الإجهاض في ميزان الشريعة الإسلامية ( الحلقة الأولى )

قضايا مستجدة حول وقت الأضحية
يونيو 4, 2024
قضايا مستجدة حول وقت الأضحية
يونيو 4, 2024

الفقه الإسلامي :
الإجهاض في
ميزان الشريعة الإسلامية
( الحلقة الأولى )
الأستاذ خورشيد أشرف إقبال الندوي
الحمد لله الذي جعل من القرآن نوراً مبيناً ، ومن السنة النبوية هدياً حكيماً ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن اتبع هداه إلى يوم الدين ، وبعد :
فقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم ، وكرَّمه غاية التكريم فقال عز من قائل : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ والبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْناَهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) .
وقد حرص الإسلام على حفاظ أنفس الناس وأعراضهم من خلال المحافظة على المقاصد الخمسة : ( الدين والنفس والعقل والنسل والمال ) ، فقد شرع الله تعالى نظاماً فريداً يكفل حماية البشرية كلها من كل اعتداء ، ويذود عن حرمتها ، ويعمل على ديمومتها ، ويصون كرامتها من كل تغيير يفسدها .
وقد علَّم الله الإنسان ما لم يكن يعلم وأمره بالبحث والنظر والتفكر والتدبر مخاطباً إياه في آيات عديدة ( أَفَلا يَرَوْن ) ( أَفَلا يَنْظرون ) ، ( إنَّ في ذلكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرون ) .
والإسلام لم يضع حجراً ولا قيداً على حرية البحث العلمي ، إذ هو من باب استكناه سنة الله في خلقه ، ولكن الإسلام يقضي كذلك بأن لا يترك الباب مفتوحاً بدون ضوابط أمام دخول تطبيقات نتائج البحث العلمي إلى الساحة العامة بغير أن تمر على مصفاة الشريعة ، لتمرر المباح وتحجز الحرام .
وقد كان مما استجد للناس من قضايا عمليات الإجهاض التي استشرت في العصر الحديث ، إثر إباحتها من قبل بعض الدول والمنظمات ، وبعد تقدم الطب الذي جعلها أحد الحلول لبعض القضايا الطبية .
وما أدل على انتشار الإجهاض في المجتمعات الغربية والشرقية من التقارير التي تنشر من قبل منظمة الصحة العالمية بين فينة وأخرى ، فقد وصل عدد الأجنة الذين أجهضوا حتى وقت قريب حوالي مائة مليون حالة ، وبلغ عدد الأمهات اللاتي توفين بسبب الإجهاض ما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف .
ومن هذه الأعداد الخطيرة تتبين خطورة الإجهاض الذي تتجدد وسائله وقضاياه مع تجدد الزمان والمكان ؛ حيث إنه يتعلق بالحياة الإنسانية الغالية ، ويسبب لإهلاك الأنفس ، ويهدد كيان الأسرة والمجتمع .
ومما لا شك فيه أن من مقاصد التشريع الإسلامي المحافظة على النفس والنسل ، ومنها نفس الجنين ، فالشريعة الإسلامية تميزت باهتمامها بالجنين منذ كونه نطفة قبل نفخ الروح ؛ ولأجل ذلك أبيح الفطر للحامل من أجل الحمل ، ويؤجل عن الحامل الحد الواجب محافظة عليه ، وشرعت العقوبة لمن يتسبب في إجهاضه .
ولذا كان لابد من بيان حكم الشرع فيه ، وتقديم تفاصيل الموضوع من خلال أقوال فقهاء الإسلام وعلمائه المعاصرين ، راجياً من المولى – عز وجل – القبول والسداد والتوفيق ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
مفهوم الإجهاض :
الإجهاض لغةً :
الاجهاض في اللغة من الفعل أجهض أي أسقط وألقى ، تقول العرب : أجهضت الناقة : أي ألقت ولدها لغير تمام ، وأجهضت المرأة ولدها ، إذا أسقطته ناقص الخلق .
ويطلق الإجهاض في اللغة غالباً على إلقاء الحمل ناقص الخلق أو ناقص المدة ، أي الذي لم يستبن خلقه ، سواء من المرأة أو غيرها . وقد يطلق على ما تم خلقه بعد نفخ الروح .
الإجهاض اصطلاحاً :
عرف بعدة تعريفات ، منها :
هو ” إسقاط المرأة جنينها بفعل منها أو من غيرها ” .
أو هو ” إلقاء المرأة أو الحيوان حمله ناقص الخلق أو ناقص المدة تلقائياً أو بفعل فاعل ” .
وعرَّفه الأطباء بأنه : ” إنهاء حالة الحمل قبل أن يكون جنيناً قادراً على الحياة خارج الرحم ، وهو إما أن يكون تلقائياً أو مفتعلاً ” .
أو هو في نظر الأطباء ” عبارة عن خروج محتويات الحمل قبل ثمانية وعشرين أسبوعاً ، تحسب من آخر حيضة حاضتها المرأة ” .
ويستفاد من التعريفات السابقة أن الإجهاض هو إسقاط الجنين بأية وسيلة قبل الوقت المحدد للولادة حيّاً أو ميتاً .
أنواع الإجهاض :
يتنوع الإجهاض إلى نوعين رئيسين :
النوع الأول : الإجهاض التلقائي :
وهو الذي يحصل بغير إرادة المرأة وتدخلها ؛ حيث يقوم الرحم بإخراج جنين لم تكتمل له عناصر الحياة .
ولهذا الإجهاض درجات :
أ‌. الإجهاض المدر : وذلك عندما يكون النزيف بسيطاً وعنق الرحم مغلقاً .
ب‌. الإجهاض الكامل : وهو نزول الجنين مع المشيمة .
ت‌. الإجهاض غير كامل : إذ تنزل بعض أجزاء الجنين ، وفي هذه الحالة تجرى عملية لتفريغ الرحم .
حكمه :
وبالنظر إلى أنواعه يظهر جليّاً أنه لا إثم فيه ولا مؤاخذة ، ومن ثم لا يترتب عليه عقاب من الناحية الشرعية ؛ لأنه تلقائي بدون قصد ولا نية ، لا دخل للإنسان فيه ، والشريعة الإسلامية لا ترتب أثراً على التصرفات التي تتم بدون قصد ، بل إن مثل هذه الإجهاضات التي تقوم بها الأرحام من رحمة الله عز وجل .
النوع الثاني : الإجهاض الصناعي :
وهو الذي يحدث بسبب عامل خارجي من قبل المرأة نفسها أو الطبيب أو الغير ؛ وذلك عن طريق شرب دواء معين ، أو إدخال أدوات صلبة في المهبل للتخلص من الجنين لسبب من الأسباب التي يراها أصحابها أنها مبررات إنسانية .
وهذا يقسمه العلماء إلى الحالات التالية :
الحالة الأولى : الإجهاض قبل الأربعين ، أو قبل استبانة التخلق .
اختلف الفقهاء والعلماء قديماً وحديثاً في حكم هذه المسألة اختلافاً واسعاً ، ولهم في ذلك أقوال وآراء ، يمكن لمُّ شملها في اتجاهين رئيسين :
الاتجاه الأول :
تحريم الإجهاض في جميع الأطوار . ذهب إليه المالكية والظاهرية والشيعة الإمامية ، واختاره أبو حامد الغزالي ، والعز بن عبد السلام ، وابن حجر العسقلاني من الشافعية ، وابن رجب ، وابن الجوزي ، وابن العماد ، وشيخ الإسلام ابن تيمية من الحنابلة ، وقاضي زادة من الحنفية ، وابن عثيمين من العلماء المعاصرين ، ومال إليه من الأطباء محمد علي البار ، وقادري ، وزياد التميمي ، وحسان حتحوت ، أما التحريم قبل نفخ الروح فأيده سلام مدكور ، ووهبة الزحيلي ، وجميل بن مبارك ، ومحمد نعيم ياسين وغيرهم ، وكرهه الفقيه الحنفي علي بن موسى .
الأدلة :
الدليل الأول : قوله تعالى : ( وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ . بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ) .
قالوا : الإجهاض في مرحلة النطفة يدخل في الوأد ؛ وذلك لأن الإجهاض قتل ما تهيأ ليكون إنساناً ، والوأد قتل ما كان إنساناً ، وهومحرم بالإجماع ، فكذلك الإجهاض .
الدليل الثاني : قوله تعالى : ( ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ ) .
وجه الاستدلال : أن الله سبحانه قد وصف النطفة المحفوظة بأنها في قرار مكين ، وبأنها أول مراحل الإنسان ، كان الأمر إلى استخراجها من قرارها المكين إتلافاً لها وتعدياً عليها ، ومخالفةً لمقصود الشارع من الرحم .
الدليل الثالث : عن أبي هريرة رضى الله عنه قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتاً بغرة عبد أو أمة .
وجه الاستدلال : أن الجنين اسم لما في البطن ، وإيجاب الغرة فيه دليل على أنه محترم ، يأثم المتعدي عليه ، وإذا كان يأثم بالتعدي عليه فإنه لا يجوز إجهاضه .
الدليل الرابع : ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفةً ، ثم يكون علقةً مثل ذلك ، ثم يكون مضغةً مثل ذلك . . . ” .
وجه الاستدلال : أنه دلَّ على أن الله عز وجل يجمع الخلق في الأربعين ، وفيها يبتدئ التخليق والتصوير ، إلا أنه تخليق وتصوير خفيّ .
والأطباء يجمعون على القول بما ورد في هذا الحديث ، وهذا من آيات النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا كان التخليق والتصوير – وإن كان خفياً في مدة الأربعين – فإنه لا يجوز الاعتداء عليه وانتهاك حرمته .
الدليل الخامس : أن إقامة الحد والقصاص واجب ، وإذا ثبت أن هذه المرأة حامل فإنه لا يجوز إقامة الحد والقصاص عليها حتى تضع ما في بطنها ولو كان نطفةً ، فأُخر الحد الواجب والقصاص الواجب من أجل هذه النطفة ، ولا يؤخر الواجب إلا لشيئ محترم لا يجوز انتهاكه .
الدليل السادس : وهو ما ذكره الأطباء في الوقت الحاضر من أن أدق مراحل خلق الإنسان هي مرحلة النطفة ، ففيها يبدأ تكوين الجنين ، وفيها تنتقل الموروثات والطبائع والصفات الخلقية ، والحمل يتأثر في هذه المرحلة ما لا يتأثر في المراحل التي تليها ، فإذا كانت هذه أدق مرحلة ، وفيها تتجلى عظمة الله عز وجل وإجلاله ، فكيف يجوز الاعتداء وانتهاك هذه الحرمة ، مع أن في انتهاك هذه الحرمة مصادمة لما جاءت به الشريعة من حفظ الضروريات والمصادمة لأهم مقاصد النكاح .
الدليل السابع : ولأن الماء بعد ما وقع في الرحم مآله الحياة ، فيكون له حكم الحياة ، كما في بيضة صيد الحرم ؛ إذ المحرم لو كسر بيض الصيد ضمنه ؛ لأنه أصل الصيد ، فلما كان مؤاخذاً بالجزاء ، فلا أقل من أن يلحق المرأة إثم هنا إذا أسقطت من غير عذر .
( للبحث صلة )