إنا لفراقك يا أخانا لمحزونون !
فبراير 23, 2025خواطر للأستاذ السيد جعفر مسعود الندوي ( مجموعة افتتاحيات لصحيفة الرائد )
فبراير 23, 2025علم فقدناه :
أجعفر ذلك الردي ؟
بقلم : د . محمد أكرم الندوي
أوكسفورد
والله ما أنسى ما مشيت على الأرض راحلاً رزئتُه اليوم ( الأربعاء 15 رجب سنة 1446هـ الموافق لـ 15/1/2025 م ) ، نعى الناعون جعفراً وأسمعونا ، فاستكت المسامع ، وراعوا أفئدة لا تزال مروعة ، نعوا زميلنا وصديقنا ذلك الأشم الأصيل ، ترك الدنيا مغترباً ، متفجعاً صحبه وأهلوه ، ومتحسرةً ندوة العلماء ودارها للعلوم ، وشجيةً بلدتا رائي بريلي ولكناؤ ، وا أسفاه ! يا حزناه ! إني من هذا النبأ الحزين لمجزع ، وجفن العين ملآن مترع .
رجعت من صلاة العصر ، فإذا بالجوال حافل بالرسالات والاتصالات ، فنظرت فيها وهي مبلغة إياي أن جعفراً صدمته سيارة وهو على ممر من الناس في بلدة رائي بريلي ، وأردته صريعاً ، والموت يكلف بالكرام ويصطفي الأسياد ، فتألمت القلوب ، وزفرت الأضالع ، وجرى ماؤها من المدامع ، يقولون : إن الكلوم تعفو ، أحقاً يعفو هذا الكلم الجلل ؟
فأسرعت إلى الاتصال بالعزيزين خليل وأمين نجلي المرحوم ، ولكن النكبة شغلتهما عن الاستجابة لي ، وهاتفت صديقي الشيخ محمد عبد الحي الندوي المقيم في قطر ، فإذا الشجى قد غلبه ، واتصل بي صديقنا الوفي محمد يوسف البوفالي ، باثًّا كلانا حزناً لا يوصف ، وهمًّا لا يؤثر .
يا ابن خير أب ! يا أيها الراحل الساكن في قلبي وفي جوارحي ! يا ليتك لم تفارقنا ، ويا ليتك لم تملأ قلوبنا بالمآسي والأحزان ، ويا ليتك لم تشعل لظى الأشواق تكوينا ! هل سنزور لكناؤ فنصبح بلا نور يلاقينا ، وهل ستغدو الرياح من تكية رائي بريلي ، ولا طيب فيها نعانقه ؟ هل أمر بديارك فأسلم عليك ولا تجيبني ؟ أرجوك أن تُسمعني بالصمت رجع جوابك ، وأبلغ به من ناطق غير محاور .
يا أيها الحسيب النسيب ! أيها العالم الألمعي ! والأديب العبقري ! لقد كنتَ خير سند للشيخ بلال في قيادة ندوة العلماء ودارها المباركة ؟ لقد بعثتما روحاً في ذلك المعهد الذي رعاه المونكيري وشبلي وصاحب نزهة الخواطر ، ونمَّاه سليمان ومسعود علي وعبد السلام ، ورقاه أبو الحسن ومحمد ناظم ومسعود عالم ، يا باسق الأفعال ! لقد خلفت أولئك الأعلام ، ولا أرى أناساً عن يميني ولا عن يساري يخلفونك .
يا خليل ويا أمين ويا ذويكما ! لقد أمسيتم ولا أب لكم ، كما صرتم منذ سنين وتوفي جداكم شيخانا محمد واضح رشيد الحسني ومحمد الرابع الحسني ، لقد أقفرت لكم تلك البقعة المباركة التي حل بها آباؤكم الكرام ، فخلفوا سنة للتعليم والتوجيه والإرشاد متصلة عبر الأعصار والدهور ، ألا فاصبروا حاملين لتلك الراية ، ومؤدين تلك الأمانة .
يا جعفر ! يا أحلى الندويين ! لقد كنت زميلاً لي في دروس ندوة العلماء ست سنوات ، وأليفاً لي أثيراً منذ خمس وأربعين سنة ، لقد كنت لي صديقاً وفياً ، أبوح لك بسري ، وتبوح لي بسرك ، نعم الخليل كنت ونعم المؤنس ، سهل الفناء إذا حللتُ ببابك ، طلق اليدين ، لقد أحببتني كأنك لي ذو رحم ، وطيَّب نفسي أني أحببتك حبك إياي ، ولم أقل لك قط : كذبت ، لعمري إني بالخليل الذي له علي دلال واجب لمفجع .
يا أيها الأغر ! أيها الأخ الأمجد ! لقد كنتَ صادق النهض ، زينة مجالسنا ، يغلبك صمت ، وتعلوك ابتسامة ، وقلوبنا صافية ، وكنت رقراقاً نستقي به ، لقد أتانا النواح بلا إذن يواسينا ، أصدقاً يا جعفر أن يعيش أصحابك ولستَ بينهم ، يا خير من يحسن اليوم لك البكاء ، وقد كنت بالأمس للمدح مستحقا والثناء .
عليك سلام الله يا جعفر بن واضح ! ورحمته مخلدين في جنات النعيم .