البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم ( أول سورة الشورى )

ثلاث كوارث في عصور الإسلام المختلفة
يناير 6, 2021
محمد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الرسول الأعظم وصاحب المنة الكبرى ( الحلقة الأولى )
فبراير 21, 2021
ثلاث كوارث في عصور الإسلام المختلفة
يناير 6, 2021
محمد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الرسول الأعظم وصاحب المنة الكبرى ( الحلقة الأولى )
فبراير 21, 2021

البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم

( أول سورة الشورى )

بقلم : معالي الشيخ الدكتور راشد عبد الله الفرحان *

3 ( كَذٰلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ) .

يُوحِيۤ :

جاء بالمضارع مع أن الوحي إلى من قبل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ماض ، قصد بالمضارع كون ذلك سنة الله ، ولا يكون بلفظ الماضي .

13 ( شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ) .

تَتَفَرَّقُواْ :

جاء بالصيغة كاملة في ( تَتَفَرَّقُواْ ) التي هي أطول عكس ما في آل عمران الآية 103 .

20 ( مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِى ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ) .

البلاغة : الاستعارة التصريحية :

في ( مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ ) الأصل في الحرث إلقاء البذر في الأرض ، وقد استعمل هنا في ثمرات الأعمال ونتائجها بطريق الاستعارة التصريحية ، حيث يضاعف الحسنات إلى سبع مأة ضعف .

29 ( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ ) .

فِيهِمَا – جَمْعِهِمْ :

المتبادر أن الدواب في الأرض فكيف قال فيهما ، ( فِيهِمَا ) هذا يدل على أن في السماوات من الأجرام ما فيه مثل الأرض من خلق ودواب تعيش فيها ، و ( مِن ) تدل على التنوع ، وتنكير ( دَآبَّةٍ ) يدل على   الكثرة ، والعلم اليوم يحاول الوصول إلى هذه الأجرام ليطلع على الحياة فيها ، وفي كلمة ( جَمْعِهِمْ ) دليل على وجود تلك الأحياء مما يعقل ومما لا يعقل ، وسيأتي اليوم الذي يجتمع فيه هذا الخلق بقدرة الله إما في الدنيا أو في الآخرة .

33 ( إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ إِنَّ فِى ذٰلِكَ َلآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) .

البلاغة – ٱلرِّيحَ :

الريح لم ترد في القرآن إلا عذاباً بخلاف الرياح ، وجاء في الحديث ( اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً ) ، وفي هذه الآية يبين الله سبحانه بأنه قادر على أن يأمر هذه الريح الشديدة التي تعصف بالسفينة وتعرض أهلها للخطر قادر أن يجعلها تسكن ويذهب غيظها فيرتاح   الناس ، وأهوال البحر وشدائد الريح تحتاج إلى شكر وصبر على صبر ، ولذلك جاء بصيغة المبالغة ( صَبَّارٍ ) .

37 ( وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ ) .

كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ – وَإِذَا مَا :

الكبائر : الكبيرة هي كل ذنب ختمه الله بالنار ، أو ورد فيه وعيد شديد ، أو وجب فيه لعنة ، وهي الطرد من رحمة الله ، وذلك مثل الشرك بالله ، وقتل النفس التي حرّم الله ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والفرار يوم الزحف في الجهاد في سبيل الله ، ورمي المحصنات المؤمنات الغافلات ، وشهادة الزور ، والزنا بحليلة الجار ، واليمين الغموس الكاذبة ، وعقوق الوالدين ، والسِّحر ، وقد فصلنا القول فيها في هداية البيان [1] عند الكلام على تفسير الآية .

( مَا ) تدل على شدة الغضب ، ولا يطفؤه إلا الغفران المقابل له ولذلك جاء بـ ( هُمْ ) للتوكيد .

40 ( وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ ) .

البلاغة – جناس المزاوجة :

في ( وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ) ومثلها قوله تعالى ( فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ) ، والمعنى : إنه يجب إذا قوبلت الإساءة تقابل بمثلها من غير زيادة ، ويعبر عن المزاوجة ( بالمشاكلة ) .

43 ( وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ ) .

لَمَن :

جاء في سورة لقمان من غير لام التوكيد ، وجاء باللام هنا للدلالة على شدة الصبر على المكروه .

45 ( وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِى وَقَالَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاَ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ فِى عَذَابٍ مُّقِيمٍ ) .

البلاغة :

التصوير الرائع في ( يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِى ) تصوير رائع لمن يقف أمام الموت الذي ينتظره ، كما ترى المحكوم عليه بالإعدام أمام المشنقة كيف ينظر إليها ،وهذا نظر الناظر للمكاره .

49 ( لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ ) .

50 ( أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) .

قدم الإناث في الآية الأولى تطبيقاً لقلوب آبائهن ، ولأن سياق الكلام أنه فاعل ما يشاء لا ما يشاء الإنسان ، فكان ذكر الإناث هي جملة ما لا يشاء الإنسان أهم ، وفيه نقل الإناث من الغم إلى الفرح ، ومن جماع الآيتين يبين الله أنه قسم رزقه في الأولاد إلى أربعة أقسام : يهب لمن يشاء إناثا – ويهب لمن يشاء ذكوراً – ويهب لمن يشاء مختلطاً ذكوراً وإناثاً – أو لا يهب شيئاً فيجعل من يشاء عقيماً ، وكل داخل تحت قدرته سبحانه لكل صبار شكور .

52 ( وَكَذٰلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِى مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) .

رُوحاً – ٱلإِيمَانُ :

( رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا ) ومثل ما أوحينا إلى الأنبياء قبلك أوحينا إليك       ( رُوحاً ) وهي المذكورة في سورة الإسراء ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى ) أي الوحي هو من أمر ربي ، وليس من عندي ، ما كنت تدري شيئاً عن الشرائع والأحكام ، ولكن أعلمناك بالوحي ، ومنه الإيمان

*  وزير الأوقاف والشئون الإسلامية في دولة الكويت سابقاً .

[1] المجلد الرابع ، ص 88 .