القيم الإنسانية في النثر الفني للقرآن الكريم

المؤامرة الغربية ضد المرأة المسلمة
يونيو 23, 2023
النصيحة ودلالاتها في القرآن الكريم
يونيو 23, 2023
المؤامرة الغربية ضد المرأة المسلمة
يونيو 23, 2023
النصيحة ودلالاتها في القرآن الكريم
يونيو 23, 2023

الدعوة الإسلامية :

القيم الإنسانية في النثر الفني للقرآن الكريم

الدكتور عبد الصمد الندوي *

القيم عبارة عن المعايير والاعتقادات التي يستعملها شخص عندما يواجه وضعاً يجب عليه القيام باختيارها ، فالقيم هي مجموع ما يحبه الشخص ويكرهه ووجهات نظره وميوله وأحكامه العقلانية واللاعقلانية وتحيزه والتفسير الذي يقوم به شخص للعالم المحيط به [1] .

وقد عرف عالم النفس الأمريكي ألبورت ” القيم ” بأنها اعتقاد يوجه سلوك شخص حسب معيار الأفضلية . وقد صنف ألبورت القيم إلى خمسة أنواع : القيم النظرية ، القيم الاقتصادية ، القيم السياسية والقيم الدينية [2] . وتنطوي الأخلاق حسب ألبورت ضمن القيم النظرية والقيم الدينية .

ولكن روكيش يوضح دور القيم الأخلاقية في توجيه السلوك بصفة أوضح مما فعله ألبورت ؛ وذلك في كتابه ” طبيعة القيم البشرية ” حيث كتب فيه أن القيم الأخلاقية تتطلب القيام بالسلوك الذي ينفع الآخرين ولا يضرهم ، وإن أي عُدوانٍ لهذه القيم أو اعتداء عليها يؤدي بالشخص إلى الشعور بالذنب [3] .

وكما تؤثر القيم في السلوك فإنها تؤثر أيضاً في الاتجاهات التي يعتنقها الشخص والفرد ، كما تؤثر في إدراكه وتفسيره لمحيطه البيئي والاجتماعي . وبالتالي فالقيم هي التي تؤثر في سلوك الأفراد والجماعات ، وتوجهه بناءً على ما يعتقدونه من اعتقادات ، وما يحملونه من اتجاهات . ولا شك في أن هذا النقاش يؤدي بنا إلى طرح موضوع القيم الإنسانية الإسلامية على المستوى النظري والمستوى العملي ، ومدى تطابق المستويين أو تنافرهما .

القيم الإسلامية :

  عرّف قميحة جابر القيم الإسلامية بقوله : ” القيم الإسلامية هي مجموعة الأخلاق التي تصنع نسيج الشخصية الإسلامية وتجعلها متكاملةً قادرةً على التفاعل الحي مع المجتمع ، وعلى التوافق مع أعضائه وعلى العمل من أجل النفس والأسرة والعقيدة ” [4] فيمكن لنا أن نقسّمها إلى قسمين :

  1. القيم الإيجابية ، وهي المطلوب التحلي بها مثل مكارم الأخلاق كالصدق والأمانة والرحمة وصلة االرحم والكرم  وحسن الجوار .
  2. القيم السلبية أو قيم التخلي عن المحرّمات مثلاً [5] .

ولعل كتاب ” شعب الإيمان ” للبيهقي يلخص لنا أهم الأخلاق الإسلامية والقيم الإنسانية الفاصلة في أبعادها الروحية والوجدانية والاجتماعية انطلاقاً من الحديث الشريف : ” الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى من الطريق ” [6] .

النثر الأدبي الفني للقرآن الكريم :

إن القرآن الكريم أول كتاب دُوّن في اللغة العربية ، فدراسته ضروريّةٌ ، لا بدّ منها لكل دارسٍ للأدب العربي وتاريخه ، لأن نماذج نصه المحكم الغزير هي أعظم مدد للنثر الفني الجديد ، وهي المثل الأعلى للمناهج الأدبية الجديدة التي أحبها الله تعالى لعباده المسلمين ، كما أنها القدوة الحسنة للتلقين بما يجب أن يؤديه الأدب الإسلامي من دور في العالم لبناء الحياة الإنسانية الهادفة النبيلة الشريفة .

والقرآن الكريم مفخرة العرب في لغتهم ، إذ لم يُتح لأمة من الأمم كتاب مثله ، لا ديني ولا دنيوي من حيث اللغة والتأثير في النفوس والقلوب ، سواء حين يتحدث عن عبادة الله الواحد الأحد الصمد وعظمته وجلاله ، أو عن خلقه للسموات والأرض ، أو عن البعث والنشور ، أو عن القيم الإنسانية السعيدة أو حين يشرع للناس حياتهم ويقيمها على نهج سديد يحقق لهم السعادة في الدارين : الأولى والآخرة .

القيم الإنسانية العالية في نماذج النثر الفني للقرآن الكريم :

” ولقد جمع القرآن بين غزارة المعنى وإحكامه ورصانة اللفظ وفصاحته ، واشتمل على نواح فكرية ونفسية مختلفة من تشريع وتهذيب ووصف ، في أبلغ الصور البيانية معنىً وعبارةً ، وأشدّها وأسماها تأثيراً ومكانةً مع عدم التقيد بقيود الفن المفروضة أو طرق أدبية مرسومة ، بل سار على التجديد والابتكار والتنويع والإعجاز ” كما قاله الشيخ محمد الرابع الحسنى الندوي – رحمه الله – [7] .

لقد تناول القرآن الكريم القيم الإنسانية بالبحث والتفصيل بحيث يصدق قوله صلّى الله عليه وسلم : ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” صدقاً تاماً . وإليكم نماذج النثر الفني عن هذا الصدد حتى تطلعوا على تلك القيم الإنسانية الفاضلة النبيلة العالية بأسلوبٍ رشيقٍ متينٍ سلسٍ عذبٍ ، وتلذذوا ببيان القرآن الفصيح البليغ عنها .

فالقرآن يشتمل على مجموعة كبيرة من القيم ، نخص بالذكر منها :

(1) القيم الفردية (2) القيم الأسرية (3) القيم الاجتماعية        (4) القيم الدولية

أولاً : القيم الفردية

فمنها :

(1) اجتناب سوء الظن
قال تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) [8] .

ولا يخفى ما يجره سوء الظن من وبال وعاقبة وخيمة على حياة الفرد .

وقال العلامة الشوكانى – رحمه الله – : الظن هنا : هو مجرد التهمة التي لا سبب لها كمن يتهم غيره بشيئ من الفواحش ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك ، وأمر سبحانه باجتناب الكثير ليفحص المؤمن عن كل ظن يظنه حتى يعلم وجهه ؛ لأن من الظن ما يجب اتباعه ، فإن أكثر الأحكام الشرعية مبنية على الظن ، كالقياس وخبر الواحد ، ودلالة العموم ، ولكن هذا الظن الذي يجب العمل به قد قوي بوجه من الوجوه الموجبة للعمل به فارتفع عن الشك والتهمة .

قال الزجاج : هو أن يظن بأهل الخير سوءاً ، فأما أهل السوء والفسوق فلنا أن نظن بهم مثل الذي ظهر منهم ، وقال مقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان : هو أن يظن بأخيه المسلم سوءاً ، ولا بأس به ما لم يتكلم به ، فإن تكلم بذلك الظن وأبداه أثم . وحكى القرطبي ، عن أكثر العلماء : أن الظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز ، وأنه لا حرج في الظن القبيح بمن ظاهره القبيح ، وجملة إن بعض الظن إثم تعليل لما قبلها من الأمر باجتناب كثير من الظن ، وهذا البعض هو ظن السوء بأهل الخير ، والإثم هو ما يستحقه الظان من العقوبة ” [9] .

(2) إخلاص السرائر

وهو أداء العمل ابتغاء رضا الله وحده ، وليس لأي مأرب آخر من مدح مادح أو تحصيـل منفعة دنيوية ، ولقد شرطه الله شرطاً أساسياً لقبول العمل : قال تعالى : ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ) [10] . وقال تعالى : ( وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) [11] . وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ ) [12] .

ويظهر أثر إخلاص السريرة في حياة الفرد ومدى ما يصلحه ذلك من سلوكه وأخلاقه .

(3) الاستقامة

قال تعالى : ( فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ) [13] . وقال عز وجل : ( فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا ) [14] .

وهذه القيمة واضحة الأثر في السلوك الجاد للفرد ، وتكوين الشخصية البعيدة عن الانحراف .

(4) الاعتدال

الاعتدال والوسطية في كل أمر من الأمور مأموران وممدوحان من قِبل القرآن الكريم ، كما أن هذه الوسطية ميزة كبرى لهذه الأمة العظيمة ، ومفخرة لها ؛ فلنقرأ القرآن الكريم إن شئنا : قال تعالى :       ( وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً ) [15] . وقال عز وجل : ( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ [16] . والاعتدال الفردي نابع من وسطية الأمة التي أشار الله إليها بقوله : ( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) [17] .

(5) التنافس في الخير

قال تعالى : ( وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) [18] . وقال : ( وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ ) [19] . ولا شك أن التنافس في الخير باعث على تهذيب النفس وتقويمها لما يرى الفرد من مثل عليا يحاول مجاراتها والسير على حذوها .

(6) الثبات والصبر

قال تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [20] . وقال تعالى : ( وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ) [21] . وفي صبر الفرد وثباته على مبادئه الأساسية وعقائده الأصيلة ما يقوي إرادته ويثبّت عزيمته ، ويزحزح ما يعرقله من موانع وعراقيل .

(7) الرقة والتواضع

قال تعالى : ( وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً ) [22] . وقال تعالى : ( وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) [23] . ولا يخفى ما تؤدي إليه الغلظة والكبر من فساد النفس وتأبّيها على الإصلاح .

(8) الصدق

قال تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ[24].وقال تعالى: فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ ) [25] . والمؤمن لا يكون كذاباً أبداً ؛ فالصدق أساس كل خيرٍ وفضيلةٍ .

(9) طهارة النفس

قال تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها ) [26] . وقال تعالى :  ( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ ، إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) [27] . ولا يستقيم سلوك الفرد إلا إذا نبع من قلب سليم طاهر .

(10) العفّة والاحتشام وغض البصر

قال تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) [28] . وقال تعالى : ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) [29] . وهي نعم الوقاية من وساوس الشيطان ومزالقه وكيده وشهواته .

ثانياً : القيم الأسرية

(1) الإصلاح

قال تعالى : ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) [30] . وقال تعالى : ( وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ) [31] .

(2) بر الوالدين

قال تعالى : ( وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ) [32] .

(3) تربية الأولاد

قال تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) [33] .

(4) المساواة في الحقوق والواجبات للزوجة

قال تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) [34] .

(5) المعاشرة بالمعروف

قال تعالى : ( وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) [35] .

ثالثاً : القيم الاجتماعية :

القيم الاجتماعية هي كل ما يضيف للمجتمع من تماسك وتعاضد وقوة . وهي ما بين الصدق والأمانة ، والتسامح والمحبة ، والعدل والإخلاص ، والبذل والعطاء والحب للغير ، وعدم الأنانية ، والعمل بروح الجماعة وما إلى ذلك من القيم الاجتماعية .

(1) الرابط الإنساني

القرآن الكريم ينظر إلى الأفراد في المجتمع الإنساني على أساس رابطهم التكويني في الخلق وهو رابط الإنسانية ، وهذا الرابط الإنساني يجمع جميع أفراد البشر في شتى المناسبات من أفراح وأتراح وتعارف ، فقال تعالى : ( يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) [36] .

(2) الإيثار

قال تعالى : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) [37] .

(3) الإحسان للغير

قال تعالى : ( وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ ) [38] .

(4) أداء الأمانة

قال تعالى : ( إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا ) [39] .

(5) العفو والصفح : التسامح

العفو والصفح بما هو إعراض عن مواجهة السيئة بمثلها وعدم تعنيف أو لوم أو مقابلة أصحابها بمثل عملهم خلق قرآني أصيل ، أمر به الله عز وجل ، وحث عليه ، وألزم رسوله صلى الله عليه وسلم بمثله في معاملته لعامة الناس مسلمين وغير مسلمين ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ ) [40] . كما ألزم المؤمنين بالتحلي بهذا الخلق في تعاملهم مع عامة الناس وأعد لمن تمثله منهم جزاءً عظيماً في الآخرة ، ( وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّنْ رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِى السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ ) [41] .

(6) التعاون على الخير

جاء الأمر في القرآن بالتعاون المبني على فضائل الأخلاق ، الهادف إلى تحقيق الخير الإنساني العام  والقرب من الله تعالى ، كما جاء فيه أيضاً النهي عن التعاون المؤدي إلى انتهاك تلك الفضائل ، الهادف إلى الاعتداء ، أو إلى إلحاق الأذى بالآخرين ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ آلْعِقَابِ ) [42] .

رابعاً : القيم الدولية

(1) الوفاء بالعهود والمواثيق

قال أحمد عبد الونيس شتا : ” يمثل الوفاء بالعهود واحترام المواثيق واحداً من أهم المبادئ القانونية العامة التي أقرتها الأمم على اختلاف أوضاعها ونظمها القانونية ، كما يشكل هذا المبدأ حجر الزاوية في التنظيم القانوني لعلاقات الدول مع بعضها البعض في المجتمع الدولي المعاصر ، وذلك بما يكفله لهذه العلاقات من ثبات واستقرار وبما يهيئه لها من أسباب التقدم والرقي ” [43] .

والحق أن مبدأ الوفاء بالعهود واحترام المواثيق مبدأ مقدس في القرآن الكريم ، ويحظى بمكانة متميزة في الشق القيمي القرآني ، إذ جعل القرآن قانونه في العالم الدولي ، بل العالم الإنساني هو الوفاء بالعهد ( وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ) [44] ، ( وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ . وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِىَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ) [45] .

(2) الإعداد للجهاد

قال تعالى : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ) [46] .

(3) تجنب الاستبداد والفساد

قال تعالى : ( وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ) [47] .

(4) تجنب موالاة العدو

قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ) [48] .

(5) الشورى

قال تعالى : ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ ) [49] .

(6) صون المال العام

قال تعالى : ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[50]. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) [51] .

(7) العدالة

قال تعالى : ( وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) [52] . وقال تعالى : ( وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) [53] . وقال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ ) [54] .

فلنتلذذ بهذه الآي من الذكر الحكيم التي تفسّر وتبيّن القيم الإنسانية شيئاً فشيئاً ، ولنحسّ بجمال التعبير وسلاسته من خلال تلاوتهن وقرائتهن ، لأن القرآن الكريم بحرٌ زاخرٌ بالكنوز والنفائس ، ومن أراد الحصول على لآلئه ودرره فعليه أن يغوص في أعماقه ، فلآلئه لا تنفد ، ودرره لا تنتهي ، كما قال عليّ – رضي الله تعالى عنه – ……. لا تنقضي عجائبه ولا تبلى جدّته ، وهو بحرٌ محيطٌ مترامي الأطراف ، لا تحده عقول الأفراد ولا الأجيال ، تلتقي عنده نهايات الفضيلة كلها على تباعد ما بين أطرافها ، بهر عقول فرسان البيان فخرّوا لله ساجدين مخبتين ، أنزله الله تعالى هدىً ورحمةً للعالمين .

ومن الذى يتأمل بغايةٍ من العمق في هذه النصوص القرآنية التي تؤسّس مجتمعاً ذا قيم إنسانية نبيلة  سيتضح لديه من خلال هذا النص القرآني الأدبي قيم فردية واجتماعية وأسرية ودُولية .

الخاتمة :

وبالجملة أن النثر الأدبي للقرآن الكريم قد حوى في طيه قيماً إنسانيةً – فرديةً وأسريةً واجتماعيةً ودوليةً – فاضلةً نبيلةً فوق ما يحوي ويشمل أيّ أدبٍ عربيٍّ ( جاهليّ أو إسلاميّ أو حديثٍ ) لأن النصوص القرآنية ونماذجها الفنية الخلابة تُعدّ أدباً عربياً جميلاً رائعاً ، فلنتلطف بمأدبة القرآن الكريم ، ولنمتع أنفسنا بالتلذّذ من خلال النثر الفني القرآنيّ الذي يصلحنا ، ويرشدنا بالهداية إلى قِيم إنسانية عظيمة .

فإذن تعود المسؤولية علينا جميعاً – من حيث الأمة الإسلامية – أن ننشرَ هذه القيم الإنسانية الثابتة من خلال النثر الفني للقرآن الكريم إلى آفاق العالم شرقاً وغرباً ، شمالاً وجنوباً ، وندعوَ الإنسانية العالمية والبشرية العامة جمعاء إلى التحلي بهذه القيم النبيلة ، والشيم الفاضلة القرآنية ، حتى يسعد العالم الإنساني كله بحياة مطمئنة راضية مرضية . فاللهَ المستعان ، والله الموفق وهو يهدي إلى سواء السبيل . وصلى الله تعالى وسلم على خير خلقه محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين . والحمد لله رب العالمين .


* أستاذ مساعد بكلية الدراسات العربية والإسلامية بجامعة هلال بى  ، يس  ،            عبد الرحمن للعلوم والتكنالوجيا  ، تشنائ  ، الهند .

[1] Gibson, Ivancevich & Donnely : Organizations, 10th. Edi., McGraw-Hill Co., 2000,  P. 105.

[2] Allport, Vernon & Lindzey : A Study of Values, Houghton Miffin Company : 1960.

[3] Rokeach, Milton : The Nature of Human Values, Free Press, New York :1973.

4. المدخل إلى القيم الإسلامية ، لقميحة جابر : دار الكتب الإسلامية ، القاهرة : 1404هـ – 1984م ، ص 41 .

5. المرجع السابق ، ص 41 .

6. راجع للتفصيل ” شعب الإيمان للبيهقي ” .

7. الأدب العربي بين عرض ونقد ص 83 ، طبعة جديدة ، مؤسسة الصحافة والنشر –      ندوة العلماء – لكناؤ – الهند .

8. سورة الحجرات ، رقم الآية : 12 .

9. فتح القدير للشوكاني .

10. سورة الكهف ، رقم الآية : 110 .

11. سورة البينة ، رقم الآية : 5 .

12. سورة الأنعام ، رقم الآية : 162 .

13. سورة فصّلت ، رقم الآية : 6 .

14. سورة هود ، رقم الآية : 112 .

15. سورة الفرقان ، رقم الآية : 67 .

16. سورة الإسراء ، رقم الآية : 29 .

17. سورة البقرة ، رقم الآية : 143 .

18. سورة آل عمران ، رقم الآية : 133 .

19. سورة المطففين ، رقم الآية : 26 .

20. سورة الأنفال ، رقم الآية : 45 .

21. سورة النحل ، رقم الآية : 127 .

22. سورة الفرقان ، رقم الآية : 63 .

23. سورة آل عمران ، رقم الآية : 159 .

24. سورة التوبة ، رقم الآية : 119 .

25. سورة محمد ، رقم الآية : 21 .

26. سورة الشمس ، رقم الآية : 9 – 10 .

27. سورة الشعراء ، رقم الآية : 88 – 89 .

28. سورة النور ، رقم الآية : 30 – 31 .

29. سورة النور ، رقم الآية : 33 .

30. سورة النساء ، رقم الآية : 128 .

31. سورة النساء ، رقم الآية : 129 .

32. سورة الإسراء ، رقم الآية : 23 .

33. سورة الطور ، رقم الآية : 21 .

34. سورة البقرة ، رقم الآية : 228 .

35. سورة النساء ، رقم الآية : 19 .

36. سورة الحجرات ، رقم الآية : 13 .

37. سورة الحشر ، رقم الآية : 9 .

38. سورة القصص ، رقم الآية : 77 .

39. سورة النساء ، رقم الآية : 53 .

40. سورة آل عمران ، رقم الآية : 159 .

41. سورة آل عمران ، رقم الآية : 133 – 134 .

42. سورة المائدة ، رقم الآية : 2 .

43. العلاقات الدولية في الإسلام ، الأساس الشرعي والمبادئ الحاكمة للعلاقات الخارجية للدولة الإسلامية ، ج 1 ، ص 184 .

44. سورة الإسراء ، رقم الآية : 34 .

45. سورة النحل ، رقم الآية : 91 – 92 .

46. سورة الأنفال ، رقم الآية : 60 .

47. سورة الأعراف ، رقم الآية : 56 .

48. سورة الممتحنة ، رقم الآية : 1 .

49. سورة آل عمران ، رقم الآية : 159 .

50. سورة البقرة ، رقم الآية : 188 .

51. سورة النساء ، رقم الآية : 29 .

52. سورة المائدة ، رقم الآية : 42 .

53. سورة النساء ، رقم الآية : 58 .

54. سورة النحل ، رقم الآية : 90 .