الشيخ السيد محمد الرابع الندوي : صحافياً وأديباً

الرؤى الأدبية للشيخ الندوي من منظور إسلامي
نوفمبر 19, 2023
رائد متميز في موكب رواد الأدب الإسلامي
نوفمبر 19, 2023
الرؤى الأدبية للشيخ الندوي من منظور إسلامي
نوفمبر 19, 2023
رائد متميز في موكب رواد الأدب الإسلامي
نوفمبر 19, 2023

الشيخ السيد محمد الرابع الندوي :

صحافياً وأديباً

د . يوسف محمد الندوي *

نبذة عن السيد محمد الرابع الندوي :

كان السيد محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله نجماً متألقاً في عالم العلم والمعرفة ، والأدب والفن ، والنقد والفكر ، والتاريخ والسيرة ، والاجتماع والدين والسياسة . إنه علم من أعلام الأمة الإسلامية المعاصرة ، وشخصية بارزة من شخصياتها الأفذاذ . قاد مجتمعه مرشداً منيراً برسالة حياته المضيئة وبصفاء العقيدة والإيمان ، ونورانية العلم والحكمة .

كان هو مؤمناً تقياً ذا ورع وتواضع ، وإماماً متبعاً ، ومؤرخاً مدققاً ، وأديباً بارعاً ، وصحفياً ألمعياً ، ومؤلفاً عظيماً ، ومجدداً تعليمياً ، ومفكراً صارماً ، وداعيةً إسلامياً ، وشيخاً مربياً ، وزاهداً مخلصاً ، وفوق ذلك كله كان هو مسلماً مثالياً يرشد الأمة بحياته المثالية ، وإنساناً مثالياً يحب الإنسانية والسلامة والتسامح بين الأمم والدولة . جعل الشيخ سلاحه المفضل الكتابة والصحافة ، والتعليم والتدريس ، والخطب والمحاضرات ، والرحلات والحوار . يراه الناس أنموذجاً فذاً في مجال التزكية والتربية ، كما أنه كان وارثاً حقيقياً لخاله العلامة السيد أبي الحسن علي الندوي رحمه الله . في الفكر والعمل والدعوة .

كان السيد محمد الرابع الندوي أديباً بارعاً قبل كل شيئ إذا كنا نراه في مرآة الأدباء والنقاد ، يكتب بلغة جميلة ، وأسلوب رشيق . وكان له معرفة عميقة عن الآداب والفنون العالميتين عبر العصور . وكان كنهر سلس أدبي إذا تحدث عن فنون الأدب وأقسامه وتاريخها ، هذا ما جرَّبه صاحب هذه السطور خلال دراسته في الأدب العربي على مائدة دروسه الأدبية بجامعة ندوة العلماء بلكنؤ . قد سال من قلمه المبارك مقالات قيمة ورسائل نفيسة وكتب جميلة في ميدان التعليم والتربية ، والتزكية والدعوة ، والأدب والنقد ، والتاريخ والفقه ، والاجتماع والسياسة ، ومواجهة الفساد الفكري في كلتا اللغتين العربية والأردية ، بعضها ترجم إلى اللغة الإنجليزية والهندية أيضاً .

قد أصبحت دار العلوم ندوة العلماء في لكنهؤ بالهند مركزاً رئيسياً في تكوين شخصية الشيخ محمد الرابع الندوي علميةً وأدبيةً ودعويةً ، حيث تعلم فيها وتخرج منها ، وبعد ذلك درس فيها طوال السنين وترأس نشاطات ندوة العلماء المختلفة علمية وثقافية وأدبية ودعوية .

تجديد المناهج الدراسية حسب متطلبات العصر كان مجالاً مهماً في خدمات الشيخ حيث يكتب فيه : ” إن للمنهاج التعليمي والتربوي اتصالاً وثيقاً بأهداف التعليم والتربية ، وهو يصبغ الطالب بصبغة يريدها واضعو المناهج ، وتتكون الأجيال وفق المقررات الدراسية التابعة له ، فلا بد من رعاية هذه العلاقة التي توجد بين المناهج والنتائج ، ومن الضروري أن توضع المناهج حسب الأهداف المطلوبة . يفضل المعنيون بالتعليم والتربية مناهج ومقررات تعكس الطموحات والقيم التي يتواضع عليها مجتمعهم ويختارونها حتى يبنوا جيلهم الناشئ بناءً يحقق الصورة التي يريدونها لازدهاره وتقدمه ، ولكن إعداد هذه المناهج والمقررات وتحديدها يتوقف على إدراك مشاكل المجتمع وقضاياها إدراكاً واقعياً ” [1] .

دوره في الصحافة الإسلامية في الهند :

كان للشيخ محمد الرابع الندوي دور قيادي في الصحافة الإسلامية والعربية في شبه القارة الهندية ، وكان فضيلته يرأس خمس مجلات إسلاميةً تصدر في أربع لغات من ندوة العلماء بلكنؤ ، كفى لنا برهاناً ودليلاً عن عناية ندوة العلماء بالصحافة بأنها أنشأت هيئة باسم مؤسسة الصحافة والنشر منذ بداية نشاطاتها لتصدير المجلات والدوريات . نحن لا نعرف داراً أو مؤسسةً تصدر منها خمس مجلات في أربع لغات . إلا دار العلوم بندوة العلماء .

وكان رحمه الله مؤسس صحيفة الرائد – نصف شهرية – عام 1959م ، رئيس تحريرها الآن الأستاذ السيد جعفر مسعود الحسني الندوي بعدما زيّن هذا المنصب السيد محمد واضح رشيد الحسني الندوي رحمه الله نحو 35 عاماً . كتب الشيخ محمد الرابع الندوي مقالات قيمةً في معظم عددها . كما أشرف على مجلة ” البعث الإسلامي ” الصادرة من 68 عاماً ، المقررة لدى هيئة المنح الجامعية الهندية ، أنشأها فقيد الدعوة الإسلامية السيد محمد الحسني عام 1955م ، ورئيس تحريرها الآن فضيلة الأستاذ سعيد الأعظمي الندوي حفظه الله ورعاه . وعلى صحيفة    ” تعمير حيات ” الأردية التي لها تأثير قوي بين مسلمي جنوب الهند ، أنشأها أيضاً الأستاذ المرحوم محمد الحسني عام 1963م . وعلى مجلة      ” FRAGRANCE  ” الإنجليزية الصادرة منذ عام 1999م ، وعلى مجلة        ” سجا راهي ” الهندية الصادرة منذ عام 2002م .

يكتب الأستاذ محمد الرابع الندوي عن الصحافة : ” فإن الصحافة فن من الفنون التي تساعد الإنسان بتعريفه بالأحوال والأحداث التي تحمل أهميةً في مجتمعهم وفيما حولهم ، وتكون سبب تربية للعقل الإنساني فيزداد بها الإنسان خبرةً واطلاعاً على أحوال الآخرين ، وهي فن جديد أصبح يمارسه أهل الخبرة والمؤهلات العلمية والأدبية منذ أن اخترعوا صناعة الطباعة كوسيلة للنشر والإعلام ، أما قبل ظهور عمل الطباعة فقد كانت ذريعة تلك الطريقة الخطية التي كان أهل المعرفة يختارونها لنشر كلمتهم ، أما في زمن العرب الأميين فقد كان ينوب عنها الشعر والخطابة لإبلاغ الناس ما يفيدهم ، وللتأثير على عقولهم ، وكان كلامهم الشعري يبلغ بسهولة إلى الأطراف المختلفة من مكان صدوره ، حسب مدى روعته وبلاغته ، وكان يؤثر تأثيراً كبيراً أو قليلاً على خواطرهم وآرائهم ” [2] .

” الصحافة وسيلة مؤثرة من وسائل الإعلام والنشر ، وهي وسيلة تربوية ، تفوق الصحافة الكتب والإنتاجات الأدبية الأخرى نفعاً وتأثيراً ، لأنها تنقل بسهولة الموضوعات والأفكار المتجددة إلى القراء وتعمل كأداة تربوية ناجحة إذا كان هدف الآخذين بزمامها نبيلاً بناءً ، وتصبح أداة هدم وإفساد إذا كانت العقول المخططة من ورائها هدّامةً مفسدةً ، وهي بذاتها ليست إلا مجرد أداة ووسيلة ، ولكنها تخضع لإرادة من يصرف زمامها . تتجلى أهمية الصحافة إذا كانت في نطاق الجرائد اليومية أو نحوها ، فقد يجد قراؤها توجيهات وتعاليم يومية ، بل يتلقون دروساً منظمةً متلاحقةً كالغذاء الرتيب ، وهناك قسم آخر من الصحافة ، وهي المجلات الشهرية أو نحوها ، ولكنها – لطول فترة صدورها – لا تحمل تأثير القسم الأول ، ويجدر بنا أن نتحدث عن كلا النوعين بشيئ من التفصيل ” [3] .

عناية ندوة العلماء بالصحافة وبدايتها :

” ولما أنشئت جمعية ندوة العلماء وأنشئت مدرستها دار العلوم للقيام بالتعليم والتربية اقتضت أن تكون لها صحافة أيضاً لإبلاغ الناس بما تقدمه دار العلوم في المجال التعليمي والتربوي ، فاعتنى بها رجالها حتى نشأ من أبنائها جيل يستطيع أداء دور مفيد في هذا المجال ، ويستخدم هذه الوسيلة كسفير علمي وأدبي إلى جمهور أهل العلم والمعرفة ، فصدرت من ندوة العلماء صحيفة في اللغة الأردية لأهلها باسم ” الندوة ” ، وصحيفة في اللغة العربية باسم ” الضياء ” فكانت صلةً بين أهل هذه البلاد وأهل البلدان العربية ، ومهدت الصحيفتان طريقاً لتربية أبناء ندوة العلماء على الصحافة ، وطرأت أحوال قاسية في العالم اضطرت بسببها الصحيفتان إلى التوقف عن الصدور ، ولما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وتحسنت الأحوال تشجعت نفوس أبناء ندوة العلماء على أن يبدأوا الصحافة من جديد ، وكان في مقدمتهم الأستاذ المرحوم محمد الحسني ابن الدكتور عبد العلي الحسني رئيس ندوة العلماء العام الأسبق ، وزميله الأستاذ سعيد الأعظمي الندوي وبعض رفاقهما ، وحمل الأستاذان بصورة خاصة مسئولية رئاسة التحرير ، وقاما بأدائها أداءً حسناً وظهرت براعتهما في العمل وأحرزا خبرةً كبيرةً في شأنها ، فقد رأسا تحرير صحيفة ” تعمير حيات ” باللغة الأردية وتحرير مجلة ” البعث الإسلامي ” باللغة العربية ، وتوفي السيد محمد الحسني رحمه الله تعالى ، واستمر الدكتور سعيد الأعظمي الندوي في رئاسة تحرير مجلة ” البعث الإسلامي ” وزامله في العمل الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي رئيس الشئون التعليمية لندوة العلماء وأحرزت المجلة بجهود رئيسي تحريرها قبولاً وتقديراً من قرائها العرب وصارت ترجماناً للفكرة الإسلامية التي اختارتها ندوة العلماء ، وهي الجمع بين القديم الصالح والجديد النافع ، وفكرة إلى الإسلا م من جديد ” [4] .

نظراته الأدبية :

وكان لشيخنا العلامة محمد الرابع الندوي نظرة كاملة متميزة إلى الآداب والفنون ، وهو يرى الأدب أداةً متفضلةً لتأدية المعاني الشعورية عن تجربة إنسانية عن سائر وسائل الإعلام والدعاية ، إن عالم الأدب عنده عالم فسيح بأوسع معاني الفسحة ، يجده المطلع عن الأدب ومفهومه والفنون وكنهها على صفحات مؤلفاته ومقالاته ورسائله ، نستعرض هناك بعضاً منها على سبيل المثال ، يقول في مقدمة كتبها لكتاب         ” الصحافة العربية : نشأتها وتطورها ” للأستاذ سعيد الأعظمي الندوي :

” فإن الموضوع الذي يسمى أدباً ، إنما يحمل جوانب متنوعةً وكثيرةً من معاني الحياة ، مما يظهره الشعور الإنساني ، في كل ما تمت رابطة متصفة بروعة الظاهر ، وحسن الأداء ، وبقدر ما يكون الأداء فيه مصوراً لمدى الشعور الإنساني يكون الكلام المنتظم للعبارة ناجحاً ومفيداً ، فالأدب بذلك يكون سفيراً معبِّراً لما يختلج في نفس صاحب الأدب ، وبحيث إن الإنسان بشعوره وتصوراته يجول في أحوال كثيرة من الحياة ، فالأدب بذلك يسع هذه الجوانب المختلفة لحياة الإنسان ، وبه نستطيع أن ننفذ إلى أغوار النفس الإنسانية ، ونطلع على ما فيها من تصورات ورؤى ، وبذلك يحصل لنا من الاطلاع على النفس الإنسانية ما لا يحصل عن طريق آخر [5] .

أما كلمة الأدب فقد كانت تستعمل في القديم لاختيار الأخلاق المهذبة ، وما يتعلق بها ، وقرر الإسلام لهذه الأخلاق خصائصها وحدودها ، والأدب باشتماله على هذه الصفات والخصائص يصبح معرفةً إنسانيةً مؤثرةً يرغب إلى الاطلاع عليها وإلى ذكرها كل من يريد معرفة الجمال النفسي ، والكرم الخلقي ، وقد ذكر الشعراء كل ذلك بأسلوب مؤثر ، وأصبحت الحكايات التي تتصل بها تعد مادةً رائعةً لهذا الفن ، حتى إن أبا تمام سمى الباب الذي جمع فيه شعراً من هذا القبيل باباً لأدب ، وقد كثرت المادة في هذا الباب حتى استوعب كل معنى فيه متعةً للنفس لجمال أدائه ، وروعة ما يضمره من فكر أو خيال ، وأصبحت القدوة لكل ذلك ما ورد في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف من موضوعات شيقة في كلام رائق ومعان رائعة تستأثر ذهن القارئ والسامع شعراً كان أو نثراً ، وأصبح كل ذلك مادةً فياضةً للقراءة والتعليم ، حتى صار اسماً لمعلم مؤدباً ، وأصبحت التربية على هذه المواد الرائعة المفيدة تأديباً ، وقد ورد في الحديث الشريف : ” أدبني ربي فأحسن تأديبي ” ، وجاء عن القرآن الكريم في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :       ” القرآن مأدبة الله في الأرض ، فتعلموا من مأدبته ” [6] .

يتسع الأدب باتساع الحياة وتتعدد جوانبه ونواحيه ، كما تتعدد جوانب الحياة ونواحيها ، ويستطيع به القارئ أو السامع أن يطل على حياة البعيدين في المكان أو السالفين في الزمان مهما قدم تاريخهم أو بعدت أوطانُهم [7] .

الأدب يمثل الحياة ويصورها ، ويعرض على القارئ والسامع صوراً تنعكس وتبدو من مجالات العيش المختلفة ، ويعرض عرضاً جميلاً ومؤثراً لشتى جوانبها وأشكالها ، فتبدو فيه ملامح الكون والحياة وأشكالها المتنوعة ، فعندما يفوتنا النظر إلى الحياة مباشرةً ننظر إليها ونشاهدها في مرآة الأدب شريطة أن يجيد الأدب عمله وتصدق من صاحبه مقدرة وتحسن ملكته ، وبذلك يصبح الأدب سبباً لتخليد أحداث الحياة وصورها ، فهي تُلْمَس وتُشَاهَد ولو بعد وقوعها بزمن بعيد إذا بقيت العبارة المصورة لها ، وبقي التعبير الفني الجميل منها ، وبقيت معانيها وكلماتها مفهومة مثلما كانت مفهومة في أوانها [8] .

يقول الشيخ في تعريف الأدب : ” فالأدب عمل من أعمال العقل الإنساني ، وفن من فنون الكلام . وهو كلام يؤثر عن الشعراء والخطباء والكتاب وأمثالهم متضمناً لأخيلة دقيقة ومعان رقيقة ، مما يهذب النفس ويرقق الحس والشعور ويثقف اللسان ” [9] .

يكتب الشيخ عن تاريخ الأدب العربي : إن فن تاريخ الأدب بإطاره الجديد السائد لدى مؤرخي الأدب اليوم مأخوذ من قادة الأدب الغربيين ، ولكننا إذا رأيناه في إطاره العام لوجدناه أنه كان سائداً لدى أدباء العربية وعلمائها القدماء أيضاً ، فإن هناك مجموعات شعرية مختارة ومجموعات نماذج الأدب المنثور ألفت على الأساس التاريخي كذلك ، وبذلك ليس تاريخ الأدب في أساسه موضوعاً حديثاً ، بل إن له جذوراً قويةً واضحةً في القديم ، وهي التي تربى عليها الأجيال العربية السابقة ولم تزل تتربى إلى أن بدأ العهد الحديث [10] .

فإن الأدب العربي ذو تاريخ مجيد ، عاش قروناً طويلةً ، وعاشر شعوباً وبلداناً مختلفةً ، فاتسعت مساحته الزمنية والوطنية ، وزخر من ذلك بنماذج متنوعة وألوان شتى ، وفاق على الآداب الأخرى ، فإنه لا يوجد مثل هذه السعة في الزمان والمكان في أدب آخر غير الأدب العربي ، ومرَّ الأدب العربي بسبب سعته في الزمان والمكان من حالتي القوة والاضمحلال ، وكذلك من مراحل التأثر والتأثير العديدة [11] .

ومما لا شك فيه إن الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي صاحب أسلوب جميل وذوق أدبي مرهف ، منح للأمة العربية والإسلامية ثروةً قيمةً خالدةً ، كتب بألفاظ سهلة وتعبيرات رشيقة ، يقول الدكتور محمد أكرم الندوي عن أسلوبه : ” يكتب في الأسلوب العلمي الواضح ، الذي يؤدي الرسالة ويقنع ، لا الذي يصاغ فيمتع ، ومنشأ ذلك حبه للحرية والصراحة ، فيرسل النفس على سجيتها ، ويعرض الفكرة على حقيقتها من غير تمويهها ، ومع ذلك فلأسلوبه طابعه المتميز ، إنه أسلوب عالم يبحث لينتج ، أو مصلح يصف ليعالج ، على أنه يتوخى الجمال أحياناً ، لا سيما في كتاباته واختياراته الأدبية ” [12] .

الفنون الجميلة :

علاوةً على نظرة الشيخ الأدبية نراه يتحدث عن سائر الفنون الجميلة مثل المسرحيات والسينيما وغيرها ، يقول عن المسرحيات : ” من أهم البرامج الثقافية المسرحيات ، وهي من أكبر وسائل التأثير في العقول والعواطف البشرية ، أما المسرحيات الموضوعية الهادفة فتساعد في بناء الفكر الصالح والاتجاه المستقيم ، وأما المسرحيات الترفيهية فإنها وإن كانت غير صادقة فهي تقوم كذلك ببناء الفكر أو إفساده ، ولا نغالي إذا قلنا : إنها تفسد العقول والأفكار وتخربها في الغالب . تمثل المسرحية جزءاً مؤثراً خطيراً من الحياة البشرية يتأثر بها الحضور المستمعون كأنهم يشاهدون الواقع عياناً ، وأكثر ما يتأثر الإنسان بمشاهدة الحياة ونواحيها المختلفة ، وجاء التلفزيون فأخرج المسرحيات من النطاق الصوتي وأدخلها في النطاق الصوتي البصري حتى قرَّبها إلى الواقع ” [13] .

وكتب الشيخ عن الفن السينيمائي : ” أما السينما فهي أقدم من التلفزيون ، كانت السينما في البداية صامتةً تشاهد فيها الحركات الصورية من دون صوت ثم قرن بها  الصوت ، واخترعت السينما بعد اكتشاف الكاميرا ، فالحركات تمر في السينما على الشاشة بسرعة يتخيل الناظر إلى أنها صور واقعية حية ، والصور الكثيرة المختلفة تمثل الحركات البشرية المختلفة اعتماداً على تحريكها على الشاشة . توضع قصص وأحداث وأدوار خيالية لإعداد صور السينما ومشاهدها ، ثم تعد الأفلام ، وتعرض في قاعات السينما . وتكون القصص والأحداث المعروضة على الشاشة مثيرةً خلابةً كالمسرحيات ، والروايات ، وتعتمد السينما على البصر فتؤثر في الأخلاق والشعور تأثير المشاهد الحقيقية ، وتؤكد التجارب أن أفلام السينما كان تأثيرها أشد على أخلاق الحياة الشعبية وسلوكها بالنسبة إلى أي مؤثر آخر ، وتقام دور السينما بصفة عامة للأغراض الاقتصادية فتطغى على الأغراض الأخرى ولا يكترث أصحابها بما إذا كانت تترك آثاراً صالحةً أو فاسدةً على الحياة الاجتماعية ، وإن الأساليب أو الوسائل التي يتخذونها لإدخال روح التسلية والمتعة والترفيه فيها تقطع بأن لا سبيل إلى أن يُرجى منها ظهور آثار صالحة بناءة [14] .

الأدب الإسلامي :

حينما نستخدم اصطلاح ” الأدب الإسلامي ” لا نستطيع أن ننسى سماحة الشيخ الإمام الهمام السيد أبى الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله الذي ألقى الضوء على فكرة الأدب الإسلامي في أول مرة ، في مقالة قدمها بمناسبة عضويته للمجمع العربي بدمشق سنة 1957م ، فكان هو الداعي الأول إلى الأدب الإسلامي حسب معرفتنا . وبعد ذلك تلاه الأستاذ سيد قطب رحمه الله فكتب مقالاً في الموضوع ، ثم نشر في كتابه          ” التاريخ : فكرة ومنهاج ” إنه دعم فيه فكرة الإمام الندوي رحمه الله ، وبعد ذلك جاء الأستاذ محمد قطب بكتابه ” منهج الفن الإسلامي” فكان أول كتاب ظهر في هذا الموضوع ، بحث فيه مجالات فنية في تصوير الإسلام ، وتلاه الأديب الدكتور نجيب الكيلاني ، الذي ألف كتاباً في هذا الفكر ” الإسلامية والمذاهب الأدبية ” هذا الكتاب وكتاب الدكتور عماد الدين خليل ” في النقد الإسلامي المعاصر ” خطوة رائدة في الأدب الإسلامي . وكتاب ” النظرات في الأدب ” للشيخ أبي الحسن على الندوي وكتاب ” الأدب الإسلامي : إنسانيته وعالميته ” للدكتور عدنان النحوي من البحوث القيمة في هذا المجال .

كان شيخنا السيد محمد الرابع الندوي لا يزال يتبع على منوال خاله أبي الحسن علي الندوي ويدعمه في تشجيع هذا الأدب الرفيع حينما يكتب كتيبات ويحاضر محاضرات حتى ألف بنفسه كتابه الشهير       ” الأدب الإسلامي وصلته بالحياة ” ، فكثر المستجابون له وأخذ العالم الإسلامي يصحو من سبات عميق تناسى المسلمون فيه هذا الجانب وتغافلوا عن أهميته ، يقول فيه عن سعة الأدب الإسلامي :

” إن الأدب الإسلامي يرى مجالات العمل في الكون والحياة ، ويميز بين اللائق بإنسانية الإنسان وغير اللائق بها ، فهو أدب ملتزم في هذا المعنى ؛ ولكنه ملتزم بالمفيد الصالح لا بالجمود والتقليد ، أما الأدب غير الإسلامي فهو لا يبالي بمجالات العمل في الكون والحياة ، يدخل في كل مكان مثل البهيمة الهاملة ترعى فيما تشاء ، ولا تفرق بين الصافي والعفن ، والطيب والخبيث ، ولا تبالي بالفرق بين المراعي الفائحة والقاذورات النتنة . الأدب الإسلامي لا يحب هتك العورات ولا إثارة المزابل إلا في نطاق هادف محدود ، أما الأدب غير الإسلامي فلا يبالي أين وقع وماذا أفسد ؛ بل إنه حينما يجرد نفسه من الالتزام يرى أحب مجالات عمله كل صورة مثيرة للعواطف وكلَّ معنى يغذِّي النزوات مهما أتى به في أثره من فساد وانهيار . الأدب الإسلامي يتلقّى روحَه وهدايته من الإسلام ، ومن حياة نبي الإسلام ( صلى الله عليه وسلم ) ، والأدب غير الإسلامي يتلقّى روحَه وإرشاده من هوى الإنسان وحياة كل هائم من الحيوان ، وليس صحيحاً أن الأدب بعد التزامه بالإسلام يصبح محدوداً وقاصراً ؛ لأننا حينما نشطب جانب الفساد والقبح من الحياة فالذي يبقى بعده في الأدب هو واسع وكثير متنوع الجوانب ومختلف الصور والأشكال ، ولن يشعر الممارس له والمستفيد به أي قصور فيه لقضاء حاجته من الأدب ، بل إنما يجده بخدمة في كل ما يعينه في حياته ” [15] .

رابطة الأدب الإسلامي العالمية :

إثر دعوات متتالية من قبل الشيخ السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي وأتباعه إلى الأدب الإسلامي استقر رأي الأدباء المسلمين والنقاد الذين تأثروا في هذا الفكر الخيري منذ عام 1400هـ –  1980م على تكوين هيئة تأسيسية لدراسة الموضوع وتجمع الأفكار وتراسل الأدباء في البلدان الإسلامية .

فعقدت ندوة عالمية للأدب الإسلامي في لكنؤ بالهند في شهر جمادى الأخرى عام 1401هـ الموافق شهر أبريل 1981م ، في رئاسة سماحة الشيخ أبي الحسن الندوي رحمه الله ودُعي إليها عدد كبير من شخصيات العالم الإسلامي ، وفيهم كثير من المهتمـين بالأدب . كانت هذه الندوة أول ندوة دولية عقدت للأدباء المسلمين في العالم ، حتى كانت الندوة دافعاً قوياً للأدب الإسلامي ، وتشجيعاً بليغاً للأدباء المسلمين ، وانتهت الندوة بتوصيات هامة منها إنشاء رابطة عالمية للأدباء الإسلاميين .

توالت على هذه الندوة التاريخية ندوات عديدة حول الأدب الإسلامي في البلدان العربية ، منها ندوة عُقدت في رحاب الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في شهر رجب عام 1402هـ الموافق شهر مايو 1982م ، وندوة عقدت في رحاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في شهر رجب 1405هـ الموافق شهر أبريل 1985م . وخلال هذه الفترة قامت الهيئة التأسيسية للرابطة بالاتصال بسماحة الشيخ الندوي رحمه الله ، وعرضت عليه ما قامت به من أعمال تمهيدية واتصالات موسعة ، ورغبت إليه أن يتبنى إنشاء هذه الرابطة ، واستجاب سماحته بما عرف عنه من صدر رحب ، وبصيرة نافذة ، ووعي وحكمة ، هكذا انبثقت عن الهيئة التأسيسيـة لجنة تحضيرية تولت الإعلان عن تأسيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية ونشرت هذا الإعلان في الصحف والمجلات بتاريخ 2/3/1405هـ الموافق 24/11/1984م .

ثم دعت الهيئة التأسيسية إلى مؤتمر الهيئة العامة الأول ، بعد انتساب عدد كبير من الأدباء إليها في مختلف أنحاء العالم الإسلامي ، وعقد هذا المؤتمر في رحاب جامعة ندوة العلماء بلكنؤ في الهند في شهر ربيع الآخر عام 1406هـ الموافق لشهر يناير 1986م حيث تم وضع النظام الأسـاسي للرابطة ، وانتخاب مجلس الأمناء . كما انتُخِبَ سماحة الشيخ الندوي رحمه الله رئيساً للرابطة مدى الحياة ، وتمَّ الترخيص الرسمي للرابطة في مقرها الرئيسي بمدينة لكنؤ بالهند ، أما مقر رابطة الأدب الإسلامي العالمية فقد كان في لكنؤ إلى وفاة الشيخ الندوي رحمه الله ، ثم انتقل إلى مدينة الرياض في المملكة العربية السعودية سنة 1421هـ/ 2000م ، وانتخب الدكتور عبد القدوس أبو صالح رئيساً لها ، وهو أحد مؤسسيها . بعد وفاته عام 2020 أصبح السيد محمد الرابع الندوي رئيساً لرابطة الأدب الإسلامي العالمية ، وانتقل الشيخ رحمه الله إلى جوار ربه حاملاً هذا المنصب كما كان يحمل رئاسة مجلس الأحوال الشخصية لمسلمي الهند . مع عضويته في عدد من المؤسسات العلمية والأكاديمية العالمية واللجان الإسلامية مثل رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ، ومركز أكسفورد للدراسات الإسلامية ببريطانيا وغيرها .

مؤلفاته :

أكثر كتب أدبية ألفها الأستاذ الندوي كان معداً لطلبة جامعة ندوة العلماء منها : الأدب بين عرض ونقد ، وتاريخ الأدب العربي ، والأدب الإسلامي وصلته بالحياة ، وأضواء على الأدب الإسلامي ، ومنثورات من أدب العرب ، ومختار الشعر العربي . يقول الأستاذ أحمد الجندي محرر مجلة العربية بدمشق عن خلفية تأليف كتاب الأدب العربي بين عرض ونقد : ” هذا الكتاب مجموعة من الدروس ألقاها المؤلف على تلامذته في دار العلوم بلكنؤ في الهند ، وقد تناول فيها شرح اختلاف الأساليب الأدبية العربية في مختلف أدوار التاريخ العربي ، كما تناول التعريف بأصحاب هذه الأساليب مع بيان القيمة الأدبية لكل أسلوب ، وقد سجل المؤلف هذه الدروس ، ثم أعمل فيها التهذيب والتنقيح وأضاف إليها نصوصاً أدبيةً من النثر ” لتكون عوناً على التطبيق والشرح ” على حد  قوله ، فكان من كل ذلك هذا الكتاب  ” [16] .

يقول المؤلف : لقد كنتُ عند تدريسي لكتاب ” مختارات من أدب العرب ” لأستاذنا الجليل السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي في عالمية دار العلوم ندوة العلماء ، أشرح اختلاف الأساليب الأدبية في مختلف أدوار التاريخ العربي ، وأسعى للتعريف بأصحابها وزعمائها ، وتبيين القيمة الأدبية لنصوصهم المختارة في الكتاب ، كما كنت أقوم بتمهيد أدبي دراسي أشرح فيه المباني الأساسية للأسلوب الأدبي والفن ، غير أني كنت أقوم بكل ذلك شفوياً يختلف طريقةً وتفصيلاً باختلاف المرات والسنوات ، فأردت أن أسجلها كمذكرات لي حتى يمكن لي إملاؤها شيئاً معيناً واحداً ، ففعلت ثم هذبتها بعض التهذيب وأضفت إليها نصوصاً أدبيةً من النثر والشعر لتكون عوناً على التطبيق والشرح ، فصارت مجموعةً تشبه الكتاب . وأشار عليّ أصدقائي بإحكامها وطبعها ككتاب يسهل وصوله الصعوبات وقام بالإشراف على طبع الكتاب وإخراجه إخراجاً .

استجاب شيخنا المربي رحمه الله لدعوة ربه عز وجل للحياة البرزخية بعد حياة مليئة بالخدمات الجليلة والمسؤوليات الكريمة تجاه الله والإسلام والأمة والدولة ، أحسن الله مأواه ، وأسكنه الفردوس الغالي وجمعنا معه في الجنة .


* الأمين العام : رابطة الأدب الإسلامي العالمية ( فرع ولاية كيرلا ) ، الأستاذ المساعد : كلية الآداب والعلوم لدار الأيتام المسلمين بويناد ، كيرالا .

[1] محمد الرابع الحسني الندوي ، مقالات في التربية والمجتمع ، المجمع الإسلامي العلمي ، ندوة العلماء ، بلكنؤ ، 2004م ، ص 62 .

[2] من مقدمة الصحافة العربية : نشأتها وتطورها لسعيد الأعظمي الندوي ، مؤسسة الصحافة والنشر ، ندوة العلماء ، لكنؤ، ص 5 .

[3] محمد الرابع الحسني الندوي ، مقالات في التربية والمجتمع ، المجمع الإسلامي العلمي ، ندوة العلماء ، بلكنؤ ، 2004م ، ص 97 .

[4] من مقدمة الصحافة العربية : نشأتها وتطورها لسعيد الأعظمي الندوي ، مؤسسة الصحافة والنشر ، ندوة العلماء ، لكنؤ ، ص 6 .

[5] من مقدمة ” مصادر الأدب العربي للأستاذ محمد واضح الندوي ، مجمع الإمام أحمد بن عرفان الشهيد ، دار عرفات ، رأي بريلي .

[6] المرجع نفسه .

[7] محمد الرابع الحسني الندوي ، الأدب الإسلامي وصلته بالحياة ، ص 10 .

[8] محمد الرابع الحسني الندوي ، الأدب الإسلامي وصلته بالحياة ، ص 9 .

[9] محمد الرابع الحسني الندوي ، الأدب العربي بين عرض ونقد .

[10] من تقدبم محمد الرابع الحسني الندوي لكتاب تاريخ الأدب العربي – العصر الجاهلي – للأستاذ محمد واضح الندوي ، كلية اللغة العربية وآدابها ، ص 3 .

[11] من مقدمة أعلام الأدب العربي في العصر الحديث ، للأستذ محمد واضح الندوي ، دار الرشيد ، لكنؤ .

[12] بغية المتابع لأسانيد العلامة الشريف محمد الرابع ، دار القلم ، دمشق ، ص 38 – 39 .

[13] محمد الرابع الحسني الندوي ، مقالات في التربية والمجتمع ، المجمع الإسلامي العلمي ، ندوة العلماء ، بلكنؤ ، 2004م ، ص 110 .

[14] محمد الرابع الحسني الندوي ، مقالات في التربية والمجتمع ، المجمع الإسلامي العلمي ، ندوة العلماء ، بلكنؤ ، 2004م ، ص 112 .

[15] الأدب الإسلامي وصلته بالحياة ، محمد الرابع الندوي ، المجمع الإسلامي العلمي ، ندوة العلماء بلكنؤ ، ص 11 – 12 .

[16] من مقدمة لكتاب : الأدب العربي بين عرض ونقد .