ظاهرة الخوف والذعر ، وطرق معالجتها
يوليو 31, 2021بيغاسوس : أشد خطراً على المجتمع الإنساني
أكتوبر 12, 2021صور وأوضاع :
استخراب أو استعمار !
محمد فرمان الندوي
أصبح العالم الإسلامي منذ زمان عرضة للمحاولات المشئومة والمجهودات الخطيرة من جهة الغرب ، فهو يبذر بذوراً ويتخذ منهجاً للاستيلاء عليه ، تارةً باسم الاستعمار ، وأخرى بنشر العلوم والثقافات ، وأحياناً بأسماء ولافتات جذابة وخلابة ، ولكن ذلك يكون في الواقع استخراباً ونهباً لأموال هذه المناطق ، وقد سبقت قديماً بريطانيا التي كانت لا تغرب عنها الشمس ، فكانت تملك في تلك الآونة قارتها والقارات الأخرى ، وأما فرنسا فقد بسطت سيطرتها إلى مدة مديدة على تونس وليبيا والجزائر وموريتانيا ومراكش ، ثم تحررت هذه الدول رويداً رويداً ، وانخذلت بريطانيا وفرنسا في هذه الدول ، وكانت سلامتها في أن ترجع إلى بلادها وتترك فكرة الاحتكار ، والهيمنة على العالم الإسلامي – والجدير بالذكر أن هذه الدول المستعمرة لم تخرج من دول العالم الثالث عفواً ، بل أعدت جيلاً جديداً ، يعمل حسب مخططاتها ، وينفذ مشاريعها ، ويبلغ إليها خيرات وذخاير العالم الإسلامي من الممتلكات الأرضية ومعادن الذهب والفضة ، فكأن هذه الدول لم تتحرر بعد خروجها أيضاً من سيطرتها واستيلائها عليها – وبقي هناك صراع بين عملاء المستعمرين وسكان هذه الدول ، ولم يعد إليها جو الأمن والرفاهية والرخاء .
بعد زوال بريطانيا انتقلت فكرة الهيمنة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، فبدأت تمتلك الدول النامية والمتطورة ودول العالم الثالث منذ أكثر من خمسين سنة ، وتفرض نفوذها على أراضيها وممتلكاتها ، لا على البر فقط ، بل على البحر كذلك ، وتحقيقاً لهذا الغرض أنشئت جميعيات ومنظمات تمولِّها بأموالها وأسلحتها ، وقد ألقت الصين في بعض الجهات أساطيلها البحرية ، وبدأت تخترق الحدود والثغور ، فكان ذلك موضع تخوف كثير للولايات المتحدة ، حتى فرضت القيود والعقوبات على مصنوعاتها وإنتاجاتها ، ومما يقضي منه العجب أن القوات الأمريكية توجد معسكراتها ومخيماتها في أكثر بلدان العالم العربي ، إما طوعاً أو كراهةً ، وتدعي الولايات المتحدة بكل صراحة أن بعض الدول ستنتهي حكومتها في ظرف أسبوع كامل بأدنى إشارة منها ، هذا على سبيل المثال ، وأما الأفكار الملحدة والنظرات الزائفة فإنها قد آتت أكلها في العالم العربي ، وأثمرت ثماراً فجةً يمجها الضمير الإنساني الحي ، وقد شهدنا في الماضي القريب نماذج من ذلك ، نذكر فيما يأتي :
(1) قامت حكومة جمهورية دستورية في مصر عام 2011م ، وانتخب رئيسها وفق شرعية البلاد ، وهو حافظ للقرآن الكريم ، قضى عمره في التنظيم والإدارة ، وتنسيق الأمور ، وكان النظام على ما يرام ، باعثاً في مصر على جو الطمأنينة والسلامة العامة ، واستراح الناس من ظلم المستبدين والحكام الجائرين ، الذين نادوا بالقومية العربية ، وأعلنوا بكل جراءة وقحة : أن الوحدة الناصرية هي أولى وأهم من الوحدة المحمدية ، وشنقوا ، أو أعدموا كل من كان مخالفاً لهذه الأسطورة الخبيثة ، فآلاف من الناس قد لقوا مصرعهم جراء هذه ” الجريمة ” ، التي لم تكن جريمةً ، بل فوق جريمة ووقاحة ، فأعاد الله تعالى إلى أهل مصر أيام الفرح والسرور ، وساعات السعادة والحبور ، لكن سرعان ما توجست القوات الكبرى خيفةً من النظام الدستوري المنتخب ، ووجهت إليها لعنات من التهم المزورة ، فأحدثت انقلاباً ضد هذا النظام ، وأطاحت بعرشه رئيس القوات العسكرية آنذاك ، وزج بالرئيس المنتخب وأعضاء حكومته والمسلمين الغيارى المتحمسين لدين الله تعالى إلى السجون والمعتقلات ، فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر ، وما بدلوا تبديلاً ، فلم يكن هذا الانقلاب للاستعمار ، بل كان للاستخراب وإعادة البلاد إلى عهد الحجارة وشريعة الغاب .
(2) ظلت أفغانستان دولةً متمسكةً بشعاير الإسلام ، وقد وُلد فيها جهابذة الفنون وأفذاذ العلماء ، ولها تاريخ مشرق طويل في إثراء المكتبة الإسلامية ، كما كانت لها تجربة خاصة في إدارة البلاد ، لا يمكن أن يحكمها غير سكانها ومواطنيها ، وقد أراد المغرضون استغلالها ، لكن خابوا وخسروا غير مرة ، ورجعوا خائبين ، دخل الاتحاد السوفياتي عام 1979م بخيله ورجله ، وحاول محاولةً حثيثةً للسيطرة الكاملة عليها ، لكن بعد مضي عشر سنوات لم تخرج من أراضيها فقط ، بل تبعثر نظام الاتحاد السوفياتي تماماً ، ثم قامت هناك حكومة الطالبان ، وامتد نظام هذه الحكومة على أراضي أفغانستان بنسبة 95 في المأة ، وتنفس الناس الصعداء ، لكن القوات المناوئة لها لم ترض أن تبقى هذه الحكومة الأهلية على أرض أفغانستان ، ونسجت ضدها مؤامرات الدجل والكذب ، وحيكت خيوط المكر والدهاء حتى كان حادث المركز التجاري في واشنغتن وبنتاغون عام 2001م ، وأرجعت عقارب الساعة إلى حكومة الطالبان ، وقد ثبت من الوثايق التاريخية أن هذه النسبة كانت ” كذبةً بلقاء ” في تاريخ العالم ، لم يسمعها الناس من قبل ، دخلت الولايات المتحدة الأمريكية مع حلفائها في أفغانستان ، لكن بعد 19/ عاماً منذ دخولها لم تجد بغيتها ، واضطرت إلى اللواذ بالفرار وخروج قواتها في جنح الليل ، وقديماً قيل : ” أفغانستان مقبرة لكل من أوى إليها من الحكام الجبابرة ” ، الواقع لم تكن هذه البلاد معمورةً بالرخاء ورغد العيش إبان القوات الأمريكية ، بل كا نت مضطهدةً ومقهورةً ، وقد نهب العدوخيراتها خلال هذه المدة .
(3) تونس بلد عربي ، لها تاريخ الحرية والكفاح ، وهي تؤوي كل من أوى إليها ، ويأنس بها ، وقد عاش في أرضها المؤرخ الكبير عبد الرحمن بن خلدون ، ورجالات العلم والأدب الآخرين ، جاءت فرنسا للاستيلاء عليها عام 1887م ، لكن لم يستمر استيلاؤها طويلاً ، ففي ظرف أقل من قرن تحررت تونس من فرنسا عام 1957م ، وصارت بلداً جمهورياً ، وكان رئيس هذا البلد بعد تحريره ، الحبيب بورقيبة ، فإنه ذهب بالبلاد إلى جهة غير صحيحة ، لكن كان البلد جمهورياً فساهم في تطويرها كل حزب من الأحزاب السياسية ، وكان لحزب النهضة دور ملموس ، وكان هذا الحزب يقود البلاد بأمن ورفاهية ، وكان له رئيس الوزراء هشام المشيشي ، لكن توجس الرئيس الحالي قيس سعيد خيفةً من هذا الحزب ، ورئيس الوزراء ، فجمد البرلمان ، ونفذ حالة طوارئ في البلاد ، ولا تزال البلاد تواجه احتجاجات ومظاهرات شعبيةً ضد هذا القضاء ، هذا ليس للاستعمار ، بل للاستخراب وإحداث البلبلة لاجتماعية في البلاد .
هذه بعض نماذج للدهاء الغربي ، الذي يمارس منذ أن طلعت شمسه وبزغ نجمه ، ويمكن أن تتصاعد الأوضاع والظروف في مستقبل الأيام ، فلا بد من الاطلاع على الدسائس والمخططات التي تنسج ضد الإسلام والعالم الإسلامي ، ولا بد أن يكون هناك جبهة قوية لمقاومتها والحيلولة دونها ، وقد اختار الغرب لتحقيق برامجه أسلوباً معسولاً ينخدع به بسطاء الناس ، ويتم كل ذلك بأيدي عملاء الغرب ، وربائب الفكر الغربي ، يقول سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي :
” ووجدت القوى القائدة لهذا النظام خير معاونيها لتنفيذ برامجها رجالاً من ذوي السلطان من نفس البلدان الشرقية ، وهم ربائب الفكر الغربي والمصابون أمامها بمركب النقص ، وهم يملكون حكم البلاد ، ولا يرون لأنفسهم البقاء على حكم بلدانهم إلا بمساعدة هذه القوى الغربية الطاغية ، بذلك أصبح الوضع للعالم الإسلامي كله قاسياً ومضطرباً ، فهو يفتقر إلى كثير من الحكمة والتدبير مع الرعاية للظروف الراهنة ، ندعو الله تعالى بالرحمة والخلاص من هذ ا الوضع القاسي الراهن ” ( العالم الإسلامي : قضايا وحلول : 117 ) .