البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم

الدين الكامل حاجة الإنسان في كل زمان
ديسمبر 11, 2019
ثورة في التفكير
يناير 1, 2020
الدين الكامل حاجة الإنسان في كل زمان
ديسمبر 11, 2019
ثورة في التفكير
يناير 1, 2020

( أول سورة النمل )

بقلم : معالي الشيخ الدكتور راشد عبد الله الفرحان *

1 ( طسۤ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ ) .

وكتاب مبين :

كتاب مبين ، التنكير للتعظيم ، لأن المضاف إلى العظيم يعظم مثله ، وعطف كتاب من باب عطف إحدى الصفتين على الأخرى ، وجاء في سورة الحجر ( تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ ) ، وهذا كله من باب التفنن في الكلام جرياً على عادة العرب في بلاغتهم .

7 ( إِذْ قَالَ مُوسَىٰ ِلأَهْلِهِ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ) .

سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ – لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ :

وجاء في سورة طه ( آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى ) 10 .

البلاغة :

استعمل ” أو ” بدل الواو ، فإن ” أو ” تفيد التخيير ، فإن لم يظفر بحاجته جميعاً يكتفي بواحدة ، إما هداية الطريق ، وإما اقتباس النار ليدفئ زوجته التي أصابها المخاض .

كيف قال في طه ” لعلي ” والقضية واحدة ؟

اختلاف الآيات في الحدث الواحد :

اختلاف الآيات للحدث الواحد أو القصة الواحدة ، إما بالزيادة أو النقص ، أو التقديم والتأخير لأسباب عدة :

  1. قد يكون القائل في القصة أكثر من واحد كما في السحرة في قصة موسى وفرعون .
  2. قد يكون القائل قد تكرر منه الكلام في أكثر من مرة أو أكثر من حدث .
  3. قد يكون المقصود التفنن في الكلام لتسلية الأنبياء وخاصةً نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لتقوية عزيمته هو وأصحابه ، وفي ذلك من الإعجاز للكفار أن يأتوا بمثله ، وهذا التفنن هو الذي أشار إليه الله سبحانه في القرآن بتصريف الآيات ، وتنويعها كما قال في سورة الأنعام ( ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ) ولقوم يعلمون .

10 ( وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّى لاَ يَخَافُ لَدَىَّ ٱلْمُرْسَلُونَ ) .

وجاء في سورة القصص (  يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ ) بزيادة أقبل ، لأن في النمل ، بني عليه كلام يناسبه ، وهو ( إِنِّى لاَ يَخَافُ لَدَىَّ ٱلْمُرْسَلُونَ ) فناسبه الحذف ، أما في القصص فلم يبن عليه شيئ فناسبه زيادة ( أَقْبِلْ ) جبراً له ، وليكون في مقابلة ( مُدْبِراً ) أي أقبل آمناً .

11 ( إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ فَإِنِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) .

إِلاَّ مَن ظَلَمَ :

الاستثناء منقطع أي لكن من ظلم ، قال ابن كثير : ” وفيه بشارة عظيمة للبشر ، وذلك أن من كان على عمل سيئ ثم أقلع عنه ورجع وتاب وأناب فإن الله يتوب عليه ، وخاصةً من أخطأ فاستغفر الله وتاب ” ، وإنما خصّ المرسلين بالذكر ، لأن الكلام في قصة موسى وكان من   المرسلين .

الآيَات التسع :

12 ( وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ فِى تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ ) .

أَدْخِلْ – ٱسْلُكْ :

وجاء في سورة القصص ( ٱسْلُكْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ ) .

الآيات هنا تختلف عن قصة نوح عليه السلام ، فـ ” أدخل ” أبلغ من السلوك ، لأن ماضيه أكثر حروفاً من ماضي السلوك ، فناسب ( أَدْخِلْ ) كثرة الآيات  ( فِى تِسْعِ آيَاتٍ ) ، وناسب ” اسلك ” قلتها ، وهي سلوك اليد وضم الجناح .

وَقَوْمِهِ – وَمَلَئِهِ :

الملأ أشراف القوم ، والقوم هم عامة الرعية ، فالقوم أعم من الأشراف الملأ ، ويجوز أن يكون الكلام مرةً من بعض الأشراف الملأ ، ومرةً من بعض القوم ، لأن فرعون كان يعرض نفسه على الجميع ويخاطب الجميع ، باعتباره ربهم الأعلى .

13 ( فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ) .

البلاغة : الاستعارة المكنية :

في قوله تعالى ( مُبْصِرَةً ) جعل الإبصار لها مجازاً من باب الإسناد إلى السبب لوجود الهداية فيها .

28 ( ٱذْهَب بِّكِتَابِى هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ) .

فَأَلْقِهْ :

هذا عطف بيان على ” كتابي ” أو بدل منه ، الفاء عاطفة ، ألقه فعل أمر ، مجزوم .

40 ( قَالَ ٱلَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ، وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّى غَنِيٌّ كَرِيمٌ ) .

الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ :

الكتاب هو اللوح المحفوظ ، والذي عنده علم من الكتاب لا يكون إلا ملكاً أطلعه الله على علم من علمه ، أحضر له العرش قبل أن يطلبه فقدمه له بمجرد ما طلبه ، وهذه المهمة ليست بمقدور البشر    والجن ، فالجن عجز عنها فكيف يكون بمقدور إنسان بشر ، فلا بد أن يكون هناك ملك من الملائكة كلِّف بهذه المهمة ، ولذلك قال سليمان   ( هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّى غَنِيٌّ كَرِيمٌ ) ، ولا صحة لما ذكر من أسماء أخرى .

47 ( قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ) .

ٱطَّيَّرْنَا :

أصله تطيرنا ، أدغمت التاء في الطاء ، لقرب المخرج فسكنت ، والمعنى : تشاءمنا ، وإنما قالوا ذلك لأنهم قحطوا وجاعوا ، والتطير عندهم بلغ أشده وأكبر مما في سورة يس ، لذا جاء فيه المبالغة .

ختام الآية :

( بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ) الفتنة هنا معناها الاختبار والامتحان بالخير والشر ، ونبلوكم بالخير والشر فتنة ، والشؤم والجوع ليسا بسبب    صالح عليه السلام ، وإنما بسبب أعمالهم ، فناسب ختم الآية بذلك .

49 ( قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ) .

البلاغة – تَقَاسَمُواْ :

فاعل وتفاعل من صيغ المشاركة ، يفيد كل منهما اشتراك أكثر من واحد في الفعل ، وتقاسموا أي حلفوا بما في عقيدتهم ، وما يعتقدونه رباً لهم .

66 ( بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ) .

ادَّارَكَ – عَمُونَ :

أصله تدارك ، فأبدلت التاء دالاً وأسكنت للإدغام ، واجتلبت همزة الوصل للابتداء ، ومعناه : تلاحق وتدارك ، وعمون : جاهلون .

82 ( وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ ) .

دابة الأرض :

الآية لم تعين نوع الدابة ولا شكلها ، والتنكير يدل على  التكثير ، ولم يصح شيئ مما نُسب للرسول صلى الله عليه وسلم فيها          ( تُكَلِّمُهُمْ ) بالطريقة التي يفهمونها .

87 ( وَيَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِى ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ) .

فَزِعَ – صَعِقَ :

وجاء في سورة الزمر : ( وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ ) 68 ، وإنما قال ذلك لمناسبة ما بعده : ( فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ ) في حين ختم آية النمل : ( وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ) وهو المناسب للفزع .

*  وزير الأوقاف والشئون الإسلامية في دولة الكويت سابقاً .