(9) فضيلة الشيخ عبد الله الرويدروي إلى رحمة الله تعالى
أكتوبر 20, 2020البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم ( أول سورتي الزمر وغافر )
نوفمبر 10, 2020التوجيه الإسلامي :
البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم
( أول سورتي الزمر وغافر )
بقلم : معالي الشيخ الدكتور راشد عبد الله الفرحان *
سميت لورود كلمة الزمر في آخر السورة .
ختم الله تعالى سورة ص بذكر القرآن ، وافتتح هذه السورة أيضاً به .
2 ( إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينِ ) .
إلى – على :
وجاء في الآية 41 ( إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ لِلنَّـاسِ بِٱلْحَقِّ ) .
فالإنزال أو النزول إن عدي بـ ( إلى ) ففيه تكليف للنبي صلى الله عليه وسلم ، وإن عدي بـ ( على ) ففيه تخفيف عنه .
6 ( خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِى بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِى ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ) .
البلاغة – الاستعارة التبعية :
( وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ) الإنزال مجاز عن الخلق ، من تسمية المسبب باسم سببه .
15 ( فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ ) .
ختام الآية التهويل والمبالغة :
في قوله ( ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ ) أشار بذلك إلى بعد منزلة المشار إليه في الشر ، وإنه لعظمه بمنزلة المحسوس ، وسط الفصل بين المبتدأ والخبر ، وعرف الخسران ، ووصف بالمبين لفظاعته وهوله .
17 ( وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ ) .
المبالغة – عِبَادِ :
الطاغوت : المبالغة في تشبيه الشيطان بالطاغوت ، تشبيه بالمصدر كأن عين الشيطان هو الطغيان . عباد : مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة بسبب قراءة الوصل ، و ( الياء ) المحذوفة مضاف إليه .
في هذه الآية حذفت الياء من ( عباد ) ، وفي آيات أخرى أثبتت ، قد يكون ما فيه الياء أوسع وأشمل مما حذفت منه الياء ، فكان طول البناء إشارةً إلى سعة المجموعة ، على نحو ما جاء في قوله تعالى ( قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ) .
23 ( ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِىَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ذٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِى بِهِ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) .
مَّثَانِىَ – هَادٍ :
- وصف الواحد بالجمع ( مَّثَانِىَ ) ، وذلك أن القرآن كتاب جملة ذات تفاصيل هي جملته .
- فائدة التكرير : التي هي المثاني هي ترسيخ الكلام في الذهن ، ليثبت في الذهن .
- هاد : مجرور لفظاً مرفوع محلاً ، مبتدأ مؤخر ، وعلامة الجر الكسرة المقدرة لأنه اسم منقوص ، مثل قاض أصله قاضي .
55 ( وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ) .
بعد تحريف التوراة والإنجيل يأتي القرآن فهو أحسن ما أنزل لتكفل الله بحفظه ، فهو الأحسن من هذا الباب .
73 ( وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) .
فُتِحَتْ – وَفُتِحَتْ :
إن أبواب الجنة تكون معدةً مفتوحةً للمؤمنين إكراماً لهم ، لذلك قال فتحت بدون واو ، أما أهل النار فإن أبوابها تفتح في وجوههم لتفاجئهم بغتةً ليكون ذلك أشد عليهم وأفظع مثل أبواب السجون مغلقة تفتح في وجه المجرم لدخوله ، لأن الدخول في وجه الباب المغلق مذلة .
أول سورة غافر وتسمى المؤمن
11 ( قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ ) .
أي إماتتين وإحيائين ، لأنهم نطف في أصلاب آبائهم نصف أموات ، فأحيوا بالولادة ثم أميتوا بالموت ثم أحيوا للبعث ، ومثله في البقرة ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) 28 .
15 ( رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ يُلْقِى ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ ) .
الروح هو الوحي :
المراد بالروح الوحي ، وسمي روحاً لأنه يجري من القلب مجرى الأرواح في الأجساد ، فهو مجاز علاقته السببية ، ويؤيد ذلك قول الله سبحانه في سورة الإسراء ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) 85 ، وقوله سبحانه في سورة الشورى ( وَكَذٰلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِى مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) 52 .
18 ( وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلآزِفَةِ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ ) .
البلاغة – الكناية – الاستعارة :
الكناية : في قوله تعالى ( إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ ) كناية عن شدة الخوف ، أو فرط التألم . الاستعارة : النظرة الخاطئة إلى غير المحرم ، وجعل النظرة خائنةً ، إسناد مجازي ، أو استعارة مصرحة أو مكنية ، بجعل النظر شيئاً يسرق من المنظور إليه .
28 ( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّىَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِى يَعِدُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) .
يَكُ – بَعْضُ :
( يَكُ ) مضارع ناقص مجزوم ، وعلامة الجزم السكون على النون المحذوف للتخفيف ، وأصله يكون ، وحذفت النون من الفعل لقلة وحقارة الكذب ، المجادل فيه صدوره من موسى عليه السلام .
38 ( وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يا قَوْمِ ٱتَّبِعُونِ أَهْدِكُـمْ سَبِيـلَ ٱلرَّشَـادِ ) .
قَوْمِ :
الياء للنداء ، و ( قَوْمِ ) منصوب بالفتحة المقدرة على الياء المحذوفة للتخفيف ، وهي مضاف إليه .
ٱتَّبِعُونِ :
( ٱتَّبِعُونِ ) مجزوم لأنه فعل أمر بحذف النون ، أصله ( يتبعون ) وبصيغة الأمر ( اتبعوا ) والنون للوقاية .
البلاغة في التكرير :
يا قوم ، كرر نداءهم إيقاظاً لهم عن سنة الغفلة ، واهتماماً بالمنادى ، ومبالغة على ما يقابلون به دعوته ، وترك العطف بالواو ، ويا قوم ، لأنه تفسير لما أجمل في النداء قبله .
57 ( لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) .
أي إن خلق الأصغر أسهل من خلق الأكبر .
58 ( وَمَا يَسْتَوِى ٱلأَعْـمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَلاَ ٱلْمُسِيۤءُ قَلِيـلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ ) .
التقديم :
قدم الأعمى لمناسبة العمى ما قبله في ختام الآية السابقة ( وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) ، فمثل الكافر مثل الأعمى الذي لا يبصر شيئاً ، وقدم الذين آمنوا وعملوا الصالحات لمجاورة البصير ولشرفهم .
61 ( ٱللَّهُ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ) .
ختم كل آية من الثلاث بما اقتضاه أولها .
* وزير الأوقاف والشئون الإسلامية في دولة الكويت سابقاً .