وحنينه أبداً لأول منزل
مايو 28, 2023غايةُ الأحرار تحريرُ القُدُسْ
يناير 14, 2024في رياض الشعر والأدب :
الطوفان والسفينة
( موجات المقاومة )
أ . د . حسن الأمراني الحسني *
( وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا ) [ الإسراء : 104 ] .
( لا هجرة بعد الفتح ) [ متفق عليه ] .
الموجة الأولى :
يا أمّ عبدٍ ، إنْ دعتكِ حجارةُ الأقصى فقولي في يقينْ
إنا كمثلكِ لا نشيخُ ، فأنتِ ، كالصوّان ،أيكُ المرسلينْ
وإذا على باب المغاربة استطالتْ جندُشاليتٍ ،
وداستْ وهْي في صلفٍ مجنّدةٌ دعاءَ السّاجدينْ
فاستمسكي بكتاب ربّكِ ، واهتفي :
أو تسْبِتُونْ ؟
فلتهنؤوا ، فالسّبتُ وافاكمْ بما لا تشتهونْ
طيرٌ أبابيلٌ مسوّمةٌ ، وطوفانٌ مبينْ
والوعدُ جاءَ ، فأبشروا بخرابِ بيتكم المكينْ
وحِــرابِ قومٍ مومنينْ
وتحصّنوا ما شئتمُ بالموت ، أو بصدى الجنونْ
ليست تجيركم القلاعُ أو الحصونْ
آطامكُمْ أضحتْ هشيماً في فلاةْ
فلتدخلوا في دورة عجفاءَ منْ زمن الشتاتْ
لا تزرعوا ” المجهول ” لا في أرضنا ، كلا ولا في ” أرضكم ”
ولتسبتوا في أيّ أرضٍ غيرَ أرضِ الأنبياءْ
هذا الرّباطُ لنا ، وهذا البحرُ ،
والنهر المقدّس ، والسَّماءْ
أرضُ الرّباطِ بريئةٌ منكمْ ،
كمثل براءة الدُّبِّ الذي شمَّ الحليبَ ،
فعفّ عن فَــرْسِ الصبيّ ،
وصوّبَ القنّاصُ ، واخترم الوليدَ ووالداً
لم تُغْــنِ عنه الراية البيضاءُ ، وانكشف الحجابُ
( إدغار ) خبّرْنا لينجليَ السّرابُ
أتراك من أشعارك الأولى أطلّ على هواجسه الغُــرابُ ؟
وعلى عمودٍ فوقه علمٌ ، بلون الموتِ ، أزرقُ ،
راحَ ينْـعِقُ دون مطلبه ، ينادي الــمُسبتينَ :
أنا لكمْ يا أيّها الغرقى الدمارُ ، أنا الخرابُ
( إدغارُ ) ما تغني عن المسْتكْبِرِ ( الأعراف ) إن حكم الكتابُ ؟ [1]
الموجة الثانية :
لــمّا طغا الماءُ استجار كبيرهمْ : أين السّفينةُ ؟
يا لموج كالجبالِ
هوميرُ ، أحْرِقْ ما اختلقْتَ ، وألْقِ سمعك نحو ما
يلقي رجال ” الضّيف ” من درر اللآلي
ما حُمْسُ غزّةِ عسْقلانَ ، وفوقهمْ زُبَر الحديد وتحتهمْ ،
بأقلَّ من حُمْس ِالحَجونِ ، وحُمْسِ زمزم َوالصّفا ،
فهم الرجالُ إذا هوتْ هام الرّجالِ
شتّان ما بين الحقيقة والخيال
الموجة الثالثة :
أتخوّفون مدجّجاً بالموتِ موْتاً ، وهْو يومَ الزّحف مركبه النّصالْ ؟
” الضيفُ ” علّمنا وقال : صُدورنا صحُفُ الجراحِ لدى الوغى
وظهورنا سلِمَتْ بساحات القتالْ
” يا ضيفنا لو زرتنا لوجـدتنا
نحن الضُّيوفَ وأنت ربّ المنزل ”
يا ضيفنا ! ما الــمُقْعَدون سوى الذين رضُوا القُعود بأسفلِ
لكنّ مقعدك النّجومُ ، وكان صحبك في المقام الأولِ
الموجة الرابعة :
قلمي يقول لهؤلاء العابرينْ :
عُودوا إلى ” الــملاّحِ ” وانتشروا – كما كنتم – لدينا آمنينْ
ودمي يخطّ على جبين الشمس : كنعانٌ هنا باقٍ ،
وباقيةٌ جباه القانتينْ
الموجة الخامسة :
ولدتْكَ أمُّكَ ، يا صغيري كي تدافع حين تكبِرُ عن ثراكْ
فاخترتَ بعد المهْد مقْلاع الطّفولةِ ، لم تسعْ دبّــابةٌ جالوتَ
إذ حميَ الوطيسُ ، فقام يدعو بالثبور وبالهلاكْ
يا سرّ طــالوتٍ ! إذا التحمَ الفريقانِ الغداةَ اثبتْ ولا تترك لِواكْ
كنْ مُصعباً ، كنْ مُصعباً ، واحضنْ لواك ولو غداً قُطِعَتْ يداكْ
وعلى جبينِ الشّمسِ دَوّنْ ما رضَعْتَ ،
ولا تُفرّطْ في وصيّةِ من بدمائه يفدي دماكْ :
لا تسرقوا ميراثنا
مقلاع داودٍ لنا
داود منّا ليس منْكمْ ، واقرؤوا القرآن :
( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ )
الموجة السادسة :
شهداءَ أحياءً ، نحلّقُ حاملين إلى كتائبَ
ترتدي الأسْحار معراجاً إلى المسرى
آياتهِ الكبرى
لتحرّر الأسرى
وتبلّغ البشرى
الموجة السابعة :
يا حنبّعلُ ! من الذي أغراك كي تُلقي الشِّراكْ
لحمامةٍ أُسِرتْ تعانق أزغبينِ ، لكي تراك ولا تراكْ
أتريدها هدفاً لقنّاصيككي تلقي علينا وزرها ؟
لا ، نحن لا نغتال زهْرَ الأقحوانِ ، ولا نسيم الياسمينْ
عودي لأهلك يا حمامةُ واحفظي طفليك ممّا حنّبعلُ أعدّه
ولتشهدي أنّا منَنّا قادرينْ
لا تعجبي ، سفّانةٌ كانت لنا مثلاً ، كساها بعدَ فدْيتها الأمينْ
الموجة الثامنة :
أضحتْ لنا زيتونةٌ في القلب لا شرقيةٌ ، نوراً ، ولا غربيّةٌ
إن تمنعوا عنا خيوط الكهرباءْ
فبنورها نمشي ، تباركنا السماءْ
أو تمنعوا عنّا المياهَ فإنّ كأسَ الظامئين حَبَابُهَا دَمُ منْ أساءْ
يا حنّبعلُ ، لقد أتى الميعادُ فاخرجْ ، مثل أوّل مرّة ، للتيه ، فالطّوفان جاءْ
وجنودُ طالوتٍ بهمْ يتطهّر الأقصى ، ويرتفع الأذانُ ، وشطْءُ أشجار الضياءْ
الموجة التاسعة :
القدسُ أمّ أرضعتْ أبناءها حتى الفطامْ
وحمتهمُ من بطش أولادِ الحرامْ
من ألف عامْ
القدسُ أمٌّ ليس تقبل الانقسامْ
ليست رغيفاً نصفهُ للأولياءِ ،
ونصفهُ لمدنّسي المحرابِفي جوف الظلامْ
إنّي سمعتُ ، هنا ، أنين ” البروة ” الثكلى
يجيئ إليّ من تحت الركامْ :
لا تقتلوني مرّتين ، فقدْ قُتِلتُ ، هناك من سبعين عامْ
هل تذكرون كنيستي والمسجدَ المحزونَ
ينتحبانِ من وقع السهامْ ؟
وأنا الغداةَ أرى سيوف العابرينْ
مسمومَةً ولغتْ دماء الصابرينْ
وأرى سماسرة الظلام يقيّدون شعوبهم ،
ويهجّرون دمي إلى الصحراءِ في عُلَبٍ ،
ويفتخرون بالقوميّة العربية العظمى بمؤتمراتهمْ ،
ويطالبون أصابعي بالرقصِ ، فالرشّاشُ والسجّادة الخضراءُ ليسا للسلامْ
الموجة العاشرة :
هل تذكرون حكايتي الأولى ؟
يهوديّ يجيئ مهجّراً
من قلب بولونيا ، فأحضنه ، وأقتسم الرغيفْ
ما كنتُ أحسبُ أنّه في القلب خبّأ خنجراً ،
قد درّبته الحادثاتُ ليحتسي في نشوة حمراءَ ما يهب النزيفْ
مُرّي على حلمي – إذا ما شئت – أحذية الجنود العابرين ،
فلستُ أتركُ كبريائي للخريف
وأنا المقيم هنا كمثل الدهرِ ،
لا جالوتَ يطردني ولا تمحو كتاباتي السيوفْ
الموجة الآتية :
سبحان من أسرى
بكتائبٍ كتبتْ على جدرانهم سطراً :
( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا )
* رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية .
[1] ( الغرابُ ) ، و ( الأعراف ) ، قصيدتان للشاعر إدغار ألان بو .