البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم ( أول سورتي ق والذاريات )

لا بد من أولي بقية ينهون عن الفساد في الأرض في كل زمان
يونيو 2, 2021
التربية والأخلاق وتأثير ضعفهما على المجتمع
يوليو 13, 2021
لا بد من أولي بقية ينهون عن الفساد في الأرض في كل زمان
يونيو 2, 2021
التربية والأخلاق وتأثير ضعفهما على المجتمع
يوليو 13, 2021

التوجيه الإسلامي :

البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم

( أول سورتي ق والذاريات )

بقلم : معالي الشيخ الدكتور راشد عبد الله الفرحان *

سورة ( ق ) سميت لورود كلمة ( ق ) في أول السورة كزميلاتها .

تحزيب القرآن :

قال ابن كثير : هذه السورة هي أول الحزب المفصل ، وفيما أورده من حديث أوس بن حنيفة أنه قال : ” سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف يحزبون القرآن ؟ فقالوا : ثلاث وخمس ، وسبع ، وتسع ، وإحدى عشرة ، وثلاث عشرة ، وحزب المفصل وحده ” [1] ثم قال بيانه :

ثلاث : البقرة وآل عمران ، والنساء .

وخمس : المائدة ، والأنعام ، والأعراف ، والأنفال ، وبراءة .

وسبع : يونس ، وهود ، ويوسف ، والرعد ، وإبراهيم ،    والحجر ، والنحل .

وتسع : الإسراء ، والكهف ، ومريم ، وطه ، والأنبياء ، والحج ، والمؤمنون ، والنور ، والفرقان .

وإحدى عشرة : الشعراء والنمل والقصص ، والعنكبوت ،   والروم ، ولقمان ، والسجدة ، والأحزاب ، وسبأ ، وفاطر ، ويس .

وثلاث عشرة : الصافات ، وص ، والزمر ، وغافر ، وحم السجدة ، وحم عسق ، والزخرف ، والدخان ، والجاثية ، والأحقاف ، والقتال       ( محمد ) ، والفتح ، والحجرات ، ثم بعد ذلك الحزب المفصل ، كما قاله الصحابة رضي الله عنهم : قال : فتعين أن أوله سورة ( ق ) .

السبع الطوال : قال ابن جرير الطبري : السبع الطوال : البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة ، والأنعام ، والأعراف ، ويونس ، في قول سعيد بن جبير ، قال : وإنما سميت السبع الطوال لطولها على سائر القرآن .

المئون : قال ابن قتيبة : هي ما ولي الطوال ، وإنما سميت بالمئين لأن كل سورة تزيد على مأة آية أو تقاربها .

والمثاني : ما ولي المئين من السور التي دون المأة .

والمفصل : فهو ما يلي المثاني من قصار السور ، وإنما سميت مفصلاً لقصرها ، وكثرة الفصل فيها بـ بسم الله الرحمن الرحيم ، وبعد هذا نرجع إلى السورة ، فنقول :

15 ( أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِى لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ) .

التنكير – أَفَعَيِينَا :

الهمزة للإنكار والتوبيخ وإقامة الحجة عليهم ، والعي المعجز ، وقد عرف الخلق الأول ونكَّر اللَّبس والخلق الجديد لا غرض منهما إلا تفخيم ما قصد تعريفه وتعظيمه ، ولهذا عرَّف الخلق الأول لأن الغرض جعله دليلاً على إمكان الخلق الثاني بطريق الأولى .

16 ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ ) .

سيأتي الكلام عليها لاحقاً .

17 ( إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ ) .

قَعِيدٌ :

قال : قعيد ولم يقل قعيدان ، إذ أنه وصف للملكين المذكورين ، معناه عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد ، لكنه حذف أحدهما لدلالة المذكور عليه ، كما أن فعيل يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع مثل     ( وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذٰلِكَ ظَهِيرٌ ) .

22 ( لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ ) .

الكناية :

كناية عن الغفلة كأنها غطت جميعه أو عينيه فهو لا يبصر   شيئاً ، فإذا كان يوم القيامة تيقظ وزالت الغفلة عنه فيبصر ما لم يبصره من الحق .

23 ( وَقَالَ قَرِينُهُ هَـٰذَا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ ) .

وَقَالَ – قَالَ قَرِينُهُ :

وجاء في الآية 27 و 28 ( قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ وَلَـٰكِن كَانَ فِى ضَلاَلٍ  بَعِيدٍ . قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ ) ، الأول : بواو خطاب للإنسان من قرينه ومتعلق به ، فناسب ذكر الواو ، والثاني : استئناف خطاب من الله تعالى .

القرين :

وردت في القرآن وفي سورة ق خاصةً ، عدة أسماء وعدة معان :

  1. النفس توسوس للإنسان آية : ( 10 ) ولا شك أنها النفس الشريرة الشيطانية داخل الإنسان تأمره بالشر .
  2. رقيب عتيد : ملكان عبر بالواحد للاثنين ، والمراد ( عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ ) يسجلان ما يصدر عن الإنسان .
  3. السائق والشهيد : قيل : هما اللذان سجلا ما فعل الإنسان في حياته ، واحد يسوق ، وآخر يشهد عليه .
  4. أما القرين : فهو تلك النفس الشريرة التي توسوس للإنسان وتزين له الخبائث ، وسميت قرين لمقارنتها نفس الإنسان كالمقرونة معه ، لا تنفك عنه إلا بالموت ، وهي التي تختصم معه يوم القيامة وتتبرأ منه ، ( كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّى بَرِيۤءٌ مِّنكَ ) .

24 ( أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ) .

ثنا الفاعل – كَفَّارٍ :

ثنى الفاعل ( أَلْقِيَا ) هذا مخاطبة للواحد ، وإنما ثنى لأنه أراد التكرير ، وقيل : العرب تخاطب الواحد بلفظ الجمع ، وقال الأنصاري في فتح الرحمن : ” مثنى وهما الملكان اللذان مرَّ ذكرهما بقوله ( وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ ) ، والكفار ، فعال صيغة مبالغة .

30 ( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ) .

البلاغة – التمثيل :

سؤال وجواب : على منهاج التمثيل والتخيل لتهويل أمرها ، والمعنى أنها مع اتساعها تطرح فيها من الجن والإنس فوجاً بعد فوج ، وأنها لغيظها تطلب المزيد .

أول سورة الذاريات

سميت لورود كلمة الذاريات أول سورة .

14 ( ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا ٱلَّذِى كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ) .

البلاغة – الاستعارة المكنية :

شبه العذاب بطعام يؤكل ثم حذف المشبه به ، واستعيد له بشيئ من لوازمه ، وهو الذوق .

15 ( إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ) .

16 ( آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذٰلِكَ مُحْسِنِينَ ) .

فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ – فِى جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ :

جاء في سورة الطور في ختام الآية 17 ( إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ ) ، لأن هنا في الذاريات متصل بما يصل الإنسان إلى الجنات ( إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذٰلِكَ مُحْسِنِينَ ) بالصدقات ، أما في الطور متصل بما يناله الإنسان فيها       ( كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ) ، فناسب ختام كل آية بما ورد .

23 ( فَوَ رَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ) .

الإعراب :

( لَحَقٌّ ) الفاء في ( فَوَ رَبِّ ) عاطفة ، والواو واو القسم ، ( رَبِّ ) مجرور متعلق بفعل محذوف تقديره أقسم ، ( اللام ) لام القسم تفيد التوكيد ، وهي عوض عن اللام المزحلقة ، ( مِّثْلَ ) حال من الضمير في حق منصوبه ، أو مبني على الفتح في محل رفع ، نعت لحق ، لأنه مضاف إلى مبني ، ( مَآ ) نكرة في محل جر مضاف إليه .

24 ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ ) .

25 ( إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ) .

البلاغة – سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ :

( هَلْ أَتَاكَ ) استفهام تقريري ، وهل بمعنى : قد أتاك فاستمع   للقصة ، والاستفهام يراد منها التقرير والتشويق إلى تلك القصة ، لأن ضيوف إبراهيم من الملائكة .

الحذف : سلاماً مفعول مطلق انتصب على المصدر ، لفعل محذوف تقديره أنتم .

41 ( وَفِى عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ ) .

الاستعارة التبعية في الريح العقيم :

سميت عقيماً لأنها أهلكتهم وقطعت دابرهم ، فشبه إهلاكها لهم بعقم النساء ، وعدم حملهن .

49 ( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) .

زَوْجَيْنِ – تَذَكَّرُونَ :

تحدث القرآن عن الزوجين الذكر والأنثى في عدة آيات ، وهنا يثبت الزوجية لكل شيئ حتى الدابة ، وهذا ما اكتشفه العلم الحديث ، هناك سالب وموجب كذلك في المواد والجماد كما في الإنسان   والحيوان ، ولما كان هذا النوع من الخلق الذي يدخل فيه كل شيئ فهو أمر عقلي ، ويحتاج إلى تذكر عقلي جاء بـ ( تَذَكَّرُونَ ) .

50 ( فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ إِنِّى لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ) .

51 ( وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ إِنِّى لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ) .

نَذِيرٌ مُّبِينٌ :

جاء في ختام الآيتين ( إِنِّى لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ) ليس بتكرار ، فالأول متعلق بترك الطاعة ، والثاني بالشرك بالله .

59 ( فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ ) .

البلاغة – ذَنُوباً – استعارة تبعية :

استعارة التمثيلية التصريحية : الذنوب هي الدلو العظيمة ، التي يستخرج بها الماء من البئر ، وهذا تمثيل أصله في سقاة الإبل يتقسمون  الماء ، فيكون لكل واحد نصيب ، قال الشاعر :

لنا ذنوب ولكم ذنوب   فإن أبيتم فلنا القليب ( أي البئر ) .

*  وزير الأوقاف والشئون الإسلامية في دولة الكويت سابقاً .

[1] رواه ابن ماجة والإمام أحمد .