العدالة الاجتماعية والمساواة الإنسانية في المجتمعات الإسلامية

الشكر لله سبحانه وأثره في سعادة الأمم
مايو 3, 2021
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم : حاجة العالم البشري في كل زمان ومكان
يونيو 2, 2021
الشكر لله سبحانه وأثره في سعادة الأمم
مايو 3, 2021
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم : حاجة العالم البشري في كل زمان ومكان
يونيو 2, 2021

الدعوة الإسلامية :

العدالة الاجتماعية والمساواة الإنسانية

في المجتمعات الإسلامية

بقلم : البروفيسور أختر الواسع *

العدالة الاجتماعية :

تعتبر كلمة ” العدالة ” من أهم ما يحتاج إليه المجتمع الإنساني ، لأنّه إذا قام مجتمع بدون العدل ، فلا يحمل قوةً واستقراراً ، ولا يحالفه النجاح ، ولا يتطور ولا يتقدم ، فلا توجد في كتابات الديانات والمجتمعات المختلفة إشارات إلى أهمية العدل فحسب ، بل توجد تدابير عملية إيجابية لتطبيقها في حياة الفرد والمجتمع .

وقد دعا الإسلام من أول يومه إلى ” العدالة ” ، وأكد تأكيداً بالغاً في أن تطبق في حياة الإنسان الفردية والجماعية ، كما أشار إليه قول الله عزّ وجلّ : ” يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ” ( سورة النساء : 135 ) .

وليس هناك في التعاليم الإسلامية أيّ قيد وشرط على إنشاء العدالة في وقت دون وقت ، فهي عامة في جميع الأحوال والأوضاع ، كما قال الله تعالى : ” يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ” ( سورة المائدة : 8 ) .

فلا يجوز أي نوع من الرعاية والانحياز إلى أحد الخصمين عند وضع التعزيرات في الشريعة الإسلامية ، فهناك قصة مشهورة وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فكانت امرأة من أشرف القبائل المخزومية ، قد تمّ القبض عليها ، وهي تسرق ، فشفع الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال صلى الله عليه وسلم : ” إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ! وأيم الله ، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ” . ( صحيح مسلم عن عائشة أم المؤمنين ) ، فلا بد للعدالة من قمع الظلم ، كما رواه مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال : ” يا عبادي ! إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ” . ( صحيح مسلم عن أبي ذر ) .

وليس من الظلم فقط أن تضرب أحداً ، فإن انتهاك حرمة وتحقير إنسان وإيذاء بشر أيضاً من الظلم ، حيث عدّ الإسلام القتل جريمةً جسيمةً في جانب ، وفي جانب آخر ذمّ كل ما يضرّ بالأخلاق من البذاءة والدناءة ، والكبرياء والخيلاء والاعتداد بالنفس ، والغيظ ، والتقاطع والتدابر ، لأن كلاً منها متسربل بسربال الظلم أو مؤدٍّ إلى الظلم .

وقد أخبرنا الإسلام بأنّه من رأى الظلم ، ولم يحاول القضاء عليه أوشك الله تعالى أن يبعث عليه عقاباً من عنده ، فلا بقاء للظلم في الإسلام ، حتى العصبية والانحياز ، بل إنه لم يزل في صراع عنيف   معهما ، لأن العصبية القومية والفئوية والعنصرية اللسانية الدينية ناتجة عن الظلم والعدوان .

العدالة فكرة أخلاقية ، والعدالة فكرة نفسية ، والعدالة طريقة عملية ، وتنبت العدالة أولاً في إنسان كحبة أو سنبلة ، ثم تنشأ في جو خلقي وروحي ، ثم تنبت نباتاً حسناً ، فيظهر ما كان في نفسه من عدالته عند الضرورة والحاجة ، فليس في وسع أي دستور أو نظام حكومي أن ينصف بين مجتمع مصاب بمرض الانقسام على اسم الأوطان والأجناس والأقوام ، إلا أن يكون أفراده منصفين فطرياً ، غير مميزين بين الإخوان وغيرهم من الأجانب .

إذا استعرضنا تعاليم الإسلام وجدناها تزخر بالأحكام الإلهية والتوجيهات الربانية ، التي تتعلق بحياة الإنسان الفردية ، كما تعلمنا من تعاليم الإسلام حياة الإنسان الجماعية والاجتماعية ، وقيمها وبركاتها ، لأننا إذا بحثنا عما يفكر الوضع الراهن في حياة الإنسان الجماعية والاجتماعية انكشف لنا أن هناك فكرة عامة تؤيد أن حياة الإنسان لا تكمل إلا بالمجتمع والشعب ، وإذا كانت حياة الإنسان الفردية في حاجة إلى النور والهداية ، فكذلك حياته الجماعية في حاجة ماسة إلى الشريعة والقانون والهداية .

ولم يكتف الإسلام بأن يلقي أمامنا معلومات فكريةً عابرةً فحسب ، بل قدَّم لنا نماذج عمليةً وأسوةً حيةً من حياة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم ، التي أصبحت دستور حياتنا الفردية والجماعية .

المساواة الإسلامية :

ومن آكد أصول الإسلام لإنشاء النظام الاجتماعي المساواة والحرية والعدالة ، وقد أشار القرآن الكريم عن المساواة الإنسانية في هذه الآية : ” يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ” ( سورة الحجرات : 13 ) ، ولا شك أن الآية المذكورة تشير إلى أن جميع الناس سواء من حيث الولادة ، وليس بينهم تفاوت على اسم الأديان والأوطان والأقوام واللسان والأجناس .

فإذا درس إنسان عبادات الإسلام الأساسية ، اتضح له أن كل ما يقول الإسلام عن المساواة الإنسانية فكرياً ونظرياً ، تظهر مظاهره في العبادات ، وذلك لكي يطبق الإنسان المساواة العملية في حياته . وقد منح الإسلام الإنسانية حقوقاً وآداباً من حيث الولادة ، وذكرها في القرآن الكريم ، وقام برعايتها على أوسع نطاق ، وبهذه المناسبة إذا درس الدارسون المجتمع الإسلامي الذي أقامه الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة ، وخاضوا في إدارته وتنسيقه ، اكتشفت لهم ما يعطي الإسلام من حقوق . فليست هناك تفرقة على أساس الدين والبلد واللسان والجنس والنسل ، وكل من يعيش في هذا المجتمع يتمتع بالحرية والمساواة السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية .

( تعريب : الأخ شايق علي داور ، طالب بجامعة ندوة العلماء ، لكناؤ )

* رئيس فرع جامعة مولانا أبي الكلام آزاد ، جي فور ، راجستهان ، ( الهند ) .