القصة في القرآن : إعجاز علمي و ظاهرة بلاغية

ما أعظم الفرق بين الدِّينين
أبريل 20, 2022
المجتمع الإسلامي الواقعي يجذب النفوس
يونيو 3, 2022
ما أعظم الفرق بين الدِّينين
أبريل 20, 2022
المجتمع الإسلامي الواقعي يجذب النفوس
يونيو 3, 2022

الدعوة الإسلامية :

القصة في القرآن : إعجاز علمي و ظاهرة بلاغية

الأخ بشارت حسين الندوي *

القرآن كتاب هداية ورشد وإصلاح وتثقيف ، وهو يشمل جميع أصناف الأدب ، ويحوي سائر مناحي قوة البيان ، أعجز الله به فرسان الأدب وأخرس به أهل الفصاحة والبيان ، وتحدى الناس قاطبة أن يأتوا بمثله بل بسورة من مثله ، فعجز الناس عبر العصور والقرون عن ذلك .

مما يجذب انتباه طالب اللغة والأدب إحاطة القرآن بأساليب لغوية متنوعة وأصناف بلاغية قلما تجتمع في مؤلف واحد ، لذا ترى فيه الحيوية والتدفق كأن بحراً يهدر أو نهراً يفيض ، والعذوبة والسلاسة في جزالة ، واستحكام الاستدلال وقوة الاستنتاج في الحجة والبرهان ، وتأجج العاطفة والتهاب الشعور في الإحساس الأدبي ، وحصافة الفكر وصفاء الموقف في الدعوة ، واختيار ألفاظ وكلمات لها من الإيحاءات التي تعبر إلى خلجات النفس متسمةً بالانسجام والانغمام ، فلا يدانيه كلام البشر لا من قريب ولا من بعيد .

يقول الدكتور شوقي ضيف : ” إنه حقا اختط أسلوباً جزلاً ، له رونق وطلاوة مع وضوح القصد والوصول إلى الغرض من أقرب مسالكه ، وهو أسلوب ليس فيه زوائد ولا فضول ، فاللفظ على أقدر المعانى كأنما رسم له رسماً ، وهو لفظ لا يرتفع عن الإفهام ولا عن القلوب ، بل يقرب منها حتى يلمس الشغاف ، ومما لا شك فيه أن القرآن هو الذي ابتدع هذا الأسلوب المحكم ، بل هذا أسلوبه السهل الممتع يلذ الآذان حين تستمع   له ، والأفواه حين تنطق به ، والقلوب حين تصغى إليه ، هذا الأسلوب الذي يميز عربيتنا ، والذي استطاع أن يفتح القلوب حين فتح العرب الأمصار ، فإذا أهلها مشدوهون ، وإذا هم يهجرون لغاتهم المختلفة إلى لغته الصافية الشفافة ، واقراً في قوارعه حين يتحدث عن البعث والحساب والعذاب ، وفي ملاطفاته حين يتحدث عن الرحمة والمغفرة ، أو حين يتحدث إلى رسوله ، فإنك ستجد الأسلوب دائماً مطرداً في جودة الإفهام وروعته مع سهولة اللفظ ومتانته وسلامته من التكلف [1] .

القصة فن قديم من الفنون الأدبية ، وهي عبارة عن مجموعة من الأحداث التي تمشي في ترتيب ، وتتضمن الأشخاص والمواقف المختلفة ، وتربط بالزمان المحدد والمكان المحدد .

مصطلح القصص القرآني :

وقد عرف العلماء القصص القرآني بتعريفات مختلفة ، منها :

تعريف الإمام الرازي : القصص هو مجموع الكلام المشتمل على ما يهدي إلى الدين ويرشد إلى الحق ويأمر بطلب النجاة [2] . ويضيف قائلاً في تفسيره لقول الله تعالى : ” إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ( آل عمران : 62 ) ، فبيّن تعالى أن الذي أنزله على نبيه هو القصص الحق ليكون على ثقة من أمره ، والخطاب وإن كان معه فالمراد به الكل [3] .

ينقل إبراهيم البقاعي ( م 885م ) عن أبي الحسن الحرالي ( م 638هـ ) : القصص تتبع الوقائع بالإخبار عنها شيئاً فشئياً بعد شيئ على ترتيبها ، في معنى قص الأثر ، وهو اتباعه حتى ينتهي إلى محل ذي الأثر [4] .

تعريف الشيخ عبد الكريم الخطيب : أطلق القرآن لفظ القصص على ما حدث من أخبار القرون الأولى في مجالات الرسالات السماوية ، وما كان يقع في محيطها من صراع بين قوى الحق والضلال وبين مواكب النور وجحافل الظلام [5] .

ثلاثة أنواع للقصص القرآني :

الأول : قصص الأنبياء ، وقد تضمنت دعوتهم إلى قومهم ، والمعجزات التي أيدهم الله بها ، وموقف المعاندين منهم ، ومراحل الدعوة وتطورها وعاقبة المؤمنين والمكذبين . كقصة نوح ، وإبراهيم ، وغيرهم من الأنبياء والمرسلين عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام .

الثاني : قصص تتعلق بحوادث غابرة ، كقصة الذين أخرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ، وطالوت وجالوت ، وابني آدم ، وأهل الكهف ، وذي القرنين ، وقارون ، وأصحاب السبت ، ومريم ، وأصحاب الأخدود ، وأصحاب الفيل وغيرهم .

الثالث : قصص تتعلق بالحوادث التي وقعت في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كغزوة بدر ، وأُحد ، وحُنين ، وتبوك ، والأحزاب ، والهجرة ، والإسراء ، ونحو ذلك .

إن للقصة تأثيراً على النفوس وكشفاً للحقائق وبياناً للواقع وحجةً من التاريخ ، إذا كانت قصةً حقيقيةً لا خياليةً ، وإنها أقرب الوسائل التربوية إلى فطرة الإنسان وأكثر العوامل النفسية لإصلاح المرء ، أما القصة الخيالية فإنها تكون فيها الشخصيات من نسج خيال الكاتب ، لا وجود لها في واقع الأمر .

والقصة هي إحدى الجوانب الخصبة في الأدب العربي إلا أن القرآن الكريم نهج فيها نهجاً فريداً ، فهو بين أن يكررها بعبارات متنوعة ، وألوان مختلفة ، كقصة موسى وإبراهيم وبعض الأنبياء الآخرين الذين يذكرهم في سورة الحجر وفي سورة الأنبياء وفي سورة الشعراء مقتضبة ، يجيئ بناحية منها دون الأخرى أو يجيئ بها متكاملةً في موضوع واحد ، كقصة يوسف وأهل الكهف وحديث زينب بنت جحش التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد مولاه زيد بن حارثة ليقضي على ما كان العرب يزعمونه للمتبنى من حقوق كالإبن من النسب سواءً بسواء .

وأياً ما كانت القصة في القرآن فإنها لم تفقد العناصر الأساسية لرسالة القرآن كمصدر للتشريع ، ومثال للتهذيب ، وموضع للعبرة والاتعاظ ، وأسلوب من أساليب البيان ، له روعة البلاغة النادرة ، وقيمة الأدب الخلاب ، وجلالة التصوير الساحر ، إلى جانب ترفعها عن الإسفاف الذي يرتكبه الكاتب القصصي من مخالفات للذوق في بعض الأحايين بحجة إثارته للوعي والانتباه ، أو التأمل والتفكير ، وهي لا تعدو الإفساد للغرائز ، وإشاعة معاني الابتذال والسقوط ، بل إنه قصص واقعي ملؤه الصدق والصفاء والنزاهة والعفاف والسلامة من كل شائبة الخيال ، يقول الإمام الغزالي : هذه القصص وردت في القرآن لتعرف بها سنة الله في عباده الذين خلوا من قبل ، فما في القرآن شيئ إلا وهو هدى ونور وتعرف من الله تعالى إلى خلقه ، فتارةً يتعرف إليهم بالتقديس فيقول : ” قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ . ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ” . وتارةً يتعرف إليهم بصفات جلاله فيقول : ” ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلاَمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ ” . وتارةً يتعرف إليهم في أفعاله المخوفة والمرجوة فيتلو عليهم سنته في أعدائه وفي أنبيائه فيقول : ” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ  . إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ ” ، ويقول : ” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ ” [6] .

وإذا استعرضنا عدد الآيات التي تتناول قصة في القرآن ، وجدنا أنها وردت بحجم كبير ، وواسع ، واكب نزول القرآن الكريم منذ البداية إلى حين انقطاع الوحي تقريباً ، والقصص أخذت مساحةً كبيرةً في القرآن الكريم ، لكن مما يميز القصص القرآني على قصص القصاصين إعجازه البليغ وأسلوبه المبتكر ، يشير إليه ابن عاشور فيقول : ” وللقرآن أسلوب خاص هو الأسلوب المعبر عنه بالتذكير وبالذكر في آيات يأتي تفسيرها ، فكان أسلوبه قاضياً للوطرين ، وكان أجلّ من أسلوب القصاصين في سوق القصص لمجرد معرفتها لأن سوقها في مناسباتها يكسبها صفتين : صفة البرهان وصفة التبيان ، ونجد من مميزات قصص القرآن نسج نظمها على أسلوب الإيجاز ليكون شبهها بالتذكير أقوى من شبهها بالقصص [7] .

ويزيد بياناً لإعجازه قائلاً : ” إن في حكاية القصص سلوك أسلوب التوصيف والمحاورة ، وذلك أسلوب لم يكن معهوداً للعرب ، فكان مجيؤه في القرآن ابتكار أسلوب جديد في البلاغة العربية شديد التأثير في نفوس أهل اللسان ، وهو من إعجاز القرآن إذ لا ينكرون أنه أسلوب بديع ولا يستطيعون الإتيان بمثله إذ لم يعتادوه ، انظر إلى حكاية أحوال الناس في الجنة والنار والأعراف في سورة الأعراف ” [8] .

ومما يلاحظ جلياً في القصص القرآني الإعجاز العلمي الذي لا يمكن لإنسان ما أن يتحدث عن تلكم الوقائع والأخبار التي لا يمكن العثور عليها بالتراث ولا بالآثار ، اللهم إلا بعض شهادات الكتب السماوية السابقة ، تدل على حدوثها ووقوعها ، لكن الدارس دراسة مقارنة ليصل حتماً إلى أن الفروق بين المصدرين تحتم عدم إمكانية النقل ثم اللسان الأعجمي الذي لا يعلم أبجديته صاحب هذا الكتاب ، يقول الله تعالى :      ” وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِى يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ  ” ( النحل : 103 ) .

ولتعلم أن الذين أوتوا الكتاب كانوا يزعمون أن العلم مقصور عليهم ، والباقون أمة جاهلة لا تمت إلى العلم بصلة ولا نظر لهم في التاريخ القديم فقد أدمغ زعمهم هذا القصص القرآني عن أنبيائهم وعن بني إسرائيل وعن أمم قبلهم ، تنبه لهذه النقطة ابن عاشور ، وادعى سبقه في بيانها فيقول : ” إن قصارى علم أهل الكتاب في ذلك العصر كان معرفة أخبار الأنبياء وأيامهم وأخبار من جاورهم من الأمم ، فكان اشتمال القرآن على تلك القصص التي لا يعلمها إلا الراسخون في العلم من أهل الكتاب تحدياً عظيماً لأهل الكتاب ، وتعجيزاً لهم بقطع حجتهم على المسلمين ، قال تعالى : ” تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا ( هود : 49 ) ، فكان حملة القرآن بذلك أحقاء بأن يوصفوا بالعلم الذي وصف به أحبار اليهود ، وبذلك انقطعت صفة الأمية عن المسلمين في نظر اليهود ، وانقطعت ألسنة المعرضين بهم بأنهم أمة جاهلية ، وهذه فائدة لم يبينها من سلفنا من المفسرين [9] .

مقاصد القصص القرآني :

إذا ذهبنا نستعرض الأغراض والأهداف لسرد الوقائع في القرآن وجدنا الكثير منها ذكرت في القرآن نفسها أو المستنبطة من القصة  ذاتها ، أذكر أهمها وأبرزها فيما يأتي :

  1. الاطلاع على أخبار الأمم السالفة ومصيرها : ” قُلْ سِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ فَاْنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ ” ( النمل : 69 ) .
  2. تصديق الأنبياء السابقين ، وإحياء ذكرهم وتخليد آثارهم : ” ثُمَّ نُنَجِّى رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ كَذٰلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ” ( يونس : 103 ) .
  3. الكشف عن أسس الدعوة وتسلسل الرسل على أصول الشرائع : ” وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ ”          ( الأنبياء : 25 ) .
  4. تصديق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والحجة له في دعواه : ” تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا فَٱصْبِرْ إِنَّ ٱلْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ” ( هود : 49 ) .
  5. تثبيت قلب النبي وأمته على دين الله وتحقيق نصره لهم : ” وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَآءَكَ فِى هَـٰذِهِ ٱلْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ” ( هود : 120 ) .
  6. إقامة الحجة على أهل الكتاب فيما كتموه من الحق وحرَّفوه في كتاب الله تعالى : ” يا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ” ( آل عمران : 71 ) .
  7. الاعتبار والادكار وقياس الحال على الحال والعاقبة على العاقبة :  ” لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِى ٱلأَلْبَابِ ” ( يوسف : 111 ) ، ” فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ” ( الأعراف : 176 ) .
  8. إنذار العصاة والفاسقين وتبشير أهل الطاعة المؤمنين : ” وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ . حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِـى ٱلنُّذُرُ ” ( القمر : 4 – 5 ) ، يقول أبو عبيد القاسم بن سلام : ” إن القصص التي قصها الله تعالى عن الأمم الماضية وما عاقبهم به ظاهرها الإخبار بهلاك الأولين إنما هو حديث حدّث به ، عن قوم ، وباطنها وعظ الآخرين وتحذيرهم أن يفعلوا كفعلهم فيحل بهم مثل ما حل بهم ” [10] .

حكمة التكرار في القصص القرآني :

مما يلتفت انتباه الباحث عن وجوه البلاغة في القصص القرآني تكرار عرض الوقائع أو القصص بزيادة ونقصان وربما من غيرهما إلا بتغيير الأسلوب أو التعبير ، ووجد أهل الأهواء من الطاعنين في القرآن مدخلاً ملتوياً للنيل من بلاغة القرآن وإعجازه ، والحق أن ذلك لم يكن عبثاً بأي وجه من الوجوه ، بل هذا بذاته نوع الإعجاز و وجه البلاغة ، وإنما جاء لغايات مقصودة ، أذكر فيما يأتي بعض الجوانب البارزة لحكمة التكرار للقصص القرآني وبلاغته :

  1. إعادة القصة بتعبيرات مختلفة لأداء مدلول واحد من نوع الفصاحة والبلاغة ، يكتب الباقلاني : ” إن إعادة ذكر القصة الواحدة بألفاظ مختلفة تؤدي معناً واحداً من الأمر الصعب الذي تظهر به الفصاحة وتتبين به البلاغة [11] .
  2. التكرار للقصص القرآني لا يخلو من فائدة معنوية وزيادة في محتويات القصة ، وكل مرة تكشف جانباً من جوانبها وتكمل حدثاً من أحداثها ، فإذا جمعت متفرقات القصة من مواضع مختلفة ونظمتها في مكان واحد لترى المعاني الزاخرة تبعثرت في أماكن شتى ، وتتمثل لك قصة منتظمة محبوكة النسج ، يقول الزركشي : ” إن القصة الواحدة من هذه القصص كقصة موسى مع فرعون وإن ظن أنها لا تغاير الأخرى فقد يوجد في ألفاظها زيادة ونقصان وتقديم وتأخير وتلك حال المعاني الواقعة بحسب تلك الألفاظ فإن كل واحدة لا بد وأن تخالف نظيرتها من نوع معنى زائد فيه لا يوقف عليه إلا منها دون غيرها فكأن الله تعالى فرق ذكر ما دار بينهما وجعله أجزاء ثم قسم تلك الأجزاء على تارات التكرار لتوجد متفرقة فيها ولو جمعت تلك القصص في موضع واحد لأشبهت ما وجد الأمر عليه من الكتب المتقدمة من انفراد كل قصة منها بموضع كما وقع في القرآن بالنسبة ليوسف عليه السلام خاصةً [12] .
  3. في ذكر القصص متفاوتة بين الطول والقصر تكرير التحدي للعرب وعجزهم عن الإتيان بمثله بأي وجه من الوجوه ، نبّه إلى هذه النكتة الباقلاني قائلاً : ” أعيد كثير من القصص في مواضع كثيرة مختلفة على ترتيبات متفاوتة ، ونبهوا بذلك على عجزهم عن الإتيان بمثله مبتدأً به ومكرراً ، ولو كان فيهم تمكّن من المعارضة لقصدوا تلك القصة وعبروا عنها بألفاظ تؤدي تلك المعاني ونحوها ، وجعلوها بإزاء ما جاء به ، وتوصلوا بذلك إلى تكذيبه وإلى مساواته فيما حكى وجاء به ، وكيف وقد قال لهم : فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين [13] .
  4. التذكير مجدداً والتنويع في النصح ، فإن نفس الإنسان مجبولة على النسيان والسآمة ، يفتقر إلى التذكير المعاد حيناً بعد حين ولكن من غير ملل وسآمة ، لذا يتنوع أسلوب القرآن في عرض القصص من البسط والقبض والإسهاب والاختصار فيجدي منفعة قصوى ، ولا يماثله أسلوب آيات الأحكام ، فإنها غير متكررة ولا متفرقة عامة .

* الباحث في الدكتو اه ، قسم اللغة العربية ، جامعة كشمير .

[1] تاريخ الأدب العربي ، العصر الإسلامي ، دكتور شوقي ضيف ، ص 33 .

[2] تفسير الرازي : مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير 8/250 الطبعة الثالثة ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت .

[3] نفس المصدر .

[4] نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ، لإبراهيم بن عمر البقاعي 4/444 ، دار الكتاب الإسلامي القاهرة .

[5] القصص القرآني في منطقه ومفهومه ، للشيخ عبد الكريم الخطيب ، ص 40 ، دار المعرفة ، بيروت .

[6]  إحياء علوم الدين 4/343 ، دار المعرفة، بيروت .

[7] التحرير والتنوير ، المقدمة السابعة 1/ 64 – 65 ، الدار التونسية للنشر، تونس .

[8] المصدر نفسه ، 1/66 .

[9] المصدر السابق ، 1/65 .

[10] الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 4/225 ، طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب .

[11] إعجاز القرآن للباقلاني ، ص : 61 ، الطبعة الخامسة ، دار المعارف ، مصر .

[12] البرهان في علوم القرآن لبدر الدين الزركشي ، 3/27 ، الطبعة الأولى ، دار المعرفة ، بيروت .

[13] إعجاز القرآن ، ص : 61 – 62 .