقدح في قيمة الكتاب العلمية ؛ لما يحمل في طيه من فوائد جمة ومزايا عديدة .

وبناءً على احتواء الكتاب على هذه الفوائد الجمة والمميزات الفريدة ، فإنه حري به أن يخرج من عالمه المجهول إلى عالمه المعروف ؛ وذلك ببحثه وتحقيقه وتحليته بحلى جديدة أنيقة . وجزى الله من يعتني به أحسن الجزاء .

* أستاذ بالجامعة المحمدية منصوره ، ماليغاون ، مهاراشترا ، الهند .

[1] ‏نزهة النواظر ، 8/1225.‏

[2] ينظر : مقدمة الكتاب ، ص 2 .

[3] ينظر : الرابط : www.goodreads.com

[4] مقدمة الكتاب ، ص 2 .

[5] المبتكر في بيان ما يتعلق بالمؤنث والمذكر ، ص 66 .

[6] نفسه : 11 .

[7] نفسه : 16 – 17 .

[8] نفسه : 11 .

[9] نفسه : 19 .

[10] نفسه : 57 .

[11] نفسه : 34 .

[12] سورة الكهف : الآية : 79 .

[13] سورة إبراهيم : الآية : 17 .

[14] المبتكر في بيان ما يتعلق بالمؤنث والمذكر ، 194 – 195 .

[15] سنن أبي داود ، 3/352 ، كتاب الأطعمة ، بابٌ في أكل الأرنب ، رقم ( 3792 ) ‏.

[16] المبتكر في بيان ما يتعلق بالمؤنث والمذكر : 39 .

[17] البيت من الطَّويل ، في عيون الأخبار ، 4/77 ، ولسان العرب ، 8/226 .

[18] المبتكر في بيان ما يتعلق بالمؤنث والمذكر ، 59 . والحديث رواه مسلم في صحيحه ، 2/1090 ، رقم ( 1468 ) .

[19] نفسه ، 94 .  والبيت من الكامل ، للأخزم السَّنبِسِيّ في الكتاب ، ‏‏2/38 ، والمقتضب ، 3/372 .

[20] نفسه : 94 . البيت من البسيط في ديوانه ، 10 .

[21] البيت من الوافر ، لـمحمَّد بن حبيب في مجمع الأمثال ، 2/280 .

[22] نفسه : 6 . والبيت في خزانة الأدب ، 7/422 .‏