الشيخ أبو بكر الصديقي الفرفروي : حياته وأعماله الدينية

مُقَارنَة فِكريّة ومُقَاربة في العطاء بين إمامَيْن مشهورين : الحارث المُحاسبي ومحمد الغزالي
سبتمبر 2, 2024
مُقَارنَة فِكريّة ومُقَاربة في العطاء بين إمامَيْن مشهورين : الحارث المُحاسبي ومحمد الغزالي
سبتمبر 2, 2024

رجال من التاريخ :

الشيخ أبو بكر الصديقي الفرفروي : حياته وأعماله الدينية

الأخ محمد أبو الكلام لشكر *

كان الشيخ أبو بكر الصديقي الفرفروي ( رحمه الله ) من علماء الإسلام البارزين في عصره في شبه القارة الهندية ، ومن خلال خبرته الفكرية ومعرفته الواسعة في مجموعة متنوعة من المواضع في تطوير دراسات القرآن والحديث في ولاية بنغال الغربية وآسام وتريبورا وبنغلاديش . وإنه يُعتبر في ضوء خدماته من رواد التربية الإسلامية ، وأسس عدداً من المساجد والمدارس والمؤسسات الدينية ، ولهذه المؤسسات مساهمة مهمة في نشر التعليم . والهدف الرئيسي من هذا البحث ذكر أعماله وجهوده .

ولادته ودراسته :

وُلد الشيخ المربي أبو بكر الصديقى في قرية ” فرفره ” تحت مركز الشرطة ” جانغى بارا ” بمديرية ” هوغلي ” عام 1846م [1] بأنها مركز المسلمين . لها علاقة عميقة بتاريخ الإسلام في شبه القارة الهندية ، وهذه القرية نالت في التاريخ الإسلامي مكانةً منذ القرن الثامن الهجري كان فيها عدد من الأولياء أغلبهم من ذرية النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأحباء ، وكان الشيخ الصديقي يسكن في هذه القرية .

كان الشيخ الكبير أبو بكر الصديقي حصل على التعليم الابتدائي في مدرسة قريته ، ثم التحق بمدرسة في سيتافور للأوقاف الكبرى في منطقة ” هوغلي ” أسسها نواب البنغال علي يبردي خان عام 1751م ، ثم التحق بالمدرسة المحسنة الكبرى التي أسسها الحاج محمد محسن عام 1804م ، قد فاز حينئذ في الجماعة الأولى بتقدير امتياز [2] . ثم درس علم التفسير والحديث من الشيخ جمال الدين الذي هو أحد تلاميذ مجدد الزمان السيد أحمد بن عرفان البريلوي . ثم تعلم المنطق والحكمة من إمام مسجد ناخدا بكولكاتا اسمه الأستاذ ولايت حسين ، ثم سافر الشيخ أبو بكر الصديقي إلى المدينة المنورة وحصل على أسانيد للحديث من الصحاح الستة وغيرها من أربعين كتاباً من محافظ الروضة الشريفة المحدث شيخ الدلائل السيد أمين رضوان عام 1903م الذي كان خادم روضة النبي صلى الله عليه وسلم [3] .

أخذ الشيخ أبو بكر الصديقي الطريقة والسلوك عن الشيخ الكبير العالم الجليل مولانا فاتح علي الأويسي رحمه الله [4] .

وكان الشيخ فاتح علي الأويسي خليفة للشيخ المربي نور محمد النظامبوري ، وكان الشيخ نور محمد خليفة للإمام السيد أحمد بن عرفان البريلوي ، وكان الشيخ السيد أحمد خليفة للإمام الشيخ الشاه عبد العزيز المحدث الدهلوي ، وهو كان خليفة لوالده المحترم الشيخ الإمام الشاه ولي الله الدهلوي ، وكان الشيخ الإمام ولي الله خليفة لوالده الشيخ الشاه عبد الرحيم الدهلوي ، هكذا قد انتهت هذه السلسلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم [5] .

قال العلامة الشيخ السيد أبو الحسن علي الندوي رحمه الله :       ” كان الشيخ أبو بكر رحمه الله تعالى أكبر خليفة للمرشد الكبير مولانا فاتح علي الأويسي رحمه الله . وكان له أثر كبير في نشر دعوة الإصلاح والسلوك والتزكية على المنهج الصحيح في ديار بنغال . وكان له خلفاء كثيرون وآلاف من الأتباع والمريدين في نواحٍ مختلفة من البلاد بل أكثر مسلمي بنغال متصلون بسلسلته ” [6] .

وفاته :

قد توفي الشيخ أبو بكر الصديقي رحمه الله يوم الجمعة 17 مارج 1939م [7] . إنا لله وإنا إليه راجعون . وكان عمره 93 عاماً ، قد نشر خبر وفاته في جريدة الهند الإنكليزية الممتازة المعروفة بـ ” دينك ستيتمين ” .

The dated occured yesterday morning at Furfura (Hooghly). At the age of 93 if his holiness, Hazarat Moulana Shah Haji Mohammad Abu Bakar Siddique a great Muslim Divine and the spiritual guide of large number of Muslims in this country.

The Moulana`s name was a house hold word in Bengal. He was the founder of many Schools, Madrasah, Mosques, Dispensaries and other Charitable Institutions, By his pity and benevolence he endered himself of large numbers of people of this Provine irrespective of class or community. (Saturday, March 18, 1939) [8].

أعماله في التعليم والتربية :

كان الشيخ أبو بكر يعقد مجالس الوعظ والبيانات لنشر التعليم والإسلام في أنحاء البلاد كلها ، وكان يناقش في محاضراته علماء الإسلام وأتباعه الربانيين ، وكان صوته المهيب يجذب الناس ، حتى القلب الحجرى يذوب في مناقشتهم . وكان يبين بكل بلاغة كيف يرضى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . وكان دوراً مهماً في إيقاظ الوعي الروحي النقي في جميع أنحاء شرق الهند بالوعظ لأكثر من نصف قرن في المدن والقرى الكبرى في بنغال وآسام . كان يحضر في مجالسه نحو من عشرين ألفاً إلى ألف ألف من الأشخاص [9] . وكثير من الناس يتأثرون بخطابته الجريئة واعتبروا أنفسهم مباركين . وأنشأ الشيخ عديداً من المدارس الدينية والمدارس العصرية في شبه القارة الهندية .

كما أنشأ مولانا أبو بكر الصديقي في أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين العديد من المنظمات الاجتماعية والأدبية والدينية على المستوين الوطني والإقليمي لتوحيد صفوف المسلمين من كل طائفة منهم . كانت مهمته الرئيسية نشر هذه المنظمات بين الناس وإبطال الشرك والبدعة ورجال السوء من المجتمع والقضاء على الأنشطة المعارضة في المجتمع والقضاء على الحركات والابتكارات في المجتمع يصرف النظر عن هذا . هناك مهمة أخرى ، مهمة تتمثل في توقير التعليم لعامة الناس في شبه القارة الهندية ونشر الإسلام ومشيع دين النصارى ومواجهة إشاعة أهل الأديان الأخرى الأعداء وتصنيف الكتاب والصحائف [10] ، قد حث المسلمين على الأفعال الجيدة من هذه المنظمات باجتماع العلماء في الحياة كلها [11] . من خلال هذه المنظمات المميزة وبصرف النظر عن هذا . تصدر هذه المنظمات العديدة من المجلات التي تنفع عامة الناس بشكل كبير ، ومن هذه المؤسسات اسمان مشهوران : (1) العلماء الأجانب (1913) ، (2) جميعة العلماء البنغالية (1919) .

وقد أنشأ الشيخ المذكور 800 مدرسة و 1100 مسجد في جميع مناطق في شبه القارة الهندية لنشر التعليم والإسلامي خاصة وتخريج العلماء [12] . واسم المدرستين المشهورتين اللتين أسسهما : (1) فرفره فاتحية سينير مدرسة (1902) . (2) فرفره هائ مدرسة (1926) .

الخلاصة :

كان الشيخ الكبير أبوبكر الصديقي الفرفروي من الشخصيات العلمية البارزة التي ظهرت في مجال العلوم الإسلامية والبحوث العلمية ، كان رجلاً عالماً ، ماهراً مشهوراً ، مفكراً للإسلام والمسلمين ، وكان نجماً ثاقباً للهند وبنغلاديش ، إنه كان داعياً ربانياً وخطيباً بارعاً وكاتباً قديراً ، فإنه قام بخدمات جليلة في مجال العلم والفضل والدراسة والتعليم ، وله يد طولى في نبوغ العلم وقام بتأسيس المساجد والمدارس والمكاتب ونشر التعليم والتربية في بقاع منطقة ” هوغلي ” بولاية بنغال الغربية ( الهند ) .

* الباحث في قسم أصول الدين في الجامعة العالية ، مدينة كولكاتا .

[1] أبو فاطمه محمد إسحاق ، أبو بكر الصديقي رحمه الله ، بنغلاديش ، داكا ، المؤسسة الإسلامية ،1980م ، ص 9 ،  إيم ، إي رحيم ( تاريخ مسلمي البنغال ) بنغلاديش ، داكا ، منشورات أحمد ، 1994م ، ص 74 .

[2] هماؤن عبد الحي ، مصلح مسلم وقديس ، بنغلاديش ، داكا ، المؤسسة الإسلامية ، 1976م ، ص 103 .

[3] حضرت للفرفره ، علامه سيف الدين الصديقي ، ص 21 ، أبو فاطمه محمد إسحاق ،  أبو بكر الصديقي ، ص 9 .

[4] أنوار حسين ، مولانا أبو بكر الصديقي ، كولكاتا ، كملا بريس ، 2000م ، ص 30 .

[5] منير الإسلام ، الشيخ أبو بكر الصديقي الفرفروي ، بنغلاديش ، داكا ، مكتبة الأسلاف ، 2023م ، ص 16 – 17 .

[6] سيد أبو الحسن علي ندوي ، كاروان إيمان وعظيمت ، باكستان ، لاهور ، 1980م ،  ص 125 .

[7] الدكتور محمد عبد السلام ، ثلاثة من رواد فرفره ، بنغلاديش ، داكا ، المؤسسة الإسلامية ، 2018م ، ص 28 .

[8] The Daily Statesman, 18th March, 1939

[9] تاريخ فرفره وسوانح شيخ المشائخ الفرفروي المفصله للعلامة روح الأمين ، بنغلاديش ، داكا ، مكاتب السنة والجماعة ، 2015م ، ص 48 .

[10] بنغلابيديا .

[11] مولانا أبو بكر الصديقي للأنوار حسين ، ص 41 – 42 .

[12] ذولفكر أحمد قسمتي ، بعض علماء وبير مشائخ ، بنغلاديش ، داكا ، المؤسسة الإسلامية ، 2005م ، ص 69 – 70 .