سيرة ابن إسحاق بتحقيق الدكتور محمد حميد الله : استعراض ودراسة
سبتمبر 4, 2021العطور والأزهار في المنظور الإسلامي : دراسة عامة
أكتوبر 12, 2021رجال من التاريخ :
الشيخ المحدث عبد الرشيد النعماني الندوي
بقلم : سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي
تعريب : محمد فرمان الندوي
كان الشيخ عبد الرشيد النعماني محدثاً عظيماً ، وعالماً خبيراً في شبه القارة الهندية ، بل كان أنموذج السلف الصالح ، وقدوة المحدثين المتقدمين ، وكان وطنه جي فور ، بولاية راجستهان ( الهند ) ، لكنه هاجر إلى باكستان ، وأقام هناك ، وانتقل إلى رحمة الله تعالى في 29/ ربيع الآخر 1420هـ الموافق 12/ أغسطس 1999م ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
ولد الشيخ عبد الرشيد النعماني في مدينة جي فور ، ولاية راجستهان 1914هـ ، المصادف في شهر أكتوبر 1333هـ ، وأخذ دراسته الابتدائية في وطنه ، ثم جاء إلى دار العلوم لندوة العلماء حيث كان العالم الجليل والمحدث الشهير الشيخ حيدر حسن خان التونكي مدير دار العلوم ، وأستاذ الحديث الشريف سابقاً ، وكان لا يقصد في هذه المدة طلاب راجستان هذه المنطقة لطلب العلوم الإسلامية ، لكن الشيخ عبد الرشيد النعماني سافر لطلب العلم إلى دار العلوم ندوة العلماء ، وأقام فيها أربع سنوات ، واستفاد من أساتذه دار العلوم ، وكان أكثر استفادةً ، واتصالاً بالشيخ المحدث حيدر حسن خان التونكي ، الذي كان شيخ الحديث في دار العلوم يوم ذاك ، ومرجعاً للخاصة العامة في هذا الفن ، وهو من أخص تلامذة العالم اليمني العلامة حسين بن محسن الأنصاري الخزرجي رحمه الله تعالى .
استفاد الشيخ عبد الرشيد النعماني في علوم الحديث من المحدث التونكي استفادةً كاملةً ، ولازمه دائماً ، إنه رآه في خلوته وفي حال اجتماعه ، وشغله وفراغه ، وفي مختلف أوقاته ، وكانت حياته ككتاب مفتوح أمامه في الخصائص العلمية والزهد والتقوى ، فقلد الشيخ النعماني كل خصلة من خصاله حتى أصبح صورةً أخرى له ، فانتقل إليه علم الحديث وذوق دراسته ، الذي جعله في صف المحدثين المتقدمين ، ونال من أستاذه الجليل صفة الزهد الحقيقية التي هي ميراث السلف الصالح .
ونظراً إلى ذوقه العلمي والديني لاطفه الشيخ حيدر حسن خان ملاطفةً خاصةً ، واعتنى به اعتناءً بالغاً ، فصقلت به مؤهلات الشيخ النعماني ، وحصلت له براعة كاملة في فن الحديث الشريف ، مع اعتنائه بالروح والقلب ، وكان الشيخ حيدر حسن خان من أتباع الحاج إمداد الله المهاجر مكي ، فعرفت نظرته الثاقبة زهد النعماني وتقواه ، فأجازه إجازةً عامةً في التعليم والتربية والتزكية والإحسان ، ثم راجع الشيخ النعماني العالم المربي الشيخ عبد القادر الرائفوري ، فنال منه أيضاً إجازةً عامةً ، لكنه ظل يعتبر نفسه في عينه صغيراً ، فراجع الشيخ أبا الحسن علي الندوي ، وبدأ يستشيره في كل شأن من شئون العلم والدين ، فحصلت له إجازة منه في الإحسان والتزكية .
تخصص الشيخ النعماني في علوم الحديث ، وجعل علوم الحديث موضوع دراسته ومطالعته ، فألف تأليفات في هذا الفن ، منها : الإمام ابن ماجة وعلم الحديث ، كسب قبولاً عاماً ، ومكانة أبي حنيفة في الحديث ، وما تمس إليه الحاجة لمن يطالع سنن ابن ماجة ، وقد قام بتحقيق هذا الكتاب الأخير المحدث المحقق النابغ الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله ، وقد طلب من الشيخ النعماني مسئولو ندوة المصنفين بدهلي أن يؤلف كتاباً حول لغات القرآن ، فألف في مجلدين ، و أكمل هذه السلسلة الشيخ عبد الدائم الجلالي في ثلاثة مجلدات ، وهو كتاب فريد في اللغة الأردية ، يتجلى منه الذوق التحقيقي للشيخ النعماني ، وصار مرجعاً للأساتذة والطلاب ، وله رسائل وكتيبات حول رد الناصبية ، كما كانت له جهود عملية في الإفراط الذي صدر من بعض الأوساط في رد الشيعة .
وكانت له مهارة في إنشاء ذوق الحديث في الآخرين ، يأنس به الطلبة بحسن خلقه وتواضعه ، ويحصلون في وقت قليل على مباحث كثيرة ، وقد التمس منه مسئولو ندوة العلماء ولا سيما الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله ، عام 1410هـ المصادف 1990م ، لقضاء مدة في رحاب دارالعلوم ندوة العلماء ، وإفادة الأساتذة والطلاب في رحابها ، فقبل هذا الاقتراح برضا ورغبة ، وشرف ندوة العلماء ، فسر بقدومه الإمام الندوي سروراً بالغاً ، وأقام فيها شهرين كاملين ، واستفاد منه الأساتذة والطلبة استفادةً كاملةً ، وكان الشيخ النعماني قد درس في بداية حياته في ندوة العلماء ، واستفاد من أساتذتها ، لكن كانت هذه الاستفادة لم تكن بالالتحاق ، فلم يتخرج من دار العلوم لندوة العلماء رسمياً ، وحينما قدم ندوة العلماء هذه المرة فعقد لتكريمه الإمام الندوي حفلةً كبيرةً ، حضرها أساتذة وطلاب دار العلوم لندوة العلماء ، ومنحه شهادةً فخريةً ، كأنه تخرج من دار العلوم ندوة العلماء ، وهو ندوي ، كما كان العلامة السيد سليمان الندوي قد أكرم الشيخ عبد الماجد الدريابادي بشهادة فخرية زمن رئاسته لشئون التعليم لندوة العلماء ، فذكر الإمام الندوي بهذه المناسبة هذا التاريخ القديم .
رزق الله له ابناً صالحاً ، وهو الشيخ الدكتور عبد الشهيد النعماني الذي كان أستاذاً في جامعة كراتشي منذ مدة ، ثم تقاعد عن الوظيفة ، وهو مشتغل بالدراسة والتحقيق ، وله ذوق علمي وتحقيقي ، وهو على منهج والده العظيم رحمه الله ، أما إخوته فكان فيهم الشيخ عبد الحليم الجشتي النعماني الذي استفاد منه كثير من الناس ، وكان له شغف بعلم الحديث ، وقد كان أستاذ الحديث الشريف في جامعة العلوم الإسلامية بنوري تاؤن ، كراتشي . توفي رحمه الله قبل شهور .
كانت وفاة الشيخ النعماني خسارةً علميةً في أوساط علم الحديث ، شعر بهذه الخسارة الحديثية كل من اشتغل بالعلم والأدب .
رحمه الله رحمةً واسعةً ، وأغدق عليه شآبيب فضله وكرمه ، وتقبل جهوده وخدماته وأعلى درجاته .
وصلى الله تعالى على خير خلقه وبارك وسلم .