محتويات العدد العدد الخامس – المجلد السادس والستون – ذو الحجة 1441هـ – أغسطس 2020م
أغسطس 12, 2020موئل الإنسانية وأمة المستقبل
أكتوبر 20, 2020
البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم
( أول سورتي فاطر ويسۤ )
بقلم : معالي الشيخ الدكتور راشد عبد الله الفرحان *
سميت لورود كلمة فاطر السماوات .
لما بيَّن في آخر سورة سبأ انقطاع رجاء الشأن وعدم قبول توبته في الآخرة ، ذكر في أول هذه السورة حال المؤمن المنافق ، ويشير بإرسال الملائكة إلى الناس مبشرين ، وبيَّن أنه يفتح لهم أبواب الرحمة .
9 ( وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذٰلِكَ ٱلنُّشُورُ ) .
البلاغة :
حيث أخبر بفعل المضارع عن الماضي ( فَتُثِيرُ ) وما قبله وما بعده ماض ، قال محمود صوفي في إعراب القرآن ليحكي الحال التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب ، وتستحضر تلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الربانية .
15 ( يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ ) .
البلاغة – المبالغة :
في قوله ( أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ ) وكأنهم وحدهم الفقراء فحسب لشدة احتياجهم مثل ( خُلِقَ ٱلإِنسَانُ ضَعِيفاً ) .
19 ( وَمَا يَسْتَوِى ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ ) .
20 ( وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ ) .
21 ( وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ ) .
22 ( وَمَا يَسْتَوِى ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ ، إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى ٱلْقُبُورِ ) .
التمثيل والطباق :
مثل المؤمن والكافر ، والأعمى والبصير ، والظلمات والنور مثل الحق والباطل ، وكذلك الظل والحرور والأحياء والأموات ، مثل للذين دخلوا الإسلام والذين لم يدخلوا فيه .
31 ( وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ) .
لَخَبِيرٌ – لَغَفُورٌ :
جاء اللام في لخبير هي اللام المزحلقة للتوكيد ، بصير خبر إن ثان مرفوع ، وناسب مجيئ اللام بعده في الآية 34 ( وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ) ، جاء الحزن بالفتح في حين جاء في سورة يوسف بالضم ( مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ) ، وبالفتح يدل على الحزن أخف ، أما بالضم فيدل على أن الحزن فيه ضيق شديد .
32 ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذِنِ ٱللَّهِ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ ) .
البيان :
إن أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعده حين تناولت الدين الذي حواه الكتاب القرآن بمثابة من ورث تركة تلقاها من يدخل الجنة ممن اصطفاهم الله تعالى ، وقد قسمهم إلى ثلاثة أقسام .
( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ) يجلس حتى يقضي ما عليه ثم يدخل الجنة ( ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ ) ، ( وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ ) فيحاسب حساباً يسيراً ، ( وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ ) فيدخل الجنة بغير حساب ، وهو الفاعل للواجبات والمستحبات ، التارك للحرمات .
ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ – مُّقْتَصِدٌ – سَابِقٌ :
وقدم الظلم ثم المقتصد ثم السابق ، قال الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه : بدأ بالظالمين إخباراً بأن لا يتقرب إليه إلا بكرمه ، وأن الظلم لا يؤثر في الاصطفاء ، ثم ثنّى بالمقتصدين لأنهم بين الخوف والرجاء ، ثم ختم بالسابقين لألايأمن أحد مكره ، وكلهم في الجنة ، وقيل : رتبهم هذا الترتيب على مقامات الناس ، لأن أحوال العباد ، معصية ، وغفلة ، ثم توبة .
35 ( ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ) .
نَصَبٌ – لُغُوبٌ :
النصب تعب البدن ، واللغوب تعب النفس .
37 ( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِى كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ) .
يَصْطَرِخُونَ :
فيه إبدال تاء الافتعال طاءً ، أصله يصترخون جاءت التاء بعد الصاد فقلبت طاء ، قلباً قياسياً على وزن ( يفتعلون ) .
زعموا أنهم كانوا يعملون صالحاً في الدنيا كما قال الله تعالى في الكهف ( يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) .
43 ( ٱسْتِكْبَاراً فِى ٱلأَرْضِ وَمَكْرَ ٱلسَّيِّئِ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ آلأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً ) .
تَبْدِيلاً – تَحْوِيلاً :
سنة الله في الأولين بعذاب الكفار الأولين وما ينظر هؤلاء إلا مثلهم ، فلا يبدل العذاب بغيره ، ولا يحول من شخص إلى شخص آخر ( لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً ) .
أول سورة يسۤ
8 ( إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ ) .
البلاغة الاستعارة التمثيلية :
( إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً ) يصور الله سبحانه حال الكفار بحال أولئك المغلولين بالقيود العظيمة في أعناقهم ، والأقماح رافعون رؤوسهم مع غض أبصارهم .
14 ( إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ ) .
البلاغة – الحذف :
حذف مفعول عززنا ، والتقدير فعززناها هما بثالث .
15 ( قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ) .
البيان :
هذا يدل على أنهم رسل من الله مستقلون ، وليسوا رسل عيسى عليه السلام ، ولقالوا عبارة تناسبهم .
16 ( قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ) .
البلاغة – لَمُرْسَلُونَ :
التأكيد به باللام على ما قبله لزيادة الإنكار ، وترى أنهم لم يسألوا بل كرروا ما ادعوه مؤكداً بأكثر من تأكيد حيث صوروا دعواهم بقولهم ربنا يعلم ، وهذا كالقسم ثم التأكيد بأن واللام واسمية الجملة .
18 ( قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .
تَطَيَّرْنَا :
التطير هنا أخف مما جاء في سورة النحل .
22 ( وَمَا لِىَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِى فَطَرَنِى وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) .
فَطَرَنِى – تُرْجَعُونَ :
أضاف ما يقتضي الشكر نفسه لأنه أليق بإيمانه ، وما يقتضي الزجر أضافه إليهم أليق بكفرهم .
29 ( إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ) .
وجاء في الآية 53 ( إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ) .
خَامِدُونَ – مُحْضَرُونَ :
لا يوجد تكرار في الآيتين ، لأن في الأولى ( خَامِدُونَ ) التي يموت فيها الخلق ، والثانية : التي يحيا بها الخلق .
30 ( يا حَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) .
البلاغة المجاز :
يا غما ويا ندما على العباد المكذبين ، وهذا حال يصور حالهم بعد موتهم ، فلا يستحقون من يتحسر عليهم ، قال في تفسير الجلالين : ” هي شدة التألم من الصوت ونداؤها مجاز ، أي هذا أوائله فاحضري ” .
32 ( وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ) .
الإعراب :
الواو عاطفة ، ( إِن ) حرف نفي بمعنى ما ، ( كُلٌّ ) مرفوع و ( لَّمَّا ) للحصر بمعنى لا ، وجميع خبر المبتدأ مرفوع بمعنى مجموعون ، ( لَّدَيْنَا ) ظرف مبني على السكون في محل نصب .
37 ( وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلْلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ) .
البلاغة – الاستعارة :
في ( نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ ) أي وعلامة لهم تدل على توحيدنا وقدرتنا الليل نسلخ منها النهار ، أي إذهاب الضوء ، ومجيئ الظلمة ، وهما استعارة تبعية ، حيث استعار السلخ الذي للجلد من اللحم لكشف الضوء من مكان الليل .
39 ( وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرْجُونِ ٱلْقَدِيمِ ) .
البلاغة – التشبيه المرسل :
في قوله ( حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرْجُونِ ٱلْقَدِيمِ ) فقد مثل القمر الهلال بأصل عذق النخلة ، وهو تشبيه بديع للهلال ، فإن العذق إذا قدم دق وانحنى واصفر .
49 ( مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ) .
البيان في يَخِصِّمُونَ :
هي النفخة الأولى التي يموت بها أهل الأرض ، ويخصمون بمعنى يختصمون ، أدغمت التاء في الصاد بعد تسكينها ، ثم أدغمت الصاد في الصاد ، وكسرت الخاء تخلصاً من التقاء الساكنين وهما الخاء والصاد الأولى ، وزنه ( يفتعلون ) ، فأفاد المبالغة في التضعيف لفائدة القوة .
52 ( قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ ) .
البلاغة الاستعارة التصريحية الأصلية :
في قوله ( مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ) شبه الموت بالرقاد ، من حيث عدم ظهور الفعل ، فهي أصلية : لأن المرقد مصدر ميمي ، أما إذا كان المصدر اسم مكان فتكون تبعيةً .
65 ( ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) .
الختم يوم القيامة حسي ، ومعناه المنع من الكلام ، وذلك ليعلموا أن أعضاءهم التي كانت أعوانهم في الدنيا على المعاصي ، صارت شهوداً عليهم ، وإقرار الجوارح أبلغ من نطق اللسان .
78 ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِىَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِى ٱلْعِظَامَ وَهِىَ رَمِيمٌ ) .
البلاغة – حسن البيان :
( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِىَ خَلْقَهُ ) قد يأتي حسن البيان بالإيجاز أو بالإطناب ، حسبما يقتضيه الحال ، وقد أتى بيان الكتاب الكريم في هذه الآية من الطريقين ، فكانت جامعةً مانعةً .
* وزير الأوقاف والشئون الإسلامية في دولة الكويت سابقاً .