الطوفان والسفينة ( موجات المقاومة )

في رياض الشعر والأدب :

الطوفان والسفينة

( موجات المقاومة )

أ . د . حسن الأمراني الحسني *

( وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا ) [ الإسراء : 104 ] .

( لا هجرة بعد الفتح ) [ متفق عليه ] .

الموجة الأولى :

يا أمّ عبدٍ ، إنْ دعتكِ حجارةُ الأقصى فقولي في يقينْ

إنا كمثلكِ لا نشيخُ ، فأنتِ ، كالصوّان ،أيكُ المرسلينْ

وإذا على باب المغاربة استطالتْ جندُشاليتٍ ،

وداستْ وهْي في صلفٍ مجنّدةٌ دعاءَ السّاجدينْ

فاستمسكي بكتاب ربّكِ ، واهتفي :

أو تسْبِتُونْ ؟

فلتهنؤوا ، فالسّبتُ وافاكمْ بما لا تشتهونْ

طيرٌ أبابيلٌ مسوّمةٌ ، وطوفانٌ مبينْ

والوعدُ جاءَ ، فأبشروا بخرابِ بيتكم المكينْ

وحِــرابِ قومٍ مومنينْ

وتحصّنوا ما شئتمُ بالموت ، أو بصدى الجنونْ

ليست تجيركم القلاعُ أو الحصونْ

آطامكُمْ أضحتْ هشيماً في فلاةْ

فلتدخلوا في دورة عجفاءَ منْ زمن الشتاتْ

لا تزرعوا ” المجهول ” لا في أرضنا ، كلا ولا في ” أرضكم ”

ولتسبتوا في أيّ أرضٍ غيرَ أرضِ الأنبياءْ

هذا الرّباطُ لنا ، وهذا البحرُ ،

والنهر المقدّس ، والسَّماءْ

أرضُ الرّباطِ بريئةٌ منكمْ ،

كمثل براءة الدُّبِّ الذي شمَّ الحليبَ ،

فعفّ عن فَــرْسِ الصبيّ ،

وصوّبَ القنّاصُ ، واخترم الوليدَ ووالداً

لم تُغْــنِ عنه الراية البيضاءُ ، وانكشف الحجابُ

( إدغار ) خبّرْنا لينجليَ السّرابُ

أتراك من أشعارك الأولى أطلّ على هواجسه الغُــرابُ ؟

وعلى عمودٍ فوقه علمٌ ، بلون الموتِ ، أزرقُ ،

راحَ ينْـعِقُ دون مطلبه ، ينادي الــمُسبتينَ :

أنا لكمْ يا أيّها الغرقى الدمارُ ، أنا الخرابُ

( إدغارُ ) ما تغني عن المسْتكْبِرِ ( الأعراف ) إن حكم الكتابُ ؟ [1]

الموجة الثانية :

لــمّا طغا الماءُ استجار كبيرهمْ : أين السّفينةُ ؟

يا لموج كالجبالِ

هوميرُ ، أحْرِقْ ما اختلقْتَ ، وألْقِ سمعك نحو ما

يلقي رجال ” الضّيف ” من درر اللآلي

ما حُمْسُ غزّةِ عسْقلانَ ، وفوقهمْ زُبَر الحديد وتحتهمْ ،

بأقلَّ من حُمْس ِالحَجونِ ، وحُمْسِ زمزم َوالصّفا ،

فهم الرجالُ إذا هوتْ هام الرّجالِ

شتّان ما بين الحقيقة والخيال

الموجة الثالثة :

أتخوّفون مدجّجاً بالموتِ موْتاً ، وهْو يومَ الزّحف مركبه النّصالْ ؟

” الضيفُ ” علّمنا وقال : صُدورنا صحُفُ الجراحِ لدى الوغى

وظهورنا سلِمَتْ بساحات القتالْ

” يا ضيفنا لو زرتنا لوجـدتنا

نحن الضُّيوفَ وأنت ربّ المنزل ”

يا ضيفنا ! ما الــمُقْعَدون سوى الذين رضُوا القُعود بأسفلِ

لكنّ مقعدك النّجومُ ، وكان صحبك في المقام الأولِ

الموجة الرابعة :

قلمي يقول لهؤلاء العابرينْ :

عُودوا إلى ” الــملاّحِ ” وانتشروا – كما كنتم – لدينا آمنينْ

ودمي يخطّ على جبين الشمس : كنعانٌ هنا باقٍ ،

وباقيةٌ جباه القانتينْ

الموجة الخامسة :

ولدتْكَ أمُّكَ ، يا صغيري كي تدافع حين تكبِرُ عن ثراكْ

فاخترتَ بعد المهْد مقْلاع الطّفولةِ ، لم تسعْ دبّــابةٌ جالوتَ

إذ حميَ الوطيسُ ، فقام يدعو بالثبور وبالهلاكْ

يا سرّ طــالوتٍ ! إذا التحمَ الفريقانِ الغداةَ اثبتْ ولا تترك لِواكْ

كنْ مُصعباً ، كنْ مُصعباً ، واحضنْ لواك ولو غداً قُطِعَتْ يداكْ

وعلى جبينِ الشّمسِ دَوّنْ ما رضَعْتَ ،

ولا تُفرّطْ في وصيّةِ من بدمائه يفدي دماكْ :

لا تسرقوا ميراثنا

مقلاع داودٍ لنا

داود منّا ليس منْكمْ ، واقرؤوا القرآن :

( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ )

الموجة السادسة :

شهداءَ أحياءً ، نحلّقُ حاملين إلى كتائبَ

ترتدي الأسْحار معراجاً إلى المسرى

آياتهِ الكبرى

لتحرّر الأسرى

وتبلّغ البشرى

الموجة السابعة :

يا حنبّعلُ ! من الذي أغراك كي تُلقي الشِّراكْ

لحمامةٍ أُسِرتْ تعانق أزغبينِ ، لكي تراك ولا تراكْ

أتريدها هدفاً لقنّاصيككي تلقي علينا وزرها ؟

لا ، نحن لا نغتال زهْرَ الأقحوانِ ، ولا نسيم الياسمينْ

عودي لأهلك يا حمامةُ واحفظي طفليك ممّا حنّبعلُ أعدّه

ولتشهدي أنّا منَنّا قادرينْ

لا تعجبي ، سفّانةٌ كانت لنا مثلاً ، كساها بعدَ فدْيتها الأمينْ

الموجة الثامنة :

أضحتْ لنا زيتونةٌ في القلب لا شرقيةٌ ، نوراً ، ولا غربيّةٌ

إن تمنعوا عنا خيوط الكهرباءْ

فبنورها نمشي ، تباركنا السماءْ

أو تمنعوا عنّا المياهَ فإنّ كأسَ الظامئين حَبَابُهَا دَمُ منْ أساءْ

يا حنّبعلُ ، لقد أتى الميعادُ فاخرجْ ، مثل أوّل مرّة ، للتيه ، فالطّوفان جاءْ

وجنودُ طالوتٍ بهمْ يتطهّر الأقصى ، ويرتفع الأذانُ ، وشطْءُ أشجار الضياءْ

الموجة التاسعة :

القدسُ أمّ أرضعتْ أبناءها حتى الفطامْ

وحمتهمُ من بطش أولادِ الحرامْ

من ألف عامْ

القدسُ أمٌّ ليس تقبل الانقسامْ

ليست رغيفاً نصفهُ للأولياءِ ،

ونصفهُ لمدنّسي المحرابِفي جوف الظلامْ

إنّي سمعتُ ، هنا ، أنين ” البروة ” الثكلى

يجيئ إليّ من تحت الركامْ :

لا تقتلوني مرّتين ، فقدْ قُتِلتُ ، هناك من سبعين عامْ

هل تذكرون كنيستي والمسجدَ المحزونَ

ينتحبانِ من وقع السهامْ ؟

وأنا الغداةَ أرى سيوف العابرينْ

مسمومَةً ولغتْ دماء الصابرينْ

وأرى سماسرة الظلام يقيّدون شعوبهم ،

ويهجّرون دمي إلى الصحراءِ في عُلَبٍ ،

ويفتخرون بالقوميّة العربية العظمى بمؤتمراتهمْ ،

ويطالبون أصابعي بالرقصِ ، فالرشّاشُ والسجّادة الخضراءُ ليسا للسلامْ

الموجة العاشرة :

هل تذكرون حكايتي الأولى ؟

يهوديّ يجيئ مهجّراً

من قلب بولونيا ، فأحضنه ، وأقتسم الرغيفْ

ما كنتُ أحسبُ أنّه في القلب خبّأ خنجراً ،

قد درّبته الحادثاتُ ليحتسي في نشوة حمراءَ ما يهب النزيفْ

مُرّي على حلمي – إذا ما شئت – أحذية الجنود العابرين ،

فلستُ أتركُ كبريائي للخريف

وأنا المقيم هنا كمثل الدهرِ ،

لا جالوتَ يطردني ولا تمحو كتاباتي السيوفْ

الموجة الآتية :

سبحان من أسرى

بكتائبٍ كتبتْ على جدرانهم سطراً :

( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا )

* رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية .

[1] ( الغرابُ ) ، و ( الأعراف ) ، قصيدتان للشاعر إدغار ألان بو .

وحنينه أبداً لأول منزل
مايو 28, 2023
غايةُ الأحرار تحريرُ القُدُسْ
يناير 14, 2024
وحنينه أبداً لأول منزل
مايو 28, 2023
غايةُ الأحرار تحريرُ القُدُسْ
يناير 14, 2024