الأستاذ أنور الجندي : أحد رواد الاتجاهات الدينية في القرن العشرين الميلادي

علم فريدلم ينصفه جيله ( المفكر الإسلامي والأديب الموسوعي الأستاذ أنور الجندي ) ( الحلقة الثانية الأخيرة )
يناير 6, 2021
مؤلفات الأستاذ الشيخ عيادة الكبيسي وأبحاثه المفيدة
فبراير 21, 2021
علم فريدلم ينصفه جيله ( المفكر الإسلامي والأديب الموسوعي الأستاذ أنور الجندي ) ( الحلقة الثانية الأخيرة )
يناير 6, 2021
مؤلفات الأستاذ الشيخ عيادة الكبيسي وأبحاثه المفيدة
فبراير 21, 2021

رجال من التاريخ :

الأستاذ أنور الجندي :

أحد رواد الاتجاهات الدينية في القرن العشرين الميلادي

الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي ، رئيس ندوة العلماء ، لكناؤ

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبيه الكريم ، خاتم الأنبياء وإمام المرسلين والمتقين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :

فقد كانت الفترة الواقعة في النصف الأخير  للقرن الماضي فترةً مليئةً بالاتجاه إلى فكرة الاندماج في الثقافة المتجددة الغربية ، خاصةً في  مصر التي كانت زعيمةً في هذا الاتجاه ، وكان طه حسين زعيماً لفكرة الاتجاه ، الذي انطبع بثقافته التي واجهها في فرنسا وجاراتها كذلك ، وجعل ذلك خطراً للثقافة الدينية والفكرة الإسلامية حتى ظهرت فكرة تغيير الخط العربي وتوقيفه بالمنطوق باللسان ، ولم يكن هذا التغيير تغييراً لغوياً ، بل يصل تأثيره إلى الخط القرآني والخط الحديثي ، ولكن وفق الله تعالى رجالاً متخصصين باللغة العربية والخط العربي فقاوموا هذه الحركة وقاموا بنصرة المأثور والمعهود ، وحافظوا بذلك على المأثور الديني والثقافة العربية .

فكان من أهم الكاتبين في هذا المجال الأستاذ أنور الجندي ، فبرزت في كتاباته نصرة الفكرة الدينية المأثورة ، وظهرت مقالاته في المجلات الإسلامية والأدبية ، ونال الأستاذ أنور الجندي بنصرة الاتجاه الإسلامي الصحيح ، ونال من معاصريه الآخرين كذلك ، موافقةً في هذا الاتجاه ، وظهرت كتب كثيرة للأستاذ أنور الجندي  في هذا المجال ، بعناوين مختلفة كثيرة ، تحمل كلها نصرة الفكر الإسلامي الصحيح ، وبذلك أدى الأستاذ خدمةً علميةً وأدبيةً كبيرةً في تلك الفترة الزمنية ، التي اختلطت فيها الفكرتان ، ونال الأمر توجيهاً موافقاً للحاجة ، فيعد عمل الأستاذ أنور الجندي في مقدمة هذه الجهود ، كما يظهر من عناوين مؤلفاته في هذا الاتجاه ، وكانت مقالاته تظهر في مجلات عديدة ذات طابع إسلامي صحيح ، ونال جهوده تقديراً وقبولاً في المناصرين للاتجاه الإسلامي في الفكر والدين .

ولادته ونشأته :

ولد الأستاذ أنور الجندي عام 1917م بقرية ديروط التابعة لمركز أسيوط بصعيد مصر ، وقد سمي باسم أنور باشا ، ( القائد التركي الشهير ) ، حفظ القرآن الكريم في قريته ، ثم واصل دراسته في الجامعات الأخرى ، حتى فاز بالدرجة الأولى ، ونال شهادات علميةً ، وقد أجاد اللغة الإنجليزية ، فاطلع بها على شبهات المستشرقين وافتراءاتهم الكاذبة .

وكان في بداية حياته حيث لقي الإمام الداعية الشيخ حسن البنا الشهيد رحمه الله تعالى ، وكان لقاؤه هذا في رحلته عن الحج ، فقال له الإمام الشهيد : اكتب خاطرةً عن الحج ، فكتب وأحسن وأجاد ، حتى أعجب به الإمام الشهيد ، ومن ثم كانت كتاباته تنشر في مجلة الإخوان المسلمون ، ولا شك أنه وقف حياته للنهضة الإسلامية ، وإزالة الشبهات والشكوك عن وجه الإسلام المشر ق ، وبناء المجتمع الإسلامي على أسس سليمة من شوائب الإلحاد ، بعيدةً عن كل زيغ وضلال .

كذلك لقي الأستاذ أنور الجندي كثيراً من أعلام الفكر الإسلامي في العالم العربي والإسلامي ، أخص بالذكر منهم مصطفى صادق الرافعي ، وشكيب أرسلان ، وعبد العزيز الثعالبي ، والعلامة الشيخ السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي رحمهم الله جميعاً ، وكان يقتبس من عبارات كتبهم ويدين بفضلهم على نفسه . بدأ رحلته العلمية من مجلة جماعة أبولو التي كان يرأسها الأستاذ أحمد زكي أبو شادي ، في عام 1933م ، فقد أعلنت المجلة عن مسابقة حول كتابة مقال عن شاعر النيل حافظ بك إبراهيم ، فكتب مقالاً ، فاز به بين المتسابقين ، ولم يتجاوز عمره السابعة عشرة .

أعمال الأستاذ أنور الجندي :

عاش الأستاذ أنور الجندي حياة العلم والعمل ، وأثرى المكتبة الإسلامية بتأليفاته العلمية والفكرية والأدبية ، وكان باحثاً علمياً ، ذا همة عالية ، مثابراً على الدراسة والتحقيق ، وقد نال الجوائز التقديرية من الجهات المعنية بالتعليم والتربية ، وشارك في مآت من المؤتمرات والندوات والدورات العلمية ، وقد قال مرةً حينما سئل عن الجوائز : أنا أعمل للحصول على الجائزة من الله ملك الملوك ، وقد بلغت كتاباته إلى ثلاث مأة من الصحافة والأدب العربي والتراجم والسيرة واللغة العربية الفصحى والتاريخ الإسلامي والحضارة الغربية وأصول التعليم الإسلامي ، والتعريف بالإسلام ، ومواجهة النظرات الغربية ودحض الأفكار الزائفة .

أنور الجندي وأفكاره الرصينة :

فالأستاذ أنور الجندي كاتب إسلامي  كبير ، عاش في القرن العشرين الميلادي ، فرأى عن كثب كل ما تجدد من الأفكار والنظرات في العالم الإسلامي ، و رد عليها رداً مقنعاً ، حاول فيه كشف معالم الإسلام ، وكتب الكثير من الموسوعات ، واهتم بتقديم خطة كاملة لمقاومة التغريب والغزو الفكري ، ثم اتجه إلى أسلمة العلوم والمناهج ، وتأصيل الفكر الإسلامي ، وقد ألف الأستاذ الجندي كتاباً قيماً باسم : ” مقدمات العلوم والمناهج ” في عشرة مجلدات ضخمة ، وهو يلخص أفكاره ونظراته نحو الإسلام والمسلمين والتاريخ الإسلامي الصحيح ، وهو يقول في مقدمة هذا الكتاب :

” هذا الكتاب يحتوي على البعث الإسلامي للفكر الإسلامي الذي بناه القرآن والسنة  النبوية وما يعانيه من مجهودات الفكر اليوناني والفارسي والهندي ، وكيف يمكن طمس مفهوم التوحيد والتسلط على منهج السنة والجماعة وما هو طريق انتشار حركة اليقظة الإسلامية في العصر الحديث وبمواجهة التحديات التي تعود في جانب المستشرقين والحركات الباطنية .

وقد بدأ الكتاب ببناء الفكر الإسلامي وتطوره وبمخططات الغزو الفكري ، وأتبع في المجلد الثاني تاريخاً من فجر الإسلام إلى العصر الحديث ، كما ألقى الضوء على العالم الإسلامي وعالم الغرب والخلافة الإسلامية ، وتحدث في الأجزاء الأخرى عن اللغة العربية والأدب العربي وتحدياتهما، والثقافة العربية ، والغزو الفكري والثقافي والعقائدي وخاصةً تاريخ التبشير والمؤامرة على تاريخ الإسلام والحركات الهدامة الفاسدة ، وأخيراً تناول خصائص النظام الإسلامي  والمجتمع المعاصر الإسلامي والعلوم والدراسات الإسلامية .

واجه الأستاذ الجندي فكر طه حسين في كثير من مؤلفاته ، وهو يقول : لقد كان طه حسين قمة أطروحة التغريب وأقوى معاقلها ، ولذلك كان توجيه ضربة قوية إليه من الأعمال المحررة للفكر الإسلامي من التبعية ، يقول الأستاذ محمد المجذوب في كتابه : ” علماء ومفكرون عرفتهم ” :

” في كتاب : ( طه حسين حياته وفكره  في ميزان الإسلام ) يحشد الأستاذ أنور الجندي خلاصةً مركزةً عن نشأة ذلك ( العميد ) الساحر واعترافاته وأفكاره وتناقضاته وأقوال خصومه وأنصاره ، وخلفيات كل هؤلاء وأولئك ، وقد وفق إلى إزالة الستور التي طالما خدعت ولا تزال تخدع الكثيرين من الدكاترة والمأخوذين برقي ذلك الساحر الساخر ” . ( علماء ومفكرون عرفتهم ، ج 2 ، ص 54 ) .

ننقل هنا رأي الإمام السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي عن الأستاذ أنور الجندي :

” إن أخانا أنور الجندي اليوم في طليعة الكتاب الإسلاميين المهتمين بأمر الغزو الفكري  الاستعماري والاستشراقي للعالم    الإسلامي ، وإنه يقف في وجهه بنثره القوي وقوف الشاعر الإسلامي الدكتور محمد إقبال في وجه سوءات الحضارة الغربية ، وإنه كثيراً ما ينحت التعابير والجمل التي يراها أوفى بأغراضه الدفاعية وبهدفه الهجومي الذي كان يسدده نحو أوكار  المؤامرات الغربية ضد الإسلام ” .

صفاته وأخلاقه :

كان الأستاذ أنور الجندي شاكراً بما أنعم الله عليه ، وراضياً بقضاء الله تعالى وقدره ، وزاهداً في حطام الدنيا ، لا يرغب في المال إلا ما كان كافياً للعيش وقضاء حوائجه اللازمة ، وكان ربانياً ، قوي الصلة بالله تعالى ، مواظباً على الوضوء والطهارة الظاهرة والباطنة ، كان دمث الخلق ، ولين الجانب ، ويعين الفقراء والمحتاجين ، ويساعدهم في شئونهم الداخلية ، كما كان يؤدي الحقوق التي يجب عليه نحو الأهل والأقارب وذوي الأرحام .

وفاته :

انتقل الأستاذ أنور الجندي إلى رحمة الله تعالى 28/ 1/ 2002م ، رحم الله تعالى المفكر الإسلامي والكاتب الإسلامي الكبير ، وأعلى درجته ورفع شأنه في أعلى عليين .

تقبل الله عمله وجزاه أحسن الجزاء .