رجال من التاريخ :
الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا :
رائد من رواد الأدب الإسلامي
بقلم : سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي
تعريب : محمد فرمان الندوي
كان الشيخ عبد الرحمن رأفت الباشا من أبرز أدباء العالم العربي ومفكريهم ، وكان ينتمي إلى بلاد سوريا ، فوُلد في مدينة أريحا من ضواحي مدينة حلب عام 1338هـ المصادف 1920م ، وكان والده قد انتقل إلى رحمة الله تعالى ، فرباه جده العظيم الذي كان حافظاً للقرآن الكريم ، وعالماً كبيراً بالشريعة الإسلامية ، وقد حفظ الجامع الصحيح للإمام البخاري رحمه الله ، وكثيراً ما يذكر الدكتور عبد الرحمن أن جده هو الذي غرس عظمة الإسلام في ذهنه ، وحبَّب إليه القرآن والسنة .
تلقى الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا دراسته في حلب ، ثم انتقل إلى مصر ، حيث واصل دراسته في كلية أصول الدين ، ونال شهادة الليسانس والماجستير والدكتوراه في القاهرة ، اشتغل مدرساً في سوريا ، ثم مفتشاً كبيراً ، ثم أستاذاً في كلية الآداب في جامعة دمشق ، ومن هنا انتقل إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، فكان فيها عميد كلية اللغة العربية والأدب العربي ، ومن خلال هذه الوظائف العلمية أنجب عدداً محترماً من التلامذة والدارسين .
كانت علاقة الدكتور عبد الرحمن بالإمام أبي الحسن علي الندوي قويةً ، فإنه لبَّى أول من لبى دعوة الأدب الإسلامي في العالم العربي ، واتخذ هذا الموضوع شغله الشاغل ، فألف تحقيقاً لهذا الغرض سلسلةً من المؤلفات للنشء الجديد نحو : صور من حياة الصحابة ، وصور من حياة التابعين ، كما كلف تلامذته الدارسين والباحثين تحت إشرافه على إعداد سلسلة شعر الدعوة الإسلامية في ستة مجلدات : (1) شعر الدعوة الإسلامية في عصر النبوة والخلفاء الراشدين : إعداد عبد الله حامد الحامد ، (2) شعر الدعوة الإسلامية في العصر الأموي ، إعداد عبد العزيز محمد الزير ومحمد بن عبد الله الأطرم ، (3) شعر الدعوة الإسلامية في العصر العباسي الأول : إعداد عبد الله عبد الرحمن الجعثين ، (4) شعر الدعوة الإسلامية في العصر العباسي الثاني : إعداد عائض بنية الرادادي ، (5) القصص الإسلامية في عهد النبوة والخلفاء الراشدين ( المجلد الأول ) ، (6) القصص الإسلامية في عهد النبوة والخلفاء الراشدين ( المجلد الثاني ) ، وسميت هذه الأسفار بموسوعة الأدب الإسلامي .
وكان الدكتور عبد الرحمن الباشا يود أن تعقد ندوة أدبية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، لكن حلمه هذا لم يتحقق ، فعُقدت هذه الندوة الأدبية في رحاب ندوة العلماء لكناؤ ، على أوسع نطاق ، عام 1981م ، حضرها عدد وجيه من أدباء العالم العربي وأصحاب التخصصات الأدبية والدكاترة الجامعيين ، وقد انتهت الندوة بموافقة قرارات وتوصيات كانت سبباً لإنشاء جمعية أدبية باسم رابطة الأدب الإسلامي العالمية ، بعد خمس سنوات من الندوة الأدبية عام 1986م ، فكان مكتبها الرئيس في ندوة العلماء ، وعُين رئيسها الأول الإمام السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي ، ونائب رئيسها الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا .
رغم هذه الإنجازات الأدبية والعلمية كان الشيخ عبد الرحمن رافت الباشا رجلاً متواضعاً ، دمث الأخلاق ، رحب الصدر ، وقف حياته كلها في سبيل الأدب الاسلامي ، ولما وُجهت إليه دعوة للحضور في ندوة الأدب الإسلامي ، فلم يكتف بقبول هذه الدعوة فحسب ، بل اعتبر المشاركة في إجراءات هذه الندوة شرفاً ومفخرةً له ، وأدار بعض جلساتها ، فكان هو مضيفاً بدل أن يكون ضيفاً ، وشارك في تنسيق أعمال الندوة التي كانت من واجباتنا ومسئولياتنا ، وسّع الشيخ عبد الرحمن رأفت الباشا نطاق رابطة الأدب الإسلامي إلى دول العالم العربي ، وقارات أوربا وأمريكا وإفريقيا ، فانتخب مسئولاً خاصاً عن نشاطاتها .
ومن مؤلفاته التي ألفها بقلمه : صور من حياة الصحابة ، صور من حياة الصحابيات ، صور من حياة التابعين ، نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد ، فن الدراسة ، فن الامتحانات بين الطالب والمتعلم ، حدث في رمضان ، الدين القيم ، العدوان على العربية عدوان على الإسلام ، الصيد عند العرب ، و علي بن الجهم : حياته وشعره ، وغير ذلك .
توفي رحمه الله يوم الجمعة 1406هـ الموافق 1986م في مدينة إسطبنول بتركيا ، وفور ما وصل نبأ وفاته إلى ندوة العلماء عُقدت حفلة تأبينية في جامعة ندوة العلماء ، تحدث فيها سماحة العلامة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي فقال : ” إن الفقيد كان في طليعة الملبين للدعوة التي وجهت إليه حول بعث الأدب الإسلامي من جديد ، وإبراز ملامحه من خلال النصوص والكتابات الإسلامية التي لا تزال طريةً في غضون الكتب والمؤلفات ، وحينما اطلع على عقد مؤتمر الأدب الإسلامي ، في ندوة العلماء لهذا الغرض ، حضره وأسهم فيه بفعالية زائدة ، نتيجةً لهذا المؤتمر قامت رابطة الأدب الإسلامي على صعيد عالمي ، فكان رئيس قسمها الخاص بالبلدان العربية ، وأوربا وأمريكا وإفريقيا ، وكان قد سافر إلى إستانبول في تركيا لقضاء جزء من إجازته الصيفية ، وهناك استأثرت به رحمة الله تعالى ، لقد كان الفقيد من كبار الأدباء الذين قاموا بخدمات جليلة للدين عن طرق الأدب ، وركزوا مجهوداتهم الأدبية على إبراز الأدب الإسلامي وإثرائه بثرواتهم الأدبية والبيانية ، إنه قاد حركة الأدب الإسلامي ، وجعله هدفاً غالياً لحياته ، فاستطاع أن يقدم إلى الجيل الإسلامي الحاضر صوراً رائعةً للأدب الإسلامي من خلال مؤلفاته وموسوعته الأدبية ، وأشاد سماحته في الأخير بمكانته الأدبية العالية ، وقال : إن عبد الرحمن رأفت الباشا كان أستاذاً كبيراً للأدب الإسلامي ، ومن كبار الكتاب الإسلاميين ، إنه جعل أدبه ذريعةً لخدمة الإسلام ، فصبغه بصبغة إسلامية ممتازة ، لذلك فإن الفقيد قد خلّف في حياته نموذجاً لكل من يشتغل بالعمل الأدبي طلاباً وأساتذةً ، وذلك دليل على علو مكانته ونيل عمله قبولاً من عند الله تعالى ” .
رحمه الله وأعلى درجاته في الشهداء والصالحين .