الاستنساخ من منظور إسلامي
فبراير 7, 2023التسويق الشبكي الهرمي
مايو 28, 2023الاستنساخ من منظور إسلامي
( الحلقة الثانية )
ا32 ) .
الفقه الإسلامي :
الاستنساخ من منظور إسلامي
( الحلقة الثانية )
د . خورشيد أشرف إقبال الندوي
رابعاً : موقف الشريعة الإسلامية من الاستنساخ :
سأبين – بإذن الله تعالى – في السطور التالية حكم الشرع في الاستنساخ الجنسي ( الجنيني ) والاستنساخ اللاجنسي ( الجيني ) ، والاستنساخ العذري .
(أ) الاستنساخ الجنسي ( الجنيني ) :
إننا إذا فرضنا فرضاً جدلياً وقوع الاستنساخ الجنسي فعلاً ، فإن هذا يثير التساؤل عن حكم إجراء التلقيح الصناعي الخارجي ، باعتبار أن هذا النوع من الاستنساخ لا يتصور إلا في حال الإخصاب الخارجي بين البيضة والنطفة ، ولذا لا يمكن أن ندلف إلى الحديث عن حكم الاستنساخ الجنسي ما لم نتحدث عن حكم التلقيح الصناعي الخارجي .
للتلقيح الصناعي الخارجي صور عديدة تزيد على العشر ، إذ قد يتم بين رجل وزوجته ، وقد يتدخل بينهما طرف ثالث تؤخذ منه النطفة الذكرية ، أو البيضة التي تلقح بها ، أو يرتفق برحمها في حمل اللقيحة حتى وقت الولادة ، وأكتفي بذكر بعض هذه الصور فيما يلي :
- أن تؤخذ بيضة المرأة وتخصب بنطفة زوجها خارجياً ، حال حياة الزوجين ، وقيام الزوجية الصحيحة بينهما ، ثم تنقل البيضة المخصبة بعد شروعها في الانقسام ، إلى رحم صاحبة البيضة حال حياة زوجها .
- أن تؤخذ بيضة المرأة وتخصب بنطفة زوجها ، ثم تنقل بعد شروعها في الانقسام إلى رحم امرأة أخرى غير صاحبة البيضة ، قد تكون زوجة أخرى لصاحب النطفة الذكرية ، أو أجنبية عنه .
- أن تؤخذ البيضة من امرأة ، وتخصب بنطفة غير زوجها ، ثم تنقل بعد شروعها في الانقسام إلى رحمها ، أو رحم امرأة أخرى .
وللعلماء في حكم إجراء التلقيح الصناعي الخارجي قولان :
القول الأول : ذهب أصحاب هذا القول إلى جواز إجراء التلقيح الصناعي الخارجي ، إذا التزمت فيه الضوابط الشرعية ، وهي أن يكون لعلاج انعدام الخصوبة ، بين الزوجين حال قيام الزوجية الصحيحة بينهما ، وأن تدعو إليه الضرورة ، وهي أن لا يمكن علاج عدم الإنجاب بوسيلة أخرى ، لا يترتب عليها محرم ، إذا تم التأكد من خصوبة الزوج ، وأن يكون الإخصاب الخارجي برضا الزوجين ، وأن يحتاط عند إجرائه ، بحيث لا تختلط النطف أو البيضات الخاصة بالزوجين بغيرهما ، وأن لا تكشف العورة إلا عند الضرورة إلى ذلك ، وان تعاد البيضة بعد التخصيب إلى رحم الزوجة صاحبة البيضة ، وأن تؤخذ النطفة الذكرية بطريق مشروع ، وأن يؤمن اختلاط الأنساب عند إجراء هذا الإخصاب . وقد ذهب إلى هذا جمهور العلماء ، وهو الذي أقرته المجامع الفقهية في العالم الإسلامي ، والندوات والمؤتمرات التي انعقدت لبيان حكمه الشرعي [1] .
القول الثاني : يرى من ذهب إليه حرمة إجراء التلقيح الصناعي الخارجي ، وإن كان بين زوجين ، ومن أصحاب هذا القول بعض أعضاء ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام ، التي انعقدت بالكويت في 24/5/1983م [2] .
الأدلة :
استدل أصحاب القول الأول على جواز التلقيح الصناعي الخارجي ، بضوابطه السابقة بما يأتي :
أولاً : السنة النبوية المطهرة : أحاديث منها :
- روت حفصة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يدع أحدكم طلب الولد فإن الرجل إذا مات وليس له ولد انقطع اسمه ) [3] .
وجه الدلالة منه :
أفاد الحديث أن طلب الولد ، واتخاذ الوسائل المساعدة على إنجابه ، مطلوب شرعاً .
- عن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وجاءت الأعراب ، فقالوا : يا رسول الله أنتداوى ؟ فقال : ( نعم يا عباد الله ! تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً ، غير داء واحد ) قالوا : ما هو ؟ قال : ( الهرم ) .
- عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما أنزل الله داءً إلا وأنزل له دواءً ، جهله من جهله ، وعلمه من علمه ) [4] .
وجه الدلالة من الحديثين :
أفاد الحديثان الأمر بالتداوي من الأمراض ، ومذهب جمهور الفقهاء أن الأمر بالتداوي فيها يفيد الاستحباب [5] ، فإذا قام بالزوجين أو أحدهما مانع يحول دون تحقق الإنجاب بالطريق الطبيعي ، ولم يمكن علاجهما ، وكان طلب الولد مشروعاً كانت مساعدتهما لتحقيق هذا المقصود الشرعي في الإنجاب ، بالإخصاب الصناعي مشروعة .
ثانياً : المعقول :
- إن مساعدة الزوجين على الإنجاب ، بطريق التلقيح الصناعي ، سبيل مشروع لتمكينهما من الحصول على ولد شرعي يذكر بهما ، وبه تمتد حياتهما ، وتكتمل سعادتهما النفسية والاجتماعية ، ويطمئنان على دوام العشرة وبقاء المودة بينهما .
- إن إجراء التخصيب الخارجي ، بين بيضة المرأة ونطفة زوجها ، أمر طارئ اقتضته الضرورة لعلاج عقم في الزوجين أو أحدهما ، وبما يلبي فطرة الإنسان ويحفظ عليه دينه ونسبه وعرضه [6] .
استدل أصحاب القول الثاني على عدم جواز إجراء التلقيح الصناعي الخارجي بما يأتي :
أولاً : الكتاب الكريم :
- قال تعالى : ( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ . أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) [7] .
وجه الدلالة من الآية : أفادت الآية الكريمة أن من سنة الخالق في خلقه ، أن يهب لمن يشاء منهم الذرية ، ومنهم من يجعله عقيماً ، ومن ثم فإن اتخاذ الوسائل المساعدة على الإنجاب ، في حق من جعله الله عقيماً يضاد سنة الله في خلقه ، وذلك محرم .
- قال سبحانه : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) [8] .
وجه الدلالة من الآية : بينت الآية الكريمة أن للرجل أن يأتي زوجته في موضع الحرث منها حيث شاء ، ابتغاءً للولد الذي يكون نتاج ذلك ، وهذا يقتضي كون العلاقة بين الزوجين مباشرةً ، لا يتدخل فيها طرف ثالث ، وفي التلقيح الصناعي – ولو كان خارج الرحم – يتدخل طرف ثالث بين الزوجين ، وفي هذا مناقضة للطريق الشرعي الذي رسمه الله تعالى لإنجاب الولد .
ثانياً : المعقول :
- إن عمليات التلقيح الصناعي ما زالت في طور التجربة ، ولم تعرف بعد انعكاساتها الأخلاقية والنفسية والاجتماعية على حياة الجنين ، ولهذا فإنها تكون محرمة .
- إن عمليات التلقيح الصناعي الخارجي ، قد يترتب عليها اختلاط الأنساب نتيجة اختلاط قد يحدث في النطف ، فيكون محرماً لحرمة كل ما يؤدي إلى اختلاط الأنساب [9] .
الرأي المختار :
والذي تركن النفس إليه من القولين – بعد استعراض أدلتهما – هو رأى القائلين بإباحة التلقيح الصناعي الخارجي ، بالقيود التي ذكرها أصحاب هذا الرأى ؛ وذلك لما استدلوا به على قولهم ، ولما فيه من تحقيق مقصود الشارع من زيادة النسل ، لما روي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( تزوجوا الولود الودود ، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ) [10] ، وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أنكحوا أمهات الأولاد ، فإني أباهي بكم يوم القيامة ) [11] . ولن يتحقق النسل أو زيادته للزوجين ، إلا باتخاذ أسبابه الطبيعية وغيرها ، وإذا كان الحق سبحانه قد أرشد إلى الوسيلة الطبيعية للإنجاب بقوله تعالى : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) ، إلا أنه لم يرد في هذه الآية أو غيرها ما يمنع من اتخاذ وسائل صناعية تساعد على الإنجاب ، إذا كان بين زوجين ، فالأصل في اتخاذ هذه الوسائل الحل ، إذا لم يترتب على ذلك محظور شرعي ، ولأنه لما كانت الغاية من ذلك الإخصاب الخارجي ، إنجاب ولد يصح نسبته شرعاً إلى الزوجين ، فإن الوسيلة إلى ذلك تكون مباحة ، لأن للوسائل حكم غاياتها .
( للبحث صلة )
[1] مجلة مجمع الفقه الإسلامي 1/350 ، قضايا طبية معاصرة ، ج 1 ، ص 60 – 66 ، 134 – 135، 137 – 141 ، الانعكاسات الأخلاقية للأبحاث المتقدمة في علم الوراثة ، 296 –298 .
[2] الإنجاب في ضوء الإسلام 350 ، مجلة مجمع الفقه الإسلامي 1/309 ، 371 ، 386 ، العدد الثاني ، مجلة البعث الإسلامي ، ص 91 . كما ذهب إليه كل من الأساتذة : رجب التميمي ، ومحمد شقرة ، وأحمد الخليلي ، وعبد الحميد طهماز ، وعبد اللطيف فرفور .
[3] ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال : رواه الطبراني وإسناده حسن ( مجمع الزوائد ، ج 4 ، ص 258 ) .
[4] أخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وأحمد في مسنده ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال : رواه أحمد والطبراني ، ورجال الطبراني ثقات ( ابن بلبان : الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان ، ج 7 ، ص 621 ، الحاكم : المستدرك ، ج 4 ، ص 196 ، الفتح الرباني ، 17 ، ص 156 ، مجمع الزوائد ، ج 5 ، ص 84 ) .
[5] حكم التداوي بالمحرمات ، ص 8 – 9 .
[6] الانعكاسات الأخلاقية للأبحاث المتقدمة في علم الوراثة ، ص 297 – 298 .
[7] سورة الشورى ، الآيتان : 49 – 50 .
[8] سورة البقرة ، الآية : 223 .
[9] الإنجاب في ضوء الإسلام ، ص 350 .
[10] أخرجه ابن حبان في صحيحه وصححه ، وأخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الأوسط وقال الهيثمي : إسناده حسن ( تلخيص الخبير ، ج 3 ، ص 116 ، نيل الأوطار ، ج 6 ، ص 232 ) .
[11] أخرجه أحمد في مسنده وأشار إليه الترمذي وقال في مجمع الزوائد : فيه جرير العامري وقد وثق ، وأخرجه الشافعي في مسنده ، ( تلخيص الحبير ، ج 3 ، ص 116 ، نيل الأوطار ، ج 6 ، ص 232 ) .