الأصول العملية للتعليم والتربية

بين النعماء والضرّاءفي القرآن
مارس 14, 2023
من جوانب التربية المحمدية لهذه الأمة المجيدة
مارس 14, 2023
بين النعماء والضرّاءفي القرآن
مارس 14, 2023
من جوانب التربية المحمدية لهذه الأمة المجيدة
مارس 14, 2023

الدعوة الإسلامية :

الأصول العملية للتعليم والتربية

الأستاذ عبد الولي بن محمد ظاهر *

الحمد لله الذي كان  بعباده خبيراً بصيراً ، فتبارك الذي جعل في السماء بروجاً ، وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً . وهوالذي جعل الليل والنهار خِلفةً لمن أراد أن يذَّكر أو أراد شكوراً . والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومعلماً ومبشراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

لا شك أن الأخيارمن هذه الأمة بعد الأنبياء قدراً وشرفاً هم الذين اختاروا أن يكونوا ورثةً للأنبياء والرسل – على رغم أنهم تكافحوا في حياتهم الأزمات والمكروهات – في التعليم والتربية والنجاح والهداية .

كما قال الله تعالى : ( هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو  عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلاَلٍ مُّبِينٍ )         [ الجمعة : ٢ ] .

وإن من البديهيات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّم أصحابه وربَّاهم في حياته صلى الله عليه وسلم ليصبح كل واحد منهم مقتداً لجيل يأتي بعده ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إنما هو أسوة حسنة في شؤون الحياة كلها خطوة فخطوة .

قال الله تعالى : ( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) [ الأحزاب : 21 ] .

ومنها التعليم والتربية ، ولهما مزية هامة لإحياء شعور البشرية في الحياة بوصولها إلى الهدف النهائي بعد الممات .

وعلى كل حال ، ففي مجال التعليم والتربية يبرز دائماً سؤالٌ ، وهو ما الذي يجعل طلاب فصل في مدرسة يحققون معدلات تفوق حقيقية في مادة مَّا ، بينما يعجز أقرانهم في مدرسة أخرى عن ذلك ، رغم تشابه القدرات والظروف المحيطة بهم ؟

وهو ما سنحاول التطرق إليه في هذا المقال بتوضيح الأصول العملية للتعليم والتربية .

الأول : التقويم الصحيح للمتطلِّبات المادية والمعنوية :

ينبغي أن يكون مضمون التعليم والتربية وسلوك المربِّي شاملاً بحيث يصبح ناظراً ومدركاً لأصالة البعد الروحي والمعنوي للإنسان ، وينظر دَوماً إلى المتطلبات المادية كأداة ووسيلة ( وليس كهدف ) وفي الوقت نفسه اجتناب الإفراط في النصائح التي تؤدي إلى اضطرابات نفسية ، وينبغي عدم تجاهل الالتزام بالتعاليم الصِّحية والتربية البدنية والترفيه المعقول .

الثاني : تحفيز مشاعر الكرامة والاعتزاز بالنفس :

نظراًإلى المكانة التي خُصَّ بها الإنسان بين المخلوقات ، والنِعَم الإلهية التي مَنَّ الله بها عليه – سواء البدنية منها والنفسية أم من النِعم الخارجية والاجتماعية وما حباه من سيطرة الطبيعة وهَيمَنةٍ عليها لا بد    منها – عند تعليمه – من تحفيز مشاعر الكرامة والعزَّة لديه ، ولا بد من إفهامه بأن اقتراف الأعمال الرذيلة بمثابة تدنيس جوهر إنسانيته ، وأن الانقياد لأهواء النفس يعني استعباد وإذلال عقله وروحه الملكوتية . وعلى صعيد آخر ، نظراً إلى أن أعضاء بدنه وقواه كلها أمانة إلهية عنده        – كما هو حال النِعم الخارجية – فلا بد أن يكون التعامل معها واستخدامها بشكل يرضى صاحبها الحقيقي وهو الله تعالى ؛ لكي لا تكون هناك خيانة في هذه الأمانة ، وكذلك يتعين لدى المعلم والمربِّي أن ينظر إلى المتعلمين كأمانة إلهية أُودعت لديه ، ويجب عليه أن يعلِّمهم أسمى العلوم بأفضل الأساليب ويربِّيهم أحسن ما تكون التربية .

الثالث : محاربة الغفلة :

بما أن الإنسان يقف على الدوام عند مفترق طريقين يقوده أحدهما نحو غاية الرُّقيِّ بلا نهاية ، وينتهي به الآخر نحو غاية الانحطاط بلا نهاية ، فلا بد أن يتركَّز التعليم على تبيين خطورة موقفه ؛ لكي لا يغتر بالتكريم الإلهي الابتدائيِّ وبالنِعم الدنيويَّة . وعليه أن لا يقضي حياته بالغفلة والبِطالة ، وينبغي تسخير غريزة حب المنفعة وحب الكمال واجتناب الضرر المودَّعة في فطرة كل إنسان في سبيل التعجيل بحركته التكاملية ؛ مثلما هو مشهود في تعاليم القرآن الكريم وسنة النبيِّ صلوات الله وسلامه عليه .

الرابع : إحياء ذكر الله :

بما أن الهدف من خلق الإنسان هو الوصول إلى القرب الإلهي . فمن الواجب إحياء ذكر الله في قلب المتعلم ؛ لكي تتوافر له السكينة النفسية ، ولكي يجعله كالبُوصَلة لتعيين وتصحيح مسيره ، وأن يُضفي على أعماله قيمة أيضاً من خلال إعطائها دافعاً إلهياً .

الخامس : استبدال اللامتناهي بالمتناهي :

نظراً إلى أن الدنيا مقدمة للآخرة ، فلا بد من استخلاص نتيجتين مهمَّتين من ذلك .

الأولى : عدم إعطاء أولَويَّة أو أصالة لملذات الدنيا وآلامها ؛ لكي لا تبهره طيِّباتها ولا تُرهبه آلامها .

الثانية : أن يدرك القيمة الحقيقية لساعات ولحظات عمره ؛ إذ يمكنه نيل السعادة الأبدية عن طريق قضائها في أعمال تُرضي الله ورسوله ، كما يمكنه إنفاقها في الرذائل . فينتهي به الحال إلى الشقاء الأبدي . وهذا يعني أن قيمة لحظة واحدة من العمر لا تقاس بأرطال من الذهب والجواهر .

السادس : محاربة التَّطَفُّل :

بما أن الكمال والسعادة الأبدية للإنسان لا تتحقق إلا بعمله الاختياري .

إذن فلا بد من استنهاض نزعة الاندفاع الذاتي والمبادرة الذاتية واستقلال الشخصية لديه ، وتقوية روح الشعور بالمسئولية والالتزام فيه ومحاربة ما فيه من روح الاتكالية والتطفُّل والاعتماد على الآخرين مع التنبيه إلى هذه الملاحظة في كل سلوك وتصرُّف يمارسه المعلم مع المتعلمين ( كما في حالة أداء التكاليف والواجبات المدرِّسيَّة . . . . . ) .

السابع : الاهتمام بالحريَّة في الأعمال والممارسات :

انطلاقاً من أهمية ( حريَّة الاختيار ) في حركة الإنسان التكاملية ، فلا بد من إعطاء المتعلمَ حرية العمل والممارسة ، وعدم صياغته بشكل حلقة فاقدة للإرادة ، مع السعي إلى أن لا تُتصف التعاليم والإيحاءات بطابع الضغط والإكراه . وفي الحالات التي تقتضي فيها مصلحةُ المتعلم تدخُّلَ المعلم والمربِّي فينبغي الحرص على أن لا يكون هذا التدخّل مباشراً بحيث لا يشعر  المتعلم بضغط أو تقييد ، وأن يكون مقروناً بالاستدلال المنطقي جهد الإمكان ، ولا يتعدى حدود الإرشاد والتوجيه .

الثامن : رعاية مبدأ التَّدَرُّج :

نظراً إلى تدرّج سير الإنسان في تطوّره وتكامله الطبيعي والاكتسابي ؛ يجب على المعلم والمربِّي أن يأخذ بنظر الاعتبار على  الدوام مقتضيات السِّنِّ والعوامل الطبيعية والاجتماعية ، ويسعى لكي يتدرج المتعلم خطوةً بعد خطوة بهدوء وتأنٍّ ، وأن لا يتوقع منه طفرات سريعةً ومفاجئةً ، وأن يمنع بتدبير عقلاني حتى إفراط المتعلم في عملية الدراسة أو تهذيب ذاته مما يُحتمل منه إضعاف بدنه أو إصابته بأضرار نفسية .

التاسع : المرونة والاعتدال :

نظراً إلى وجود جوانب كثيرة من التفاوت على الصعيد الفردي والجماعي ، فلا بد من جعل المرونة اللازمة والمعقولة نصب العين سواءً عند وضع المناهج أو عند تطبيقها مع اجتناب الإصرار على تطبيق مناهج وبرامج جافَّة وذات وتيرة واحدة وبشكل متساوٍ على جميع المتعلمين بحيث يُؤدِّي ذلك إلى طمس حقوق وخَيبة الكثير منهم .

وعلى كل الأحوال يجب أن يُتخذ الاعتدال أصلاً ومبدءاً في العملية التربوية .

العاشر : ترجيح الأهم :

نظراً إلى أهمية دور المعلم والمربِّي في تنشئة وإعداد الناشئة من المتعلمين وإنضاج استعداداتهم يجب أن يضع المعلمون والمربُّون وخاصَّةً المسئولون عن وضع الخطط والمناهج نَصْب أعينهم مسئوليتَهم الخطيرة هذه ، مع الاهتمام الدقيق بمصلحة كل واحد من المتعلمين ، وكذلك مصالح المجتمع الإسلامي بل وحتى مصالح المجتمع البشري ، واجتناب وضع أو تطبيق الخطط والمناهج أو المواد التي تؤَدِّي إلى إهدار الوقت وتضييع العمر ، أو إذا لم تكن ذات قيمة مهمَّة بالمقارنة مع مصالح أسمى ، وأن يُركِّزوا من بين الدروس على ما له تأثير أكبر في السعادة الأبدية     ( كالعقائد والأخلاق الإسلامية ) وتدريسها بشكل يجعلها محبوبةً ومرغوباً فيها أكثر في النفس ، وأن يحرصواعلى أن يكونوا هم أنفسهم نماذج صالحةً يقتدي بها المتعلمون .

الحادي عشر : العلوم الطبيعية والاجتماعية :

نظراً إلى ضرورة الحياة الاجتماعية ومستلزماتها ومتطلِّباتها ، وكذلك ضرورة التمتع المادي لتوفير الاحتياجات الفردية والاجتماعية والحفاظ على عزة وسيادة المجتمع الإسلامي يتضح لزوم إدخال العلوم الطبيعية والرياضية والاجتماعية ضمن المناهج الدراسية .

إذن يتعين على من يضطلعون بمهمَّة التخطيط والبرمجة أن يدرجوا المناهج العامة والتَّخَصُّصِيَّة بدقة كافية في المناهج الدراسيَّة مع الأخذ بنظر الاعتبار إلى الشروط السَّنية والذهنية للمتعلمين وحاجات وإمكانيَّات المجتمع .

تجدر الإشارة إلى أنه يجب في كل الحالات أن يُنصب التركيز والاهتمام على الغاية الأساسية وهي التقرب إلى الله تعالى . ولا ينبغي تفويت أي فُرصة في سبيل إحياء الدوافع الإلهية والقيم السَامية وكذلك محاربة الغفلة وهوى النفس . وبعبارة أخرى يجب جعلُ كل الأهداف مقدمةً للهدف النهائيِّ .

الثاني عشر : تقوية الشعور بالمسؤولية إزاء المصالح الاجتماعية :

إن وجود أنواع المسؤوليات الاجتماعية يتطلب توجيهات جهاز التعليم والتربية نحو الاهتمام بالمجتمع وحب الآخرين . وأن يتم التركيز سواءً عند إعداد معاني الدروس ، أو في تعامل المعلمين والمربِّين مع المتعلمين على تقوية خصال التعاون والتضامن والإيثار والتضحية ونكران الذات وحب الخير للآخرين ، وحب العدالة إلى جانب مكافحة صفات الأنانية واللاأُبالية إزاء المصالح الاجتماعية مكافحة شديدة ، وأن يجري التأكيد على وجه الخصوص في غرس روح البسالة ومحاربة الظلم ومجاهدة ومقارعة الجبابرة والمفسدين وحماية المظلومين والمحرومين لدى المتعلمين ؛ لأجل تنشئة عناصر صالحة وفاعلة ؛ لبناء المجتمع المنشود ، وقادرة على الاضطلاع بدورها في تحقيق الهدف الإلهي .


* المتخصص في علوم الحدبث ، بجامعة العلوم الإسلامية ، للعلامة محمد يوسف ، بنوري    تاون ، كراتشي ، باكستان .