” نساء في الجحيم ” لعائشة بنور : دراسة موضوعية
مارس 24, 2025القصة القصيرة في الكويت في القرن العشرين
يوليو 9, 2025بأقلام الشباب :
الاستشراق : نشأته وأهدافه
الأستاذ هارون الرشيد الشيريفوري *
الاستشراق اللغوي فعله ” شرق ” ، يقال : ” شرقت الشمس : طلعت ، وبابه نصر ينصر ” ، وشرَّق ( بتشديد الراء ) : أخذ في ناحية المشرق ، والشرق : الشمس وجهة شروق الشمس ، وشجرة شرقية : تطلع عليها الشمس من شروقها إلى نصف النهار ” .
وقرر ” أن ” كلمة : ( استشرق ) ومشتقاتها مولدة ، استعملها المحدثون من ترجمة كلمة Orientalism ، ثم استعملوا من الاسم فعلاً ، فقالوا : استشرق ، وليس في اللغات الأجنبية فعل مرادف للفعل العربي ، ولكن كلمتي ” استشرق ” و ” مستشرق ” قد ذاعتا وشاعتا شيوعاً كبيراً ، ويعد مصطلح ” الاستشراق ” وما يشتق منه نحو ” مشرق ” ؛ من التسميات الحديثة ، وإن كان مدلولها قديماً .
أما الاستشراق الاصطلاحي فقد وردت له تعريفات عدة ؛ منها : أنه ” ذلك التيار الفكري الذي تمثل في الدراسات المختلفة عن الشرق الإسلامي والتي شملت حضارته وأديانه ، وآدابه ولغاته ، وثقافته ، ولقد أسهم هذا التيار في صياغة التصورات الغربية عن العلم الإسلامي معبراً عن الخلفية للصراع الحضاري بينهما ” .
لقد استعمل مصطلح ( Orientalist ) للمرة الأولى في مستهل عام ١٧٦٦م ، حيث ورد في موسوعة لاتينية للتعريف بالأب ” بولينوس ” ، وطبقاً لبعض المؤلفين تعود بداية استعمال هذه المفردة في إنجلترا إلى العام ١٧٧٩م أو ١٧٨٠م . ومن ثم انتقل هذا المصطلح إلى اللغة الفرنسية عام ١٧٩٩م ، وظهر عام ١٨٣٨م في معجم الأكاديمية الفرنسية ، ودخل إلى معجم أكسفورد عام ١٨١٢م .
هذا ؛ ومن خلال استقراء المراجع والدراسات التي تناولت موضوع الاستشراق يلاحظ أنها – في الجملة – تفيد بأن المستشرق ( صيغة اسم الفاعل ) ، إنما هو الماهر بما ذكر في تعريف كلمة الاستشراق ، والشخص الغربي الذي يتفقد جميع أحوال الشرق ، ولا فرق بين أن يكون نصرانياً أو يهودياً أو مسلماً حتى ملحداً ينكر الدين من أصله ، وإن كان السواد الأعظم ممن ركب تيار الحركة الاستشراقية هم من غير المسلمين ، المهم أنه – بحسب تلك المراجع والدراسات – باحث غربي يطلب دراسة علوم الشرق ، خاصةً الشرق الإسلامي العربي ، وهذا ما تميل إليه النفس .
نشأة الاستشراق :
يعود الارتباط التاريخي بين الشرق والغرب إلى ظهور التبادل التجاري في أيام الكنعانيين والصراع الذي احتدم إثر ذلك في القرن السادس قبل الميلاد بين إيران واليونان ، فبدأ الإغريقيون منذ ذلك الحين بـ ” التعرف إلى الشرق ” من أجل تحسين أدائهم في عملية الدفاع والهجوم .
فكان أول مستشرق في تلك المرحلة هو المؤرّخ اليوناني الشهير هيرودوتس حيث أخذ هذا المؤرخ الكبير الذي عرف بـ ” أبي التاريخ ” بتسجيل مشاهداته وملاحظاته حول الري وبلاد ما بين النهرين والرافدين ” العراق ” ، ومصر والشام وشبه الجزيرة العربية ، وكذلك معرفة السكان القاطنين فيها وعاداتهم ، وتجاراتهم والبضائع التي يتاجرون بها في تاريخه المعروف ، وإن كانت كتاباته تشتمل على الكثير من الأساطير والخرافات ووقائع مبالغ فيها ولا أساس لها من الصحة .
أما الارتباط الثاني فيعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد ، حيث هاجم الإسكندر المقدوني الملك الإغريقي الشاب الأراضي الإيرانية وكافة الأقطار الشرقية ، واحتل كافة المناطق الآسيوية مدفوعاً بفكرة الهيمنة على جميع الكرة الأرضية وتوحيدها تحت لوائه ، حتى تمكن من بلوغ البوابات الصينية ، ولم يتوقف زحف القوات الغربية إلا بموته المبكر عن عمر ناهز الثالثة والثلاثين عاماً . وقد عمد الإسكندر في هذه الحملات إلى فتح الجزيرة العربية بعد فتح مصر والهلال الخصيب ، فأرسل طلائع بقيادة أرخياس ( Archias ) للتوجّه من مدينة بابل إلى عمق البحرين للحصول على المعلومات اللازمة والتي تساعد وتسهل هجوماً ناجحاً عليها ، فجمع معلومات كثيرةً عن تلك المناطق شكلت فيما بعد جزءاً من الوثائق الاستشراقية .
وإن تاريخ الاستشراق يرجع في نشأة له أخرى إلى القرن الثالث عشر الميلادي والعوامل التي كونت هذا التاريخ إنما هي دينية وسياسية واقتصادية ، ولكن الاستشراق قد بدئ من جديد عندما ازدهرت الحضارة الإسلامية في الوقت الذي كان الغرب المسيحي يتخبط في دياجير الجهل والخمول والفساد والضلال ، فتعجب بعض رجال الغرب بحضارة المسلمين فتوجهوا إلى الدول الإسلامية ينهلون من ثقافتها ، وما لبث الرهبان أن سلكوا هذا الطريق ولكن بأساليب معوجة ، إذا اهتموا بالثقافة العربية الإسلامية ، ليس حباً فيها ، ولكن لغاية في أنفسهم ، هى تدنيس الإسلام ، وكان أول المستشرقين منهم ، هو الراهب الفرنسي جربرت الذي انتخب بابا لكنيسة روما عام ٩٩٩م بعد تعلمه في جامعات الأندلس الإسلامية وعودته إلى بلاده ، وهكذا لم ينشأ الاستشراق كما يتصور البعض لخدمة العلم والمحافظة على تراث الشرف من الضياع ، وإنما بدئ أول ما بدئ في رعاية الكنيسة الكاثوليكية ، وخضع لإشراف دقيق منظم من كبار أحبارها ، وكان الرهبان والعقاد هم جنوده الأولين ، وعلى الرغم من أن المستشرقين يتصفون ، وعلى حد زعمهم بقيامهم بإجراء دراسات وأبحاث موضوعية وبناءة مبنية على أسس علمية متينة ، وذلك في مختلف مجالات الحياة ، إلا أننا نجدهم يتخلون حتى عن الضوابط المنهجية البسيطة لإجراء الأبحاث العلمية والقواعد التنظيمية ، وكأنهم لا صلة لهم بالأبحاث العلمية النزيهة ، وذلك حينما يتعلق الأمر بالإسلام والقرآن الكريم أو سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ؛ حيث من دأب طائفة كبيرة من المستشرقين البحث عن مواضع الضعف في الشريعة الإسلامية ، وإبرازها لأجل غاية سياسية أو دينية ، ناهيك عن إثارة شبهات حول الإسلام ومصادره من حين لآخر .
أهداف الاستشراق :
إن المرامي التي يسعى إليها أصحاب الاستشراق أي المستشرقون ينقسم إلى أنواع :
(1) الهدف الديني : وهو أول أغراض الاستشراق وأهمها على الإطلاق ، وقد بدئ بتشجيع من الكنيسة وسدنة نحلتها فعندما رأى النصارى وبخاصة رجال دينهم انتشار الإسلام ، وكذلك إقبال الناس على دين الحق قاموا بمحاربته باتجاهات ومقاصد كثيرة .
(2) الهدف السياسي : وهو يريد إنهاك روح الإخاء بين المسلمين والعمل على تفريقهم لإحكام السيطرة عليهم والعناية باللهجات العامية ودراسة العادات السائدة .
(3) الهدف التجاري : وهو من الأهداف التي لها أثر ملموس في تنشيط الاستشراق .
(4) الهدف الاستعماري : لقد خدم المستشرقون الأهداف الاستعمارية لأقطارهم عن طريق الاستيلاء على ثروات الممالك التي رغبوا في استعمارها .
(5) الهدف الثقافي : إن من أبرز أهداف الاستشراق نشر الثقافة الغربية ، ومن أنجع المجالات الثقافية ترويج اللغات الأوربية ومحاربة اللغة العربية وصبغ البلاد العربية والإسلامية بالطابع الثقافي الغربي .
(6) هدف علمي خالص ليس وراءه إلا البحث والتمحيص : وهكذا اختلفت أساليب المستشرقين وتعددت وسائل غزوهم الفكري محاولين النيل من الإسلام ، ولكن لا يفوتنا القول بأن مجموعة منهم كانوا أصحاب ضمائر حية فأبوا إلا أن ييسروا حقيقة ما انتهت إليه دراساتهم الطويلة ، وبحوثهم العميقة ، فكانت كلمة حق في الاسلام ساعدت على تصحيح بعض أفكار الغرب الخاطئة عنه ، ومن هؤلاء المستشرقين من اعتنق الإسلام وحسن إسلامه ، ومنهم من ظل على عقيدته رغم التزامه بالتجرد والأمانة العلمية في كتاباته ؛ مثل : توماس أرنولد الذي أنصف المسلمين في كتابه ” الدعوة إلى الإسلام ” ولكن المستشرقين المتعصبين صرحوا بأنه صار مندفعاً بعاطفة قوية من الحب والعطف على المسلمين .
ألا يعلمون أن الإسلام دين الله للعالم كله ، فلا يمكن أن يستأثر بفهمه قوم دون قوم فليتفطن له من شاء ما شاء على أن يتحلى بصفة العلماء ، وهي الإنصاف والإخلاص للحق ، والبعد عن العصبية والهوى .
اللهم اهد قلوبنا وسدد ألسنتنا ، واهد بنا واهد الناس جميعاً واجعلنا با سببا لمن اهتدى ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم .
المصادر والمراجع :
- مقالات وبحوث حول الاستشراق والمستشرقين للإمام الجليل العلامة الشيخ السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي ، ص : 15 .
- كتاب الاستشراق ، ص : 9 – 13 .
- مجلة استشراقية ، ص : 176 .
- الاستشراق : نشأته وأهدافه ، ص : 64 – 65 و 68 .
- أهداف الاستشراق ، ص : 2 – 7 .
- الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم للدكتور مصطفى السباعي ، ص : 86 .
- مجلة البعث الإسلامي ، فبراير 2025م ، ص : 67 – 68 .
- حولية ” التكبير ” ( الصادرة عن الجامعة المدنية قاسم العلوم شاهباغ ، ذكيغنج ، سلهت ) ، ص : 75 – 77 ، إلى غير ذلك .
* أستاذ الحديث والأدب العربي بالجامعة الأهلية المحسنية دار الحديث ، سلهت ، بنغلاديش .