عادل عمر زعيتر والفكر الإسلامي
سبتمبر 12, 202248/ سنةً في ظلال تربية الإمام العلامة أبي الحسن الندوي ( الحلقة السابعة )
سبتمبر 12, 2022رجال من التاريخ :
اللواء الركن / محمود شيت خطاب
قائد عظيم ووزير مخلص وكاتب بارع ومؤرخ عسكري حصيف
الدكتور غريب جمعة – جمهورية مصر العربية
( الحلقة الثالثة )
توقعه للعدوان الإسرائيلي في يونيو عام 1967م :
كانت حياته العسكرية ومشاركته في العديد من المعارك ، وفي مقدمتها معركة فلسطين سببًا في اتجاهه إلى ميدان القلم بعد أن أبلى بلاءً حسناً في ميدان السيف ، وقد أوقف قلمه لمهمة عظيمة ، وهي بناء الأمة وإعدادها لمعركتها الكبرى ، وقد ألقى بالمناصب الكبرى – على بريقها – خلف ظهره ليتفرغ تماماً لهذه المهمة ، وخصوصاً بعد هزيمة يونيو 1967م ، ومن العجب أنه بما حباه الله من فهم عميق لاستراتيجية العدو الصهيوني ودراسته الموسعة في هذا الشأن استطاع أن يحدد اليوم الذي ستضرب فيه إسرائيل ضربتها وهو يوم 5 يونيو 1967م ، وكتب بذلك للمسئولين ، ونشر ذلك في جريدة ( العرب ) البغدادية في أول يونيو 1967م لكن أحداً لم يلتفت إليه إلا المؤلف الإسرائيلي صاحب كتاب ( الحرب بين العرب وإسرائيل ) الذي أثنى على عبقريته ووصفه بأنه أكبر عقلية استراتيجية في العرب ، ولكنه لا يجد من يستفيد منه .
ولقد خرج الرجل بعد رحلة مضنية في ميدان القلم بنظريته القليلة الكلمات العميقة المدلول ، وخلاصتها ” أن البناء العقائدي هو أساس المعركة بالإضافة للفن الحربي ، وأن الفن الحربي وحده لا يستطيع أن يحقق – على الأقل في المجال الإسلامي – شيئاً ذا بال من دون الإيمان بالله وحب الموت والاستماتة في ظل الجهاد والرغبة في الاستشهاد وتوجيه العمل كله لله من دون تطلع الى مغنم أو مطمع ” ، وهو لا يكتفي بنفسه بل يدعو إلى ذلك كل قائد من قادة الفكر الإسلامي وكل من يحمل القلم ليذود عن حياض الإسلام أن يبحث ويدقق في تاريخ العرب ومبادئ الإسلام ، ذلك لكي يحرر عقول المسلمين ونفوسهم من العبودية لاستعمار فكري مدمر ، باض وفرَّخ بعد رحيل الاستعمار العسكري .
ثم يشرح فكرته بشيئ من التفصيل ليزيد الأمر وضوحاً فيقول : ” لقد أيقن هذا الاستعمار – شرقياً كان أو غربياً – أنه لن ينجح في الاستحواذ على المسلمين ما لم يشككهم في عقائدهم ، وتاريخهم وتراثهم ، لذلك عمل جاهداً بكل ما لديه من قوة ومال وأساليب خبيثة ظاهرة وخفية على نشر المبادئ المستوردة والتاريخ المستورد والتراث ، حتى ظن كثير من المسلمين – وعلى رأسهم بعض مفكريهم مع الأسف الشديد – أنه لا مبادئ أفضل من مبادئ المستعمر ولا تاريخ أفضل من تاريخ المستعمر ولا تراث أفضل من تراث المستعمر ، فلما استطاع العرب والمسلمون التخلص من الاستعمار العسكري والاستعمار السياسي والاستعمار الاقتصادي بقي الاستعمار الفكري ، وهو أخطر أنواع الاستعمار ، مسيطراً على العقول والقلوب ، لأن المسلمين كانوا ولا يزالون يجهلون محاسن مبادئهم ومفاخر تاريخهم وفضائل تراثهم العريق .
لذلك فإن على قادة الفكر الإسلامي أن يتحملوا واجباتهم كاملة في هذه الظروف لمحو أدران الاستعمار الفكري من ديار الإسلام ، والسبيل إلى ذلك هو بعث عقائد الإسلام وتاريخه وتراثه بأسلوب علمي حديث حتى يملأ المسلمون فراغهم الفكري بما يقرأون ، لأن الفكرة كما هو معروف لا تقاوم إلا بفكرة أفضل منها ولأن الهجوم المضاد هو أنجح وسائل الدفاع ” .
العلاقة بين العروبة والإسلام :
ارتفعت أصوات كثيرة تنادي بفصل العروبة عن الإسلام تحت دعوات ، ظاهرها صالح العرب ، وباطنها تدمير الأمة العربية وإيجاد حاجز نفسي بينها وبين شعوب الأمة الإسلامية ، وهنا يقف هذا القائد العظيم ليدحض هذه الدعوات ويفضح هذا البهتان فيقول :
لقد وحَّد الإسلام بتعاليمه التي تغرس الضبط والنظام في النفوس وتدعو إلى توحيد الله ووحدة الصفوف أيضاً ، وحد العرب الذين كانت لهم خبرة في الحروب والذين لا يهابون الموت ويتعشقون الحرية ، فكان فضل الإسلام على العرب أن جمع شملهم ووحد قلوبهم وأشاع فيهم النظام والضبط ، وبذلك أصبحوا قوةً هائلةً وجدت لها متنفساً في توحيد الجزيرة العربية أولاً : وفي الفتح الاسلامي ثانياً فحملوا رايات الإسلام شرقاً وغرباً وحملوا أعباء الفتح وحدهم ، فكان لهم بتوفيق الله وتسديده فضل في نشر الإسلام في البلاد المفتوحة .
ولا شك أن هذه التعاليم قد رفعت المستوى العقلي للعرب إلى درجة كبرى ونقلتهم من عبادة الأصنام والأوثان وما تقتضيه تلك العقيدة من انحطاط في النظر وإسفاف في الفكر الى عبادة إله واحد وراء المادة ( لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَارَ ) ، فاستطاع العربي بهذه التعاليم أن يرقى إلى مفهوم الألوهية الصحيحة لإله واسع السلطان غزير العلم ليس كمثله شيئ وقد فهموا بذلك أن دينهم خير الأديان وأن نبيهم نبي الناس جميعاً وأنهم ورثته في حمل دعوته إلى الأمم ، فكان ذلك من البواعث على دعوة هذه الأمم إلى دينهم .
وكان لعقيدة اليوم الآخر ودار الجزاء والجنة والنار أثر كبير في العرب في بيع كثير منهم نفوسهم في سبيل نشر الدعوة ، وكان للإسلام أثر كبير في تغيير قيم الأشياء والأخلاق عند العرب ، فالشجاعة الشخصية والشهامة التي لا حد لها ، والكرم إلى حد الإسراف ، والإخلاص التام للقبيلة ، والقسوة في الانتقام والأخذ بالثأر ممن اعتدى عليه بقول أو فعل ، كانت هي أصول الفضائل عند العرب الوثنيين ، فأصبحت في الإسلام الخضوع لله والانقياد لأمره والصبر على ذلك وإخضاع منافع الشخص ومنافع قبيلته لأوامر الدين مع القناعة وعدم التفاخر والتكاثر وتجنب الكبر والعظمة ، هي المثل الأعلى للمسلم في الحياة .
ولقد تصرف العربي المسلم كفرد تصرفاً لا يزال يعتبر من الأعمال النادرة في حياة الرجال ، يتحمل التعذيب والموت راضياً مطمئناً ويترك أهله وماله مهاجراً إلى الله ورسوله وقد ضرب بمصلحة أهله الأقربين وعشيرته وقبيلته عرض الحائط . ونكتفي بهذا القدر حيث يطول المقام لو ذهبنا نسجل كل ما قاله الرجل .
ولكننا نختم بنظرته إلى حاضر العرب ومستقبلهم حيث يقول :
أما العرب في حاضرهم ، فتفصل بين أقطار الوطن العربي سدود وحدود ، عمل الاستعمار الحديث على تثبيتها وترسيخها بكل طاقاته ، كما عمل أذنابه على تعميق وجودها والاستقتال في سبيل الإبقاء عليها ، أما العرب أنفسهم فلا يتوافر انسجام فكري بينهم ولا عقيدة واحدة تعبر عن أهدافهم ، فلمصلحة مَن تبقى الحدود والسدود بين البلاد العربية ؟ وما هي العقيدة التي تشيع في العقول الانسجام وتغمر القلوب بالنور ؟
ويجيب اللواء محمود خطاب على ذلك بقوله :
يقول بعض العرب : إنها العروبة فحسب ، ويقول بعض العرب : إنها الإسلام ، والحق أنه لا عروبة بدون إسلام ولا إسلام بدون عروبة فالعرب بالإسلام كل شيئ والعرب بدون إسلام لا شيئ ولا أعرف سبباً يبرر تطرف بعض العرب في عروبتهم فلا يرون الإسلام ضرورةً من ضرورات الأمة العربية في حاضرها ومستقبلها ، والعربي الحق هو الذي يدعو للإسلام أولاً ، لأن في دعوته للإسلام قوة ضخمة للعرب وتعزيزاً لهم وإسناداً لقضاياهم ، فهل يفرط بدعم المسلمين من غير العرب ويرى فيه مخلصاً للعروبة حقاً ؟
ألم يقل عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( العرب مادة الإسلام ) .
ونقول بعد ذلك : هل يشك عاقل في العلاقة العضوية بين العروبة والإسلام ؟