الاجتهاد الجماعي : تعريفه وأدواره

فقه العداوة في ضوء الكتاب والسنة
يونيو 2, 2021
من إعجاز القرآن المجيد : النظام المالي
أكتوبر 12, 2021
فقه العداوة في ضوء الكتاب والسنة
يونيو 2, 2021
من إعجاز القرآن المجيد : النظام المالي
أكتوبر 12, 2021

الفقه الإسلامي :

الاجتهاد الجماعي : تعريفه وأدواره

الأستاذ عبد الله خالد الندوي *

تعريف الاجتهاد الجماعي :

فالاجتهاد في اللغة مأخوذ من الجهد والجهد ، بفتح الجيم   وضمها ، وهو الطاقة ، ورد في لسان العرب : الجهد : الطاقة ، وجهد يجهد جهداً أي جدّ ، والاجتهاد والتجاهد : بذل الوسع والمجهود [1] ، فالاجتهاد عبارة عن بذل المجهود واستفراغ الوسع في تحقيق أمر من  الأمور ، ولا يستعمل إلا ما فيه كلفة ومشقة ، فيقال : اجتهد في حمل حجر الرحى ، ولا يقال : اجتهد في حمل خردلة أو نواة [2] .

أما في اصطلاح الأصوليين فتتفاوت تعاريفه من حيث الألفاظ إلا أن معاني أكثرها متقاربة .

فقد عرفه الآمدي وصاحب مسلم الثبوت وجماعة : بأنه ” استفراغ الوسع في طلب الظن بشيئ من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد فيه ” ، وهذه عبارة الآمدي وعبارة مسلم الثبوت ، ومثلها عبارة ابن الحاجب تقريباً : ” بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حكم شرعي ظني ” [3] .

وعرفه الغزالي رحمه الله تعالى بأنه : ” بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة ” [4] .

وذكر القاضي البيضاوي رحمه الله بأنه : ” استفراغ الجهد في درك الأحكام الشرعية ” [5] .

ومن بين هذه التعاريف لعل أنسبها ما يكون ما عرفه العلامة الكمال ابن الهمام بأنه : ” بذل الطاقة في تحصيل حكم شرعي عقلياً كان أو نقلياً ، قطعياً كان أو ظنياً ” [6] .

وورد تعريفه بإضافة لفظ الفقيه أيضاً ؛ فهو ” بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حكم شرعي ، عقلياً كان أو نقلياً ، قطعياً كان أو ظنياً ” [7] .

فهذا التعريف يشمل الاجتهاد في العقليات والنقليات ، قطعيةً كانت أم ظنيةً ، وأخرج به بذل الطاقة من غير الفقيه ، فلا يسمى اجتهاداً عند الأصوليين ، كما لا يسمى استنباط الأحكام اللغوية ، أو العقلية من غير الفقيه ، أو الحسية اجتهاداً أيضاً [8] .

وعد هذا التعريف كثير من الباحثين أفضل التعريفات للاجتهاد وأرجحها لأمور ، منها :

  1. أنه يتميز بالوضوح والبيان .
  2. فيه تعميم من جهة تحصيل الأحكام على سبيل القطع أو على سبيل الظن ، وهذا يوافق ما قاله الأصوليون : ” أن الاجتهاد قد يكون مفيداً للقطع كما في الأمور العقلية الأصلية ” .
  3. أنه ينطبق على الأصولي والفقيه والمفتي .
  4. أنه يشمل الاجتهاد الجماعي والاجتهاد الفردي .
  5. أن الاعتراضات الواردة في تعريف الاجتهاد قليلة فيه بالنسبة إلى غيره في باقي التعريفات ، ولذلك فهو قريب من تعريف المعاصرين للاجتهاد بأنه ” عملية استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية ” [9] .

معنى كلمة الجماعي :

لغةً : من الجمع ، وهو : تأليف المفترق ، وضم الشيئ بتقريب بعضه من بعض [10] .

أما اصطلاحاً : فهو مأخوذ من معنى الاجتماع والجماعة ، وهو حالة من التعاون والمشاركة تظهر في إنجاز عمل ما في جو من المحبة والأخوة .

معنى الاجتهاد الجماعي :

لم يسبق للمتقدمين من العلماء أن وضعوا تعريفاً اصطلاحياً للاجتهاد الجماعي ، وإنما اكتفوا بوضع تعريفات للاجتهاد العام ، والتي كانت الفردية هي السمة الغالبة في الاجتهاد عندهم ، لذلك لم يهتم الفقهاء المتقدمون بالاجتهاد الجماعي من حيث التنظير ، وإن كان له وجود من حيث التطبيق .

وعليه فإن هذا المصطلح يعتبر مصطلحاً معاصراً من حيث   التنظير ، ومع زيادة توجه العلماء المتأخرين لمسلك الاجتهاد الجماعي ، فقد ظهرت الحاجة منذ منتصف القرن الماضي من أجل وضع تعريف منضبط لهذا المصطلح ، فبرزت العديد من التعريفات لمصطلح ” الاجتهاد الجماعي ” [11] .

ومن أشهر هذه التعريفات :

وهو ما عرفه الدكتور العبد خليل :

بأنه ” اتفاق أغلب الفقهاء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر من العصور على حكم شرعي في مسألة ” [12] .

وهو ما ذكره الدكتور عبد المجيد السوسوه الشرفي : بأنه         ” استفراغ أغلب الفقهاء الجهد لتحصيل ظن بحكم شرعي بطريق الاستنباط ، واتفاقهم جميعاً أو أغلبهم على الحكم بعد التشاور ” [13] .

تاريخ الاجتهاد الجماعي وأدواره :

المرحلة الأولى : عصر الرسالة :

كان عصر الرسول صلى الله عليه وسلم عصر تأسيس وتكوين جميع القضايا والأحكام والمنطلقات الإسلامية ، لهذا فإن ضبط مرحلة تأسيس وتكوين فكرة الاجتهاد الجماعي ، ينبغي أن يبتدئ بالتحقق من وجود هذه الفكرة في عصر الرسالة ، وذلك من خلال التأمل والتمعن في اجتهادات الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإذا ألفينا تلك الاجتهادات ، ودققنا فيها النظر ، وجدناها اجتهادات جماعية في معظم الأحيان ، فإننا سننتهي إلى القول بأن فكرة الاجتهاد الجماعي نشأت وتكونت في ذلك العصر المبارك .

ومن أمثلة ذلك : قرار خروجه إلى غزوة بدر ، واختياره ملاقاة العدو بدلاً من ملاقاة العير ، كان التزاماً منه بذلك الرأي الذي ترجح لدى غالبية الصحابة الذين شاورهم وحاورهم في هذه النازلة ، وكذلك قبوله رأي القائلين من أصحابه رضي الله عنهم بالنزول عند أدنى ماء من بدر [14] .

المرحلة الثانية : عصر الخلفاء الراشدين :

كان عصر الخلفاء الراشدين امتداداً طبيعياً لعصر الرسالة ، ومتابعةً عمليةً لمنهاج النبوة ، وللمنهاج الجماعي في التصدي للنوازل والمسائل العامة ، وهذه الفترة هي الفترة البارزة في العمل بالاجتهاد الجماعي ، فقد سجل تاريخ التشريع الإسلامي أن الاجتهاد الجماعي كان منهجاً متبعاً في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، ولم ينكر أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، فكان ذلك موافقةً منهم على فعلهما . وإذا تأملنا فيما كان يعمله الخلفاء الراشدون للاجتهاد في القضايا المستجدة التي ليس فيها نص من كتاب أو سنة ، وجدنا أنه لم يكن في حقيقته إلا اجتهاداً جماعياً [15] ، لأن ما وقع إنما كان اتفاقاً من الحاضرين ، من أولي العلم والرأي على حكم في الحادثة المعروضة ، فهو في الحقيقة : حكم صادر عن شورى الجماعة لا عن رأي الفرد . ومما لا ريب فيه أن رؤوس الناس وخيارهم ، الذين كان يجمعهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقت عرض الحادثة ، ما كانوا جميع رؤوس المسلمين وخيارهم ، لأن عدداً كبيراً من مجتهدي الصحابة كان في مكة والشام واليمن وفي ميادين الجهاد ، ولم يرد أن أبا بكر أو عمر أجَّل الفصل في خصومة ، حتى يقف على رأي جميع مجتهدي الصحابة في مختلف البلدان ، بل كان يمضي ما اتفق عليه الحاضرون ، لأنهم جماعة ، ورأي الجماعة أقرب إلى الحق من رأي الفرد ، وهذا ما سماه الفقهاء الإجماع وهو في الحقيقة تشريع الجماعة لا الفرد [16]. ولهذا فقد كان الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم ، يجمعون في المسجد النبوي رؤوس الناس من ذوي الرأي ، فيستشيرونهم في الأمور الخطيرة ، كما فعل عمر رضي الله عنه في جمع الصحابة للبحث في قسمة موارد العراق وغيره من الأراضي المفتوحة عنوةً ، وانتهى رأيهم بالاتفاق على إبقاء الأرض بيد أهلها ، وعدم قسمتها بين الغانمين [17] .

المرحلة الثالثة : بعد عصر الخلفاء الراشدين :

بعد الفترة التي كانت معالم وأسس الاجتهاد الجماعي فيها واضحة ، وبعد أن تفرق المجتهدون من الصحابة في الأقطار ، مما يصعب معه اجتماعهم وتشاورهم ، أصبح الطابع العامل لاجتهاد فردياً ، حيث كان كل مجتهد يستقلب رأيه وفهمه في اجتهاده [18] .

ويقول عبد الوهاب الخلاف : ” وأما بعد عهد الصحابة ، فيما عدا هذه الفترة في الدولة الأموية – القرن الثاني – والأندلس ( يذكر في ترجمة بعض علماء الأندلس أنه كان من علماء الشورى ) فلم ينعقد إجماع ، ولم يتحقق إجماع من أكثر المجتهدين لأجل تشريع ، ولم يصدر التشريع عن الجماعة ، بل استقل كل فرد من المجتهدين باجتهاده في بلده وفي بيئته . وكان التشريع فردياً لا شورياً ، وقد تتوافق الآراء ، وقد  تتناقض ، وأقصى ما يستطيع الفقيه أن يقوله : لا يعلم في حكم هذه الواقعة خلاف ” [19] .

المرحلة الرابعة : محاولات إحياء الاجتهاد الجماعي في العصر الحديث :

وهيت لك المرحلة التاريخية التي عاد فيها اهتمام الساحة الفكرية الإسلامية بفكرة الاجتهاد الجماعي .

ويمكن توزيع هذه المرحلة على فترتين أساسيتين ، وهما :

  1. وهي فترة ظهور الدعوات إلى تنظيم الاجتهاد الجماعي عبر المجامع والمجالس الاجتهادية ، وبدأت من بدايات القرن الرابع عشر الهجري ، وامتدت هذه الفترة إلى النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري .
  2. وهي فترة تأسيس مجامع الفقهية كوسيلة للاجتهاد الجماعي ، تلبيةً للدعوات التي ارتفعت في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري وتمتد إلى وقتنا الحالي ، حيث لا تزال المجامع الفقهية التي أسست تمارس الاجتهاد الجماعي وتعمل بمقتضاه في القضايا التي تعرض عليها وتحظى بمناقشتها وإصدار رأي فيها [20] .

* جامعة الشارقة ، دولة الإمارات العربية المتحدة .

[1] الاجتهاد الجماعي في التشريع الإسلامي للدكتور عبد المجيد السوسوه الشرفي ص : 43 ، صدر عام 1998م ، وهو العدد 62 من سلسلة كتاب الأمة التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة قطر .

[2] أصول الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي ، الطبعة الأولى 1406هـ – 1986م ، دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر بدمشق ، سورية ، ص : 1037 .

[3] المصدر السابق ، ص :  1037 – 1038 .

[4] المصدر السابق .

[5] المصدر السابق .

[6] الاجتهاد الجماعي وتطبيقاته المعاصرة ؛ رسالة الماجستير في أصول الفقه من كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية بغزة ، 1429هـ/2008م ، إعداد : نصر محمد الكرنز ،     ص : 10 .

[7] أصول الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي ، ص : 1038 .

[8] المصدر السابق .

[9] الاجتهاد الجماعي وتطبيقاته المعاصرة ؛ رسالة الماجستير في أصول الفقه من كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية بغزة ، 1429هـ/2008م ، إعداد : نصر محمد الكرنز ،     ص : 10 .

[10] بحث الاجتهاد الجماعي المعاصر : إشكاليات التطبيق ومقترحات المعالجة والتطوير ، ص : 595 ، مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والدراسات الإسلامية ، المجلد : 17 ،        العدد : 1 ، يونيو 2020 ، إعداد : نبيل جمعه العبري .

[11] المصدر السابق ، ص : 596 .

[12] المصدر السابق .

[13] الاجتهاد الجماعي في التشريع الإسلامي ، للدكتور عبد المجيد السوسوه الشرفي ،       ص : 46 .

[14] المصدر السابق ، ص : 48 .

[15] المصدر السابق ، ص : 49 .

[16] علم أصول الفقه وخلاصة التشريع الإسلامي عبد الوهاب خلاف ، ص : 50 ، دار الفكر العربي ، القاهرة . طبع سنة 1996م .

[17] الاجتهاد الجماعي وتطبيقاته المعاصرة ، ص : 50 .

[18] المصدر السابق ، ص : 51 .

[19] علم أصول الفقه وخلاصة التشريع الإسلامي ، لعبد الوهاب خلاف ، ص : 50 .

[20] الاجتهاد الجماعي وتطبيقاته المعاصرة ، ص : 52 – 53 .