حجـة الـوداع آية بينـة ومعجـزة خـالدة
يوليو 11, 2022(1) الشيخ محمد عباس الندوي المدني إلى رحمة الله تعالى
يوليو 11, 2022التوجيه الإسلامي :
البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم
( سور التكاثر والهمزة والفيل وقريش والماعون والكافرون
والنصر والمسد والصمد والفلق والناس )
بقلم : معالي الشيخ الدكتور راشد عبد الله الفرحان *
سورة التكاثر
3 ( كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) .
4 ( ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) .
5 ( كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ ) .
كَلاَّ :
كلا في المواضع الثلاثة للردع والزجر ، والثالث بمعنى حقاً ( لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ ) ، فيها حذف جواب لولا محذوف للتهويل ، أي لو تعلمون كذلك لفعلتم ، أي لو تعلمون علماً يصل إلى القلوب لما ألهاكم التكاثر في الأموال والأولاد والزينة ، ولبادرتم إلى الأعمال الصالحة ، وعدم العلم الحقيقي صيَّركم إلى ما ترون .
8 ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ ) .
هذا سؤال مثبت عام ، وجاء في الرحمن ( فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ ) سؤال منفي خاص بالمجرمين عن الذنوب ، ويعني الاستخبار والاستعلام فالله أعلم بأفعالهم منهم ( أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ ) ، وفي الأعراف ( فَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ ) ، وفي الحجر ( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) ، وهذا السؤال المثبت العام سؤال حساب ، ولذلك سمي يوم القيامة يوم الحساب .
سورة الهمزة
1 ( وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ) .
2 ( ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ ) .
الهمز واللمز :
الهمز واللمز بمعنى واحد ، وهو الذي دأب على أن يعيب الناس ويثلم في أعراضهم ، ويطعن فيهم بأي وسيلة سواءً باللسان أو الإشارة ، فمثل هذا الشخص لا ينفعه ماله حينما يوضع في نار جهنم .
سورة الفيل
1 ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ ) .
2 ( أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِى تَضْلِيلٍ ) .
3 ( وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ ) .
4 ( تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ ) .
5 ( فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ ) .
( أَلَمْ تَرَ ) ألم تعلم ، والاستفهام للتقرير ، والعصف المأكول هو التبن أكلته الدواب شبه تقطيع أوصالهم من رميهم بالحجارة بتفرق أجزاء النبات اليابس كقشر البُر ، من تشبيه المحسوس بالمحسوس .
سورة الماعون
4 ( فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ) .
5 ( ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ) .
6 ( ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ ) .
سَاهُونَ :
هؤلاء هم المنافقون سماهم ( مُصَلِّينَ ) ، لأنهم يصلون رياءً ويتركون الصلاة حينما لا يراهم أحد ، والمراد بالسهو التغافل والتكاسل عن أدائها .
سورة الكافرون
1 ( قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ ) .
2 ( لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ) .
3 ( وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ) .
4 ( وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ) .
5 ( وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ) .
6 ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ ) .
التكرير من عادة العرب ، والقرآن نزل بلغتهم ، وقيل : الأول للحال ، والثانية للاستقبال ، وقيل : نزلت رداً على سؤال الكفار مرتين حيث قالوا : يا محمد ! تعبد آلهتنا كذا مرةً ، ونعبد إلهك كذا مرةً .
سورة النصر
1 ( إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ ) .
2 ( وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً ) .
3 ( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا ) .
هذه آخر سورة كاملة نزلت من القرآن ، أما آخر آية فهي ( وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ) في سورة البقرة ، والفتح فتح مكة المكرمة ، روى البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ” ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةً بعد أن نزلت ( إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ ) إلا يقول فيها : سبحانك ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي ” . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم عاش بعدها سنتين .
سورة المسد
1 ( تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ ) .
2 ( مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ) .
3 ( سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ ) .
4 ( وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ ) .
5 ( فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ) .
مَا كَسَبَ – وَمَا كَسَبَ :
ليس بتكرار ، فالأول دعاء ، والثاني خبر ، وتبَّ : خسر ، واشتهر بكنيته أكثر من اسمه ، ولم يذكره باسمه عبد العزى ، لأنه فيه شرك ، وذكر اللهب فيه إشارة إلى النار أي صاحب النار . وكانت امرأته العوراء أم جميل تحمل الحطب ذا الشوك تطرحه ليلاً أمام الرسول صلى الله عليه وسلم ، والحبل الذي تربط به حطبها سيكون حبلاً من النار .
سورة الصمد
1 ( قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ) .
2 ( ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ) .
3 ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) .
4 ( وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ) .
الإيجاز :
الآية الأولى : أثبتت الوحدانية ونفت التعدد ، والثانية : أثبتت صفات الكمال ونفت العجز ، والصمد هو السيد ، والثالثة : أثبتت الأزلية ونفت الذرية (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) ، والرابعة : نفت الأنداد الأضرار ، فلا غرابة أن تعدل ثلث القرآن .
سورة الفلق
1 ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ ) .
2 ( مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ) .
3 ( وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ) .
4 ( وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِى ٱلْعُقَدِ ) .
5 ( وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ) .
الفلق : الصبح ، وسمي فلقاً لانفلاق الليل عنه ، والغاسق هو الليل إذا دخل ظلامه .
ومن شر النفاثات : الساحرات أو النفوس الشريرة ، قال أبو مسلم : ” العقد عزائم الرجال ، والنفث حلها ” .
هل سُحر رسول الله صلى الله عليه وسلم :
الجواب : نعم سُحر في جسمه كمرض ، ولم يؤثر في عقله ورسالته ودعوته ، وهذا ثابت بالصحيحين ، وشفاه الله .
كيف يكون معصوماً بقوله تعالى : ( وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ ) ؟
قال المفسرون : يعصمك من القتل والأمر ، وقال ابن الجوزي : ( وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ ) من أواخر ما نزل بالمدينة ، وقد سحر وأوذي قبل نزول هذه الآية .
جوابنا على ذلك :
لا شك لو أراد الله سبحانه منع أذى إليه من الأزل لقدر على ذلك ، ولكن وقع ذلك لحكمة كما وقع لكثير من الأنبياء قبله من الابتلاءات فصبروا ، ( وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) الأنعام 112 .
ولو استعرضنا جميع الأنبياء لا نجد نبياً إلا وقد ابتلاه الله بمصيبة أو مرض أو ذنب ، ولكن الله سبحانه ينجيهم مما أصابهم كما أنجى محمداً صلى الله عليه وسلم مما ابتلاه فيه ( وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ) ، وكان ذلك سبباً في نزول السورة .
عُرّفت النفاثات لأن كل نفاثة شريرة ، ونُكِّر حاسد وغاسق ، لأنه ليس كل حاسد وغاسق شراً ، وليس كل حسد مذموماً ، فمنه ما هو خير كما قال صلى الله عليه وسلم : ” لا حسد إلا في اثنتين ” .
سورة الناس
1 ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ ) .
2 ( مَلِكِ ٱلنَّاسِ ) .
3 ( إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ ) .
4 ( مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ ) .
5 ( ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ ٱلنَّاسِ ) .
6 ( مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ ) .
ٱلْوَسْوَاسِ :
الوسواس هو الذي يوسوس في صدور الناس ، إما بالخفاء فيكون من الشياطين ، وسماه جن لأنه قد جن واستتر في الإنسان لا يراه ولا يسمع صوته ، وإما أن يكون من الإنس فيكون وسواسه بالعلن والخفاء بحيث يسمعه الموسوس له ، وهذا يوسوس في الصدر مجازاً ، وإنما يوسوس في الأذن فتسمع ما يقول ليغوي صاحبه ، وتكلمنا في سورة ق على هذا الموضوع وبيّنا أن في الإنسان نفسين : نفس خيرية تدفعه للخير ، ونفس شريرة تدفعه للشر ، عبر القرآن عنها بالقرين .
لما نزلت هذه الآية فرح بها النبي صلى الله عليه وسلم ، لكونها مع أختها سورة الفلق جامعة في التعوذ من كل ما فيه شر .
ذكر الشيخ زكريا الأنصاري في فتح الرحمن أن الله تعالى ذكر في هذه السورة الناس خمس مرات :
الأول : ( بِرَبِّ ٱلنَّاسِ ) الأطفال بقرينة الربوبية .
الثاني : الشبان بقرينة ذكر الملك الدال على السياسة .
الثالث : الشيوخ بقرينة ذكر ( الإله ) الدال على العبادة .
الرابع : الصالحون بقرينة وسوسة الخناس وهو الشيطان المولع بإغوائهم .
الخامس : المفسدون بقرينة عطفه على الجِنّة المتعوذ منهم .
تمت سورة الناس ، وبها تم الكتاب ، والحمد لله رب العالمين ، وسلام على المرسلين .
* وزير الأوقاف والشئون الإسلامية في دولة الكويت سابقاً .