التعليم النبوي : طرقه وأساليبه ووسائله

( الحلقة الثانية الأخيرة )

الدعوة الإسلامية :

التعليم النبوي : طرقه وأساليبه ووسائله

( الحلقة الثانية الأخيرة )

الباحث محمد فاروق *

أما طريقة العصف الذهني فيقصد به توليد وإنتاج أفكار وآراء إبداعية من الأفراد والمجموعات لحل مشكلة معينة ، وتكون هذه الأفكار والآراء جيدةً ومفيدةً أي وضع الذهن في حالة من الإثارة والجاهزية للتفكير في كل الاتجاهات لتوليد أكبر قدر من الأفكار حول المشكلة أو الموضوع المطروح بحيث يُتاح للفرد جو من الحرية يسمح بظهور كل الآراء والأفكار [1] .

عن ‌ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إن من الشجر شجرةً لا يسقط ورقها ، وإنها مثل المسلم ، حدِّثوني ما هي ؟ قال : فوقع الناس في شجر البوادي . قال عبد الله : فوقع في نفسي أنها النخلة ، فاستحييت . ثم قالوا : حدثنا ما هي يا رسول الله ؟ قال : هي النخلة ” [2] .

وربما يكون هذا أوضح في حديث الأذان حيث شاور النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ، ففي البخاري عن ‌أنس قال :   ” ‌ذكروا ‌النار ‌والناقوس ، فذكروا اليهود والنصارى ، فأمر بلال : أن يشفع الأذان ، وأن يوتر الإقامة ” [3] ‌قوله : ” ‌ذكروا ‌النار ” ؛ ‌يعني : ‌لمَّا ‌فُرضت ‌الصلاة قال رسول الله عليه السلام : ” كيف نجمع الناس للصلاة ” فقيل له : انْصِبْ رايةً – أي : عَلَمًا – في وقت كلِّ صلاة حتى يراه الناس ويخبر بعضهم بعضاً بدخول وقت الصلاة ، فلم يرض رسول الله عليه السلام بهذا ، وقال : ” عادة اليهود ” ، ثم قيل له : أُشعل ناراً في وقت الصلاة حتى يراها الناس ويجتمعوا إلى الصلاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” عادة اليهود ” فقيل له : مر بضرب الناقوس في وقت الصلاة حتى يسمع صوته الناس ويجتمعوا ، فقال عليه السلام : ” هذا عادة النصارى ” فتفرقوا من غير اتفاق على شيئ . فاهْتَمَّ عبد الله بن زيد ابن عبد ربه لِهَمِّ رسول الله عليه السلام ، فنام مهتماً . فلما أصبح أتى رسول الله عليه السلام وقال : يا رسول الله ! رأيتُ رجلاً في المنام وفي يده ناقوس ، فقلت له : يا عبد الله ! أتبيع هذا الناقوس ؟ فقال : وما تصنع به ؟ فقلت : نضرب في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ليعلم الناس وقت الصلاة ، فقال : أفلا أدلُّك على ما هو خير من ذلك ؟ فقلت : بلى . قال : فقال : تقول : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله . فقال : ثم استأخر عني غير بعيد ، ثم قال : تقول إذا أقمت الصلاة : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله . فقال رسول الله عليه السلام : ” إنها لرؤيا حق إن شاء الله ، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذِّن به فإنه أندى صوتاً منك ” ؛ أي : أرفعُ صوتاً . فقمت مع بلال ، فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به ، فقال : فسمع بذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته ، فخرج يجرُّ رداءه ويقول : يا رسول الله ! والذي بعثك بالحق لقد رأيتُ مثل ما رأى ، فقال رسول الله عليه السلام : ” فلله الحمد ” [4] .

أما طريقة القدوة فـ ” الطفل والشاب والكبير لديه استعداد كبير لمحاكاة الغير وتقليده بمجرد أن يتأثر به ، فإن كان خير فخير ، وإن كان شر فشر ، ومن هنا ركز الإسلام على نصب القدوة وحث الأب على أن يكون قدوةً لأولاده ، ولهذا قيل : إن القدوة هي دائماً قيمة موجبة يحذف بإزائها قدر مستوى من الجهد الذي يجب بذله ” [5] .

ومن تحليل ما سلف من المعلومات تجلَّى أن نبينا صلى الله عليه وسلم قد استخدم مجموعةً متنوعةً من الطرق والأساليب التي نناقشها في هذه الأيام المتأخرة بأشكالها المختلفة . ويجدر بالذكر أنه حقيقة كانت هذه الطرق والأساليب فريدةً من نوعها في طبيعتها التي عملت العجائب ليس فقط في المجال الروحي ، ولكن أيضاً في مجال اكتساب المعرفة . وفي الأسلوب ، دون حصر في أسلوب واحد ، أنه صلى الله عليه وسلم مزج بين الأساليب المختلفة واختار كل واحد منها وفقاً للأشكال الأنسب ونظراً لمحتوى الدرس والقدرة المعرفية للطلاب والبيئة المحيطة بها . وإذا قلنا : إن المعلم المعين يتبع الأسلوب الاستقرائي مثلاً لا يعني أن ذلك المعلم لا يستعمل أسلوباً آخر ، بل المراد بدلاً من ذلك أن المعلمين يقيمون ما يعرفه الطلاب ويعتقدونه ويساعدونهم بالسؤال ويوضحون تلك المعتقدات ومن ثم يتم العمل على تسهيل بناء معرفة جديدة [6] وهذا ما يتضح لنا من الفحص في أحوال التعليم النبوي . ومن الناحية العملية أيضاً لا يعتبر التعليم أو التعلم من أي وقت مضى مجرد استقراء أو استنباطي [7] كانت الأفكار النظرية البحتة التي تتعلق بالعقيدة الإسلامية هي الأولى والأهم من بين موضوعات التعليم النبوي.ولتعليم هذه النظرية غالباً ما استخدم الأسلوب المركز على المعلم . ومع ذلك فقد استخدم في الأثناء وسائل كثيرة لتوضيحها وجذب انتباه التلاميذ . والتربويون يعددون كثيراً من العيوب والمزايا لكل واحد من الأسلوب والطريقة . والتربويون متفقون على بطلان القول بأفضلية أسلوب أو طريقة مطلقاً . ولكن الحق البين أن الأسلوب أو الطريقة التي يحسن في مكان معين أو لمتعلم خاص يسيئ نفسه في مكان آخر أو لمتعلم آخر . وواجب على المعلمين اختيار الأسلوب الأنسب وإصلاح عيوبه اللازمة باستخدام الوسائل الملائمة نحو توجيه السؤال واستخدام الأدوات وغيرها . وواضح كضوء الشمس هذا المعنى لمن يبحث في التعليم النبوي من كتب الحديث والسيرة . كان النبي صلى الله عليه وسلم يطرح أنواعاً مختلفةً من الأسئلة على رفاقه في مناسبات مختلفة لتبادل الأفكار ولأغراض أخر [8] . وعلاوةً على ذلك فإن الوسائل التي استخدمها لجعل تعليمه مفعماً بالحيوية والصحة جديرة بالذكر . تعليماته لم تكن قصيرةً ولا سريعةً جداً ، بل واضحةً حتى يتذكر أي شخص يجلس إلى جانبه ما قاله [9] .

وسائل التعليم الحديثة والوسائل النبوية :

وسائل التعليم الراجية اليوم كثيرة شائعة بسبب تطور وسائل الإعلام والتقنية وانتشارها . وهذا يسهل المعلِّمين في العصر الحديث لاختيار الوسائل التعليمية المختلفة السمعية والمرئية والملموسة وغيرها الكثير في تدريسهم . ولكن الأحوال الاجتماعية والتطورات العلمية والتقنية كانت ضعيفةً ضئيلةً في زمن نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم . وبالرغم من ذلك يرشدنا كتب الحديث والسيرة إلى تلك الحقيقة العجيبة من أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدم في تعليمه وتدريسه كافة الوسائل المتاحة في ذلك الزمان فيما بينها الأشياء الجامدة وأعضاء جسده الشريف والأجرام الفلكية والخط والقصة والأمثال والأسئلة وغيرها الكثير . وللتحديد والضبط يمكن لنا تقسيم وسائل التعليم النبوي إلى الملموسة وغير الملموسة . ويتضمن في الوسائل الملموسة أعضاء الجسد الشريف من بينها الأصابع واليد واللسان والصدر وغيرها ، والأشياء الجامدة من بينها الحجر والعود والحرير والذهب والأجرام الفلكية . وتشتمل الوسائل الغير الملموسة على الخط والرسم من بينها الخط المستوى والمربع وغيرها ، ويشتمل أيضاً على المعاني البديعة والكلام الأنيق من أدوات البلاغة كالتشبيه والاستعارة والتمثيل والأسئلة وغيرها . وأمثلة هذه الوسائل كلها مسطور واضح في كتب الحديث النبوي . وسأنقل فيما يأتي بعض الأحاديث على سبيل التنبيه .

وعن عبد الله رضي الله عنه قال : خط النبي صلى الله عليه وسلم خطاً مربعاً وخط خطاً في الوسط خارجاً منه وخط خططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط وقال : ” هذا الإنسان وهذا أجله محيط به – أو : قد أحاط به – وهذا الذي هو ‌خارج ‌أمله وهذه الخطط الصغار الأعراض فإن أخطأه هذا نهشه هذا ، وإن أخطأه هذا نهشه هذا ” [10] .

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ‌خطَّ ‌لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً ثم قال : هذا سبيل الله ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله ، وقال : هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ ( وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ ) الآية . رواه أحمد والنسائي والدارمي [11] .

عن جرير قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلةً – يعني البدر – فقال : ” إنكم سترون ربكم ‌كما ‌ترون ‌هذا القمر لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ” ثم قرأ : ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ) [12] .

عن علي رضي الله عنه قال : ‌كنا ‌في ‌جنازة ‌في ‌بقيع ‌الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكت بمخصرته ثم قال : ما منكم من أحد وما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار وإلا قد كتبت شقيةً أو سعيدةً قال رجل : يا رسول الله ! أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل فمن كان منا من أهل السعادة فيصير إلى أهل السعادة ومن كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة قال : أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاء . ثم قرأ : ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ . وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ ) الآية [13] .

ومعنى النكت بالمخصرة هو إشارة إلى المعاني وتفصيل الكلام وإحضار القلب للفصول والمعنى ، والمخصرة : عصا [14] .

سمعت ‌أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يقبض العلم ويظهر الجهل والفتن ويكثر الهرج قيل : يا رسول الله ! وما الهرج ؟ فقال ‌هكذا بيده فحرفها كأنه يريد القتل [15] .

خاتمة :

في الختام ، كانت مناهج التدريس التي قام بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم متنوعةً تضمنت معظم المعاني والأفكار التي نتحدث عنها في تعليمنا اليوم أو على الأقل جوهرها . كان منهجه صلى الله عليه وسلم مع لمسة طبيعية خالياً من التكلفات والتناقضات . كان تأثيرها على الطلاب عميقاً لدرجة أنهم بعد سنوات يمكنهم تقليد نقاط الاهتمام الدقيقة في التعليم بعينها ونشرها . وإنما نتعامل في هذه الأيام مع منهجية تربية متطورة . ونبحث أيضاً عن المزيد من الإصدارات والبحوث . ولا شك أن حياته صلى الله عليه وسلم وتعليمه يساهمان جزءاً أكبر له .

---

* قسم اللغة العربية ، جامعة مدراس .

[1] أساسيات التدريس .

[2] صحيح البخاري : 61 .

[3] صحيح البخاري : 578 .

[4] المفاتيح في شرح المصابيح : 2/39 .

[5] التدريس : طرائق واستراتيجيات .

[6] Smart, K. L., Witt, C., Scott, J. P., & Scott, J. P. (2012). Business Communication Quarterly Toward Learner-Centered Approach.

[7]     Prince, M. J., & Felder, R. M. (2006). Inductive teaching and learning methods: Definitions, comparisons, and research bases. Journal of Engineering Education.

[8]     Rafie, M., Arshad, M., Khalid, E., Alobaydi, A., & Mohamed, H. (2014). Teaching and Learning Ways Used by Prophet Mohammad P . B . U . H and Their Teaching and Learning Ways Used by Prophet Mohammad P . B . U . H and Their Possible Implementation in Modern Learning Technologies

[9]     Saima Mushtaq* Sammia Rani. (2019).Mohammed (pbuh) a model for teachers

[10] صحيح البخاري : 6004 .

[11] مشكاة المصابيح : 166 .

[12]  صحيح البخاري : 529 .

[13]  صحيح البخاري : 1296 .

[14] شرح صحيح البخاري لابن بطال : 348/3 .

[15] صحيح البخاري : 85 .