الجوائز أوسمة فخار لا وصمة شنار

من العداوة إلى الصداقة
يوليو 9, 2025
من العداوة إلى الصداقة
يوليو 9, 2025

صور وأوضاع :

الجوائز أوسمة فخار لا وصمة شنار

محمد فرمان الندوي

الجوائز والوسامات رموز تكريمية ، وعلامات تقديرية ، يُكرم بها أهل الفضل والكمال ، وأولو العلم والجمال ، حسب مستويات متنوعة ، ودرجات مختلفة ، فالوسامات تتنوع وتتعدد بالنظر إلى الدرجات ، فطلاب المدارس يُمنحون الأوسمة تقديراً لجهودهم ، ونجوم الأفلام يُكرمون بها إشادةً بنبوغهم في التمثيلات ، وأبطال الحروب والمعارك تُفوض إليهم القلائد والوشاحات نظراً إلى بطولاتهم القيادية ، أما أصحاب العلوم والفنون ، والاختصاصات المتنوعة فلهم تكريمات واسعة وتقديرات بالغة بطرق رفيع المستوى .

تكريمات إلهية في التاريخ :

إن تكريم الإنسان بالجوائز والأوسمة ليس بدعاً من الأمر ، فقد جرت سنة الله تعالى أنه كرَّم بني آدم بميزات وخصائص لم يكن الملائكة أقرب خلق الله إليه يعرفونه ، ويطلعون عليه ، فقد كرَّمه الله سيدنا آدم عليه السلام بادئ ذي بدء ، وجعله أشرف المخلوقات ، فأصبح مسجود الملائكة ، وقد نال خمسة أنبياء أمثال نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام شرف أولي العزم ، ففاقوا الآخرين منهم ، واختص إبراهيم عليه السلام بلقب خليل الله ، وموسى لقب كليم الله ، وعيسى لقب مسيح الله وكلمته ، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لقب حبيب الله ، فهذه التكريمات الإلهية كانت لهؤلاء الأنبياء أوسمة فخار ، وعلامات اعتزاز ، وكانوا معتزين بها ، ومفتخرين بالانتماء إليها ، وكذلك لقب الصحابة خلعه الله على الجيل القرآني الأول ، وهو شرف لا يعادله شرف آخر ، ولن ينال أحد هذا الشرف والعظمة ولو أنفق مثل أحد ذهباً ، وبذل له قناطير مقنطرة من الأموال والعقارات .

نالت الأمة المحمدية بواسطة آخر نبي محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الكون مكانةً رفيعةً ، ودرجةً ساميةً ، لا تحلم الأمم الأخرى بمثل هذه المكانات في المنام ، فهي شامة بين الأمم ، يُشار إليها بالبنان ، في الدنيا والآخرة ، ويوضع لها القبول والتقدير في الأرض إن تمسكت بحبل الله تعالى ، واعتصمت بالمهمة التي نيطت بها ، والغاية التي كانت مبعث وجودها في هذا العالم ، رغم أن أمم التجارة والفلاحة ، والحدادة ، والصناعة ظلت تشتغل بأعمالها المتنوعة ، فبرزت الأمة المحمدية بين مصاف الشعوب والأمم بلقب خير أمة ، وأمة وسط ، وأمة القرآن ، وأمة الإيمان ، وأمة القراءة والكتابة ، وقد أدت هذه الأمة دورها اللامع عبر القرون ، في القارات المختلفة ، وأثبتت جدارتها وصلاحيتها رغم المؤامرات والدسائس الخطيرة ، حتى بلغ صوتها من أقصا العالم إلى أقصاه ، فتاريخ هذه الأمة تاريخ خمسة عشر قرناً ، وتاريخ الأمة الغربية التي تحكم الآن العباد والبلاد تاريخ خمسة قرون ، فلن تنال الإنسانية الطمأنينة والراحة إلا بظلال الإسلام ، وأجواء من الأمن والإيمان .

العبرة بالقيمة لا بالقامة :

فالجوائز والوسامات تمنح على أساس المواهب والقدرات ، لا على الانتماءات والانتسابات ، وكلما اختلَّ الميزان ، وساد جو من العصبية الداخلية والحمية الجاهلية ، وكسبت الأسر والبيوتات الشريفة الوسامات ، بناءً على سالف مجدها ، وسابق مآثرها فقدت الوسامات قيمتها وقدرها ، وقد نالت كبرى الشخصيات الإسلامية والأئمة الأعلام في العالم كله صيتاً حسناً بمواهبهم الفطرية ، وجهودهم المخلصة ، فالمجدودون في الإسلام الذين بلغوا إلى قمة العلياء ، ووصلوا في المجد والشرف إلى الجوزاء كانت وراء هم جهود جبارة ، وأعمال مكثفة ، فكُتب لأعمالهم القبول والبقاء ، حتى إنهم يُذكرون إلى الآن بثناء عاطر ، ولسان شاكر ، ويُضرب لهم المثل في بذل كل غال ونفيس نحو إعلاء كلمة الله ، ورفع معنويتها لدى كل ذي بصر وبصيرة .

شهد القرن العشرون الميلادي نظاماً جديداً للتكريم والإشادة بالمآثر والأعمال ، فأنشئت له لجان ومنظمات ، وهي ترشح أفراداً وجمعيات لتقديم الوسامات والميداليات ، فهناك جائزة نوبل للسلام ، فجائزة نوبل تُمنح سنوياً منذ 1901م للأشخاص الذين قاموا بإنجازات للتآخي بين الأمم ، وعقد السلام والترويج له كما أشار إليه ألفرد نوبل الذي وقف ثروته كلها لتمويل هذه الجائزة لأول مرة ، وتفوَّض هذه الجائزة للذين يبذلون جهوداً استثنائيةً في تسوية النزاعات وإحلال السلام ، في العاشر من شهر ديسمبر كل عام من اللجنة النرويجية لجائزة نوبل ، وقد نال هذه الجائزة عدد كبير من الرموز العالمية ، منهم أربعة رؤساء أمريكيين : (1) ثيودور روز فلت عام 1906م لدوره في إنهاء الحرب اليابانية الروسية ، (2) وودرو ويلسون عام 1919م ، لمبادرته في تأسيس عصبة الأمم ، (3) جيمي كارتر عام 2002م تقديراً لجهوده في تعزيز الديموقراطية وحقوق الإنسان ، (4) باراك أوباما عام 2009م تقديراً لتعزيز الدبلوماسية الدولية ، ويحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أن ينال هذه الجائزة ، فيسعى لذلك سعياً ، وكان يتمنى ذلك منذ ترشيحه لأول مرة للرئاسة العامة ، وقد أعلنت حكومة باكستان عن ترشيح ترامب لهذه الجائزة بعد ما خاض ترامب في وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان ، وقد صدرت انتقادات حادة عن هذا الاقتراح ، فيقول المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية ( كير ) في نيوجرسي : إن سعي ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام أمر يبعث على السخرية ، وإن تصرفاته وشخصيته وسياساته لا تنسجم مع القيم التي ارتبطت بجائزة نوبل ، وقد صدر بيان على منصة ترامب الاجتماعية أنه يقول : لن أحصل على جائزة نوبل للسلام ، مهما فعلت .

من هو الأحرى بجائزة نوبل للسلام ؟

هذا ، ومن جهة أخرى طلع نجم في سماء قارة إفريقيا ، وبدأ السكان والمواطنون يعقدون منه آمالاً ، وهو شاب يافع لم يبلغ من العمر أربعين سنةً ، ناضل هذا الفتى ، القوى الهدامة للبلاد ، ولا يزال يبذل قصارى جهده لترقية البلاد ، وتطويره إلى أرفع مستوى من المعيشة والاقتصاد ، وقد نجح في برامجه وتصميماته إلى حد كبير ، بحيث إن تطويراته الإنمائية أقضت مضاجع الدول الأوربية ، وبدأت تعرقل طريق هذا الفتى النابه إبراهيم تراؤرى إلى ترقية البلاد ، لأنه جعل دولة بوركينا فاسو مستقلةً بثرواتها ، وقد مرت على هذه الدولة فترة الاستعمار الفرنسي منذ عام 1896م إلى 1960م ، ثم استقلت هذه الدولة من هذا الاحتلال ، لكنها ظلت خاضعةً إلى حد كبير للنظام الفرنسي ، وقد قيض الله لهذه الدولة القائد إبراهيم تراؤرى الذي تسلم مقاليد الدولة عام 2022م ، ويقود الدولة قيادةً حكيمةً بحيث بدأت تخطو خطوات حثيثةً إلى التقدم والازدهار ، فهذا الفتى إبراهيم تراؤرى أحرى وأحق بهذه الجائزة التي تعرف على الصعيد العالمي بجائزة نوبل السلام ، لأنه انتشل شعباً ودولةً من الفقر المدقع ، والمجاعة المستشرية إلى الغناء والرفاهية ، ونشر رسالة الأمن والسلام في أرجاء بلاده .

فالجوائز والوسامات التي تُمنح تقديراً للجهود الإنسانية ، والإنجازات الواسعة البناءة لها قيمة ووزن في ميزان العالم ، وهي بالنسبة إلى المؤمن الحقيقي علامة خير ، وعاجل بشرى المؤمن في حياته ، فإنه يستبشر بها كمنحة إلهية أكرمه الله بها في هذه الحياة الفانية ، وأما جزاؤه في الجنة فما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، وأما الوسامات التي تُمنح بالسمسرة والوكالات المصطنعة فإنها لا تكون أوسمة فخار ، بل تكون وصمة عار وشنار لصاحبها ، قال تعالى : ( وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِى خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ) [ الأعراف : 58 ] .