الشيخ محمّد الرابع الحسني الندوي أديباً ألمعيّاً ، وكاتباً بارعاً

خدمات الشيخ السيد محمد الرابع الندوي في إثراء مكتبة  السيرة النبوية
ديسمبر 11, 2023
الدكتور ف . عبد الرحيم عالم من علماء علم الأصوات الدكتورة سميراء محمد أجمل
مارس 3, 2024
خدمات الشيخ السيد محمد الرابع الندوي في إثراء مكتبة  السيرة النبوية
ديسمبر 11, 2023
الدكتور ف . عبد الرحيم عالم من علماء علم الأصوات الدكتورة سميراء محمد أجمل
مارس 3, 2024

رجال من التاريخ :

الشيخ محمّد الرابع الحسني الندوي

أديباً ألمعيّاً ، وكاتباً بارعاً

الدكتور محمّد شرف عالم *

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله وأصحابه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . وبعد !

فإنّ الشيخ محمّد الرابع الحسني يُعتبر أحد العلماء البارزين في الهند وخارجها ، قد أعطاه الله مواهب متنوعةً نحو التعليم والتربية ، والدعوة والإصلاح ، والتزكية ، والإدارة والقيادة ، ويُعرف بفكره السالم ، ورأيه السديد ، وموقفه الصحيح ، وكان كئيباً بما يشاهده من أحوال أبناء الإسلام السيئة ، وتباعدهم عن الدين ، واقتحامهم في الشهوات ، وتوغّلهم في اللذّات ، وكان متألّماً بما يراه من أوضاع العالم الإسلاميّ ولا سيّما في العالم العربيّ من تصرّفات لم تتطابق مع الدين والشريعة ، وكان أستاذاً جليلاً ، وأديباً ألمعيّاً ، وإداريّاً خبيراً ، يُعرف بحلمه ، وتواصعه ، وبصيرته ، وقلبه الرقيق ، وطبعه اللين ، وحديثه الحلو ، وعزيمته القويّة .

وُلد الشيخ محمّـد الرابع الحسني السادس من شهر جمادى الأولى 1348هـ المصادف في السابع عشر من شهر أكتوبر 1929م في قرية         ” تكية كلان ” ، في مديرية رائي بريلي في الولاية الشماليّة ، أترابراديش ، الهند في أسرة كان شعارها منذ زمن طويل ” الجمع بين العقيدة السلفيّة النقيّة ، وبين الربانيّة الصحيحة ” ، وهي قرية تاريخيّة ، أنجبت صالحاً من أهل العلم ، وخالصاً من أهل الدعوة ، ونقيّاً من أهل المجاهدة .

تربّى الشيخ محمّد الرابع الحسني وترعرع في بيت العلم والصلاح ، والدعوة والإرشاد ، والتعليم والتربية ، والتزكية والإحسان ، وبدأ دراسته الابتدائيّة في قريته ، ثمّ ارتحل إلى لكناؤ ، والتحق بدارالعلوم التابعة لندوة العلماء ، وقرأ على خاله الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي كتب الأدب واللغة والعلوم الشرعيّة ، ثمّ التحق بجامعة ندوة العلماء ، وأخذ العلم من كبار الأساتذة في عصره ، وأتمّ دراسته العالية والعليا في دارالعلوم لندوة العلماء ، بلكناؤ ، الهند عام 1948م ، من حيث ارتوى من مناهلها العلميّة والأدبيّة والثقافة الإسلاميّة ، وأخذ الحديث النبويّ من العلامة الشيخ حليم عطاء شيخ الحديث بدارالعلوم لندوة العلماء ، والشيخ حميد الدين ، كما استفاد من مشايخ عصره ، وقضى سنةً تعليميةً في دارالعلوم بديوبند ، الهند ، واستفاد من رجال العلم والفكر في الحجاز من أواخر 1950م إلى أواخر 1951م . وقد حصلت له الإجازة من المحدّثين الكبار بالهند ، كما نال الإجازة من كبار المحدّثين من أهل العرب ، فقد صرف جهداً جهيداً في الحصول على العلم ، ولازم العلماء الكبار في الحصول على العلوم والفنون بصفة عامّة ، كما لازم خاله الشيخ الإمام أبا الحسن علي الحسني الندوي في الحصول على علوم اللغة العربيّة وآدابها والفكر الإسلامي الممتاز بصفة خاصّة . فارتوى من منهل علمه وفكره ، ولازم صحبته في الحلّ والترحال ، حتى صار في منزلة خليفته بعد ما لحق برفيقه الأعلى في ندوة العلماء ، وانتخب في المجامع العلمية ، والهيئات الدينية ، والمدارس الإسلاميّة ، والمراكز الدينيّة .

وقد نال صيت الشيخ الآفاق ، واستلفت رسالة ندوة العلماء ومنهجها الوسط أنظار العالم إليها ، كأن الدنيا وجدت ضالتها ، فنالت شخصيّة الشيخ قبولاً عاماً لدى أصحاب الفكر الإسلاميّ ، والدعوة الإسلاميّة ، والتربيّة الإسلاميّة ، والتزكية الخالصة ، وتوسّع نطاق عملها ، وانتشرت فروعها في أطراف البلدان المختلفة ، وقد فتحت أقسام جديدة ، وتوسعت فروعها منتشرة في أنحاء الدول ، ولم يتزحزح عن هدفها ، وثبت في وجهها كالصخرة الصمّاء .

وعُين أستاذ الأدب العربي والدعوة الإسلامية في دارالعلوم لندوة العلماء 1949م ، ولازم صحبة الإمام أبي الحسن علي الحسني في رحلاته ، فارتحل معه إلى الحجاز في عام 1950م ، وغبر أكثر من سنة قضاها في الدعوة وحصل على العلم من منابع العلم والمعرفة فيه ، واستفاد من العلامة ابن باز ، والعلامة عبد الله بن حميد ، والشيخ ناصر الدين الألباني ، والعلامة محمد تقي الدين الهلالي المراكشي ، والشيخ أمين الشنقيطي ، والشيخ السيد علوي المالكي ، والشيخ محمّد علي الحركان ، والشيخ عبد الله الخياط ، واجتمع بالشيخ صالح القزاز ، والأستاذ علي حسين فدعق ، والشيخ أحمد محمّد جمال وغيرهم ، ثمّ رجع إلى لكناؤ ، فشغل منصب أستاذ مساعد للأدب العربي في دارالعلوم لندوة العلماء في عام 1951م ، وانتخب رئيس قسم الأدب العربي في جامعة ندوة العلماء عام 1955م ، واختير عام 1970م عميد كلية اللغة العربية في جامعة ندوة العلماء ، وعيّن عام 1993م مدير دارالعلوم لندوة العلماء بعد وفاة مديرها الشيخ محب الله الندوي ، واختير 1998م نائب رئيس دارالعلوم لندوة العلماء ثم عيّن رئيساً عامّاً لندوة العلماء عام 2000م بعد ما قضى سماحة الإمام سيّد أبي الحسن علي الحسني الندوي نحبه ، كما انتخب عام 2003م رئيس هيئة قانون الأحوال الشخصية الإسلاميّة لعموم الهند بعد وفاة رئيسها القاضي مجاهد الإسلام القاسمي في عام 2002م ، ونائب رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية ، ورئيسها لشبه القارّة الهنديّة والدول الشرقيّة في عام 2022م .

ويعتبر الشيخ محمّد الرابع الحسني من كبار المؤلّفين في شبه القارة الهنديّة في الفكر الإسلاميّ ، وعلم الاجتماع التربويّ ، والتاريخ الإسلاميّ ، والأدب الإسلاميّ العربيّ .

بعض آثاره الأدبيّة والعلميّة :

جزيرة العرب : هذا الكتاب من سلاسل المقرّرات الدراسيّة ، واستلفت مسؤلو ندوة العلماء الشيخ محمد الرابع الحسني إليه ، وقد أحسّوا بوضع كتاب حول جزيرة العرب تاريخها وجغرافيّتها ، ولازموه بتأليف كتاب حولها ، ولها أهميّة تاريخيّة ، وخطورة دينيّة ، وعناية سياسيّة ، وموقع خاصّ بوقوع وسط العالم ، وبكون أوّل بيت وضع للناس فيها ، فمن يتعلّم الأدب العربي شعراً ونثراً ، ويشعر بحاجة إلى معرفة تلك البلدان المتنوعة ، ويصعب عليه الاستفادة من فهم النصوص حول السيرة النبويّة ، وتاريخ العهد الأول من الإسلام ، وهو يحتوي على ذكر الأماكن ، وطبائع القبائل ، ويحصل على بغيته في هذا الكتاب الثمين .

واتّجهت همّة المؤلّف إلى جمع المعلومات من مصادر قديمة وحديثة من لغات مختلفة ، وانقضت حياة الشيخ في هذا العمل الشاقّ سنواتٍ ، وسعى فيه سعياً مشكوراً ، وطبع لأوّل مرّة بالأردية في سنة 1962م ، ثم تتابع الطبع تلو الطبع ، وقرر تدريسه في المقرر الدراسيّ بدارالعلوم التابعة لندوة العلماء ، وفي المدارس التابعة لها في أنحاء الهند .

صدر هذا الكتاب طبعاً حديثاً أنيقاً معرّباً في ثوب نظيف باسم    ( جزيرة العرب تاريخيّاً ، ثقافياً وجغرافياً ) واهتمّ به الأستاذ محمد فرمان الندوي ونقله إلى العربيّة وقسّم الكتاب إلى خمسة عشر باباً مع خرائط ملوّنة ، وتناول توسعة الحرمين الشريفين عبر التاريخ على الهامش ، وذكر أطراف الآيات ، والأحاديث ، والأبيات ، وثبت المراجع والمصادر .

القرآن الكريم سفينة نجاة للإنسانيّة : كان الشيخ محمد الرابع الحسني في انهماك الكتاب الإلهي ، وتناول فكراً صحيحاً ، واعتبر القرآن منهجاً ودستوراً للحياة البشريّة ، وتضمّن له السعادة الكاملة ، ووفّر له جميع ما يحتاج إليه في شعب الحياة المختلفة من الأمن والسلام ، ولم يتحقّق السلام العالميّ سوى تطبيق النظام القرآني في العالم البشريّ .

ويبرز هذا الكتاب ” القرآن الكريم سفينة نجاة للإنسانيّة ” من بين الكتب المؤلّفة حول القرآن وعلومه ، ومقتضياته ، وكُتب باللغة السهلة الواضحة ، وبالأسلوب الأدبيّ السلسال ، ويتحاشى عن الغموض والإبهام ، والتكلّف ، وتمتاز مكانته المرموقة بين الصحائف السماويّة الأخرى ، ويحتوي على الهداية الإنسانيّة ، والموعظة الحسنة ، فمن يجعله هادياً يتيسّر له معرفة رضا الله بأحسن طريق ، ويكون مصدراً للهداية الإنسانيّة ، وتتفجّر منه ينابيع الحكمة ، ويتدفّق منه اليقين الكامل ، ويرتوي أفراد الإنسان من هذا المنهل العذب الثرثار ، ولكن – مع الأسف الشديد – اليوم تجاهلت الإنسانية عن تعاليمه ، وحصل لها الحرمان على الإيمان بالحياة الأخرويّة ، فينبغي لها أن تتمسّك بمبادئ القرآن الأساسية ، وهو هدىً للناس ، وشفاء لما في الصدور ، وتعتصم الإنسانيّة اليوم في ضرورة قصوى بالتمسّك به ، وبموضوعاته الأخلاقيّة ، وتوجد فيه تعاليم العدل والقسط والشهادة بالحقّ ، ويدعو إلى الأمن والسّلام ، والبعد من الفتن ، وقد نقله إلى العربية أيضاً الأستاذ محمد فرمان الندوي ، وصدرت طبعته الأولى من المجمع الإسلامي العلمي بلكناؤ ، كما صدرت طبعته الثانية من دار القلم بدمشق .

سراجاً منيراً سيرة خاتم النبيين : ألّف الشيخ محمد الرابع الحسني هذا الكتاب في آخر عمره باللغة الأرديّة بأسلوب سهل وعذب ومقنع ، وفي قالب علميّ وأدبيّ ، نقله إلى العربيّة الأستاذ محمد وثيق الندويّ ، ثم نُقل إلى الهنديّة والإنجليزيّة ، ونال قبولاً واسعاً في الأوساط العلميّة والدينيّة في شبه القارة الهنديّة ، ووضّح فيه جوانب إنسانيّّةً وخلقيّةً من حياة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، وعرضه النبيّ الأميّ كمنقذ الإنسانيّة التائهة في متاهات الضلالة ، ويحتوي على عشرة أبواب ، ويجد القارئ في بدايته مقدّمةً علميّةً عن السيرة النبويّة ومراحل تدوينها ، ومؤلّفات مرموقةً فيها ، وعبّر عن العمالقة الذين قدّموا سيرة نبيّهم إلى أمته على كلّ شيئ من حياتهم من بداية القرن الأوّل إلى نهاية القرن المنصرم . وطُبع له بالأردية أكثر من ثماني طبعات .

الأدب العربيّ بين عرض ونقد : قدّم الشيخ محمد الرابع الحسني في هذا الكتاب تطوّر الأدب العربيّ عبر العصور المختلفة ، وبدأ من العصر الجاهليّ ، وانتهى إلى العصر الحديث ، وعرض فيه الأعمال الخطيرة من الأدب والشعر ، تاريخ الأدب العربيّ ، وذكر أساليبه الأدبيّة ، وقيمته الثقافيّة .

وبرز الشيخ محمد الرابع الحسني في هذا الكتاب بأسلوبه الجذّاب والممتاز في تحليل الأعمال الأدبيّة المختلفة ، وأثّرها على النصوص والقرّاء ، واعتنى بالشخصيّات ، واهتمّ بالرموز ، وقدر على توجيه النقد للأعمال الأدبيّة ، وأكّد على أهمّيّة فهم النصوص باعتبار السياق التاريخي والثقافي .

وأضاف الشيخ محمد الرابع الحسني إلى هذا الكتاب مواد مهمةً في مجال النقد الأدبيّ ، وأثر الأدب في المجتمع ، والأدباء ودورهم ، وعمل الوعيّ الجماعيّ .

تاريخ الأدب العربيّ ( العصر الإسلامي ) : ناقش الشيخ محمد الرابع الحسني في هذا الكتاب نظرةً عامّةً ، وازدهر الأدب العربيّ خلال العصر الإسلاميّ ، وتناول الأعمال الأدبيّة الممتازة في فترة العصر الإسلاميّ .

الأدب الإسلاميّ وصلته بالحياة : اعتنى الشيخ محمد الرابع الحسني بالعلاقات القويّة بين الأدب الإسلاميّ والحياة اليوميّة ، وارتبط الأدب الإسلاميّ بمناحي الحياة المختلفة ، واستعرض تجارب المجتمع وصعوباته ، وكوارثه اليوميّة ، وذكر دور الأدب في تصوير الحقائق ، وعبّر عن القضايا الاجتماعيّة ، والمسائل الثقافيّة والقيم الأخلاقيّة .

الأدب الإسلاميّ فكرته ومنهاجه : قدّم الشيخ محمد الرابع الحسني في هذا الكتاب فلسفة الأدب الإسلاميّ ، ومنهجه ، وصرّح بتمحور الأدب الإسلاميّ حول قضايا الأخلاق ، وتحدّث بمفهوم الشعر الإسلاميّ ، وتطرّق إلى التعبير عن المشاعر والأفكار ، وتبادل علاقات الأدب الإسلاميّ المهمّة بالحياة اليوميّة ، ووفّر فهم فلسفة الأدب الإسلاميّ العميق ومنهجه ، وساهم في تنمية الوعي الثقافيّ والأدبيّ ، وعزّز القيم الأخلاقيّة .

منثورات من أدب العرب : ألّف الشيخ محمد الرابع الحسني هذا الكتاب ، فنال القبول العام بين الأوساط العلميّة ، وحقّق صيتاً كبيراً ، وأصبح جزءاً من المقرّرات الدراسيّة في المدارس والجامعات في مشارق البلاد ومغاربها ، وقدّم فيها نماذج أدبيّة من عصور مختلفة ، وبدأ من العصور الإسلاميّة الأولى ، وانتهى إلى الأدب الحديث ، وقدّم أمثلة من الأعمال الأدبيّة الكلاسيكيّة والمعاصرة من الشعر والنثر والخطابة .

وأصبح وسيلةً لمعرفة تاريخ الأدب العربيّ عبر العصور ، وساهم في نقل الثقافة الأدبيّة إلى الطلّاب والقرّاء ، وتقوّى فهم الأدب العربيّ العميق ، وقيمه الفكريّة والجماليّة .

وصار هذا الكتاب مرجعاً مهمّاً في دراسة الأدب العربيّ ، ولاقى إقبالاً ورواجاً بين الأوساط العلميّة في المدارس والجامعات كمرجع للاستفادة .

خاتمة :

يُعتبر الشيخ محمّد الرابع الحسني رجلاً فذّاً عملاقاً ، ورجلاً يستنفد جميع إمكانياته في حلّ مشاكل متنوّعة تطرق إلى أبناء الإسلام كسيل عارم بدون تخلّف ، ويحمل قنديل الفكرة السليمة الصافية ، ويسبغ عليهم نعمة الأمن والسلامة ، ويرشدهم إلى سبيل الرشاد ، ويحميهم عن تيّارات الفتن ، ويصبح كالظليم الذي يذبّ عن فراخه عن الطوارق والمتاعب التي تتوسّل إليهم .

وكانت في شخصيّة الشيخ محمّد الرابع الحسني مزايا متنوّعة ، فكان في جانبٍ عالماً ربّانيّاً ، وأديباً ألمعيّاً ، وأستاذاً عطوفاً ، وصحافيّاً قديراً ، وإداريّاً خبيراً ، وفي جانبٍ آخر ممتازاً بأخلاقه الفاضلة ، وأعماله الحسنة ، ومتميّزاً بإنجازاته المتتابعة ، ومجهوداته المتلاحقة ، وساكتاً مثل البحر ، ومتواضعاً مثل الأرض ، وقادراً مثل الجبل ، ومرتفع عزمه الأكيد مثل السماء ، ولم تجد في وقته أحداً بين أقرانه يماثله في أوصافه العالية ، ودرجاته الشامخة ، وصفاته الحميدة .

وكانت حياته حافلةً بالدعوة إلى الله ، والإصلاح للناس ، والبناء للإنسانيّة ، وكان مهتمّاً في مقالاته القيّمة وبحوثه السامية ، وكتبه مملوءة بالحكمة والموعظة الحسنة ، وتحلّ كلّها قضايا المجتمع الإسلاميّ والمجتمع الإنسانيّ التي يكابدها أفراد البشر ويواجهها الإنسانيّة ، وظل متوجّهاً إلى حلّ المشاكل الاجتماعيّة ، فأصبح الناس يعيشون إسلاماً أينما حلّوا سواء في مراكز التعليم كالجامعات ، والكليّات ، المدارس ، أو في كلّ الأعمال ، أو في البيوت ، أو في الشوارع ، أو في كلّ مرافق الحياة .

وتطرّق الشيخ محمّد الرابع الحسني في مقالاته إلى مواضيع مختلفة لمعالجة القضايا الاجتماعية ، وصوّر فيها تصويراً صادقاً عمّا كان يواجه المجتمع العالميّ عامّةً ، والمجتمع الهندي خاصّةً من المأساة والتخلّف علماً وسياسيّاً وأدبيّاً وثقافيّاً ، وفتح نافذةً جديدةً لمعالجة القضايا الاجتماعيّة ، وكانت صحبته فيّاضةً كما يتبلور أثر الثقافة والإصلاح في كلّ كتاباته ، للدعوة والتوجيه الإسلاميّ طرقاً مختلفةً من التأليف والوعظ والتدريس والصحافة ، وجال في الدول العربيّة والإسلاميّة والأوروبيّة ، وشاهد أحوالها بنظر عميق ، فكانت مقالاته حول الموضوع حديثاً لرجال الفكر والدعوة في توجيه الشعب من النواحي كلّها ، وعصر فيها من تجاربه الواسعة ، ومشاهداته المرموقة ، وكانت مجالسه علميّة وإصلاحيّة ، وتُعقد بعد صلاة العشاء في دار ضيافة ندوة العلماء ، ويشارك فيها أساتذة الدار وطلّابها وعامّة الناس من أهل الثقافة والعلم في مدينة لكناؤ ، ويجتذب إليها قلوبهم ، وتمتّعوا باستثمارها .

وقد حظيت ندوة العلماء في حياته الطيّبة بشهرة ممتازة ، وتوصّل صوتها إلى القارات بأسرها ، وتوسّعت دوائرها ، وتكاثر عدد خرّيجها في وقته بكثرة كاثرة ، وكان عهده تحت إشرافه عهداً مشرقاً ، ووقف كلّ حياته الجليلة لندوة العلماء ولأعمالها اللامعة ، وكان مثالاً للسلف الصالح ، وكانت حياته أنموذجاً سامياً حتى لحق برفيقه الأعلى يوم الخميس 21 من رمضان المبارك 1444هـ المصادف 21 من أبريل 2023م ، وكانت وفاته خسارةً فادحةً للأدب العربي بشكل خاصّ ، وللثقافة الإسلاميّة بشكل عامّ ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .

* الأستاذ المساعد في قسم اللّغة العربيّة ، جامعة مولانا آزاد الوطنية الأردية ، حيدرآباد        ( الهند ) .