(5) الأستاذ قمر السنبلي في ذمة الله تعالى
أكتوبر 12, 2021(2) الأخ المقرئ عبد الرشيد الندوي إلى رحمة الله تعالى
نوفمبر 3, 2021إلى رحمة الله تعالى :
الشيخ محمد ولي الرحماني رحمه الله عالماً كبيراً ورائداً مثالياً
الأستاذ محمد حسان أنور القاسمي *
في نحو الساعة الثانية ظهراً الأربعاء ٢٠ شعبان المعظم الموافق ١٤/ أبريل ٢٠٢١م ، فجعت الأوساط العلمية والدينية بما تناثر الخبر عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن العالم الكبير ، الداعية الجليل ، الرائد العظيم ، الحامل للواء الدين والإسلام بالهند ، أمير الشريعة الإسلامية لولاية بهار وجارخند ، الأمين العام لهيئة قانون الأحوال الشخصية لمسلمي الهند ، رئيس الجامعة الرحمانية بمونغير ، الشيخ العلامة القائد المحنك مولانا محمد ولي الرحماني لبى دعوة ربه معاناةً للمرض الشهير المستجد الفتاك ” كرونا وائرس ” الأكبر خطراً والأعظم داءً غير مسبوق عبر مأة عام ماضية ، عن عمر يناهز ٧٨ عاماً متلقياً للعلاج بمستشفى فارس بمدينة بتنه ، بهار . فإنا لله وإنا إليه راجعون .
ذُهب بجثمانه إلى مسقط رأسه مونجير ، وصلى عليه العالم الشيخ عمرين محفوظ الرحماني ، بجموع حاشدة من العلماء الكبار وجم غفير من عامة الناس يتجاوز عدده طبق ما نشرته القناة الهندية زهاءَ ثلاث مأة ألف ، في رحاب الجامعة الإسلامية الرحمانية زاوية مونجير . ووري جثمانه بمقبرة رحمانية في جنب والده الشيخ منت الله الرحماني – رحمهم الله – ، وقد تم في الساعة الحادية عشرة ظهر الخميس ٢١ شعبان ١٤٤٢هـ .
كان الفقيد الغالي محمد ولي الرحماني نجل الشيخ العلامة الفهامة ، المجاهد المناضل ، أحد بناة هيئة الأحوال الشخصية لمسلمي الهند ، أمير الشريعة الأسبق الشيخ مولانا منت الله الرحماني ابن العالم الداعي التقي النقي ، المناضل الكبير ضد الفتنة القاديانية مولانا محمد علي المونجيري . رحمهم الله رحمةً واسعةً .
تولد في ٥/جون ١٩٤٣م بمنطقة مونجير ، في بيئة علمية دينية تتوارث كابراً عن كابر ، ببيت أبيه وجده في الهند حيث نشأ وترعرع في حضن والديه إلى ما نضج عقله وذهنه وبلغ سن الشعور .
تلقى التعليم البدائي في الوضع العلمي لبيته ، ثم دخل لتلقي العلوم الإسلامية الشرعية في كتاب ديني بمنطقته ، وللحصول على التعليم العالي دخل في الجامعة الرحمانية الواقعة بمدينة مونجير التي أنشأها جده الشيخ محمد علي المونجيري ، تدرس في ذلك المحيط الجامعي حتى مشكاة المصابيح وكتاب الهداية للمرغيناني وما إليه من كتب الحديث والفقه .
ثم شد الترحال إلى دارالعلوم التابعة لندوة العلماء لكناؤ ، واستفاد من ذلك المنهل الثر مدةً ، وبالتالي توجه إلى مدينة العلم والثقافة ، إلى دارالعلوم ديوبند ، وأخذ الحديث والتفسير من أيدي كبار علماء الجامعة المحدثين الفقهاء الذين ظل صيتهم العلمي ودويهم الفقهي ذاع في الآفاق آنذاك ، وبلغ سمعتهم من أقصى البلاد إلى أقصاها ، بمن فيهم الشيخ العلامة إبراهيم البلياوي ، والعالم البارع المحدث النابغ ، الفقيه الضليع مولانا فخر الدين ، والشيخ الفقيه المحدث مولانا فخر الحسن أحد مشيخة الحديث الأسبق بالجامعة – تغمدهم الله بغفرانه – . وقد تخرج الراحل الرحماني من جامعة دارالعلوم ديوبند عالماً كبيراً ، كما تلقى العلوم العصرية في كلية باغلفور بيهار ، وحصل على شهادة ماجيستر ، وفاز بدرجة ممتازة .
وإثر تخرجه من دارالعلوم ديوبند كان الشيخ الراحل ولي الرحماني – برد الله مضجعه –وجه اتجاهه وركز عنايته على الجامعة الإسلامية الرحمانية الأهلية ، عين مدرساً في الجامعة المعنية ، وتولى بجانب التدريس منصب الشؤون التعليمية حتى سنوات طوال ، وفيما مُنح من الكتب العربية للتدريس ، كانت كتب الفقه والحديث بشكل خاص . وعلى أساس ذلك كان أكبر همه على شؤونها التعليمية ، التي استحسنت وتطورت وازدهرت في أيامه ، فنتاجاً عن جهوده البالغة ومساعيه المشكورة المتواصلة ليل نهار سرعان ما اعتبرت الجامعة كليةً كبيرةً بالهند ، واحتلت مكانةً مرموقةً لدى الأوساط العلمية ، حيث ظل الطلاب يتسارعون إليها من كل فج عميق من مشارق البلاد ومغاربها .
ولا يعزبن عن البال أن الجامعة أسسها مولانا محمد علي المونجيري عام ١٩٢٧م ، ثم في زلزال شديد عاشته أرض بهار عام ١٩٣٤م ، تساقطت بنيانها وجدرانها فانقرضت وبقيت كذا لمدة طويلة . وفي عام ١٩٤٤م أنشأها الشيخ مولانا منة الله الرحماني مرةً ثانيةً على نمط حديث ، على حجر أساس وضعه أبوه ، وبذل نحوها جهوداً كافيةً ، وعني بها عنايةً لا يستهان بها ، فما مضت إلا عدة سنوات حتى توسعت ، وبلغت سمعتها العلمية إلى خارج الولاية بل إلى خارج البلاد ، يتجاوز أدوارها العلمية وفعالياتها الأدبية بلدان العالم ، حتى ظلت تلفت الانتباه وتسترعي الأنظار لجمع من الطلاب والتلاميذ ، والعلماء والمحدثين . وبالتالي في عهد رئاسة الشيخ محمد ولي الرحماني ورعايته نالت الجامعة قبولاً وشعبيةً وتقدماً أكثر بكثير مما كانت عليه من ذي قبل ، أنجبت الجامعة منذ أول يومها لحد الآن عدداً لا بأس من العلماء الأفذاذ ممن خدموا دين الإسلام وقادوا الشعب المسلم الهندي في مجالات الحياة الإسلامية والدينية ، الاجتماعية والسياسية .
ومن تميزات الجامعة التي بها فاقت الجامعات الإسلامية الهندية ، وامتازت من أخواتها الأخرى أنها تحتضن ” خانقاه رحماني ” الذي تشكل مركزاً ربانياً ومعيناً دينياً يرشد المسلمين ويهديهم إلى الصراط القويم المستقيم ، يحثهم على أن يتمسكوا بحبال الله ويتأسوا بأسوة رسول الله حتى تصلح القلوب وتنقي من السيئات التي التصقت بها ، فكان يهرعون إليه من كل صوب وحدب ، يبايعون على أيدي الشيخ ويتوبون وينيبون إلى الله العلي العزيز القدير .
فهذا المركز وحيد من نوعه بولاية بهار ، لا يدانيه ولا يماثله غيره ، يحمل الكثير من الحركات الشاملة التي سارت على دربه ، والفعاليات الإسلامية التي تمت من خلال جهوده المشكورة أثمرت ثمراً جنياً فوق الظن والحسبان وتكللت بالنجاح الباهر . وقد عمل الفقيد من خلال هذه المنصة معلماً ومرشداً مدى حياته .
وإنه – رحمه الله – بصفته عالماً بارعاً محدثاً نابغاً كان خطيباً مصقعاً ، يلقي خطبةً جهوريةً حماسيةً ، تستميل القلوب وتسخرها ، وتروق الأنظار وتسترعيها ، وتحلو الفؤاد وتطيب له .
إلى جانب ذلك يمتلك ناصية الأدب الأردي ، فبدأ يكتب منذ المرحلة المبكرة لدراسته ، وطفق يكتب في الصحف والمجلات كتابات واضحة ، وسرعان ما عد – وهو في ريعان شبابه – من بين الأدباء والصحفيين المهرة ، اعتبر ضليعاً نابغاً وفرساناً قديراً لهذا المضمار .
وإثر ما توفي أمير الشرعية الأسبق العالم الهندي الكبير الشيخ نظام الدين رحمه الله ولى الناس بأجمعهم كبارهم وصغارهم عامتهم وخاصهم حضرة الفقيد منصب أمير الشرعية لولاية بيهار جارخند أريسه ، وذاك تم عام ٢٠١٥م . انعقد بهذه المناسبة التذكارية السارة اجتماع هام على أوسع نطاق بمدينة أرريه بولاية بيهار ، شهدت الحفلة جموعاً حاشدةً من كبار علماء الهند وعامة الشعوب ، بايعوا على أيديه ، على أنه سيكون أميراً لهم وهم يتابعونه .
وفي أعقاب شغله منصب الرئاسة تصاعدت الإمارة عملاً وتوسعت دائرته ، وتفاقمت فعالياتها ونشاطاتها الاجتماعية والدينية ، العلمية والثقافية أكثر فأكثر ، فما مضت إلا خمس سنوات حتى نالت الإمارة تقدماً وازدهاراً أكثر بكثير مما كانت عليه من ذي قبل .
ولي أمنية غالية أن ينهض من الممارسين الناشطين في الإمارة من يُعنى بهذا الشأن ، ويشمر عن السواعد لإنهاء هذا العمل الهام المهم الذي من خلاله تتجلى عملياته غير العادية ومنجزاته التي تعكس مدى حياته الحافلة بالنشاطات العلمية والدعوية ، مما به يتعرف عليها الناس ويعرفون شخصيته الممتازة البارزة .
وقد شغل الفقيد الغالي – رحمه الله – منصب الأمين العام لهيئة قانون الأحوال الشخصية لمسلمي الهند بشكل أنجع وأبرز منذ عام ٢٠١٥م إلى أنفاسه الأخيرة ، ولعب من هذا المنبر دوراً بارزاً ريادياً نموذجياً ، ولا يغيبن عن البال أن الجمعية التي أنا بصددها هي منظمة قديمة ، تأسست عقب المجهودات البالغة والمساعي الجليلة التي بذلها علماء الهند العباقرة لصيانة الدين والإسلام ولبقائه في شكله الأصيل الذي هو المتوارث عن الصحابة والتابعين . وحتى يومنا هذا هي ناشطة في أهدافها وناجحة في غايتها المنشودة المتوخاة .
ترأس الراحل هذه المنظمة ١٠ سنوات رئيساً قلما يجود بمثله الزمان . كما كان الشيخ الراحل ولي الرحماني مغرماً بالأدب الأردي ومعنياً بتصنيف الكتب وتأليفها لحيازته مذاقاً علمياً أدبياً رائعاً ، فقد باتت الكثير من الكتب ما بين صغير وكبير خرجت من قلمه السيال إلى حيز الوجود وتداولت مغبوطة لدى الأوساط العلمية ، من أهمها :
” تعليم الصناعة والحرفة في المدارس الدينية ” ، ” قانون الأحوال الشخصية لمسلمي الهند والقانون الهندي ” ، ” ذلك هو منزلكم ” ، ” البيعة في العهد النبوي ” ، ” المفكر الإسلامي الشيخ محمد سجاد ” ، ” مجموعة رسائل رحمانية ” ، ” في حضرة ملك الكونين ” ، ” هل كان الكفاح الذي انطلق عام ١٨٥٧م معركة تحريرية أولى ” .
والآن أرى من المناسب أن أكتفي بهذه الكلمات ؛ فإن حياته حافلة بالنشاطات الكثافة العلمية والاجتماعية .
ونحن إذ نتقدم بأجمل التعازي ببالغ الحزن والأسف إلى ذويه وأهله وإلى كل من يحبه من المسلمين الهنود ، ندعو الله جل وعلا أن يتغمد الفقيد الغالي الرحماني برحمته الواسعة ، ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وأسرته الصبر والسلوان ، ويملأ الفراغ الذي حصل بوفاته ، ويسد الخلل الذي تم بترحاله . والله ولي التوفيق .
* مدرس الأدب العربي بمدرسة تحفيظ القرآن بتنه بيهار .