الإعلام الإسلامي وخصائصه ودوره في المجتمع

دراسة فنية لحديث سنداً ومتناً
أغسطس 31, 2025
الطب النبوي : بين العلم والدين : دراسة تحليلية معاصرة ( الحلقة الثالثة الأخيرة )
أغسطس 31, 2025
دراسة فنية لحديث سنداً ومتناً
أغسطس 31, 2025
الطب النبوي : بين العلم والدين : دراسة تحليلية معاصرة ( الحلقة الثالثة الأخيرة )
أغسطس 31, 2025

دراسات وأبحاث :

الإعلام الإسلامي وخصائصه ودوره في المجتمع

الدكتور معراج أحمد معراج الندوي *

الإعلام الإسلامي هو بيان الحق وتزيينه للناس بكل الطرق والأساليب والوسائل العملية المشروعة ، مع كشف وجوه الباطل وتقبيحه بالطرق المشروعة ، بقصد جلب العقول إلى الحق وإشراك الناس في نوال خير الإسلام وهديه وإبعادهم عن الباطل [1] . يتقيد الإعلام الإسلامي بقيمه ومعاييره ومبادئه ، ويعبر عنها في كل ما يقدمه للناس من بيانات واقعية أو مكونات وهيمية [2] ، وهو كل الجهود الإعلامية والاتصالية والدعوية الهادفة إلى تعريف الناس كافة بحقائق الدين الإسلامي ومبادئه وتشريعاته وقيمه وتوجيه سلوك الأفراد طبقا لتعاليم الإسلام وقيمه وضوابطه [3] .

الإعلام الإسلامي هو الإعلام الذي يتناول كافة المعلومات والحقائق والأخبار بجميع الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية ، فالإعلام الإسلامي ليس إعلاماً مختلفاً في أساليبه أو موضوعه أو فنونه المتنوعة عن الإعلام المعاصر،  لكنه ذو صبغة خاصّة مستمدّة من روح الشريعة الإسلامية لتظهر في جوهره ومحتواه وشكله وكل ما يصدر عنه حتى يكون معبراً عن قيم المجتمع الإسلامي وأصالته وتراثه الفكري ، فالإعلام الإسلامي هو استخدام منهج إسلامي بأسلوب فني إعلامي يقوم به مسلمون عالمون عاملون بدينهم ، متفهمون لطبيعة الإعلام ووسائله الحديثة وجماهيره المتباينة مستخدمون تلك الوسائل المتطورة لنشر الأفكار المختصرة والأخبار الحديثة والقيم الأخلاقية والمبادئ والمثل للمسلمين وغير المسلمين في كل زمان ومكان .

أهداف الإعلام الإسلامي :

الهدف من الإعلام الإسلامي التأثير في الجمهور ، وليس إثارتهم ، فالصور التي يتم التقاطها في الكون الواسع تكون لمعرفة قدرة الله وآثارها في الكون ، ومن الأهداف الرئيسية للإعلام الإسلامي أن يثير الشهوات والتخيلات ، فهذا ما يؤكد على أن رسالة الإعلام الإسلامي هو نشر مبادئ وقيم الدين الإسلامي وليس الربح المادي [4] . يعتمد الإعلام الإسلامي نظرية المثل أو القدوة الحسنة والتي ينسجم فيها قول الإعلامي مع سلوكه وعمله ، فتتجسد المبادئ الإسلامية في الأشخاص ، كما يتسم الإعلام الإسلامي بالمرونة ، وتتمثل في قدرته على مواجهة مختلف التحولات التي تحدث في العالم .

يقوم الإعلام الإسلامي على مجموعة من الأساليب الإعلامية التي ترتكز على القلب وتحرك الشعور والوجدان [5] ، ويعمل على بناء ثقافة عامة في المجتمع وتقديم المعلومات وإيصالهم إلى بناء السلام مشتركةً في التطور والنمو والحياة الأفضل .

الإعلام الإسلامي وخصائصه :

يميز الإعلام الإسلامي عن باقي المضامين الإعلامية الأخرى ، ومن ثم التعرض لسبيل تطبيق هذا الإعلام مع مراعاة خصوصيته العقائدية من أساليب ومناهج تجعل من رسالة مؤثرة ومقنعة . يمكن لنا أن نلخص جملة خصائص الإعلام الإسلامي فيما يلي :

الصدق : إن نظرية الإعلام تتوخى الصدق ، وتتحرى الحق سواء في الأخبار أو في السلوك ، ولما كان الإعلام في كل صورة يقوم على الكلمة ، فلا بد أن تكون الكلمة الصادقة المنبتة نابعةً عن رؤية إسلامية صادقة بحيث تهدف إلى تحقيق الخير والمنفعة للناس على اختلاف طبقاتهم الإجتماعية . إن الإعلام الإسلامي في طبيعة صياغته للخبر ملتزم بأمانة الكلمة في الإسلام ، فلا يعمد إلى التهويل أو استخدام أسلوب الإثارة ،  يلجأ إلى تقصى الحقيقة والصدق الكامل بغير زيادة  ، ولا نقصان ، هذا ما يؤدي إلى الصدق في صياغة الخير من وجهة نظر إسلامية [6] .

الشمولية : إن الإعلام الإسلامي يرتكز على الإحاطة والشمولية بكل ما يحيط بتعاليم  الدين الإسلامي الحنيف ، يشتمل على كل ما يحقق السعادة للخلق ، وكفل الحقوق والحريات للجميع ، حيث إن شمولية الإعلام الإسلامي مرهونة بالتزامه بالمنهج الإسلامي والذي يلبى حاجات الحياة الإنسانية الصالحة للبشرية جمعاء عبر كل زمان ومكان [7] .

الواقعية : الواقعية هي إحدى خصائص الفقه الإسلامي الذي ينتمي إلى النظرة الإسلامية في الإعلام ، كما أنها المنبر المعبر والمساعد رجل الإعلام حتى ينير للملتقى الواقع ، ويساعد بتغييره نحو الأحسن حتى يشكل تطابقاً بين المجتمع والمنهج الإسلامي [8] .

والأمر الذي تحققه مبادئ الأعلام الإسلامي التي تنبع من الإيمان بالله ، من حيث تنظيم علاقة الفرد بنفسه ، وعلاقة الفرد بالفرد الآخر ، ثم علاقة الفرد بأمته ومجتمعه ، وبالكون الذي يعيش فيه ، كما أن الإعلام الإسلامي يخاطب المجتمع العالمي الإنساني بالوشائج القوية من الإخاء والمحبة والتسامح والتعاون والتكامل .

نظرية الإعلام الإسلامي :

إن الإعلام الإسلامي ليس مرتبطاً بفترة زمنية معنية ، وليس محدوداً ببقعة جغرافية محدودة ، بل هو منهج يتجاوز حدود الزمان والمكان ، ويحمل في طياته بذور الملاءمة لكل زمان ومكان . وإذا كان الإعلام هو صناعة الرأي العام ، وهو إلى جانب ذلك يحمل رسالة ، وهو أداة اتصال بين طرفين : المخبِر والمخبَر ، فإن القرآن الكريم بهذا المعنى هو أهم وسيلة إعلامية قديماً وحديثاً .

إن القرآن الكريم الذي تنبع منه نظرية يؤكد على وحدة الإنسانية ، حيث يقوم الإعلام الإسلامي على أسس من صلة الرحم بين بني الإنسان ، وعلى أساس من التعارف المودة واقرار السلام ، فإن الأصل في الإعلام الإسلامي هو التوادد والتراحم لا العداوة القاطعة . الإسلام من طبيعته التجديد ، وليس من طبيعته الجمود ، والإسلام في دعوته إلى التجديد والانطلاق في آفاق الكونه ، والنظر إلى ملكوت السموات والأرض .

الإعلام الإسلامي يركز على الأخلاق ، لأنها ضرورة من ضروريات الحياة والوجود الإنساني . لقد قدم الإسلام للإنسانية دستوراً أخلاقياً شاملاً ، تنظمه نظرية مفصلة توضح كل العناصر الضرورية اللازمة لتكوين فكرة دقيقة عن الطريقة التي ينبغي أن تنصورها معنى الأخلاق . الإعلام الإسلامي يتميز باستقاليته ورفضه للهيمنة ، كما يرفض أشكال التبعية ، وهو عالمي التوجيه ، ودعوته عالمية ، يرفض كل ما يتعارض مع المصادر الأساسية من القرآن الكريم والسنة النبوية [9] .

دور الإعلام الإسلامي في المجتمع :

يتمحور دور الإعلام الإسلامي المقروء في بناء الفرد حول توجيهه وإرشاده دينياً وترسيخ عقيدته ، ونشر الثقافة الإسلامية في الفرد وتعزيز قيمه ومبادئه ، ويساعد الإعلام الإسلامي المقروء أيضاً في تحسين مستوى الوعي الديني لدى الفرد وتعزيز التفاعل الإيجابي مع الأحداث الدينية والاجتماعية والثقافية . إن دور الإعلام الإسلامي في بناء الفرد والمجتمع في تطوير وتحسين وسائل الإعلام الإسلامية المقروءة ، وتعزيز دورها في نشر القيم والمعتقدات الإسلامية وتوجيه الأفراد والمجتمعات نحو السلوك الصحيح والمقبول في الإسلام . ومن خلال فهم دور الإعلام الإسلامي في بناء الفرد والمجتمع ، يمكن تحديد الآليات والأساليب التي يمكن استخدامها لتحقيق دور الإعلام الإسلامي في بناء الفرد والمجتمع ، وتحديد العوامل التي تؤثر على فعاليته . ويتحلى الإعلام الإسلامي بالصدق والموضوعية والواقعية ، بعيداً عن الخداع والتنزيف . يواكب على مواكبة الأساليب المتطورة ضمن حدود الشريعة الإسلامي ، يعمل كل العمل على التجديد في الأسلوب والطرح ، ليكون أكثر مقبولا وفاعلية لدى مختلف الفئات في العالم الإسلامي [10] . يتمثل الإعلام الإسلامي في نشر الثقافة الإسلامية والأخلاق والقيم في المجتمع وتطويره وازدهاره ، ويساعد في تحسين جودة حياة المجتمع وتعزيز التضامن الاجتماعي والاندماج الثقافي .

الإعلام الإسلامي والإعلام الإنساني :

” الإعلام الإسلامي ” و ” الإعلام الإنساني ” هما مصطلحان يشيران إلى نوعين مختلفين من الإعلام ، مع التركيز على القيم والأهداف المختلفة . ” الإعلام الإسلامي ” يركز على القيم والمبادئ الإسلامية في نقل الأخبار والمعلومات ، ويسعى لتقديم محتوى إعلامي يتوافق مع الشريعة الإسلامية . أما ” الإعلام الإنساني ” فيركز على نقل الأخبار والمعلومات بطريقة تحترم حقوق الإنسان وتعزز التفاهم والتعايش بين الثقافات المختلفة .

الإعلام الإنساني في الإسلام ينطلق أساساً من الحرص على حقوق الإنسان ، ويتوسل بالإقناع والتعبير الموضوعي عن عقلية البشر في وضح وصدق وأمانة ، وهو لذلك يحث على التنوير والتثقيف ، وضمان حريات الناس وأمنهم على أرواحهم وأموالهم وأعراضهم ، فإن نظرية الإعلام في الإسلام هي النظرية المثلى في معالجة مشكلات الإنسان المعاصر التي حار في علاجها المفكرون والفلاسفة في شتى بقاع العالم ، إذ أن الإعلام الإسلامي هو الذي يسكب في النفس الطمأنية والرضا ويحفظ على الإنسان كرامته وحريته وينشئ لديه رقابة ذاتية تحميه وتحمي مجتمعه وأمته الإنسانية . أما النظريات الإعلامية المعاصرة فهي نظريات تهتم بالجانب المادي للإنسان ، والتقدم العلمي للسيطرة على عقول الناس ، وترويج للرسالات المادية والإلحادية والنزوات الشريرة لكى تطغى على الإنسان ، فأصبح الإنسان أسيراً لوسائل الإعلام المعاصرة التي جعلته يعيش في فراغ وضياع ، وفقد للتفرقة بين البلاد التي تعتنق أي أيديولوجيات مختلفة كألرأسمالية والاشتراكية .

إذا كانت العدالة أساس العلاقات الإنسانية في الإعلام الإنساني ، فالإسلام دين يصلح لكل المجتمعات ، لأنه دين المساواة بين الناس في الحقوق والوجبات ، وفي الثواب والعقاب ، وفي الحسنات والسيئات ، والأمر الذي يحعل الإعلام الإسلامي مستهدفاً الحض على الأخلاق الكريمة ، والفضائل العليا التي تصلح للأفراد والمجتمعات في كل زمان ومكان .

الإعلام الإنساني وحقوق الناس :

إن الدستور للإعلام الإسلامي ينص على الدعوة إلى وجوب احترام حقوق الناس وبخاصة في النفس والمال والعرض ، وتأكيد حقوق المرأة ووجوب رعايتها ورعاية العلاقة الزوجية والأسرية ، وصيانة الروابط الدينية والأخوية والاتصالية بين الناس ، كما ينص الدستور على إعلان المساوة التامة بين بني الإنسان في الحقوق والواجبات ، بغض النظر عن اللون والجنس ، وهذا الأساس يمثل جوهر الإعلام الإسلامي [11] . إن دستور الإعلام الإسلامي يتجمع ويتبلور في قوله تعالى : ( لا إِكرَاهَ في الدِّين ) [12] حيث أن الإسلام ليس دين إكراه ، لكنه يفرض على الإعلام الإسلامي أن يبشر بالهداية والدعوة بالكلمة الطبية والموعظة الحسنة ، وعلى جانب آخر ، نجد أن الإعلام الدولي المعاصر لا يخرج عن مفهوم الدعاية كنشاط أو فن لإغراء الآخرين بالتصرف بطريقة معينة على نحو ما نعرف عن الدعاية التبشيرية والدعاية السياسية في وسلائل الإعلام العالمية ، والدعاية الرمزية في الحرب النفسية ، والإعلام الإنساني في الإسلام إعلام إيجابي يصل بين الإنسان وخالقه ، ويوضح حقائق الهداية ، ويوجه الإنسان إلى البناء من سعادة الدنيا والآخرة .

إن للحق في نظر الإسلام وظيفتين : إحداهما فردية وأخراهما جماعية ، وبما أن هناك توازناً بين حقوق الفردية والجماعة ، ومع الأخذ بعين الاعتبار حقيقة النفس البشرية التي قد تنزع إلى استعمال الحق بشكل تعسفي مما يلحق الضرر بالآخرين ، يصبح الحفاظ على التوازن بين الحقوق الاستعمال غير مشروع ، وبذلك  نجد أن الإعلام الإسلامي يحمي حقوق الإنسان ويحافظ عليها ويشكل ضمانة لحماية حقوق الإنسان .

استنتاج البحث :

وللإعلام دور كبير في خدمة المجتمع ، فهو ضرورة اجتماعية لمجتمع مستقر ، فإن وسائل الإعلام تخلق نوعاً جديداً من البيئة الصورية بين الإنسان والعالم ، فهي تغلف الإنسان بنوع من الواقع البديل بسبب ما أخذته من السرعة والشمول والانتشار في عالم الاتصالات . الإعلام الإسلام ليس إعلامياً وعظياً فحسب ، وإنما يضاف إلى ذلك كافة الجوانب التي تمس حياة الملتقي ، وكل ما تحتاجه الأسرة والمجتمع . يساعد الإعلام الإسلامي في تحسين مستوى الوعي الديني لدى الفرد وتعزيز التفاعل الإيجابي مع الأحداث الدينية والاجتماعية والثقافية ، الإعلام الإسلامي ركن ركين من هوية الأمة ، وصرخ لا يستهان به تثقيفاً وتربوياً واجتماعياً . يحافظ الإعلام الإسلامي على فطرة الإنسان من الانحراف وتعامله مع الآخرين عن الإساءة واللإفساد ، وسياسته عن ظلم والطغيان ، وقوته عن الاستبداد ، فالإعلام الإسلامي هو الذي يهتم بحقوق الإنسان وحرية التعبير وحرية الرأي ، وله دور كبير في تعزيز الجهود البشرية في مناقشة القضايا المشتركة وخدمة الإنسانية .

*  الأستاذ المساعد ، قسم اللغة العربية وآدابها ، جامعة عالية ، كولكاتا – الهند merajjnu@gmail.com .

[1] د . عمارة نجيب ، الإعلام في ضوء الإسلام ، مكتبة المعارف الرياض ، السعودية ، 1980م ، ص 18 .

[2] محمد بن عبد العزيز الحيزان ، البحوث الإعلامية أسسها وأساليبها ومجالاتها ، الرياض ، 1998م ، ص 16 .

[3] عبد الباسط محمد حسن ، أصول البحث الاجتماعي ، مكتبة وهبة ، القاهرة ، 1992م ، ص 182 .

[4] د . محمد منير حجاب ، الإعلام الإسلامي – المبادئ النظرية والتطبيق ، دار الفجر ، القاهرة ، 2003م ، ص 27 .

[5] أبو الفتوح البيانوني ، المدخل إلى علم الدعوة ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، 1999م ،      ص 195 .

[6] بلجيلالي خيرة ، أثر الإعلام الخير في نشر قيم الدعوة الإسلامية وتفعيلها ، مجلة البدر ،  ج 10 ، ع 06 ، 2018م ، ص 621 .

[7] إبراهيم إمام ، دور الإعلام في التضامن الإسلامي ، الجامعة الإسلامية ، المدينة المنورة ، 1994م ، ص 273 .

[8] عبد الرزاق محمد الدليمي ، الإعلام الإسلامي ، دار المسيرة ، عمان ، 2013م ، ص 126 .

[9] حامد أشرف همداني ، الإعلام الإسلامي خصائصه ومعالمه ، مجلة الأضواء ، ج 47،32 ، 2009م ، ص 213 .

[10] محي الدين عبد الحليم ، الإعلام الإسلامي وتطبيقاته العملية ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، 1984م ، ص 32 .

[11] المصدر السابق ، ص 25 .

[12] سورة البقرة ، الآية 256 .