الكتابة العربية العامة للشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي : أسلوبها ومميزاتها

مساهمة الهند في تطوير الحضارة العربية
فبراير 21, 2021
الدكتورة شيرين لبيب خورشيد والقيم التربوية في قصص نبوية بأسلوب تربوي
فبراير 21, 2021
مساهمة الهند في تطوير الحضارة العربية
فبراير 21, 2021
الدكتورة شيرين لبيب خورشيد والقيم التربوية في قصص نبوية بأسلوب تربوي
فبراير 21, 2021

دراسات وأبحاث :

الكتابة العربية العامة للشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي :

أسلوبها ومميزاتها

محي الدين عبد القادر *

الدكتور عبد الرشيد §

وهب الله تعالى هذه الأمة الرجال الأفذاذ الذين أناروا لها الطريق المستقيم في وقت احتاجت فيه لبيان كلمة الحق وتعريف الناس بدينهم في زمن الجهل وعصر الاستعمار ، وخدموا الإسلام بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة في كل قطر من أقطار العالم . وأخص منهم سماحة الشيخ العلامة أبو الحسن علي الندوي رحمه الله – أحد الأعلام في عصرنا – وقد كان أبو الحسن الندوي داعيةً ربانياً ومفكراً عملاقاً وكاتباً قديراً ومربياً عظيماً ، وكان له شغف بالعلوم والثقافات والدراسات المنوعة وقد برع في مجالات الدعوة والتاريخ والفقه .

أما أساليب الشيخ الندوي العلمية والأدبية ، والخصائص البارزة لأفكاره وآرائه ، فنكتفي هنا بنقل بعض الانطباعات التي أبداها كبار العلماء والقادة والمربين والمفكرين في العالمين الإسلامي والعربي ، ثم نقدم تعريفاً موجزاً عن أهم مؤلفات الشيخ الندوي وميزاتها وخصائصها والجوانب الهامة التي تضمنتها هذه الكتب ، وملأت الفراغ الواقع في مجال الدعوة والفكر الإسلامي .

يقول الدكتور مصطفي السباعي عن ميزة مؤلفات الأستاذ الشيخ الندوي : ” كتبه ومؤلفاته تتميز بالدقة العلمية وبالغرض العميق في تفهم أسرار الشريعة وبالتحليل الدقيق لمشاكل العالم الإسلامي ووسائل معالجتها [1] . ويقول الأستاذ أنور الجندي في مقاله المنشور في مجلة ” رابطة العالم الإسلامي ” عن أسلوب الشيخ الندوي رحمه الله : ” أسلوب الشيخ الندوي في غاية الجمال ، وله قدرة عالية في البيان ، وعمق الفهم للإسلام ويركز الشيخ الندوي دعوته على العرب ، ودورهم الممثل في اليقظة الإسلامية وآماله وتطلعاته إلى النهضة الجديدة التي تحمل لواء المفهوم الصحيح للإسلام دينياً ودولياً ، ونظام مجتمع ومنهج حياة ” [2] .

يستغرب الناس ويندهشون حينما يرون تنوع مؤلفات الشيخ   الندوي ، تتميز كلها بالإبداع ، والدقة العلمية والأسلوب القوي . فيتساءلون عن منابع القوة والتأثير والحيوية والسحر الحلال إلى هذه الخصائص البارزة والمنابع الدافقة ، يشير الأستاذ محمد المجذوب في كتابه  ” علماء ومفكرون عرفتهم ” : ” ومتتبع لما يكتب الندوي ، يشعر بأن لعبارته الأدبية سحراً لا يتوافر في العادة إلا في العلية من أصحاب المواهب الذين تعمقوا سر الكلمة وتفاعلوا به ، وكان لقلوبهم أكبر الأثر فيما يصوغونه ، وتلك هي الخاصة الرئيسية التي يمتاز بها أبداً أولو الأذواق الروحية من المتخرجين في مدرسة القرآن الكريم ، وبهذه الخاصة يتناول الشيخ الأحاديث التاريخية ، فإذا هي مائجة بالعبر ، وقلما تقرأ به له بحثاً أو قصةً أو حديثاً لا تلمس أثناءه هذه الصورة الناطقة الحكيمة [3] .

الأسلوب – لغةً :

قال صاحب المعجم الوسيط : الأسلوب في اللغة هو الطريق ويقال سلكت أسلوب فلان في كذا : طريقه ومذهبه . وطريقة الكاتب في كتابته والفن يقال : أخذنا في أساليب من القول : فنون متنوّعة ، والصف من النخل ونحوه ، وجمعه : أساليب [4] .

وذكر الدكتور جميل صليبا في كتابه المعجم الفلسفي عن الأسلوب ، الأسلوب في اللغة : الطريق أو الفن ، أو الوجه أو المذهب ، تقول : سلك أسلوبه أي طريقته ، وأخذ في أساليب من القول ، أي في أفانين منه ، وكلامه على أساليب حسنه [5] . وهكذا ذكر صاحب المعجم المفصل في اللغة والأدب عن الأسلوب لغوياً هو الطريق والوجه والمذهب .

الأسلوب – اصطلاحاً :

قال صاحب قاموس المصطلحات اللغوية والأدبية عن إصطلاح الأسلوب : طريقة الكاتب في التعبير عن مواقفه والإبانة عن شخصيته الأدبية الخاصة في إختيار المفردات ، وصياغة العبارات وما إليها [6] .

قال صاحب المعجم المفصل في اللغة والأدب عن الأسلوب الإصطلاحي هو النقدي ، المنوال الذي ينسج عليه الكاتب أو الفنان ، عناصر إبداعه المتعددة ، إنه بمعنى آخر القالب الذي يفرغ فيه النتاج الأدبي والفني من حيث المضمون والشكل معاً [7] .

أنواع الأسلوب :

هناك أنواع للأسلوب في الأدب العربي وأنا أجيز بعضاً منها كما يلي :

الأسلوب العلمي : ( Scientific Style ) وهو أهدى الأساليب وأكثرها احتياجاً إلى المنطق السليم والفكر المستقيم ، وأبعدها عن الخيال الشعري ، لأنه يخاطب العقل ويناجي الفكر ويشرح الحقائق العلمية التي لا تخلو من غموض وخفاء ، وأظهر ميزات هذا الأسلوب الوضوح [8] .

الأسلوب الأدبي : ( Literary Style ) هو الأسلوب الجميل ذو الخيال الواسع والتصوير الدقيق والإيقاع الموسيقي ، الذي يشعرك باللذة في القراءة [9] .

الأسلوب الخطابي : ( Oratorical Style ) هو الأسلوب الذي يستخدم عادةً في الخطابة ، متميزاً بوضوح المعاني ، وقوة الألفاظ والحجج وكثرة المترادفات والتكرار [10] .

الأسلوب التهكمي : ( Antiphrasis ) هو الأسلوب الذي غايته التهكم ، كأن تقول عبارة قاصداً عكس معناها ، نحو قوله تعالى : ” فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ” [11] .

الأسلوب العامي : ( Colloquialism ) هو الأسلوب المؤلف من ألفاظ وتراكيب عامية لا تتمشي مع قواعد اللغة الفصحى .

الأسلوب المتكلف : ( Mannerism ) هو الأسلوب الصنعي الذي يضحي بالمعني في سبيل حشو العبارات بالمحسنات البديعية والبيانية والمعنوية وبالألفاظ المتكلفة . وقد انتشر هذا الأسلوب في عصر الانحطاط ( 1798 – 1758م ) بعد سقوط بغداد في يدي هولاك المغولي ( 1258م ) .

الأسلوب المميز : ( Idiolect ) هو الأسلوب الخاص لكاتب أو أديب أو فنان يميزه من غيره . فيقال مثلاً الأسلوب المميز لابن المقفع في الأدب والأسلوب المميز لباخ في الموسيقي .

أسلوب المولدين : هو أسلوب العصر العباسي ( 750 – 1258م ) الذي كان يوم ذاك على الابتعاد من الألفاظ العامية المبتذلة ، ومن ألفاظ البد والحوشية في آن واحد ، معتمداً على الألفاظ العذبة المختارة . وابن المقفع  ( 759م ) وابن المعتز ( 908م ) خير من يمثلان هذا الأسلوب [12] .

أسلوب الشيخ الندوي في الدراسات القرآنية :

معلوم عند أهل العلم بأن المفكر الإسلامي فضيلة الشيخ السيد أبا الحسن الحسني الندوي ما كان مؤرخاً أو أدبياً إسلامياً فحسب ، بل كان عالماً ربانياً ومحدثاً جليلاً ومفكراً عظيماً ومفسراً للقرآن    الكريم ، وله نظرات عميقة في القرآن الكريم وتفسيره . وألف سماحة الشيخ الندوي لإفادة طبقة العلماء الأفاضل كتباً في تفسير القرآن من أمثال : الصراع بين الإيمان والمادية ، المدخل إلى الدراسات القرآنية ، النبوة والأنبياء في ضوء القرآن الكريم ، روائع من أدب الدعوة ، إفادات قرآنية باللغة الأردوية ( الإفادات القرآنية ) ، الأركان الأربعة .

شرح الأساليب القرآنية :

وفي الواقع تعد هذه الكتب السابقة خالدةً في موضوع معاني القرآن الكريم في أسلوب جديد في قالب حديث ، لا شك أنه يوجد في السوق العلمية كتب علمية في موضوع التفسير القرآني ولكنها تكون خالية من شعور العصر الحديث ، إلا أن كتب سماحة الشيخ الندوي في هذا الموضوع تتجلى بهذا اللون الجديد على حد الكمال والشمول . كان الندوي على قمة عالية من الذوق الأدبي ، وكانت له مهارة تامة في الأساليب العربية والبلاغة ومواقع استعمالاتها فكان يوضح الأساليب القرآنية أثناء تفسيره للآيات يتجلى بذلك الإعجاز الأدبي للقرآن الكريم وأقدم فيما يلي بعضاً من النماذج لشرح الآيات .

يذكر الندوي متناولاً شرح هذه الآية : ” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ” [13] : على حد معلوماتي ودراستي للقرآن الكريم أن المفسرين متفقون على أن المراد بالذكر في آيات القرآن المجيد فاختار الله تعالى ههنا صيغة الجمع نزلنا الذكر وإنا له لحافظون جرياً على الأسلوب الملكي الذي يختاره الملوك في إظهار عوازمهم وشأنهم الرفيع حيث يقولون نحن نفعل كذا كذا ” . ( الإفادات القرآنية ) استخدم الندوي في هذه الفقرة الأسلوب الخطابي . ومن أظهر مميزات هذا الأسلوب التكرار واستعمال المترادفات وضرب الأمثال ، واختيار الكلمات الجزلة ذات الرنين .

كان الندوي يراعي الروح العصرية أثناء تفسير الآيات حيث يوسع في المعنى ويعمم مصداقها يعتقد الندوي أن القرآن الكريم يصلح لمسايرة العصر ومتطلباتها ويقبل التعبيرات الجديدة التي ولدها العصر ويمكن بذلك شرح الآيات القرآنية في ضوء الظروف الراهنة . يشتمل القرآن الكريم على الأسلوب المباشر لفهم القرآن الكريم في التشديد على اختيار اللغة العربية ، وسيلة للحوار والتبادل العلمي وتعليمها كلغة حية حتى لا يحتاج القارئ والسامع إلى معاجم أثناء الحوار والاستماع أو أثناء المطالعة  والقراءة ، وفي ضوء هذه الأسس سار سماحة الشيخ الندوي في تأملاته القرآنية ، وخير مثال الفهم التلقائي ، والإدراك المباشر لمفاهيم الكتاب الإلهي ، فلنقم بجولة قصيرة مع الأستاذ السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي في كتاباته القيّمة حول القرآن الكريم .

أسلوب الشيخ الندوي في أدب الأطفال :

ألف سماحة الشيخ الندوي رحمه الله للعناية بالطفولة والكتابة للأطفال والناشئين بوصفهم رجال الغد وصناع تاريخ الأمم والملل ، وهو في عنوان شبابه وكتب مجموعة من قصص النبيين للأطفال بلغتهم في أسلوب سلس فريد ، وطريقة شائقة مضمناً إياها ما يجب من المعاني والقيم ومن الدروس والعبر ومن العقائد والمثل حتى قال أحد كبار علماء الهند الشيخ عبد الماجد الدريابادي : ” إنها علم التوحيد الجديد للأطفال ” وأثنى عليها أديب كبير كالشهيد سيد قطب الذي مارس هذا العمل أيضاً في تقديمه لقصص النبيين بالألفاظ التالية .

” لقد قرأت الكثير من كتب الأطفال – بما في ذلك قصص الأنبياء عليهم الصلوات والسلام – وشاركت في تأليف مجموعة :           ” القصص الدينية للأطفال ” في مصر ، مأخوذاً كذلك من القرآن الكريم ، ولكني أشهد في غير مجاملة أن عمل السيد أبي الحسن علي في هذه القصة التي بين يدي ، جاء أكمل من هذا كله ، وذلك بما احتوى من توجيهات رقيقة وإيضاحات كاشفة لمرامي القصة وحوادثها ومواقفها ، ومن تعليقات داخلة في ثنايا القصة ولكنها توحي بحقائق إيمانية ذات خطر حين تستقر في قلوب الصغار أو الكبار ” . وذلك في صورة ” قصص النبيين للأطفال” ( خمسة أجزاء ) .

ألف سلسلة كتب مدرسية لدارسي اللغة العربية ، كتاب           ” القراءة الراشدة ” ( ثلاثة أجزاء ) ، وذلك كله بمهارة فائقة صبَّ فيها مواهبه الفنية واستخدم فيها براعته الأدبية ، واطلاعه العميق ، ومعرفته العلمية الواسعة كخير نفسية الأطفال كما أعد أساتذة ومعلمين قاموا بتأليف كتب دراسية أخري في هذا المجال وجعلوا كتب الصرف والنحو وتعليم الإنشاء وسيلة للتربية والتوعية الدينية والاستعداد العلمي والعملي في وقت واحد [14] .

نموذج من هذا النوع : كتب الشيخ في كتاب قصص النبيين تحت موضوع ولد آزر : ” وكان آزر له ولد رشيد جداً . وكان إسم الولد إبراهيم . وكان إبراهيم يرى الناس يسجدون للأصنام . . . ” ، هكذا يستعمل الأستاذ الندوي في هذا الكتاب بأسلوب عامي يعني من ألفاظ وتراكيب عامية .

أسلوب الشيخ الندوي في أدب التراجم :

يعتبر أدب التراجم من أهم العناصر المكوّنة لتدوين التراث الإنساني بصفة عامة ، والتراث المعربي بصفة خاصة ، وقد تطور هذا النوع من الكتابة عبر مختلف الحقب الأدبية ، وحسب اختلاف الأقطار الإسلامية منذ عصر التدوين إلى وقتها الحاضر ، ولا نكاد نجد تعريفاً محدداً أو قالباً جاهزاً ينطوي تحته هذا الفن ولا يتجاوزه إلى غيره ، والمعروف أن الأدب أجناس متنوعة ، وأشكال مختلفة قديمة وحديثة . كما أن الكتابة فيه أجناس وأشكال أيضاً ولكل جنس منها وكل نوع مفهوم عام ، ومفهوم خاص ، وتمتد بين هذه المفاهيم جسور مؤتلفة ، وتجمعها قضايا حيوية ، وعناصر مشتركة ، ومقاصد وأهداف متقاربة . ويختلف منهاج المترجمين في تقديم تراجمهم بحسب الأشخاص والأماكن والعصور ، على أن هناك سمات عامة وعناصر مشتركة يعتمدون عليها ويستغلونها .

ومن أبرز الكتاب في وقتنا الحاضر نزوعاً إلى فن التراجم وشغفاً بالاشتغال به ، الكاتب الموسوعي ، والداعية الإسلامي الكبير ، الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي ، فقد عرف بميله لهذا الفن وحبه له ، لأنه نشأ في بيئة كانت هوايتها التاريخ والتراجم والسير . . . . وولد في أسرة كان فيها مؤرخون ومؤلفون وكان أكثر اشتغالهم بالتأليف في تراجم الرجال . . . ( شخصيات وكتب ) فقد كانت أسرته تتناقل كتب التاريخ الخاصة بالأسرة الهندية ، وكان والد المؤلف يرجع إليها عند تأليفه لكتاب ” نزهة الخواطر . . ” فتأثر أبو الحسن بهذه الكتب وتولد عنده تذوق كبير وشغف عظيم بتاريخ الهند الإسلامي . ( في مسيرة  الحياة ) .

على أن الجهود العلمية لهذا العلم الكبير لا تتناول هذا الجانب فحسب ، بل إنه يعتبر موسوعةً علميةً أثرت المكتبة الإسلامية بما أنتجه في شتى مجالات العلم والمعرفة ، فقد كتب عن الأدب الإسلامي والعلوم الإسلامية واهتم بالعمل الدعوي وفقه الدعوة ، وقضايا المسلمين في شبه القارة الهندية وفي العالم العربي والإسلامي ، وتناول بالبحث قضايا الفكر الإسلامي ، وكتب في السيرة الذاتية ، وكان جل اهتمامه متجهاً نحو خلق حركة إصلاحية تجديدية إسلامية تتناول النفوس بالتهذيب وتبث العزيمة في الهمم لكي تعيد للإسلام قوته ونصاعته وللمسلمين دورهم التاريخي وقيادتهم للعالم . وهذا الهدف أيضاً كان من وراء ما كتبه عن أدب التراجم حول مجموعة من الشخصيات العلمية والأدبية والدينية والسياسية في القديم والحديث .

منهج الندوي في التراجم :

تأثر أبو الحسن الندوي في كتابة التراجم بمن سبقه من المؤلفين وأشار بالخصوص إلى طريقة ابن خلكان ، واستهوته هذه الطريقة ، ولعله استفاد منها قبل أن ينصرف إلى منهجه الذي ارتضاه لكتابة التراجم كما أشاد بأديب الأندلس الشهير ، وشاعره لسان الدين بن الخطيب ، وعمله الجليل في تدوين أخبار دولة غرناطة ورجالها في كتاب : الإحاطة .

وأقدم إليكم بعض نماذجه في كتب التاريخ ، وقد ألف في التاريخ : رجال الفكر والدعوة ، المسلمون في الهند ، المرتضى ، الإمام أحمد بن عرفان الشهيد .  فقد نشأ أبو الحسن الندوي في ” بيئة كانت هوايتها التاريخ والتراجم والسير ، فقرأ كتب التراجم وعرف أنواعها وضروبها وخبر مناهجها وأساليبها وعاين أهدافها ومراميها ، ثم عمل على إثراء هذ الفن وإغنائه وتجديده والإضافة إليه . لذلك يمكن أن نتحدث عن مظاهر كثيرة للتجديد في أدب التراجم لدي الشيخ أبي الحسن الندوي .

  1. إن كتابة التراجم لديه هو بعث جديد للأساليب الأصلية لهذا الفن ، وقد كان الغرض من أدب التراجم هو المحافظة على موروث الأجيال السابقة من العلوم والأدب والفنون رغم اختلاف مناحي مصنفات التراجم واختلاف مفاهيمها ومدارسها منذ ظهور ” يتيمة الثعالبي ” وتاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي ، مروراً بوفيات الأعيان لابن خلكان والمغرب لابن سعيد المغربي والذيل والتكملة لابن عبد الملك المراكشي ، وفوات الوفيات لابن شاكر الكتبي والوافي بالوفيات للصلاح الصفدي .
  2. من هنا يظهر لنا أن ترجمته لعالم من العلماء أو رائد من رواد الأمة الإسلامية ومجددي دعوتها في القديم والحديث لا يتم تقديمه كشخص يعرف به مجرد التعريف أو ينقل أخباره وآثاره فقط .
  3. ومن معالم التجديد أيضاً ربط تراجم الرجال بهذه الحركة التجديدية الإسلامية العامة .
  4. إن أدب التراجم عند أبي الحسن الندوي يكتسي طابعاً شمولياً من حيث المساحة الزمانية والمساحة المكانية . فهو يترجم لعمر بن الخطاب أو عمر بن عبد العزيز كما يترجم لسيد قطب الذي استشهد عام 1966م أو للمرحوم مصطفى السباعي المتوفى عام 1963م .
  5. من عناصر التجديد في كتابة التراجم جانب الأسلوب فهو أسلوب واضح رقيق ، سهل ممتع ، ينقل القارئ عبر المناطق والمدن والأماكن والأقطار في جولات سياحية لا تمل بل ويحبب إليه صور الإيمان وصفاء الخلق والإباء وعلو الهمة ، ويجعله يعيش متعةً روحيةً من خلال الأشخاص الذين يقدمهم ويترجم لهم بطريقة تنفذ إلى أعماق النفس الإنسانية ، بعيداً عن أساليب السجع والتأنق اللفظي ، وبعيداً عن الأخبار والأحداث والأشخاص ممن لم يشغفوا بحب تعاليم الإسلام ، ونشر الدعوة الإسلامية .

الخاتمة :

إن الأساليب العربية العامة في كتب الشيخ أبي الحسن علي الحسن الندوي جامعة ومشتملة على كثير من الأمور اللازمة . ولهذا نجد اختلافات في الأساليب العربية العامة من كتبه كما أشار إليها فضيلة الأستاذ أحمد الشرباصي عن الشيخ أبي الحسن : ” أخي المفضال أبو الحسن له غرام أصيل عميق باقتناء الكتب ومسامرتها والحديث عنها ، وأعز ما يحرص عليه من غرض الحياة هو كتبه ، وأغلى ما يهدي إليه كتاب يرضيه ويغذيه ولا يقتني أبو الحسن الكتب ليزين بها داره ، بل يهضمها قراءةً وبحثاً ونقداً ، وكتاباته المختلفة فيها دلائل واضحة على ذلك . وقد أفادته هذه المطالعات والمسامرات قدرةً على الارتجال بالعربية ، فهو يتدفق كالسيل بلغة فيها الصور البيانية وتعبير الجمل ، وأغلب محاضراته يستعد لها ، وكثير ما يكتبها وأسلوبه يغلب عليه العنصر العاطفي الملتهب ، ومع ذلك إذا طرق باب البحث أجاد وأفاد وأمتع أيضاً وهو كما عرفت عنه وكما حدثني مراراً لا يحب أن يهجم على الحديث في موضوع ذي بال إلا إذا احتفل به تهيا له ، وليس ذلك عن قلة بضاعة ولكنه احتراس العالم الذي يريد أن يستيقن ويثبت ” .

وهذا هو حال كل من يقرأ كتابات الإمام أبي الحسن الندوي ، هو يتذوق الذوق العربي الرائع ويحس حساسة الطرب ويستفيد فائدةً تامةً من ألفاظ الندوي ويجد أيضاً أساليب عربيةً عامةً بامتلاء الأساليب المختلفة مع ذوق الأدب العربي . نفعنا الله تعالى بكتابات الإمام أبي الحسن الندوي نفعاً كثيراً في الدارين . آمين .

* الباحث ، قسم اللغة العربية للماجستير والبحوث ، كلية جمال محمد ، التابعة بجامعة بهارتيداسن ، تروشي ، الهند  .  abduarabi2000@gmail .com

  • الأستاذ المساعد ، قسم اللغة العربية للماجستير والبحوث ، كلية جمال محمد ، التابعة بجامعة بهارتيداسن ، تروشي ، الهند . ararabi2005@gmail .com

[1] الدكتور مصطفى السباعي من تقديمه لكتاب ” رجال الفكر والدعوة في الإسلام ” .

[2] مجلة رابطة الأدب الإسلامي ، ص : 21 .

[3] علماء ومفكرون عرفتهم ، ص : 128 .

[4] المعجم الوسيط ، الجزء الأول ، ص : 443 .

[5] المعجم الفلسفي ، ص : 81 .

[6] لسان العرب : المطبعة الأميرية ببولاق الجزء الأول ، القاهرة .

[7] قاموس المصطلحات اللغوية والأدبية عربي – إنكليزي – فرنسي –  ، ص : 41 .

[8] قاموس المصطلحات اللغوية والأدبية ، ص : 42 .

[9] قاموس المصطلحات اللغوية والأدبية ، ص : 42 .

[10] قاموس المصطلحات اللغوية والأدبية ، ص : 4 .

[11] سورة التوبة : 34 .

[12] البلاغة الواضحة ، للمدارس الثانوية .

[13] سورة الحجر : 9 .

[14] يحدثونك عن أبي الحسن الندوي ، ص : 289 .