الإعلام الإسلامي وخصائصه ودوره في المجتمع
أغسطس 31, 2025العقَّاد في كتابه ” عبقرِيَّة الصِّدِّيق “
أغسطس 31, 2025دراسات وأبحاث :
الطب النبوي : بين العلم والدين : دراسة تحليلية معاصرة
( الحلقة الثالثة الأخيرة )
بقلم : الأستاذ محمد رضي الإسلام الندوي *
تعريب : الأخ ريحان بيغ الندوي §
الطب النبوي مباحٌ ، وليس من السنة الشريفة كما يظن البعض خطأً :
وقد بالغ البعض في هذا الأمر حتى جعلوا اختيار الطب النبوي سنة مؤكدة ، واشتهر في زمننا استعمال الحجامة ( Cupping ) مع الترويج لها على أنها سنة وعلاج ووقاية .
إلا أن مصطلح ” السنة ” في الفقه يشير إلى ما يُثاب فاعله ولا يُعاقب تاركه ، بينما الطب النبوي يدخل ضمن دائرة المباحات ، وليس من الواجبات أو السنن المؤكدة . وقد بيّن العلماء أن أصول التداوي في الإسلام تعتمد على ما يحقق المصلحة ، دون أن يكون ذلك من أركان الدين .
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” كل ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم بعد النبوة وأقرّه ولم يُنسخ فهو تشريع ، غير أن هذا التشريع يشمل ثلاثة أنواع : الإيجاب ، والتحريم ، والإباحة . ومن هذا المنطلق ، فإن ما ثبتت منفعته الطبية من خلال النصوص النبوية يُعتبر مشروعاً بالإباحة أو مستحباً إذا اقتضت الحكمة ذلك ” [1] .
ولكن مع الأسف ، يتبنى كثير من الناس تصوراً ضيقاً عن الطب النبوي ، فيرونه مجرد مجموعة من الأدوية ، أو الأطعمة ، أو الوسائل العلاجية ، وهو تصور يُهدر قيمته الحقيقية وعظمته .
وينبغي عند دراسة الطب النبوي التركيز على الجوانب المميزة التي تفرده عن غيره ، مع إبراز هذه الميزات بوضوح ، وهو ما سنتطرق إليه تفصيلاً فيما يلي :
(ألف) تدابير العناية بالصحة :
كانت بعض الأديان والحضارات تعتقد أن الأضرار بالبدن وابتلاء الإنسان بالآلام ما هي إلا عقوبة على خطيئة ارتكبها . فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليبطل هذا المعتقد الباطل ، ويؤكد أن الصحة والعافية من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان ، داعياً إلى حسن التدبير في الحفاظ عليها ورعايتها : ” نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فيهما كثيرٌ من الناس : الصحةُ ، والفراغُ ” [2] ، ” خُذْ مِن صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، ومِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ ” [3] .
أما بعض الديانات المحرّفة والمذاهب الوضعية ، فقد بنت معتقداتها على تعذيب الجسد وإلحاق الضرر به ، بزعم أن ذلك يحقق صفاء الروح ورقيها . كما اعتقد بعض أتباعها أن الخطيئة هي السبب الرئيس وراء الأمراض الروحية والجسدية التي تصيب البشر .
وقد اختار بعض الصحابة رضي الله عنهم التشدد في العبادة بما يفوق طاقتهم ، فأراد بعضهم أن يصوم الدهر كله ويقوم الليل كله . فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، نهاهم عن ذلك ، وقال : إِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً ، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقّاً ، وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقّاً [4] .
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتناول الطيبات والتغذية الصحية ، ونهى عن كل ما يضر بالبدن ، كما نهى عن الإفراط في تناول الطعام حتى الشبع المفرط ، لأن البطن أصل الداء . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” ما ملأ آدمي وعاءً شرّاً من بطن ، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه ” [5] .
(ب) الطهارة والنظافة :
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالالتزام بالطهارة ، وجعلها نصف الإيمان ، وحث عليها في العديد من الجوانب . نهى عن التبول في الماء ، وأوصى بالاستنجاء وإزالة النجاسة بعد قضاء الحاجة . كما نهى عن التنفس أو النفخ في الإناء أثناء الشرب ، وأمر بتغطية الأواني التي تحتوي على الطعام أو الشراب ، وشدد على غسل الإناء جيداً إذا ولغ فيه الحيوان .
دعا صلى الله عليه وسلم إلى الحفاظ على نظافة الفم ، والبدن ، واللباس باستمرار ، ونهى عن إلقاء النفايات والقاذورات في الطرقات ، والممرات ، والمرافق العامة ، والأماكن التي يجلس فيها الناس أو يستظلون بها ، وكذلك حول البيوت ومحيطها [6] .
إن هذه التعاليم النبوية السامية ، إذا تم الالتزام بها بشكل كامل ، تضمن صحة الإنسان ونظافة البيئة ، مما يعكس روح الإسلام في الدعوة إلى الطهارة والجمال .
(ج) مفهوم العدوى والحجر الصحي في ضوء التوجيهات النبوية :
مع اكتشاف نظرية الجراثيم ، ظهر مفهوم العدوى كعامل رئيسي في انتقال العديد من الأمراض الخطيرة ، حيث اعتُبرت الكائنات الدقيقة غير المرئية السبب المباشر للاضطرابات الصحية التي تصيب جسم الإنسان . وقد مثّلت هذه النظرية نقلة نوعية في العلوم الطبية ، إذ ساعدت في الوقاية من الأمراض والسيطرة عليها بطرق أكثر فعالية .
في الطب النبوي ، يظهر تصور متوازن ودقيق للعدوى . فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” لا عدوى ” ، وليس المقصود هنا إنكار وجود العدوى كظاهرة طبية ، وإنما التأكيد على أن تأثيرها ليس ذاتياً بل يقع بمشيئة الله تعالى وحده . فالعدوى لا تؤثر إلا بإذن الله ، مما يعزز الإيمان بأن الأمور كلها بيد الله .
وفي قصة مشهورة ، سأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم : ” يا رسول الله ، إن الإبل السليمة تصاب بالجرب إذا خالطتها بعير أجرب ، فما السبب ؟ ” فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم : ” فمن أعدى الأول ؟ ” [7] ، ليبين أن المرض بدأ أولاً بتقدير الله قبل أن ينتقل إلى غيره .
ورغم هذا ، حرص النبي صلى الله عليه وسلم على توجيه المسلمين لاتخاذ أسباب الوقاية . فقد أمر بعزل المصابين عن الأصحاء بقوله : ” لا يوردن ممرض على مصح ” [8] ، مشدداً على أهمية تجنب الاختلاط الذي قد يؤدي إلى انتقال العدوى .
تنتقل الأمراض المعدية عبر الهواء ، أو الرذاذ الملوث ، أو المياه غير النظيفة . وفي هذا الإطار ، جاءت التوجيهات النبوية لتؤكد أهمية الالتزام بالنظافة الشخصية والعامة ، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتغطية الفم والأنف عند العطس ، ونهى عن البصاق في الأماكن العامة ، وأوصى بغسل اليدين قبل ملامسة الأواني أو الطعام [9] ، وحذر من تلويث المياه [10] .
هذه التوجيهات النبوية لا تعكس فقط وعياً صحياً متقدماً ، بل تؤكد على أن الوقاية من الأمراض جزء من تعاليم الإسلام ، حيث تُظهر اهتمامه بصحة الفرد والمجتمع على حد سواء .
وفي الآونة الأخيرة ، اجتاحت جائحة كورونا العالم ، وأدت إلى إصابة ملايين الأشخاص بهذا المرض الفتاك . في تلك الفترة العصيبة ، توقفت الحياة اليومية ، وتعطلت جميع وسائل النقل والمواصلات ، إذ سادت حالة من الجمود في كل مكان . فرضت معظم الدول التباعد الاجتماعي ( Social Distance ) ، وأصبح من الضروري منع تجمعات الناس في الأماكن العامة ، مع فرض قيود صارمة على هذا الأمر . واعتُبرت هذه التدابير وسيلةً فعّالةً للحد من انتشار الوباء ومنع تفشيه . كما تم عزل المصابين لفترة معينة بعيداً عن الآخرين ، بهدف تقليل تأثيرات المرض ومنع انتقاله إلى الأصحاء . وتعرف هذه التدابير في الطب الحديث بالحجر الصحي أو ” الكوارنتين ” ( Quarantine ) وهو ما له أساس قوي في الطب النبوي . فقد ورد عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا سمعتم بالطاعون في أرضٍ ، فلا تدخلوها ، وإذا وقع في أرضٍ وأنتم بها ، فلا تخرجوا منها ” [11] .
وفي عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، اجتاح الطاعون بلاد الشام ، وأدى إلى وفاة العديد من الناس . في تلك الأثناء ، تم اتخاذ نفس التدابير الوقائية ، حيث جرى تفريق الجيش في المناطق الجبلية ، مما أسهم في الحد من انتشار المرض وحماية الآخرين من الإصابة به .
(د) الأخلاقيات الطبية :
الأخلاقيات الطبية تعد من المواضيع الجوهرية في مهنة الطب ، ويُنسب الفضل في ترسيخها وتطويرها إلى ” أبي الطب ” بقراط ( 363 ميلادي ) ، الذي وضع قسماً شهيراً يُعرف باسم ” قسم بقراط ” ، والذي يعد من أهم المعالم في تاريخ الطب . ومن بين العهود التي يجب على كل من يتعلم الطب الالتزام بها : ” سأتخذ كافة التدابير الممكنة لصالح المرضى ؛ سأبتعد عن أي فعل أو مادة قد تسبب ضرراً أو أذى للمرضى ؛ لن أُعطي أدوية مميتة ؛ ولن أفصح لأحد عن أدوية قد تؤدي للموت ؛ لن أُعطي أدوية قد تؤدي إلى إجهاض النساء ؛ لن أمارس الجراحة بنفسي ، بل سأوكلها لمن هو أكثر تخصصاً ؛ ولن أكشف أسرار المرضى ” [12] .
تجد هذه المبادئ أيضاً جذورها واضحةً في الطب النبوي ، حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طوال حياته حريصاً على إرشاد الناس إلى مراعاة الأخلاق والآداب ، خاصةً الأطباء ، ودعاهم إلى الالتزام بهذه القيم . وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الناس من ينفع الآخرين بأكبر قدر ممكن . كما نهى عن التسبب في أذى الآخرين ، وأوضح تحريمه للإجهاض دون مبرر شرعي . وفي حالة حدوث ضرر نتيجة علاج شخص بدون معرفة طبية كافية ، يُعد الطبيب مسؤولاً ويستحق المحاسبة .
الشفاء الروحي والجسدي في ضوء الطب النبوي :
لقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم لينقذ الناس من براثن السحر والشعوذة والخرافات ، فنهى عن استخدام التعاويذ الباطلة والتوجه إلى المشعوذين ، وفي المقابل أباح الرقية الشرعية المستندة إلى آيات القرآن الكريم والأدعية المأثورة . قال الله عز وجل : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُو شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) [ الإسراء : 82 ] .
وقد فسّر الإمام الرازي هذه الآية بأن القرآن شفاء للأمراض الروحية ، وشفاء أيضاً من الأمراض الجسمانية [13] و [14] . وتشير بعض الأحاديث النبوية إلى أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم كانوا يستخدمون سورة الفاتحة للرقية ، فشُفي بها بعض المرضى ، وعندما عُرض الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم ، أقرّهم عليه . كما وردت أحاديث أخرى تثبت مشروعية قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين للرقية ، سواء في حالات الصحة أو المرض [15] .
وجاء عن عوف بن مالك رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ” يا رسول الله ! كنا نستخدم الرقى في الجاهلية عند المرض ، فهل نفعل ذلك الآن ؟ ” فقال عليه الصلاة والسلام : ” اعرضوا عليّ رقاكم ، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً ” [16] .
يتبين من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا إلى الجمع بين الأخذ بالأسباب المادية واللجوء إلى الله عز وجل بالدعاء والاستغفار طلباً للشفاء . كما علّم أن تقوية المريض لعلاقته بربه وتوكله عليه يُعد في حد ذاته علاجاً نفسياً يعزز راحة القلب وطمأنينته .
هذا الشعور بالطمأنينة يمنح المريض قوةً إيجابيةً ، ويُلهِم في نفسه العزيمة لمواجهة المرض والتغلب عليه . وهكذا ، فإن الجمع بين الأسباب الشرعية والطبيعية يشكل منهجاً فريداً في الطب النبوي ، يساهم في تحقيق التوازن بين صحة الجسد وسكينة الروح [17] .
الضوابط المنهجية لدراسة الطب النبوي :
إن الطب النبوي يمثل إرثاً علمياً وروحياً عظيماً ، لكن التعامل معه يحتاج إلى منهجية دقيقة ورؤية علمية واعية . فقد أدت بعض التجاوزات وعدم الالتزام بالضوابط إلى تشويه صورته وإثارة الشبهات حول مصداقيته . من هذا المنطلق ، يتعين على الباحثين أن يلتزموا بضوابط صارمة عند دراسة الطب النبوي ، نعرض منها ما يلي :
أولاً : الالتزام بالأحاديث الصحيحة فقط :
إن اعتماد الأحاديث الصحيحة ذات السند الموثوق هو أساس البحث العلمي في الطب النبوي ، كما هو الحال في جميع المجالات الشرعية . ومع ذلك ، فإن العديد من المؤلفين الذين تناولوا الطب النبوي وقعوا في التساهل ، حيث أدرجوا أحاديث ضعيفة بل وموضوعة أحياناً .
فعلى سبيل المثال ، أورد أبو نعيم الأصفهاني في كتابه ” الطب النبوي ” 842 حديثاً ، منها 247 حديثاً ضعيفاً أو شديد الضعف ، و 80 حديثاً موضوعاً ، و 23 حديثاً لا مصادر لها [18] . حتى ابن قيم الجوزية ، وهو من كبار علماء الحديث ، تضمن كتابه ” الطب النبوي ” بعض الأحاديث الضعيفة .
وقد اختلف العلماء حول الاستفادة من الأحاديث الضعيفة ؛ فبعضهم رفض ذلك مطلقاً ، بينما أجازها البعض الآخر بشروط دقيقة ، منها ألا يكون ضعف الحديث شديداً ، وألا يتعارض مع الحقائق الثابتة أو الأصول العلمية [19] .
ثانياً : فهم المقاصد والأساليب النبوية :
لا يكفي الاعتماد على المعاني الظاهرة للأحاديث النبوية المتعلقة بالطب ، بل يجب التعمق في فهم أساليبها ومقاصدها .
على سبيل المثال ، جاء في الحديث الشريف : ” إن في الحبة السوداء شفاءً من كل داء إلا السام ” [20] .
هذا الأسلوب لا يعني بالضرورة أن الحبة السوداء تعالج جميع الأمراض ، بل هو تعبير عن فائدتها العامة .
وكذلك الحديث : ” الكَمأة من المن وماؤها شفاء للعين ” [21] .
لا يفيد عموماً أن ماء الكمأة يعالج كل أمراض العين ، بل يشير إلى فوائدها في حالات محددة .
ثالثاً : تجنب التعميم في علاجات النبي صلى الله عليه وسلم :
تختلف فعاليات العلاجات باختلاف طبيعة المرض ، وظروف البيئة ، وحالة المريض . وقد ناقش ابن القيم هذا الأمر بتفصيل ، موضحاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخاطب في بعض الأحيان أقواماً في بيئة معينة وظروف خاصة .
فعلى سبيل المثال ، الحديث : ” إن شدة الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء ” [22] .
لا يعني أن جميع أنواع الحمى تعالج بالماء البارد ، بل قد يكون الخطاب موجهاً لأهل الحجاز ، حيث تنتج الحمى غالباً عن حرارة الشمس ، والتي يخففها الماء البارد [23] .
وكذلك الحديث : ” شفاء عرق النسا ألية شاه أعرابية تُذاب ” [24] .
قد تكون هذه الوصفة مناسبة لأهل الحجاز والبادية ، الذين تتوافق أجسادهم مع مثل هذه العلاجات [25] . لذلك ، إذا لم تُثبت بعض العلاجات النبوية فعاليتها في الدراسات الحديثة ، فقد يكون ذلك مرتبطاً بظروف معينة للزمان والمكان والمناخ .
ضرورة عدم اعتبار الطب النبوي نظاماً علاجياً متكاملاً :
يرى بعض الباحثين أن الطب النبوي يمثل نظاماً طبياً متكاملاً (System of Medicine ) كحال الطب اليوناني ، والأيورفيدا ، والألوباثي ، ويزعمون أن هذا الطب يحتوي على فلسفة لفهم الأمراض الجسدية ، النفسية ، والعقلية ، ويقدم توجيهات لحفظ الصحة ، وطرق علاج الأمراض ، ويحدد أنواع الأدوية والأغذية والتدابير اللازمة ، بل ويشمل في بعض الأحيان اقتراح عمليات جراحية عند الحاجة . وباختصار ، يعتبرونه نظاماً طبياً مكتمل العناصر .
لكن ، من وجهة نظري ، هذا الادعاء يفتقر إلى الدقة . فإثبات أهمية الطب النبوي لا يتطلب اعتباره نظاماً طبياً شاملاً . إنما الطب النبوي في جوهره عبارة عن مجموعة من التوجيهات النبوية الأساسية لحفظ الصحة وبعض الأدوية والأغذية التي ورد ذكرها لعلاج أمراض معينة .
ضرورة البحث العلمي في أدوية الطب النبوي :
غالباً ما تتسم الكتب والمقالات التي تتناول الطب النبوي بنبرة عاطفية ، وتبالغ في وصف فوائد الأدوية النبوية .
على سبيل المثال ، ورد أن سعد بن أبي وقاص اشتكى من ألم في صدره ، فأوصاه النبي صلى الله عليه وسلم بتناول عجوة التمر . ومع ذلك ، نجد بعض المؤلفين يزعمون أن هذا الحديث يقدم علاجاً شافياً للنوبات القلبية . مثل هذا التفسير لا يتماشى مع أسس البحث العلمي .
لذلك ، يتعين إجراء دراسات علمية دقيقة لتحليل أدوية الطب النبوي في ضوء المعرفة الحديثة . وبما أن أغلب الأدوية النبوية ذات أصل نباتي ، فمن الضروري تصنيفها علمياً ، والتحقق من أسمائها اللاتينية ، ومقارنتها مع الأوصاف الواردة في المصادر الطبية القديمة . يجب أيضاً دراسة فعاليتها بناءً على التحليل العلمي الحديث والتأكد من مدى تطابقها مع ما ورد في الطب القديم .
طرح مثل هذه التساؤلات والبحث عن إجابات لها هو مسؤولية الباحثين في مجال الطب . ومن دون هذه الدراسات العلمية الدقيقة ، لا يمكن تقديم رؤية متكاملة للطب النبوي .
وقد أشار الدكتور محمد اقتدار حسين الصديقي بحق إلى ” أن إرشادات النبي صلى الله عليه وسلم في الطب لم تُفسّر بما يتناسب مع المعرفة العلمية الحديثة . وأوضح أن محاولات تصنيف الأدوية النبوية في بعض المؤلفات شابها العديد من الأخطاء العلمية الواضحة .
فعلى سبيل المثال ، عرّفت بعض الكتب نباتات مثل البهي ، السفرجل ، اللبان ، الكندر ، السود الهندي ، الورس ، والكافور بأسماء نباتية غير صحيحة . هذه الأخطاء تجعل من الصعب اعتبار تلك المؤلفات نموذجاً علمياً يليق بالطب النبوي ، أو أنها تحقق الهدف المنشود منه ” [26] .
إسهامات بارزة في دراسة الطب النبوي :
رغم التحديات ، ظهرت بعض الأعمال المتميزة التي تناولت الطب النبوي بمنهج علمي ، منها كتاب الطب النبوي والعلم الحديث للدكتور محمود ناظم النسيمي ( باللغة العربية ) ، وكتاب طب نبوي اور جديد سائنس للدكتور خالد الغزنوي ( باللغة الأردية ) ، وكتاب طب نبوي اور نباتات للدكتور محمد اقتدار حسين الصديقي .
لكن هذه الجهود تظل فرديةً ، والحاجة ماسّة إلى تأسيس مؤسسات علمية ومراكز بحثية متخصصة لدراسة الطب النبوي بشكل منهجي ومنظم . ينبغي أن تعمل هذه المراكز على دراسة النباتات والأدوية المذكورة في الأحاديث النبوية ، وغيرها من جوانب الطب النبوي ، وفقاً للأسس العلمية الحديثة ، وبطريقة تعزز قيمته وتسلط الضوء على إسهاماته في المجال الطبي .
* سكرتير لجنة إصلاح المجتمع بالجماعة الإسلامية ، الهند .
[1] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف السعودية ، 11/18 – 13 .
[2] صحيح البخاري ، كتاب الرقاق ، باب لا عيش إلا عيش الآخرة ، الحديث رقم 6412 .
[3] صحيح البخاري ، كتاب الرقاق ، باب قول النبي ” خذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك ” ، الحديث رقم 6416 .
[4] صحيح البخاري ، كتاب النكاح ، باب نزولك عليك حق ، الحديث رقم 5199 ؛ صحيح مسلم : الحديث رقم 1159 .
[5] جامع الترمذي ، أبواب الزهد ، باب ما جاء في كراهية كثرة الأكل ، الحديث رقم 2380 ؛ ابن ماجه : الحديث رقم 3349 .
[6] مقالتي بعنوان ” وقاية الصحة في الأحاديث النبوية ” ، في كتاب مقالات طب ، نشرته خدا بخش أورينتال ببلشرز ، باتنا ، 2006م ، ص 20 – 28 .
[7] صحيح البخاري ، كتاب الطب ، باب لا صفر ، وهو داء يأخذ البطن ، الحديث رقم 5717 .
[8] صحيح البخاري ، كتاب الطب ، باب لا هامة ، 5771 .
[9] جامع الترمذي ، أبواب الطهارة ، باب ما جاء اذا استيقظ 240 .
[10] صحيح البخاري ، كتاب الوضوء ، باب البول في الماء الدائم ، 239 .
[11] صحيح البخاري ، كتاب الطب ، باب ما يذكرفي الطاعون : 5728 ، مسلم : 2218 .
[12] طبي أخلاقيات ، حكيم فخر عالم ، قومي كونسل برائى فروغ اردو زبان ، نئي دهلي ، 2023م ، ص 160 – 161 .
[13] التفسير الكبير ، فخر الدين الرازي ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، 1981م ،21/35 .
[14] صحيح البخاري ، كتاب الطب ، باب الرقي بفاتحة الكتاب ، 5736 ، صحيح مسلم : 4080 .
[15] صحيح البخاري ، كتاب الطب ، باب الرقي بالقرآن والمعوذات ، 5735 .
[16] سنن أبو داؤد ، كتاب الطب ، باب ما جاء في الرقي : 3886 .
[17] صحت ومرض اور اسلامي تعليمات ، مولانا سيد جلال الدين عمري ، مركزي مكتبه إسلامي ببلشرز ، نئي دهلي ، ص 324 – 325 .
[18] موسوعة الطب النبوي ، أبو نعيم الأصفهاني ، دراسة وتحقيق : مصطفى خضر دونمز التركي ، مقدمة محقق ، ص 141 .
[19] أنظر المقالة : الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة في الطب بين ابن قيم الجوزية والدكتور النسيمي : دراسة مقارنة ، محمد أكمل الدين بن محمد حمدان ، بيش كرده در انتر نيشنل بروفيك https://oarep.usim.edu.my/jspui/handle/123456789/7039 ، 2020م ، كانفرانس مليشيا .
[20] صحيح البخاري ، كتاب الطب ، باب الحبة السوداء : 5687 ، مسلم : 2215 .
[21] جامع الترمذي ، أبواب الطب ، باب ما جاء في الكماة : 2016م ، ابن ماجه : 3455 .
[22] صحيح البخاري ، كتاب الطب ، باب الحمي من فتح جهنم : 5723 ، 3264 ، مسلم : 2209 .
[23] زاد المعاد : 4/31 .
[24] سنن ابن ماجه ، كتاب الطب ، باب دوا ، عرق النسا : 3463 .
[25] زاد المعاد : 4/99 .
[26] طب نبوي اور نباتات حديث ، داكتر محمد اقتدار حسين فاروقي ، سدره ببلشر ، لكهنؤ ، ص 29 .