البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم ( أول سورة الرحمن )

أزمة هذا العصر الحقيقية
سبتمبر 4, 2021
فضل البعثة المحمدية على الإنسانية
أكتوبر 12, 2021
أزمة هذا العصر الحقيقية
سبتمبر 4, 2021
فضل البعثة المحمدية على الإنسانية
أكتوبر 12, 2021

التوجيه الإسلامي :

البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم

( أول سورة الرحمن )

بقلم : معالي الشيخ الدكتور راشد عبد الله الفرحان *

سميت بذلك لورود كلمة الرحمن في أول السورة .

6 ( وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ) .

7 ( وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ ) .

استعارة – البلاغة – يسجدان – والميزان :

المراد انقيادهما لله تعالى ، شبه جريهما على مقتضى طبيعتهما انقياد الساجد لخالقه وتعظيمه له ، ثم استعمل اسم المشبه به ، في  المشبه ، فهناك استعارة مصرحة ، وفي ذلك سجود لا نفقهه ولا نفهمه .

والميزان : هو العدل الذي به نظام العالم وقوامه ، وتكرار الميزان ثلاث مرات ، وذلك لبيان أن كلاً من الآيات المستقلة بنفسها مغاير لكل من الآخرين ، فالأول : ميزان الدنيا ، والثاني : ميزان الآخرة ، والثالث : ميزان العقل والعدل .

13 ( فَبِأَىِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) .

البلاغة في التكرير :

ذكر هذه الآية إحدى وثلاثين مرة ، ثمانية منها ذكرت عقب آيات فيها تعداد عجائب خلق الله ، ثم سبعة منها عقب آيات فيها ذكر النار وشدائدها بعدد أبواب جهنم ، وحسن ذكر آلاء عقبها لأن من جملة الآلاء دفع البلاء ، وتأخير العذاب والعقاب ، وبعد هذه السبعة ثمانية في وصف الجنتين وأهلها بعدد أبواب الجنة ، وثمانية أخرى بعدها في الجنتين اللتين هما دون الجنتين الأولين ، ( وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ ) .

قال محمود صوفي في إعراب القرآن : ” فقد كرر هذه الآية في هذه السورة كثيراً ، وقد حسن للتقرير بالنعم المختلفة المتعددة ، فكما ذكر سبحانه نعمةً أنعم بها وبّخ على التكذيب بها ، فيحسن فيه التكرير لاختلاف ما يقرر به ” .

14 ( خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ ) .

15 ( وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ ) .

تُرَابٍ – لاَّزِبٍ – حَمَإٍ مَّسْنُونٍ – صَلْصَالٍ :

جاء في آيات أخرى : آل عمران ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) [1] أول خلقه ، وجاء في سورة الحجر : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ إِنِّى خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ) [2] ، وهذا بعد التراب أي من طين أسود متغير ، وجاء في سورة الصافات ( فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ ) [3] أي متلاصقاً يلصق ما بعد ، أما الصلصال أي من طين يابس لم يطبخ له صلصلة أي صوت إذا نقر ، مثل الفخار الخزف .

مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ :

( مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ ) قال المفسرون أي من : لهب صاف ، وقال  مجاهد : المارج هو المختلط بعضه ببعض من اللهب الأحمر والأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا وقدت ، من مرج ، أمر القوم إذا اضطرب واختلط ، و ( مِّن نَّارٍ ) بيان لمارج .

سؤال : إذا كان الجن والشياطين مخلوقين من نار فكيف يلامسوا بدن ابن آدم ؟ الجواب : أن الظاهر من الحقيقة أن الشيطان يلامس الإنسان ويؤثر عليه ويوسوس له ، وكذلك الجان يدخل جسم الإنسان ويحرك أعضاءه ، وربما نطق بلسانه ، وهذا ثابت من القرآن ومن الأحاديث الصحيحة ، وأشهرها حديث أبي هريرة رضي الله عنه مع الشيطان الذي يأكل من ثمر الصدقة المؤتمن عليه أبو هريرة رضي الله عنه ، بل المشاهدات الدالة على ذلك كثيرة ، لا مجال لإنكارها ، فما هي تلك النار المخلوق منها الجن والشياطين التي وصفت بالمارج ؟ ويذكر بعض المعالجين بأنه استطاع أن يحرق بعض مردة الجن عندما استعاد خروجهم من المرضى .

أقول : النار على أنواع ثلاثة :

  1. نار الدنيا التي نستعملها
  2. نار الآخرة التي يعذب بها الكفار والمجرمون والعصاة
  3. النار التي خلق منها إبليس والجان ، أشار إليها محمود الزمخشري في الكشاف بأنها نار مخصوصة ، كقوله تعالى ( فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ ) لا تدرك بالأبصار .

17 ( رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ ) .

رَبُّ – ٱلْمَشْرِقَيْنِ :

التكرار في كلمة ( رَبُّ ) دون سورتي المعارج ( فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَارِقِ وَٱلْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ ) ، وجاء في المزمل ( رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً ) ، فكرر ( الرَبّ ) في الرحمن تأكيداً ، لأنه موضع الامتنان وتعديد النعم ، ولأن الخطاب فيه للجنسين الإنس والجن ، بخلاف سورتي المعارج والمزمل .

مَشْرِقِ – مَشْرِقَيْنِ – مَشَارِقِ :

الاختلاف في الآيات من الواحد والمثنى والجمع ، يدل على اختلاف مطالع الشمس وتنقل الأرض في كل يوم ودورانها حول نفسها ، فما كان في اليابان غير ما في جزيرة العرب ومثله في أوربا وأمريكا ، مشارق ومغارب كثيرة في بلدان العالم متعددة ، وهذا من معجزات القرآن الكريم ، التي اقتنع بها بعض العلماء من غير المسلمين فآمنوا .

22 ( يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ ) .

البلاغة :

قال ” مِنْهُمَا ” ولم يقل من أحدهما ، أو من البحر ، فلما التقيا صارا كالشيئ الواحد جاز أن يقال منهما ، وفيه إشارة إلى المضايق التي يلتقي عندها البحار مثل هرمز وجبل طارق والأسود والأبيض .

24 ( وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ فِى ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ ) .

البلاغة – التشبيه المرسل :

شبه سبحانه السفن وهي تمخر عباب البحر بالجبال الشاهقة ، التي تسمى الأعلام .

31 ( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلثَّقَلاَنِ ) .

سَنَفْرُغُ :

هذا وعيد وتهديد لهم ، عبَّر بالفراغ على سبيل المجاز ، والمراد القصد لحسابكم ولما كان فيه تأخير عقابهم عبَّر بذلك ، وأما الفراغ بالمعنى الذي يعرفه البشر ، فذلك لا يقال في حقه تعالى .

37 ( فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ ) .

البلاغة – التشبيه التمثيلي :

شبه تلون السماء حال انشقاقها يوم القيامة ، بحال الوردة على اختلاف ألوانها بالدهن المذاب ، والمشبه والمشبه به كلاهما حسي ، من قبيل تشبيه المحسوس بالمحسوس .

46 ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) .

جَنَّتَانِ :

إن كل من يخاف الله تعالى في الدنيا يأمن في الآخرة ، ( أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ ) على نفسه يراقبها فلا يجسر على معصيته ، ( ومِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) فهؤلاء لهم فضل أكثر وأفضل من الذي له جنة واحدة ، لأن الجنة درجات وفيها جنات ، فعلى قدر الأعمال يثاب العباد ، أما كيف الجنة والجنتان فذلك عمله عند الله .

56 ( فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ ) .

والمعنى نساء يقصرن أبصارهن على أزواجهن لا ينظرن إلى   غيرهم ، وتقول لزوجها ما أرى شيئاً أحسن منك ، الطمث : المس ، والمعنى لم يمس هؤلاء أحد من الإنس ولا هؤلاء أحد من الجن قبل أزواجهن ، يعني أبكاراً غير مبتذلات .

مسألة هل يتزاوج الجن مع الإنس في الدنيا وما حكم ذلك ؟

من المعلوم أن هناك اتصالاً بين الجن والإنس ، وهناك مس ولقاء ، وجاء في سورة الأنعام : ( وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ) [4] ، والمشايخ المعالجون بالقرآن يحكون قصةً غريبةً عجيبةً عن علاقة الجن بالإنس ، وما مدخل السحر إلا من هذا الباب .

قال الشيخ إسماعيل حقي في روح البيان : ” وقد ذهب إلى صحة المناكحة بين الجن والإنس جم غفير من العلماء ، منهم صاحب آكام المرجان ، ونقل قول ابن عباس : المخنثون أولاد الجن ، لأن الله ورسوله نهيا أن يأتي الرجل امرأته وهي حائض ، فإذا أتاها سبقه الشيطان إليها فحملت فجاءت بالمخنث ، وقال مجاهد : ” إذا جامع الرجل ولم يسم انطوى الجان على إحليله فجامع معه ” ، فاللقاء حاصل والتناكح  ممكن ، أما التزاوج فلم يرو ، لا في الكتاب ولا في السنة ولا في الواقع .

وعندي أنه لو أمكن التناكح واقعاً ، فلا يجوز عقد الزواج لاختلاف الجنسين ، وتنافر الطبعين [5] ، وقد وجدنا أن أكثر المخنثين من الأولاد ، والمائعات من النفاق ، بما يسمى الجنس الثالث يعكفون على عبادة الشيطان بالخلاعة والدعارة .

58 ( كَأَنَّهُنَّ ٱلْيَاقُوتُ وَٱلْمَرْجَانُ ) .

الياقوت حجر كريم ، صلب جاف شفاف ذو ألوان مختلفة ، والمرجان صغار اللؤلؤ .

*  وزير الأوقاف والشئون الإسلامية في دولة الكويت سابقاً .

[1]  آل عمران : 59 .

[2]  الحجر : 28 .

[3]  الصافات : 11 .

[4]  الأنعام : 128 .

[5]  وذلك لقوله تعالى في النساء : ( وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ) ، وقال في سورة النحل ( وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً ) 72 .