أحداث 2019م

هل لهذه الوقاحة من حد ؟!
يناير 1, 2020
هل لهذه الوقاحة من حد ؟!
يناير 1, 2020

أحداث 2019م :

دراسة للواقع المعاش ، وتفاؤل بالمستقبل المشرق

محمد فرمان الندوي

نحن الآن على مشارف السنة الميلادية ، وهي شهر ديسمبر ، شهر عُرف بحفظ حقوق الإنسان ، وصيانة الأموال والأعراض ، وشهر اللغة العربية على الصعيد العالمي ، فقد يُحتفل في اليوم الثامن عشر من هذا الشهر باللغة العربية ، تخليداً لمآثرها وانعكاساتها المحمودة على العالم أجمع ، وقد سجلت اللغة العربية في قديم الزمان أحوال العرب فكانت ديوان العرب ، وحازت الآن مكانةً مرموقةً بين لغات العالم ، فصارت خزينة العلوم والثقافات ، فلم تكن الآن لغة العرب فحسب ، بل هي لغة العالم كله ، وهي تترجم عن هموم وأحداث الأمم والشعوب أكثر بكثير من أي لغة أخرى ، لأنها أقدم اللغات وأوسعها وأجمعها للأضداد ، يقول شاعر النيل حافظ بك إبراهيم عن لسان اللغة العربية :

وســـعـــتُ كــتــاب الله لفظاً وغايةً     وما ضِقت عن آي به وعظات

فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة       وتـــنـــسيق أســـمـاء لمخترعات

رؤيتان نحو معالجة الأحداث :

نظرة عامة على الأحداث تبين أن هناك رؤيتين نحو معالجة الأحداث : أولاً : الموقف الساذج البسيط ، فقد يمر الرجل العادي بهذه الفواجع مروراً عابراً ، ويعتبرها سنةً عاديةً ، تجري وتستمر مع مرور الزمان ، لكن الموقف الثاني يضطر العاقل البصير إلى تناول الأمور بعللها وأسبابها واستخراج نتائج وعبر تكون معالم للحياة الإنسانية . لأنه يعرف معرفةً تامةً قولة قائل : ” أمران لا يحدَّد لهما وقت بدقة : النوم في حياة الفرد ، والانحطاط في حياة الأمة ، فلا يشعر بهما إلا إذا غلبا واستوليا ” .

( ماذا خسر العالم …….. : 143 ) .

سرد أحداث السنة الجارية :

هناك أنواع وألوان للأحداث : منها ما ينتمي إلى رحلة الشخصيات العبقرية ، وما يتعلق بنشوب حروب ومعارك بين الدول ، ومنها ما يتصل بظهور فواجع وحوادث رهيبة ، وما يرتبط من سيول وفيضانات ومفاجئات في بعض المناطق :

(1) فقدنا في العام الجاري كثيراً من أعلام الأمة الإسلامية ورموز الدعوة الدينية أمثال فقيد الصحافة العربية الشيخ السيد محمد واضح رشيد الحسني الندوي والرئيس المصري المنتخب الدكتور الحافظ محمد مرسي والداعية مصطفى محمد الطحان وغيرهم ، فكانت رحلة هؤلاء الأعلام مبعث خسارة ونقصان عظيم في باب العلم والعلماء وقيادة الأمم والشعوب ، لكن آثارهم تقول لنا بلسان الحال : ” هذه آثارنا تدلنا علينا ، فانظر بعدنا إلى الآثار ” ، ومن شعار الأمم الغيارى أنها كلما فقدت شخصيةً أو علماً أحلّت أخرى محلها ، فهي ” قوول لما قال الكرام     فعول ” .

(2) تجري حروب ومعارك دامية في البلدان الإسلامية ، ففي اليمن الميمونة منذ سنوات تشتعل نيران الحرب ، ولا تزال تنفذ قوات التحالف استراتيجيتها بحكمة وفطانة بالغتين ، وقد وقع هجوم مكثف من الحوثيين على منشآت آرامكو ، وهي غارة بشعة على ممتلكات المملكة السعودية العربية ، وتستمر سلسلة هذه الحروب منذ سنة 2011م حينما اندلعت ثورة شعبية في اليمن ، فأورثت خلال ذلك خسارات باهظة ، وفي السودان ثارت احتجاجات شعبية اضطر فيها حاكم السودان حسن عمر البشير إلى التنازل عن الحكومة ، وقامت حكومة متآلفة ، وهي متواصلة في أمورها ، وتجري الآن في العراق مظاهرات ضد الحكومة ، وقامت عدة لقاءات بين أمريكا وحكومة الطالبان ، لكنها فشلت  أخيراً ، ولم يتوصل الطرفان إلى حل إيجابي في هذه القضية ، وقضية المسلمين الأيغور في الصين ، وجرت صفقة القرن لأرض فلسطين في مملكة البحرين تحت رئاسة ممثل أمريكا وصهر دونالد ترامب ، وقد فشل بنيامن نتنياهو في الانتخابات العامة لإسرائيل ، وأخيراً ظهرت قضية تركيا مع الأكراد على الحدود الشمالية ، وقضية مادة : 370 ومادة 35 ( A ) لأهل كشمير في الدستور الهندي التي كان لها صدى عميق على المستوى العالمي .

(3) أصيبت الأمة الإسلامية بحادثة نيوزي لندا ، وهي حادثة مروِّعة للغاية ، بحيث قام أحد المسلحين ، وأطلق الرصاص على المصلين في المسجد ، وهم جالسون لأداء صلاة الجمعة ، فذهب ضحيتها أكثر من خمسين مصلياً ، وانفجارات سري لانكا المتزامنة هلك فيها خمس مأة من الرجال والنساء وجرح عدد كبير منهم ، وقد اتضح أنها مدبَّرة ومخططة .

(4) جرت في شهر مارس فيضانات هائلة جراء الأمطار الغزيرة ، اجتاحت عدة محافظات إيرانية بحياة حوالي 44/ شخصاً ، وفي 15/ أبريل اندلع حريق هائل في باريس أدى إلى انهيار سقفها وبرجها ، وفي 5/ مايو أصيبت طائرة روسية ( رحلة 1492 ) ، بهبوط اضطرارياً في مطار شري ميتيفو الدولي ، مما أدى إلى مقتل 41 راكباً من بين 78 وغيرها .

أدهى من ذلك وأمرّ :

يقدَّر أن هذه الأوضاع هي أشد خطورةً وأكثر تأزماً في مصير الإنسانية بل الأمة الإسلامية ، لكن التاريخ يشهد أن هناك كوارث ، أعظمها وأفدحها وأخطرها : ” وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وارتداد عامة العرب ، وانحصار الإسلام في مدينة صغيرة ، يموج حول المسلمين بحر الكفر والعداء ، وهم ” كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية ” لفقد نبيهم وقلتهم وكثرة عدوهم . وثانيها : تدفق الجيوش الصليبية والحكومات الأوربية بأسرها وخيلها ورجلها على جزء صغير من المملكة الإسلامية . وثالثها : زحف التتار الوحوش على العالم الإسلامي ، وتحطيمهم له من أقصاه إلى أقصاه ، وكان العالم الإسلامي مقبرةً واسعةً يهيمن عليها الموت ويسود عليها الصمت الرهيب ، وقد قطع المتفاءلون الأقوياء الرجاء في نهضتهم ، لكن الأمة الإسلامية خرجت من تحت الركام ، ومن تحت الأنقاض حيةً جديدةً ، قويةً نشيطةً ، ونفضت عنها غبار الموت وتراب القبر . وذلك بقيادات مؤمنة حكيمة ” .

( كارثة العالم العربي وأسبابها الحقيقية : 25 – 28 ) .

رب ضارة نافعة :

قبل سنوات رسم أحد الصحفيين في دنمارك رسوماً كاريكاتيريةً للنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فثارت احتجاجات شديدة من نوعها ضد هذه الرسوم من أقصى العالم إلى أقصاه ، وقامت الدنيا وقعدت نحو هذا الحادث المؤلم ، حتى اعتذر هذا الصحافي عن جريمته الشنعاء ، وبعد قليل قدّر الله أن يموت شر ميتة ، أما الجانب الآخر لهذه المظاهرات فإن عدداً كبيراً من الناس في القارات المختلفة قضوا العجب العجاب  منها ، وبدأوا يقبلون على دراسة سيرة هذا الرسول صلى الله عليه وسلم ، حتى نفدت نسخ وطبعات للسيرة النبوية ، وألفت مؤلفات وكتيبات كثيرة وكثيرة ، حتى تكونت مكتبة كبيرة للسيرة النبوية في أقرب فرصة . فالأوضاع الحالية والأحداث المعاصرة وإن كانت شديدةً في مرارتها وعنفها ، لكن الجانب الإيجابي فيها أعظم وأهم ، كأن الله سبحانه وتعالى يريد بنا خيراً كثيراً ، فيجعلنا نمر بأمثالها ، ونجتاز عقباتها ، ونعاني لذعتها وحرارتها ، فكما أن الليل الغاسق يبشِّر بطلوع صبح  جديد ، واليأس الشديد يأتي بنتائج سارة ، فكذلك نرجو من الله تعالى أن الأوضاع تتبدل ، وأن الغيوم تنكشف ، والظلمات تنقشع ، قال الله تعالى : ( وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ ، فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ آلأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ   تَحْوِيلاً ) ( فاطر : 43 ) .