أسلوب الإمام الندوي في كتابة المقالات وميزاتها

تأثير اللغة العربية في اللغة الأردية
أبريل 27, 2024
الرصيد البلاغـي للأحاديث النبوية
مايو 4, 2024
تأثير اللغة العربية في اللغة الأردية
أبريل 27, 2024
الرصيد البلاغـي للأحاديث النبوية
مايو 4, 2024

دراسات وأبحاث :
أسلوب الإمام الندوي في كتابة المقالات وميزاتها
الباحثة : زرفشان خان بنت عبد الستار 
كان الإمام أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله مربياً جليلاً ومفكراً إسلاميّاً ، وأديباً متبحراً في العربية ، مبدِعاً في كتاباته ومختاراته وأحاديثه .
كاتب أتى في مجال الأدب الإسلامي والعربي بكتابات عجز عن مثلها نوابغ الأدباء المعاصرين ، مدعمَةٍ بشواهد مناسبة ونوادر الشعر وأنفس الأمثال ، مشتملة على النظرات النافذة والتأملات العميقة والإدراك المرهف لدقائق المعضلات في العالم الإسلامي ، في أسلوب أدبي رصين في غاية الروعة والجمال .
وكان كاتباً غزير الإنتاج ، صاحب منهج متميّز عن غيره من المفكّرين والباحثين المعاصرين بسبب معرفته لعدد من اللغات كالعربيَّة والأرديَّة والإنجليزيَّة والفارسيَّة ، وسعة اطّلاعه على مصادر الحضارات غير الإسلاميَّة .
اتسم أسلوبه بسلامة التركيب وحسن الربط بين الجمل والفقرات ، ومراعاة صحة المفردات ، والبعد عن الغموض .
وابتكر أسلوباً مملوءاً بالإيمان والإخلاص ، والحب والحنان والرقة والدقة ، وكان مركباً من الأدب المشرق والبيان الرائع والصياغة العذبة المحكمة ، عليه مسحة عجيبة من البركة والنور والسحر الحلال يؤخذ به القاري ويتذوقه المستمع ، ويتلذذ به الدارس بشكل غير مسبوق .
فتمتاز كتابات الإمام أبي الحسن علي الحسني الندوي ومقالاته بأسلوب علمي رائع جذاب وشيق لا مثيل له ، فألفاظه لطيفة سهلة ، وكلماته مختارة بديعة ، وتراكيبه متينة أنيقة ، وأساليبه أخاذة ، نذكر فيما يلي الميزات البارزة لأسلوب الإمام الندوي .
الميزة الأولى : أسلوب جديد مبتكر : سعى الإمام أبو الحسن علي الحسني الندوي إلى أسلوب جديد مبتكر على حد قوله ، لأنه لم يكن أمامه إذ ذاك مثال أو نموذج يجمع بين قوة الدعوة والعاطفة الدينية ، والقلم القوي البليغ ، واللغة العذبة السلسة ، إنما كانت لديه إما مقالات أدبية خالصة ، مثل كتابات السيد مصطفى لطفي المنفلوطي ، ومصطفى صادق الرافعي ، والدكتور طه حسين ، أو مقالات علمية تحليلية ناقدة مثل كتابات الدكتور أحمد أمين ، وعباس محمود العقاد ، والعلامة محمد كرد علي ، ولم يكن حينئذ طلع على الأفق العربي نجم كسيد قطب ، ومصطفى السباعي ، وعلي الطنطاوي ؛ لذلك لم يكن له إلا أن يبتكر أسلوباً وينهج نهجاً جديداً .
الميزة الثانية : تعمق سر الكلمة والتفاعل به : كان من رأي الإمام أبي الحسن الندوي أن للكلمات درجة حرارة وبرودة ( Temperature ) ، فلا توضع كلمة ذات حرارة متصاعدة مكان كلمة منخفضة ، فضلاً عن أن توضع كلمة ذات حرارة مكان كلمة ذات برودة ، وبهذا تكتسب اللغة حلاوةً ولذةً .
ومن ثم كان الإمام الندوي ينتقي الكلمات التي تحمل المعاني العقدية المعششة في عميق القلب ، وتحمل صدق ما يختلج في النفس في صورة جيدة مرموقة ، والشاهد على هذه الميزة ما ذكره الإمام الندوي إثر خطبة ربعي بن عامر أمام الفرس .
الميزة الثالثة : السجع والموسيقى في العبارات والتراكيب : السجع يعطي جماليةً للنص ، من خلال الإيقاع والنغم الذي يكسبه للنص ، فيهطل هذا السجع على مسامع القارئ ، فيثيرها ، ويجذبها للكلام ، ويطربها ، ومن هذا تتشكل في مقالات الشيخ موسيقى تظهر إحساسه بإيقاع المعاني وتجاوبها في نفسه ، في التراكيب اللغوية ، وتوازنها ، مع تناسب المعاني وترابطها ، وفي الأنساق اللغوية والبلاغية ، والأداة الأساسية في ذلك الألفاظ المناسبة في إيقاعاتها الصوتية ، ومعانيها في التراكيب .
ينقل الإمام أبو الحسن علي الحسني الندوي كلام شاعر الإسلام فيقول : ” إن الأفرنج قد قتلوه – أي : الشباب المثقف بالثقافة العصرية من غير حرب وضرب عقول وقحة ، وقلوب قاسية وعيون لا تعف عن المحارم ، وقلوب لا تذوب بالقوارع . كل ما عندهم من علم وفن ودين وسياسة ، وعقل وقلب يطوف حول الماديات ، قلوبهم لا تتلقى الخواطر المتجددة . أفعالهم لا تساوى شيئاً . حياتهم جامدة واقفة متعطلة .
يتبين لمتأمل في العبارة أن الكلمات التي ينتقيها الشيخ الأديب المفكر الإمام أبو الحسن علي الحسني الندوي هي من أحسن ما يمكن انتقاؤه للتعبير عن مثل هذا المعنى ، وعندما يستخدمها في صياغة العبارة يضعها في مواضعها وضع صائغ ماهر مصفوفة متراصة ، إذا أدخل عليها تعديل أو تصرف فيها متصرف ، فقدت ترابطها وتلاشت فصاحتها .
الميزة الرابعة : مسحة من جمال أدب القرآن : كان الإمام الندوي قرآنياً يتلذذ بقراءته ، ويزداد إيماناً إذا تلي عليه ويعيش في رحابه ، متجاوباً مع آياته ، متدبراً لمعانيه ، من أجل ذلك نرى أن الإمام أبا الحسن الندوي كثيراً ما يستخدم الكلمات والتركيب القرآنية ، وأحياناً يستعمل الآيات القرآنية كاملةً في كتاباته كالفص في الخاتم .
الميزة الخامسة : الإشراق الروحي : إن كتابات الإمام أبي الحسن علي الندوي ومقالاته تتحلى بحلية الإشراق الروحي من الإخلاص ، والحب والحنان والرقة ، بما أنه كان عالماً ربانياً ومربياً كبيراً ، كان قلبه خالياً من الأكدار والأقذار من الأخلاق الرذيلة ، وكان متخلقاً بأخلاق فاضلة نبيلة ، فكل ما كتب من مقالات ورسائل كتب بصدق قلب وصفاء باطن ، وكانت مقالاته مرآةً لقلبه وخاطره ، هذا كله يتجلى في كتاباته ، وأحسن مثال لذلك ما خاطب به سكان البلاد الإسلامية وقدّم أمامهم رسالة الإسلام الخالدة ، وهذه المقالات والمحاضرات طبعت فيما بعد بـ ” إسمعيات ” ، فقارئ هذه الكلمات يظن كأنه يسمع ملَكاً من السماء يخاطب أهل الأرض ، ونكتفي هنا بتقديم نموذج واحد يخاطب ” الكويت ” بقوله : ” إنك يا زهرة الصحراء ! قد قطعت شوطاً واسعاً في المدنية العصرية ، وبرزت كلؤلؤة جميلة في العمارة والحضارة ، ولكن أرى مع كل إعجاب لهذا التخطيط البديع . إن مهمتك أعظم وأوسع من أن تكوني مدينةً من أجمل مدن الشرق . فليس ذلك بميزة كبرى تعتزين بها . وليس ذلك ما يطلبه منـك العالم اليوم ، ويحتاج إليه أشد الاحتياج .
إنك مدينة ذات تاريخ وتراث قطعة من صميم تلك الجزيرة العربية ، التي لم تر أن تضيف يوم نهضتها إلى مدن العالم الكثيرة الجميلة في القرن السادس المسيحي ، مدينة جديدة فلم يكن ذلك زيادة تشكر عليها وتذكر في التاريخ ، وإنما جادت على الإنسانية المعذبة الشقية بمدينة جديدة تقوم على العقيدة والروح والأخلاق .
إنها أعادت إلى الإنسانية ما فقدته من قرون من العلم الصحيح والإيمان القوي والدافع الخير ، ذلك ما أصبحت بفقده الأمم قطعاناً من الغنم وعصابات من اللصوص . إنها منحت الإنسانية رسالةً سماويةً جديدةً ، وقوةً مقاومةً للشر والرذيلة كانت قد فقدت من زمن بعيد ، ومنحت الفرد الصالح القوي الأمين الذي يوجه المدنية توجيهاً صحيحاً ، ويملأ كل فراغ في الحياة والمجتمع ، فكان فيما أتحفته إغاثة للإنسانية الملهوفة ، وإسعاف للمجتمع العليل ، وفتح جديد في التاريخ الإسلامي ، وكان أفضل هدية تقدمت بها أمة أو بلاد إلى العالم في زمن من الأزمان .