التعليم الديني للناشئين وملامحه الإيجابية

تزكية النفوس من أهم مقاصدالبعثة المحمدية
أبريل 20, 2022
البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم ( سور النبأ والنازعات وعبس والتكوير والانفطار والمطففين والانشقاق )
أبريل 20, 2022
تزكية النفوس من أهم مقاصدالبعثة المحمدية
أبريل 20, 2022
البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم ( سور النبأ والنازعات وعبس والتكوير والانفطار والمطففين والانشقاق )
أبريل 20, 2022

التوجيه الإسلامي :

التعليم الديني للناشئين وملامحه الإيجابية

سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي

تعريب : محمد فرمان الندوي

[ هيئة التعليم الديني لولاية أترا براديش هيئة قديمة ، تم إنشاؤها في 1959م برئاسة الإمام العلامة الشيخ السيد أبي الحسن على الحسني الندوي رحمه الله تعالى ، وقد لعبت الهئية دوراً بارزاً في صيانة عقائد الناشئين من البنين والبنات ، وأثر ت تأثيراً كبيراً في مجتمعات المسلمين في الهند ، وهي تنشط الآن بفعالياتها ونشاطاتها في هذا المجال ، واختير بعد وفاة الإمام الندوي سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي رئيس ندوة العلماء ، رئيساً لها ، وسعادة الشيخ الدكتور سعيد الأعظمي الندوي ( مدير دار العلوم لندوة العلماء ) نائب رئيس لها ، ونقدم هنا إحدى خطبه الرئاسية مترجمةً بالعربية نفعاً للقراء . التحرير ]

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ، خاتم النبيين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ،أما بعد :

فأيها السادة ! إن الله تعالى خلق الإنسان أشرف المخلوقات ، وجعل العلم أكبر أسباب شرفه وعظمته ، فبالعلم ينال الإنسان غاياته النبيلة ، ويحقق أهدافه العليا ، والعلم يسدِّد خطاه ، ويمنحه توجيهاً رشيداً ، فيختار منهجاً سديداً للتعليم المناسب وفق مقتضياته الدنيوية ومثله  الدينية ، قد منح الله تعالى الإنسان ديناً كاملاً شاملاً ، وجعله دين الإنسانية جمعاء ، قال تعالى : إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ ، ( آل عمران : 19 ) وقال : ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأِسْلاَمَ دِيناً ،   ( المائدة : 3 ) ، فكان الكمال والتمام لهذا الدين الحنيف ، وجعل الله هذا الدين نعمته التي أفاءها على الإنسانية ، فكان المسلمون حاملي هذا الدين ، ولا تتحقق هذه النعمة على أرض الواقع إذا طبَّق المسلمون في حياتهم ، وأبدوا نحوها عواطفهم وقدموا لها تضحياتهم ، وقد أوصى الله المسلمين بالدعاء في كل ركعة من الصلاة ، قال تعالى : ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ، صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ، غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم ، وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ .

فهذا الدين الذي أكرمنا الله به هو نعمة كبيرة منه ، وجائزة ربانية للمسلمين ، فتعود المسئولية على كل فرد من أفراد هذه الأمة أن ينهج أصولاً معلومةً وطرائق مرسومةً من الله تعالى ، وكان فضل الله تعالى على هذه الأمة أن طائفةً من عباده الغيارى لا يزالون يحملون هذه النعمة بأتم صورتها ، ويشهد تاريخ الإسلام الممتد على أربعة عشر قرناً أنه كلما ضلت الأمة وانحرفت عن طريق الإسلام قام هؤلاء الرجال    الغيارى ، وبذلوا مجهوداتهم في توجيهها وإرشادها إلى الصراط المستقيم . هذا دليل إلى يوم القيامة على أن ننظر مسار الأمة ، ولا تنحرف الأمة من جادة الحق والصواب ، ولا سيما الجيل الجديد الذي يمر بمرحلة بدائية من حياته ، فإنه يحل محل أمة بكاملها حينما يكون كبيراً ، إن هذا الجيل الناشيئ يكون فكره كلوحة صافية أو لافتة جلية ، وكل ما يُكتب على لوحته يكون واضحاً ، ويرسخ شيئاً فشيئاً ، فإنه يتعلم دروس العقائد والأخلاق من مدارسه الابتدائية ، ويتكون فكره مما يُلقى إليه من الإرشادات في الصفوف الدراسية ، ومعلوم أن نظام هذه المدارس لا توافق الفكر الإسلامي ومنابعه الصافية ، فلا تنال العقائد الإسلامية والأخلاق العالية فيها أي قيمة ، فيجب على مسئولي هذا الجيل أن يفكروا في تعليمه وتربيته على خطى سديدة .

إن الهند مهد الحضارات والثقافات ، حينما كانت تحت سيطرة الإنكليز كانت مضطرةً إلى حد كبير ، لكن بعد ما نالت الهند الاستقلال عاد على سكانها أن يصوغوا نظاماً يوافق القيم الإنسانية العليا ، وحوائجهم الذاتية ، هذا هو معنى الاستقلال والحرية ، الذي ينسجم مع طبيعة الإنسان ، وينص على ذلك دستور الهند فإنه يسمح لكل مواطن بأن يكون حراً في أداء شعائره الدينية ، وكل ما يمت إلى لغته وثقافته بصلة ، ففي بلادنا يوجد من كل ديانة أتباع ومنتحلون ، وظل دستوره علمانياً ، لا ينحاز إلى فئة دون فئة ، والحقيقة المعلومة أن المظاهر الدينية للأغلبية غير المسلمة تختلف تماماً عن الحقائق الدينية للمسلمين ، فتعود المسئولية على المسلمين أن لا تنصهر حضارتهم في حضارة غير المسلمين ، وتذوب فيهم ذوبان الأشياء المادية ، وخاصةً عقيدة التوحيد التي يتميز بها المسلمون ، ولا يبقون مسلمين بغيرها ، وتوجد في هذه البلاد نظرات ممزوجة بالشرك والكفر ، فأول عمل في هذا الشأن هو إنقاذ الناشئة الجديدة والأطفال الصغار في مراحل الثانوية من مظاهر الوثنية ، وإذا لم نقم بهذا الواجب فيُخشى أن يكون إيمان الجيل الجديد معرَّضاً للخطر ، ويتخلى عن شعائر الدين ، ثم تُمحى آثار إسلامه من سائر جسده ، ويعيش بين المشركين الكافرين كأراذل الناس وسفهائهم ، كما شاهدنا في تاريخ الأقليات المسلمة في البلدان الأخرى .

مما يبعثنا على الحيرة والاستغراب أن العلمانية بدأت تنفذ خطتها في بلادنا باسم الهندوسية ، وقد جرى تعديل كبير في المقررات الابتدائية والثانوية للمدارس الحكومية ، وتم صبغها بالصبغة الزعفرانية ، وبدأ هذا العمل منذ تحرير البلاد من الاستعمار الإنجليزي ، فوجّه العلماء والمثقفون المسلمون كلمات نصح وتذكير إلى الجهات المعنية بالتعليم ، لكنها اكتفت بالتسلية والتكلم بالكلام الفارغ حيناً لآخر ، رغم أن هذه السلسلة الإلحادية لم تنته لتغيير أذهان الأطفال من الإسلام إلى الكفر .

فهناك قضيتان للفكر والتأمل لدى مسلمي الهند : أولاً : إن نظام التعليم كان علمانياً ، فلا يستوفي حاجيات المسلمين الملية والدينية ، فظلت الحاجة إلى صياغة نظام تعليم جديد بالنسبة إليهم ، ثانياً : كان نظام التعليم ممزوجاً بالوثنية والعقائد الشركية ، فلا بد من معالجتها على أسس سليمة من الإيمان والتقوى ، والمسلمون في هذه البلاد في    أقلية ، والأقلية وإن كانت في عدد هائل ، وإن كان لها دستور يعينه على إنجاز متطلباته ، لكنها تُعتبر أقليةً بالنسبة إلى الأغلبية ، فهي مسئولة عن التفكير في قضاياها ، وإذا لم يكن كذلك فحُرمت الأقلية من مزاياها الخاصة ، وظلت خاضعةً لأفكار الأغلبية وعقائدها الباطلة ، يشهد التاريخ الإسلامي أن علماء المسلمين لم يتغافلوا أبداً عن صيانة عقائدهم وقيمهم العليا في مختلف أدواره ، فلم ينضم ديننا في ديانات أخرى ، بل بقي بخصائصه ومزاياه ، لكن الذي يقض مضجعنا أن الشعور بالمسئولية في الطبقة المثقفة للمسلمين قد وصل إلى درجة من الانحطاط ، وهذا هو نذير خطر لنا .

إن هيئة التعليم الديني في الهند قد أولت بهذا الموضوع عناية    بالغة ، وعقدت لها عشرات من الاجتماعات الدينية ، ونشرت شبكات الكتاتيب البدائية في شتى القرى والأرياف والمدن ، وقد قال إمامنا العلامة الشيخ السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي في إحدى خطبه الرئاسية لهيئة التعليم الديني لولاية أترا براديش :

” المسلمون مسئولون عن الاهتمام بنظام التعليم الديني في أحيائهم وقراهم ، كما يحتاجون إلى المساجد لأداء الصلوات الخمس ، وكما يحتاجون إلى الطعام والشراب لبقاء الروح في الجسد ، فلا حاجة إلى ترقب معونة من الحكومة لإنشاء هذا النظام ، ويتم صياغة هذا النظام بإلقاء الخطب والمواعظ في المساجد ، وإقامة الكتاتيب وحلقات الدروس الدينية على أوسع نطاق ، فلا تخلو بلدة أو قرية إلا ويكون فيها نظام التعليم الديني البدائي .

ولا بد في هذا الشأن من الاعتناء بثلاثة أمور : أولاً : ترتيب المقررات الدراسية الجامعة للمواد الدينية والمعلومات العصرية اللازمة ، وفقاً لمستويات الناشئين ، ثانياً : توفير المدرسين والأساتذة الذين يقومون بتدريس هذه المواد ، وتربيتهم تربيةً صالحةً ، حتى يستعدوا لتدريسها بكل شوق ونشاط ، وثالثاً : تعلم اللغة المحلية ، ولا سيما الأردية بالنسبة إلى الهند ، وهي أسهل طريقة لتعلم المواد الدينية للناطقين بها .

إن القضاء الاجتماعي للشعوب والملل قد غيَّر مجرى التاريخ ، فالأمر الذي نحتاج إليه ، والذي يتغلب على جميع الموانع والحواجز ، ويكسر طلاسم الظروف والأوضاع هو قوة إدارتنا وقضائنا الجماعي على أننا نؤثر التعليم الديني للناشئين على التعليم العصري ، بحيث يطلع الجيل الناشئ في مقتبل عمره على العقائد الدينية والفرائض الإسلامية والثقافة الإيمانية ، ويكون لديه معرفة تامة بالأنبياء والرسل والجنة والنار ، والحلال والحرام ، ونعتبر حصول مجرد التعليم العصري ذنباً كبيراً ، وثورةً على الدين ، فإذا عزمنا وكنا مخلصين في نياتنا فلا يمكن أن تعوق طريقنا إلى الصراط المستقيم قوة ولا ترغيب أو مصلحة أو تغير نظام أو تبديل حكومة ، ولا يحرم الجيل الناشئ من نعمة الإسلام والإيمان أبد الآباد ” . ( خطبة رئاسية للإمام الندوي بمؤتمر مراد آباد ، 12/ يناير 1992م ، ص : 13 – 14 ) .

ذكر القرآن الكريم قصة سيدنا يعقوب عليه السلام في سورة البقرة ، وكان يعقوب عليه السلام نبياً ، وابن نبي ، وكان جده نبياً ورسولاً ، وكانت هذه الأسرة أسرة الأنبياء ، وكان سيدنا يعقوب عليه السلام مطمئناً من أبنائه بعد وفاته أنهم يتبعون طريق آبائهم ، ولا ينحرفون عن الصراط المستقيم ، لكنه لم يطمئن قلبياً ، بل قبل وفاته بأيام جمع أولاده ، وسألهم : ما تعبدون من بعدي ؟ وقد اختار في السؤال : أداة : ما ، ويأتي في شرحه : الإنسان والحيوان ، والبلد ، وكل ما في السماوات والأرض ، لأن الإنسان إذا ترك عقيدة التوحيد جعل كل شيئ من الشجر والحجر والإنسان والحيوان إلهاً ، وينذر له النذور ويقرب إليه القرابين ، ونجد أمثاله في مجتمعاتنا ، فهذه القصة ليست مجرد قصة ، بل هي درس ذو بصيرة وعبرة لنا ، وهو أن نفكر قبل وفاتنا في دين أولادنا وأبنائنا ، والواقع أننا أصبحنا متساهلين في هذا الأمر ، فانقلب الأمر ظهراً لبطن .

هذا الأمر ليس شيئاً عادياً ، بل يحتاج إلى غاية من التفكير والتأمل ، فكل إنسان مسئول عن رعيته ، وهو يسأل يوم القيامة عن رعاياه ، وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم : يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ ( التحريم : 6 ) .

وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .