العالم الرباني المربي الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي

وداعاً يا علامة الهند
نوفمبر 19, 2023
الشيخ محمد الرابع الندوي . . . مآثر لا تُنسى
نوفمبر 19, 2023
وداعاً يا علامة الهند
نوفمبر 19, 2023
الشيخ محمد الرابع الندوي . . . مآثر لا تُنسى
نوفمبر 19, 2023

العالم الرباني المربي الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي

بقلم : الدكتور عبد العزيز بن عبد الله العمار *

الحمد لله القائل في كتابه الكريم : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون . أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) [ البقرة : ١٥٥ ] . بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره نتقدم بخالص المواساة وأحسن التعازي لفقيد العلم والدعوة سماحة الشيخ المربي محمد الرابع الحسني الندوي ، الرئيس العام لندوة العلماء بلكناؤ ، ورئيس هيئة قانون الأحوال الشخصية الإسلامية لعموم الهند الذي وافاه الأجل مساء يوم الخميس ٢١ رمضان ١٤٤٤هـ الموافق ١٣ أبريل ٢٠٢٣م .

لقد كان لقائي الأول للشيخ – رحمه الله – في لكنؤ برعاية الشيخ أبي الحسن الندوي – رحمه الله – ، وكان لقاءً علمياً طيباً شارك فيه الجميع في مختلف المسائل العلمية ، وقد تأسست ندوة العلماء       ودار العلوم التابعة لها على مبدأ التوسط والاعتدال والجمع بين القديم الصالح والجديد النافع والتمسك بالعقيدة والمبادئ ، وعُنيت بصفة خاصة بالقرآن الكريم كما تميزت في القارة الهندية باللغة العربية التي هي مفتاح فهمه وأمينة خزائنه ، وخرجت علماء ومؤلفين كانوا مُلتقى للثقافتين ، ومنهم : الشيخ سليمان الندوي ، والشيخ مسعود الندوي ، والشيخ محمد أويس النجرامي ، والشيخ محمد ناظم الندوي ، والأستاذ محمد الحسني ، والشيخ مختار أحمد الندوي – رحمهم الله جميعاً .

وشيخنا الجليل نشأ في أسرة علمية عريقة في العلم والنسب ، حيث كان خاله العلامة أبو الحسن علي الحسني الندوي ، الذي أشرف على تعليمه وتربيته . فلقد كان شيخنا الكبير واحداً قل نظيره من أعلام الصادقين ممن قال اللَّه فيهم : ( مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) [ الأحزاب : 23 ] ، وعزاؤنا فيه أنه كان منارةً شامخةً للعلم الشرعي ، وموئلاً لتلاميذه وطالبيه ، وأنه ترك وراءه جيلاً من طلبة العلم مؤمناً برسالته العلمية والدعوية ، وملتزماً بإسلامه وعقيدته ، وفكر ومنهج الإسلام العظيم .

إن الشيخ – رحمه الله – بهمته العالية ، وروحه المتحركة بنور الله تعالى ظل يخدم الدين الإسلامي ، وكان بمثابة مرجع ديني ودنيوي للجميع ، وكانت شخصيته تتميز بصفات التسامح والتواضع والحلم ، مما جعله محبوباً لدى المجتمع الإسلامي كافةً ، والمجتمع الإسلامي في الهند خاصةً .

وعُرف عن الشيخ الندوي ثقافته الواسعة ، وقراءاته المتعددة ، ترك معها تراثاً مهماً تمثل في مجموعة كبيرة من المؤلفات باللغتين العربية والأردية في العقيدة والشريعة والأدب والقضايا العامة منها ” تاريخ الجزيرة العربية ” ، و ” شهران في أمريكا ” ، و ” تاريخ الأدب العربي ” ، و ” منثورات من أدب العرب و ” الثقافة الإسلامية المعاصرة ” ، و ” الأمة الإسلامية ومنجزاتها ” ، و ” التربية والمجتمع ” ، و ” الأدب العربي بين عرض ونقد ” ، و ” الأدب الإسلامي وصلته بالحياة ” ، و ” واقع الثقافة الإسلامية ” .

لا شك أن الناس اليوم في أشدّ الحاجة إلى العالم الداعية القدوة الصالحة للمدعوين في سيرته وأخلاقه وأعماله ومدخله ومخرجه وكل شئونه ، وأن يكون صادقاً في حمل أعباء الدين ، صادقاً في الأقوال وصادقاً في التعبير عن شخصية صادقة مخلصة واضحة ، ولقد كان الشيخ الندوي واحداً من هؤلاء العلماء الدعاة القدوة الذين حيَّاهم الله الصدق والإخلاص في كل شيئ .

لقد امتلك الشيخ حب الإسلام في قلبه ونفسه وفكره ، واتصف بالتقوى والورع ، والإخلاص والتواضع وسعة الصدر ، والثقافة الواسعة ، والتواضع الجم ، يشهد بذلك تلاميذه وأصحابه ( نحسبه كذلك والله حسيبه ) .

وكان الشيخ – رحمه الله – زاهداً في الدنيا ، فقد انصرف عنها بالكلية ؛ لأنه علم أنها دار الفناء ، متأسياً بزهد السلف الصالح الذين كانوا من أبعد الناس عن الدنيا ومباهجها وزينتها الفانية ، مع قرنها منهم ، فالشيخ كان مثالاً يحتذى به ، وقدوة يؤتسى في الزهد والورع .

لقد كان للشيخ محمد الرابع الحسني الندوي بصمة واضحة في مجلة البعث الإسلامي وجريدة الرائد ، وأرجو أن يوفق الله تعالى القائمين على ندوة العلماء وعلى رأسهم رئيسها الشيخ بلال بن محمد الحسني الندوي ، والشيخ سعيد الأعظمي وغيرهما من علماء الندوة الكرام .

وفي الختام نسأل الله أن يتغمد شيخنا وعالمنا بواسع الرحمة والمغفرة ، وأن يلهم أهله وطلابه وأصحابه ومحبيه الصبر والسلوان ، وأن يجزيه عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ، وأن يجعله مع السفرة الكرام البررة من النبيين والصديقين والشهداء في الفردوس الأعلى من الجنة ، إنه ولي ذلك ، والقادر عليه . إنا لله وإنا إليه راجعون .


* وكيل وزارة الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد ، المملكة العربية السعودية .